«القائمة الرمادية» تهدد لبنان

مهلة جديدة قصيرة قبل احتمال العزلة المالية والمصرفية

بات الاقتصاد النقدي أساس التعاملات في لبنان (رويترز)
بات الاقتصاد النقدي أساس التعاملات في لبنان (رويترز)
TT

«القائمة الرمادية» تهدد لبنان

بات الاقتصاد النقدي أساس التعاملات في لبنان (رويترز)
بات الاقتصاد النقدي أساس التعاملات في لبنان (رويترز)

تسود أجواء باحتمال تأجيل مجموعة العمل المالي (فاتف) قرارها في شأن لبنان حول إدراجه في «القائمة الرمادية» أم إبقائه قيد المراقبة، حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بدلاً من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ربطاً بتطور الأحداث في لبنان.

وقد يكون أحد أسباب هذا التأجيل، المؤتمر الدولي من أجل دعم سكان لبنان المقرر عقده في العاصمة الفرنسية، في الرابع والعشرين من الشهر الحالي، برئاسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يتزامن مع اجتماعات الجمعية العامة ومجموعات العمل التابعة للمجموعة بين 21 و25 أكتوبر الحالي.

وفيما يتم تداول معلومات حول احتمال إدراج لبنان في «القائمة الرمادية»، أشارت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن نقاشات تجري حالياً خلف الأبواب المغلقة سعياً لعدم توجيه ضربة كبيرة للبنان في الوقت المؤلم الذي يمر فيه، وأن فريقاً داخل المجموعة يفضل إبقاء لبنان قيد المراقبة حالياً كون التصنيف الرمادي سيعطي مساحة إضافية لمن يريد الاصطياد بالماء العكر بسبب تقليص الخدمات التي يمكن أن توفرها المصارف بعد التصنيف.

ومجموعة العمل المالي الحكومية الدولية التي تستهدف مواجهة الأنشطة غير القانونية مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تضم حالياً 40 عضواً (38 دولة ومنظمتين إقليميتين هما مجلس التعاون الخليجي والمفوضية الأوروبية)، لديها قائمتان؛ الأولى «القائمة الرمادية» التي تعني «ولايات قضائية خاضعة للمراقبة المتزايدة»، وتتضمن دولاً لا تتمتع بضوابط كافية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. والثانية «القائمة السوداء» التي تُدرج فيها الدول التي تعاني من أوجه قصور كبيرة وخطيرة في أطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطال دولتي كوريا الشمالية وإيران.

وعندما تضع مجموعة العمل المالي ولاية قضائية تحت مراقبة متزايدة، أو في «القائمة الرمادية»، فهذا يعني أن الدولة ملتزمة بحل أوجه القصور الاستراتيجية المحددة بسرعة في غضون أطر زمنية متفق عليها وتخضع لمراقبة متزايدة.

وحتى يونيو (حزيران) 2024، كانت هناك 21 دولة مدرجة في «القائمة الرمادية»، وهي بلغاريا وبوركينا فاسو والكاميرون وكرواتيا والكونغو وهايتي وكينيا ومالي وموناكو وموزمبيق وناميبيا ونيجيريا والفلبين والسنغال وجنوب أفريقيا وجنوب السودان وسوريا وتنزانيا وفنزويلا وفيتنام واليمن.

يقول أستاذ القانون الدولي الدكتور بول مرقص لـ«الشرق الأوسط»، إن الدول المنضوية في «فاتف» تصنَّف تبعاً لدرجة تعاونها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ووفقاً لأربعين معياراً.

وأشار إلى أن «القائمة الرمادية» تستهدف الدول التي تحتاج إلى مزيد من الجهود، و«لبنان بحاجة إلى تحسين إجراءاته الداخلية لاسيما في الجمارك والقضاء ومكافحة الفساد، وإجراءات المهن غير المالية ككتاب العدل وسواها... إضافة إلى ضبط التعامل النقدي والرجوع إلى النظام المصرفي».

وكان لبنان قد أخفق في إنجاز إصلاحات جوهرية طلبها صندوق النقد الدولي في أبريل (نيسان) عام 2022 كشرط أساسي للتوصل إلى اتفاق معه.

وذكّر مرقص أن لبنان كان مدرجاً على «القائمة السوداء» للدول غير المتعاونة في عام 2000، لكن إصداره قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام 2001 وانضمامه إلى مجموعة «أغمونت» (وهي عبارة عن تجمع دولي تشارك فيه وحدات مكافحة غسل الأموال بدول العالم الأعضاء في المجموعة)، ساهما في شطبه من القائمة في عام 2022.

