«ترمب أم هاريس؟»... سؤال التريليون يوان في الصين

الانتخابات الأميركية قد تشكل حزمة التحفيز المالي التي طال انتظارها

جانب من المعروضات في معرض فني بالعاصمة الصينية بكين حول الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)
جانب من المعروضات في معرض فني بالعاصمة الصينية بكين حول الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)
TT

«ترمب أم هاريس؟»... سؤال التريليون يوان في الصين

جانب من المعروضات في معرض فني بالعاصمة الصينية بكين حول الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)
جانب من المعروضات في معرض فني بالعاصمة الصينية بكين حول الانتخابات الأميركية (أ.ف.ب)

يبدو أن تأخير الإعلان عن تفاصيل واسعة النطاق لحزمة التحفيز الصيني التي طال انتظارها، كان أمراً مقصوداً رغم سلبياته التي يتمثل أهمها في التوتر الذي شهدته الأوساط الاقتصادية، والبرودة التي أعقبت حماسة فائقة صاحبت الإعلان الأول عن الأمر خلال الشهر الماضي.

فبالتزامن مع وقائع الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تدور أحداثها اليوم الثلاثاء، تجتمع أعلى هيئة تشريعية في الصين هذا الأسبوع في بكين، وربما تعلن الأخيرة عن تفاصيل حزمة التحفيز مع اتضاح الرؤية حول هوية الرئيس الأميركي المقبل.

وقال محللون إن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية من المتوقع أن تشكل حجم حزمة التحفيز المالي التي طال انتظارها في الصين، حيث من المرجح أن يؤدي فوز الرئيس السابق دونالد ترمب إلى زيادة الإنفاق للتعويض عن تأثير أي تعريفات جمركية محتملة، ما قد يعني نحو تريليون يوان إضافية في حسابات بكين.

وتشير التقديرات إلى أن حجم حزمة التحفيز المالي الصينية سيكون أكبر بنحو 10 إلى 20 في المائة في ظل فوز المرشح الجمهوري ترمب مقارنة بنائبة الرئيس ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

وقال سو يو، كبير الاقتصاديين في وحدة التحليلات الاقتصادية في «إيكونوميست»، إن تحديد موعد اجتماع لمدة خمسة أيام لأعلى هيئة تشريعية في الصين، اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، ليتزامن بشكل وثيق مع الانتخابات الأميركية، يعكس أهمية العوامل الخارجية على السياسات المحلية، مما يسلط الضوء على تأثير الصدمات الخارجية على الاقتصاد والمعنويات، بحسب تقرير لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» الصينية.

وتابع سو أنه «من المرجح أن يحدد المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني حجم التحفيز المالي على أساس نتائج الانتخابات الأميركية. إذا تولى ترمب السلطة، فقد تشير الحكومة إلى تحفيز أكثر عدوانية للتعويض عن مخاوف السوق بشأن الصين».

وتتوقع «إيكونوميست» أن تضخ الصين نحو 6 تريليونات يوان (844 مليار دولار) في سندات سيادية خاصة لمبادلات الديون وإعادة تمويل البنوك الكبيرة، و4 تريليونات يوان في سندات حكومية محلية خاصة لشراء الأراضي الخاملة ومخزون الإسكان غير المبيعة، بهدف تخفيف مشكلات السيولة للمطورين.

وأوضح سو: «إذا تم انتخاب ترمب، فمن المرجح أن يتجاوز التحفيز هذا الحجم، أو سيصدر المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني التزاماً أكثر استباقية».

ومن جانبهم، يتوقع خبراء اقتصاد «نومورا»، لو تينغ ووانغ جينغ وهارينغتون تشانغ، أن تتراوح حزمة التحفيز من 2 إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً على مدى السنوات العديدة المقبلة، مع احتمال أن يدفع فوز ترمب إلى آفاق حول أو أكثر من الـ3 في المائة.

ويقول الخبراء: «نعتقد أن نتائج الانتخابات الأميركية سيكون لها بعض التأثير على حجم حزمة التحفيز في بكين، رغم أن تأثيرها يجب أن يكون محدوداً للغاية، حيث تنبع التحديات الرئيسية لبكين من الداخل وليس من الخارج».

وبدأ المشرعون الصينيون الاجتماع يوم الاثنين في بكين، ومن المتوقع أن تكون حزمة التحفيز المحتملة من بين القضايا الرئيسية التي تمت مناقشتها.

ويتوقع المحللون على نطاق واسع أن يوافق المشرعون على ضخ نحو تريليون يوان في البنوك عبر سندات سيادية خاصة، إلى جانب إصدار سندات حكومية لمبادلات الديون على مدى السنوات القليلة المقبلة، مع نطاق يقدر بين 6 و10 تريليونات يوان.

وخلال حملته الانتخابية، هدد ترمب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية، في حين لم تشر هاريس إلى انحراف عن القيود التكنولوجية التي تم تنفيذها في عهد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.

وظلت الصادرات محركاً حاسماً لثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي لا يزال يعاني من انكماش الطلب المحلي، حيث لا تزال الولايات المتحدة واحدة من أهم الوجهات للشحنات الصينية.

