شهدت سوق الذهب تحولاً لافتاً، بعدما تجاوز إجمالي الطلب العالمي على المعدن النفيس حاجز الـ100 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخه. ووفقاً لتقرير اتجاهات الطلب على الذهب للربع الثالث من عام 2024، الصادر عن مجلس الذهب العالمي، ارتفع إجمالي الطلب العالمي بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي، ليصل إلى 1.313 طن، مسجلاً ربعاً قياسياً. هذه الزيادة مدعومة باستثمارات قوية في بيئة أسعار مرتفعة غير مسبوقة.
وارتفع الطلب العالمي على الاستثمار بأكثر من الضعف على أساس سنوي، ليصل إلى 364 طناً، نتيجة تحول الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب بشكل رئيسي من قِبَل المستثمرين الغربيين. وعلى الصعيد العالمي، أضافت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب 95 طناً، مسجلة بذلك أول ربع إيجابي منذ الربع الأول من عام 2022. ورغم انخفاض الطلب على السبائك والعملات المعدنية بنسبة 9 في المائة، فإن إجمالي الطلب حتى الآن من العام لا يزال قوياً عند 853 طناً، مقارنة بمتوسط 774 طناً على مدى السنوات العشر الماضية.
ومع هذا الارتفاع في الطلب، سجلت أسعار الذهب مستويات قياسية؛ إذ بلغ متوسط السعر 2.474 دولار للأونصة، ما أثّر على الطلب العالمي على المجوهرات الذهبية. وانخفض إجمالي استهلاك المجوهرات بنسبة 12 في المائة على أساس سنوي من حيث الحجم، لكنه ارتفع بنسبة 13 في المائة من حيث القيمة، ما يُشير إلى استعداد المستهلكين لإنفاق المزيد على كميات أقل من المنتجات الذهبية.
كما نما إجمالي الطلب على الذهب في قطاع التكنولوجيا بنسبة 7 في المائة على أساس سنوي، مدعوماً بنمو قطاع الإلكترونيات؛ إذ تستمر طفرة الذكاء الاصطناعي في دعم الطلب على المعدن النفيس.
وفي سياق متصل، ارتفع سعر الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، يوم الأربعاء، إذ اندفع المستثمرون نحو المعدن الأصفر بوصفه ملاذاً آمناً قبل أقل من أسبوع على انتخابات الرئاسة الأميركية. وفي الوقت نفسه، ينتظر المتعاملون بيانات اقتصادية لتقييم قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.
وسجّل الذهب في المعاملات الفورية ارتفاعاً بنسبة 0.3 في المائة بحلول الساعة 05:45 (بتوقيت غرينتش)، ليصل إلى 2783.72 دولار للأوقية، بعد أن بلغ 2783.96 دولار، وهو أعلى مستوى له في الجلسة. كما زادت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنسبة 0.5 في المائة، لتصل إلى 2795.60 دولار، وفق «رويترز».
وقال كبير محللي السوق في منطقة آسيا والمحيط الهادي لدى «أواند»، كلفن وونغ: «الذهب مرتبط بشكل كبير بنتيجة الانتخابات الأميركية... في الأمد القريب، سيواجه الذهب مقاومة عند مستوى 2800 دولار، تليها مقاومة عند 2826 دولاراً».
وتدخل الحملة الانتخابية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) مرحلتها النهائية، مع احتدام المنافسة بين المرشحين دونالد ترمب وكامالا هاريس. من جهة أخرى، أسهمت توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية في دفع أسعار الذهب للارتفاع؛ إذ إن الفائدة المنخفضة تقلل من التكلفة البديلة لحيازة الذهب، الذي لا يدر عائداً.
وتشير التوقعات إلى أن صانعي السياسات في البنك المركزي الأميركي سيقررون خفضاً بمقدار ربع نقطة في تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل الأسبوع المقبل؛ إذ أظهر تقرير وزارة العمل الأميركية انخفاض فرص العمل في سبتمبر (أيلول) إلى أدنى مستوى منذ يناير (كانون الثاني) 2021.
وأضاف وونغ: «إذا شهدنا أرقام تضخم مرتفعة أو تقرير وظائف قوياً، فقد نرى تقلبات في أسعار الذهب». ومن المقرر إصدار بيانات مهمة أخرى هذا الأسبوع، بما في ذلك تقرير التوظيف يوم الأربعاء، ونفقات الاستهلاك الشخصي يوم الخميس، وتقرير الرواتب يوم الجمعة.
وفي سياق متصل، خفض بنك «غولدمان ساكس» توقعاته لسعر الذهب من 3080 دولاراً إلى 3000 دولار بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2025، مع الإبقاء على موقفه التصاعدي.
وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، انخفضت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.6 في المائة، لتصل إلى 34.25 دولار للأوقية. كما انخفض البلاديوم بأكثر من 2 في المائة، ليبلغ 1197.75 دولار للأوقية، في حين ارتفع البلاتين بنسبة 0.3 في المائة إلى 1048.85 دولار.
وبالعودة إلى تقرير مجلس الذهب العالمي، فقد تباطأت مشتريات البنوك المركزية في الربع الثالث، ولكن الطلب ظل قوياً عند 186 طناً. وبلغ الطلب من البنوك المركزية حتى الآن 694 طناً، متماشياً مع الفترة نفسها من عام 2022.
في المقابل، ارتفع إجمالي المعروض من الذهب بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي، مع زيادة بنسبة 3 في المائة في إنتاج المناجم، وزيادة بنسبة 11 في المائة في إعادة التدوير.
وقالت كبيرة محللي الأسواق في مجلس الذهب العالمي، لويز ستريت: «شهد الربع الثالث زيادة في الاستثمار ونشاطاً خارج البورصة، ما دعّم الطلب العالمي على الذهب، ودفع أداء الأسعار. وفي حين أدى ارتفاع أسعار الذهب إلى إضعاف الطلب في غالبية أسواق المستهلكين، فإن خفض الرسوم الجمركية على الواردات في الهند أبقى الطلب على المجوهرات والسبائك والعملات المعدنية مرتفعاً بشكل ملحوظ في بيئة تحطيم الرقم القياسي للأسعار».
وخلصت لويز ستريت «إلى أن (الخوف من تفويت الفرصة) بين المستثمرين كان المحرك الرئيسي لزيادة الطلب هذا الربع؛ إذ أعربوا عن رغبتهم في الشراء مع ارتفاع الأسعار، ما يعكس شعورهم بالتفاؤل إزاء احتمالات خفض أسعار الفائدة في المستقبل ودور الذهب بوصفه ملاذاً آمناً، في ظل عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة، وتصاعد الصراعات في الشرق الأوسط».
وأضافت: «بالنظر إلى المستقبل، فإن التغيُّر التدريجي في تدفقات الاستثمار في الذهب يعد اتجاهاً من المرجح استمراره، ما قد يبقي مستويات الطلب والأسعار مرتفعة. ومن جهة أخرى، شهدنا أكثر من 30 ارتفاعاً قياسياً في الأسعار خلال عام 2024، وستظل هذه البيئة تُشكل تحدياً للمستهلكين. ومع ذلك، فإن احتمالات النمو الاقتصادي تظل عاملاً آخر يخضع للمراقبة، وقد يرجح كفة الميزان».