لقطة جوية للعاصمة بيروت (رويترز)

خيار صعب

ارتفعت احتمالات إدراج لبنان في «القائمة الرمادية» بعد تقرير تقييمي صادر عن مجموعة العمل المالي في ديسمبر (كانون الأول) 2023، سلّط الضوء على كثير من أوجه القصور في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحدث مثلاً عن أنشطة «منظمة شبه عسكرية محلية بارزة»، في إشارة إلى «حزب الله» دون تسميته. وسلّط الضوء كذلك على الفساد الحكومي، والتهرب الضريبي بوصفهما جرائم أساسية رئيسية تولد عائدات إجرامية لغسل الأموال.

وكان من المتوقع أن يتم حسم ملف لبنان في يونيو وسط توقعات واسعة في حينه بإدراجه إلى «القائمة الرمادية». لكن حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، نجح في تأجيل الإدراج بعد اجتماعات مكثفة مع المعنيين الدوليين ساهمت في عدم طرح ملف لبنان في اجتماع يونيو. وتم إمهال لبنان بعض الوقت ليتسنى له اتخاذ إجراءات معينة، التي من أبرزها تخفيف حجم الاقتصاد النقدي أو اقتصاد «الكاش»، الذي يظل مصدر قلق كبيراً بالنسبة لمجموعة العمل المالي، كونه يعقد عملية تتبع الأموال ومكافحة الأنشطة غير المشروعة.

وفي هذا الإطار، قدّر البنك الدولي الاقتصاد النقدي بمبلغ 9.9 مليار دولار أو 45.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، والذي يعكس تحولاً سريعاً نحو المعاملات النقدية بالعملة الصعبة في أعقاب فقدان الثقة بالكامل في القطاع المصرفي المتدهور وفي العملة المحلية.

ومن بين الإجراءات أيضاً، التشدد في إصدار الأحكام القضائية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي والنظام المالي؛ وإعادة تشجيع استعمال وسائل الدفع الإلكترونية؛ وتخفيف استعمال الدفع النقدي في السوق اللبنانية وذلك بالتوافق مع المعايير الدولية. بالإضافة إلى اتخاذ سياسات وإجراءات للحد من مخاطر الجرائم الأكثر خطورة، ومنها الفساد، والاتجار بالمخدرات.

مسؤولية السلطة السياسية

يشرح خبير المخاطر المصرفية والباحث الاقتصادي الدكتور محمد فحيلي لـ«الشرق الأوسط»، أن تصويت «فاتف» على «القائمة الرمادية» أو إبقاء الأمور على حالها ليس بالأمر السهل، لأن المعايير الستة التي صُنّف على أساسها لبنان بأنه متعاون جزئياً لجهة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتطلب إجراءات من السلطة السياسية. وأَضاف أن هناك ارتياحاً مقبولاً لجهة أداء المصارف التجارية التي حافظت على علاقة جيدة مع المصارف المراسلة لجهة المخاطر الائتمانية ومخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومخاطر السمعة، وغيرها.

وأوضح فحيلي أن مجموعة العمل المالي مرتاحة لأداء مصرف لبنان كونه ليس الجهة المسؤولة عن تطبيق القوانين، فيما يحاول قدر المستطاع مراقبة حركة المصارف لجهة التعاطي مع موضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولهذا السبب، أصدر التعميم الأساسي رقم 165 الذي سمح للمصارف بفتح حسابات «فريش» بالدولار وبالليرة اللبنانية، وتأمين بطاقات دفع والعودة إلى وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي. لكن هذا التعميم لم يواكبه أي قانون من جهة السلطة التشريعية التي من شأنها تسهيل هذه الإجراءات. وهو ما عدَّه فحيلي أنه مشكلة أساسية، حيث إن هناك فقداناً تاماً لأي إجراء جدي لجهة تطبيق القوانين، مذكّراً في هذا الإطار بالقانون رقم 44/2015 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الذي واكب تعديل المعايير المعتمدة من مجموعة العمل المالي، وألغى القانون رقم 318/2001 الذي بموجبه أنشئت هيئة التحقيق الخاصة.

وكان القانون رقم 44/2015 قد أضاف على الجرائم التي تقع تحت مظلة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لتصل إلى 21 بعدما كانت في حدود 4.