وقال خبراء اقتصاد في بنك الاستثمار «غولدمان ساكس» في نهاية أكتوبر (تشرين الأول): «إذا تحققت التعريفات الجمركية الأعلى، يبدو أن صناع السياسات في الصين على استعداد لإطلاق المزيد من التحفيز للتعويض عن أي تباطؤ في النمو».

وذكر التقرير أن من المتوقع أن «يتحرك ترمب بسرعة لرفع التعريفات الجمركية على الواردات من الصين»، في حين أضاف أن معدل 60 في المائة المقترح كان معقولاً على بعض الواردات الاستراتيجية، وأن التعريفات الجمركية على المنتجات الاستهلاكية الصينية ستزيد بنسبة أقل.

وأضاف التقرير: «قد يؤدي هذا إلى زيادة تعريفة متوسطة على الواردات من الصين بنحو 20 نقطة مئوية، وهي أقل من المقترح ولكنها لا تزال أكثر من ضعف الارتفاع خلال الحرب التجارية 2018 - 2019».

وأشار التقرير إلى انكماش يقدر بنحو 0.65 نقطة مئوية على الناتج المحلي الإجمالي التراكمي للصين بسبب الحرب التجارية وسط انخفاض الصادرات وزيادة عدم اليقين والظروف المالية الأكثر صرامة. وأضاف الخبراء أن التعريفة الجمركية بنسبة 60 في المائة ستؤثر على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 2 نقطة مئوية.

وقال التقرير إن التدابير المضادة الإضافية من بكين قد تشمل السماح لليوان بالانخفاض، وخفض الواردات الأميركية، وفرض تعريفات جمركية انتقامية وتقييد صادرات المواد الحيوية، بما في ذلك المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.

وقال غاري نغ، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار الفرنسي «ناتيكسيس»: «بينما ظلت الصين غامضة بشأن التحفيز المالي الفعلي، أشك في أنها ستزيد الحجم بشكل كبير في هذه المرحلة بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية». وأضاف أن بكين ستواصل دعم الاقتصاد لتحقيق هدف النمو عند «نحو 5 في المائة»، لكن الحزمة ستكون أكثر من مجرد «مسكن للألم».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

الاقتصاد سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيطر الخلاف على اليوم الختامي لـ«كوب 29» حيث عبرت جميع الأطراف عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الوارد في «مسودة اتفاق التمويل».

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أبراج إدارية وخدمية في الضاحية المالية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

حاكم تكساس يأمر الوكالات المحلية ببيع أصولها في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية وكالات الولاية بالتوقف عن الاستثمار في الصين، وبيع أصول هناك في أقرب وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بكين)
الاقتصاد منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

انكمش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ أكثر من عام، كما أثرت الزيادات الضريبية في أول موازنة للحكومة الجديدة على خطط التوظيف والاستثمار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار شركة «غازبروم» الروسية على أحد الحقول في مدينة سوتشي (د.ب.أ)

في أحدث صورها بـ«غازبروم»... العقوبات الأميركية على روسيا تربك حلفاء واشنطن

تسبب إعلان واشنطن عن عقوبات ضد «غازبروم بنك» الروسي في إرباك العديد من الدول الحليفة لواشنطن حول إمدادات الغاز

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد مشاة يعبرون طريقاً في منطقة تجارية وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

اليابان تدرس رفع الحد الأدنى لضريبة الدخل ضمن حزمة التحفيز

قالت الحكومة اليابانية إنها ستدرس رفع الحد الأدنى الأساسي للدخل المعفى من الضرائب

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
TT

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

قبل ساعات قليلة من «الختام المفترض» لمؤتمر «كوب 29» للمناخ في العاصمة الأذرية باكو على بحر قزوين، سيطر الخلاف على المباحثات؛ إذ عبرت جميع الأطراف تقريباً عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الذي قدمته إدارة المؤتمر ظهر يوم الجمعة في «مسودة اتفاق التمويل»، والذي اقترح أن تتولى الدول المتقدمة زمام المبادرة في توفير 250 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمساعدة أكثر الدول فقراً، وهو الاقتراح الذي أثار انتقادات من جميع الأطراف.

وتتولى حكومات العالم الممثلة في القمة في باكو عاصمة أذربيجان، مهمة الاتفاق على خطة تمويل شاملة لمعالجة تغيّر المناخ، لكن المؤتمر الذي استمر أسبوعين تميز بالانقسام بين الحكومات الغنية التي تقاوم الوصول إلى نتيجة مكلفة، والدول النامية التي تدفع من أجل المزيد.

وقال خوان كارلوس مونتيري غوميز، الممثل الخاص لتغيّر المناخ في بنما، والذي وصف المبلغ المقترح بأنه منخفض للغاية: «أنا غاضب للغاية... إنه أمر سخيف، سخيف للغاية!»، وأضاف: «يبدو أن العالم المتقدم يريد أن يحترق الكوكب!».