منظر جوي من نافذة طائرة تابعة لشركة طيران «الشرق الأوسط اللبنانية» يظهر العاصمة بيروت (رويترز)

التداعيات على المصارف

لا شك أن آثاراً كبيرة تترتب على إدراج لبنان على «القائمة الرمادية»، وفق أستاذ القانون الدولي الدكتور بول مرقص. ففي حال تم الإدراج على «القائمة الرمادية»، «يمكن أن تضيق التعاملات المالية أكثر مع لبنان على صعيد تمويل التجارة وفتح الاعتمادات المستندية، كما التحويلات من لبنان وإليه، دون أن يعني ذلك قطعاً للتعاملات، ذلك أن بعض الدول الغربية مدرجة على هذه القائمة رغم أنها في محور التعاملات المالية».

في حين أشار فحيلي إلى أنه في حال إدراج لبنان في «القائمة الرمادية»، فإن المصارف ستواجه صعوبات في التعاطي مع المصارف المراسلة وخصوصاً لجهة التحويلات وتمويل تجارة الاستيراد والتصدير، حيث إن المصرف المراسل سيطلب المزيد من المستندات أو سيكون هناك تأخير في دراسة كل ملف على حدة للسماح بإجراء أي تحويل. إضافة إلى ذلك، ستطلب المصارف المراسلة من المصارف اللبنانية تعزيز الأرصدة لديها لتغطية المخاطر الائتمانية.

وشدد فحيلي في المقابل على أنه لا انقطاع نهائياً للعلاقة بين المصارف اللبنانية ونظيرتها المراسلة رغم زيادة التشدد.

وكان صندوق النقد الدولي ذكر في وقت سابق أن إدراج لبنان على «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي قد يعطل تدفقات رأس المال في أي بلد، مع قطع المصارف للعلاقات مع العملاء في البلدان عالية المخاطر لتقليل تكاليف الامتثال. كما أن مثل هذه القائمة تخاطر بإلحاق الضرر بسمعة لبنان، وتعديلات التصنيف الائتماني، وصعوبة الحصول على التمويل العالمي، وارتفاع تكاليف المعاملات.


مقالات ذات صلة

«مورغان ستانلي»: «المركزي التركي» قد يخفض الفائدة إلى 48 %

الاقتصاد مقر البنك المركزي التركي (رويترز)

«مورغان ستانلي»: «المركزي التركي» قد يخفض الفائدة إلى 48 %

يسود ترقب واسع لقرار البنك المركزي التركي بشأن سعر الفائدة الذي من المقرر أن يعلنه عقب اجتماع لجنته للسياسة النقدية الأخير للعام الحالي يوم الخميس المقبل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد مبنى غرفة المدينة المنورة (الموقع الرسمي)

الأحد... «منتدى المدينة المنورة للاستثمار» ينطلق بفرص تتجاوز 15 مليار دولار

تنطلق، يوم الأحد، أعمال «منتدى المدينة المنورة للاستثمار» (غرب السعودية) بمشاركة 18 متحدثاً وأكثر من 40 جهة تقدم 200 فرصة استثمارية بقيمة تتجاوز 57 مليار ريال.

«الشرق الأوسط» (المدينة المنورة)
الاقتصاد صرَّاف يجري معاملة بالدولار الأميركي والليرة السورية لصالح أحد العملاء في أحد شوارع دمشق (أ.ف.ب)

مستقبل الإيرادات في سوريا… تحديات وفرص أمام الحكومة المؤقتة

تشهد سوريا تحديات واسعة مع الحديث عن مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، حول كيفية تأمين الإيرادات اللازمة للحكومة السورية المؤقتة.

مساعد الزياني (الرياض)
الاقتصاد العلم الوطني يرفرف فوق مقر البنك المركزي الروسي في موسكو (رويترز)

«المركزي الروسي» يفاجئ الأسواق ويثبت أسعار الفائدة

أبقى البنك المركزي الروسي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 21 في المائة، يوم الجمعة، مما فاجأ السوق التي كانت تتوقّع زيادة تبلغ نقطتين مئويتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد ناقلة نفطية راسية في ميناء روستوك الألماني (رويترز)

مخاوف الطلب وقوة الدولار يدفعان النفط لتراجع أسبوعي 3 %

انخفضت أسعار النفط، الجمعة، وسط مخاوف بشأن نمو الطلب خلال 2025، خصوصاً في الصين، أكبر مستورد للخام

«الشرق الأوسط» (لندن)