وفي الوقت نفسه، قال مفاوض أوروبي لـ«رويترز» إن مسودة الاتفاق الجديدة باهظة الثمن ولا تفعل ما يكفي لتوسيع عدد البلدان المساهمة في التمويل. وأضاف المفاوض: «لا أحد يشعر بالارتياح من الرقم؛ لأنه مرتفع ولا يوجد شيء تقريباً بشأن زيادة قاعدة المساهمين».

ومن جانبها، حثت أذربيجان الدول المشاركة على تسوية خلافاتها والتوصل إلى اتفاق مالي يوم الجمعة، مع دخول المفاوضات في المؤتمر ساعاتها الأخيرة. وقالت رئاسة المؤتمر في مذكرة إلى المندوبين صباح الجمعة: «نشجع الأطراف على مواصلة التعاون في مجموعات وعبرها بهدف تقديم مقترحات تقلص الفجوة وتساعدنا على إنهاء عملنا هنا في باكو».

صحافيون ومشاركون يراجعون مسودة الاتفاق الختامي بمقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو ظهر يوم الجمعة (أ.ب)

وحددت المسودة أيضاً هدفاً أوسع لجمع 1.3 تريليون دولار من تمويل المناخ سنوياً بحلول عام 2035، والذي سيشمل التمويل من جميع المصادر العامة والخاصة. وهذا يتماشى مع توصية من خبراء الاقتصاد بأن تتمكن البلدان النامية من الوصول إلى الحصول على تريليون دولار على الأقل سنوياً بحلول نهاية العقد. لكن المفاوضين حذروا من أن سد الفجوة بين تعهدات الحكومة والتعهدات الخاصة قد يكون صعباً.

وكان من المقرر أن تختتم قمة المناخ في مدينة بحر قزوين بحلول نهاية يوم الجمعة، لكن التوقعات كانت تصب في اتجاه التمديد، على غرار مؤتمرات «الأطراف» السابقة التي تشهد جميعها تمديداً في اللحظات الأخيرة من أجل التوصل إلى اتفاقات.

وقال لي شو، مدير مركز المناخ الصيني في «جمعية آسيا»، وهو مراقب مخضرم لمؤتمرات «الأطراف»: «إن إيجاد (نقطة مثالية) في المحادثات قريباً أمر بالغ الأهمية. أي شيء آخر غير ذلك قد يتطلب إعادة جدولة الرحلات الجوية».

وعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى باكو من اجتماع «مجموعة العشرين» في البرازيل يوم الخميس، داعياً إلى بذل جهود كبيرة للتوصل إلى اتفاق، وحذر من أن «الفشل ليس خياراً».

وبدوره، قال دانييل لوند، المفاوض عن فيجي، لـ«رويترز»، إن «الطريق لا يزال طويلاً... إنه رقم (الوارد بالمسودة) منخفض للغاية مقارنة بنطاق الحاجة القائمة وفهم كيفية تطور هذه الاحتياجات».

كما عكس المؤتمر انقسامات كبيرة إزاء قضايا مثل ما إذا كان يجب تقديم الأموال في صورة منح أو قروض، والدرجة التي ينبغي بها حساب أنواع التمويل الخاص المختلفة في تحقيق الهدف السنوي النهائي.

وانتقد المفاوضون والمنظمات غير الحكومية إدارة المؤتمر. وهم يأخذون على الأذربيجانيين الافتقار إلى الخبرة في قيادة مفاوضات بين ما يقرب من 200 دولة. وقال محمد آدو، ممثل شبكة العمل المناخي: «هذا هو أسوأ مؤتمر للأطراف على ما أذكر».

كما شابت المفاوضات حالة من الضبابية بشأن دور الولايات المتحدة، أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، قبل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي لا يؤمن بقضية المناخ، إلى البيت الأبيض.

وقال المبعوث الأميركي جون بوديستا: «نحن، بصراحة، نشعر بقلق عميق إزاء الخلل الصارخ في التوازن» في النص. في حين أعرب المفوض الأوروبي وبكي هوكسترا عن موقف مشابه بقوله إن النص «غير مقبول في صيغته الحالية».

ويكرر الأوروبيون القول إنهم يريدون «الاستمرار في توجيه الدفة»، وهو مصطلح تم اختياره بعناية، كدليل على حسن النية. لكن العجز المالي الذي تعانيه بلدان القارة العجوز يحد من قدراتهم.

وتساءل المفاوض البنمي خوان كارلوس مونتيري غوميز: «نحن نطلب 1 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهل هذا كثير جداً لإنقاذ الأرواح؟». في حين أعربت الوزيرة الكولومبية سوزان محمد عن أسفها، قائلة: «إنهم يدورون في حلقة مفرغة وهم يؤدون ألعابهم الجيوسياسية».

ومن جانبها، دعت الصين، التي تؤدي دوراً رئيساً في إيجاد التوازن بين الغرب والجنوب، «جميع الأطراف إلى إيجاد حل وسط»... لكن بكين وضعت «خطاً أحمر» بقولها إنها لا تريد تقديم أي التزامات مالية. وهي ترفض إعادة التفاوض على قاعدة الأمم المتحدة لعام 1992 التي تنص على أن المسؤولية عن تمويل المناخ تقع على البلدان المتقدمة.