عام حاسم لباول: هل سيتمكن من تحقيق الهبوط الناعم قبل نهاية ولايته؟

جيروم باول رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن 18 ديسمبر 2024 (وكالة حماية البيئة)
جيروم باول رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن 18 ديسمبر 2024 (وكالة حماية البيئة)
TT

عام حاسم لباول: هل سيتمكن من تحقيق الهبوط الناعم قبل نهاية ولايته؟

جيروم باول رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن 18 ديسمبر 2024 (وكالة حماية البيئة)
جيروم باول رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن 18 ديسمبر 2024 (وكالة حماية البيئة)

من المرجح أن يكون العام المقبل آخر عام كامل لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في منصبه على رأس البنك المركزي الأميركي، حيث من المقرر أن تنتهي ولايته في مايو (أيار) 2026. وعليه، تتوجه الأنظار نحو تقييم إرثه والآفاق المستقبلية للبنك المركزي، بعد أن شكّلت فترة رئاسته مرحلة حرجة في تاريخ السياسة النقدية الأميركية، إذ واجه خلالها تحديات اقتصادية عالمية وتحولات غير مسبوقة في الأسواق المالية.

وفيما يلي قائمة بأولوياته وطموحاته لإنهاء فترة قيادته بشكل إيجابي، وتقديم إرث يدوم في تاريخ «الاحتياطي الفيدرالي»، وفقاً لما أوردته «رويترز».

إشارة «توقف» واضحة

تتمثل المهمة الرئيسية لباول في «إتمام الهبوط الناعم» مع وصول التضخم إلى 2 في المائة والعمالة كاملة، في بيئة اقتصادية قد تكون أكثر تعقيداً بسبب السياسات الضريبية والجمركية والهجرة التي قد تجعل من الصعب فهم المشهد الاقتصادي، وفقاً لما صرح به دونالد كون، نائب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» السابق، الذي يعمل الآن زميلاً كبيراً في مؤسسة «بروكينغز».

وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت إلى باول بسبب تأخر رفع أسعار الفائدة في بداية تسارع التضخم في عام 2021، فإن الزيادات السريعة التي تم تنفيذها في أسعار الفائدة، والعودة التدريجية للاقتصاد العالمي إلى وضعه الطبيعي بعد جائحة كوفيد-19، قد جعلت التضخم قريباً من هدف البنك المركزي البالغ 2 في المائة. لكن المهمة لم تكتمل بعد. على مدار العام المقبل، سيضطر باول إلى توجيه النقاش بين صانعي السياسة بشأن متى يجب التوقف عن خفض أسعار الفائدة دون المبالغة في ذلك، مما قد يؤدي إلى انتعاش التضخم، أو التباطؤ بشكل مفرط مما يتسبب في تدهور سوق العمل، مع الأخذ في الاعتبار السياسات الاقتصادية التي قد تنفذها إدارة ترمب الجديدة.

بيئة مالية مستقرة

وَعَدَ الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، بإجراء تغييرات واسعة في السياسات الضريبية والتجارية والهجرة والتنظيمية التي قد تجعل مهمة «الاحتياطي الفيدرالي» في الحفاظ على الأسعار المستقرة وتحقيق التوظيف الكامل أكثر صعوبة. ومع احتمالية تشغيل الاقتصاد عند أو فوق إمكاناته، قد تؤدي الضرائب المنخفضة أو التنظيمات الأكثر تساهلاً إلى زيادة التضخم عن طريق تعزيز الطلب والنمو بشكل أكبر؛ بينما قد تؤدي عمليات الترحيل الواسعة للمهاجرين إلى تقليص العرض العمالي مما يضع ضغوطاً على الأجور والأسعار؛ كما يمكن أن ترفع التعريفات الجمركية من تكلفة السلع المستوردة.

لكن الآثار لن تكون أحادية الاتجاه، فأسعار الاستيراد المرتفعة قد تضعف الطلب أو تحول المستهلكين إلى البدائل المحلية، على سبيل المثال، مما يفرض على «الاحتياطي الفيدرالي» بذل جهد لفهم التأثير الكامل للسياسات التي قد يستغرق تنفيذها وقتاً طويلاً، وقد يكون تحديد كيفية تأثير ذلك على القضايا التي تهم «الاحتياطي الفيدرالي»، مثل التضخم ومعدل البطالة، أحد التحديات الرئيسية لباول في المرحلة الأخيرة من قيادته للبنك المركزي.

نهاية هادئة للتشديد الكمي

شهدت حيازة «الاحتياطي الفيدرالي» للسندات الأميركية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري انفجاراً خلال جائحة كوفيد-19 في إطار جهوده للحفاظ على استقرار الأسواق ودعم التعافي الاقتصادي. الآن، يقوم البنك المركزي بتقليص ميزانيته العمومية مع انتهاء صلاحية الأوراق المالية المستحقة، وهي عملية تعرف بالتشديد الكمي.

وهناك حد لما يمكن أن تصل إليه الميزانية العمومية قبل أن تترك النظام المالي دون احتياطيات كافية. وبشكل عام، يرغب باول وزملاؤه في أن تستمر فترة الارتفاع لأطول فترة ممكنة، ولكنهم يريدون أيضاً تجنب تعطيل أسواق التمويل بين عشية وضحاها كما حدث في عام 2019.

كما أن العثور على نقطة التوقف الصحيحة وتحديد كيفية إدارة الميزانية العمومية في المستقبل هو جزء من العمل غير المكتمل من عملية الإنقاذ المالي المرتبطة بالوباء، التي يحتاج باول إلى إتمامها لإعادة السياسة النقدية إلى «طبيعتها».

إطار عمل أقوى

جزء من إرث باول سيكون مرتبطاً بالتغييرات في استراتيجية السياسة النقدية التي ناقشها «الاحتياطي الفيدرالي» في عام 2019، ووافق عليها في عام 2020، عندما كان تركيز البنك المركزي مُنصبّاً على معالجة البطالة الضخمة التي نشأت بسبب الجائحة. ومع عقد من التضخم المنخفض كخلفية، اعتمدوا إطار عمل جديداً يضع وزناً أكبر على تعافي سوق العمل، ووعد باستخدام فترات التضخم المرتفع لتعويض الأخطاء السابقة في استهداف التضخم.

لكن هذا النهج أصبح سريعاً غير متوافق مع اقتصاد تعافى فيه سوق العمل بسرعة، وفي عام 2021 بدأت تظهر علامات على تصاعد التضخم.

واعترف باول بأن التغييرات التي أشرف عليها في 2020 كانت مركزة على مجموعة من الظروف التي من المحتمل أن تكون فريدة، وسوف يتم مراجعتها هذا العام لتحديد ما إذا كان يجب تعديل الإطار مرة أخرى.

وتكمن أحد التحديات في كيف يمكن التأكد من أن الإرشادات التشغيلية تتجنب الالتزام المفرط بأي من ولايتين لـ«الاحتياطي الفيدرالي». وقال إد الحسيني، الاستراتيجي الكبير في الأسواق العالمية في «كولومبيا ثريدنيدل»: «إذا خرج (الاحتياطي الفيدرالي) من هذه الحلقة مع تركيز أقل على التوظيف مقارنة بالتضخم، فإننا نعرض أنفسنا للعودة إلى بيئة حيث يتجاوز التضخم الهدف، وتستغرق تعافي الوظائف من الركود وقتاً أطول من اللازم».

تجنب حرب تنظيمية

بالإضافة إلى السياسة المالية، قد تحاول إدارة ترمب إجراء إصلاحات في كيفية تنظيم البنوك، وهي منطقة يتولى فيها «الاحتياطي الفيدرالي» مسؤولية مباشرة بوصفه جهة إشرافية، بالإضافة إلى اهتمامات أوسع تتعلق بالاستقرار المالي والسياسة النقدية مثل «المقرض الأخير» للمؤسسات المالية التي تتمتع بالجدارة الائتمانية ولكنها تواجه ضغوطاً في الأسواق.

وركز باول الكثير من وقته بصفته رئيساً لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في بناء علاقات مع أعضاء الكونغرس، وهذه الروابط قد تكون مهمة مع مناقشة المشرعين للتغييرات المحتملة في لوائح البنوك والهيكل الإشرافي الذي يُنفذ هذه التغييرات.

وقال ديفيد بيكويرث، زميل أبحاث أول في مركز مرشاتوس بجامعة «جورج ميسون»: «أعتقد أنه ستكون هناك بعض المحاولات الكبيرة من إدارة ترمب لتغيير كيفية تنفيذ الحكومة الفيدرالية للسياسة المالية»، وأضاف: «قد تكون هناك أيضاً دعوات لإصلاح (الاحتياطي الفيدرالي) بشكل عام. آمل أن يضع باول (الاحتياطي الفيدرالي) في أفضل وضع ممكن للتعامل مع التغيير الكبير المحتمل».