فرنسا تواجه عجزاً تاريخياً وموازنتها التقشفية تُثير الغضب

حكومة بارنييه تكشف عن ضرائب مرتفعة وتخفيضات إنفاقية

متظاهر يحمل علم فرنسا بعد النتائج الجزئية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المبكرة في باريس (رويترز)
متظاهر يحمل علم فرنسا بعد النتائج الجزئية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المبكرة في باريس (رويترز)
TT

فرنسا تواجه عجزاً تاريخياً وموازنتها التقشفية تُثير الغضب

متظاهر يحمل علم فرنسا بعد النتائج الجزئية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المبكرة في باريس (رويترز)
متظاهر يحمل علم فرنسا بعد النتائج الجزئية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المبكرة في باريس (رويترز)

كشفت الحكومة الفرنسية الجديدة عن مشروع موازنة تقشفية لعام 2025، تتضمن خططاً لزيادات ضريبية كبيرة وتخفيضات في الإنفاق تهدف إلى معالجة العجز الضخم في البلاد.

ووصف رئيس الوزراء ميشال بارنييه، المحافظ، الثغرة الهائلة في المالية العامة بأنها «سيف داموكليس» الذي يمكن أن يدفع ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو «إلى حافة الهاوية»، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

ومع ذلك، أثارت خطط الموازنة غضب الكثيرين في البلاد ومن المتوقع أن يتم مناقشتها بشدة في البرلمان في الأسابيع المقبلة، مع تعليق بقاء حكومته على المحك.

كيف انتهى الأمر بفرنسا إلى عجز كبير؟

تتمتع فرنسا بمستوى مرتفع من الإنفاق العام مدفوعاً ببرامج الرعاية الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم السخية - وعبء ضريبي ثقيل يقل عن تغطية التكاليف. على مدى أكثر من عقدين، كافحت البلاد للحفاظ على عجزها دون هدف الاتحاد الأوروبي البالغ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ازدادت ديون فرنسا بشكل كبير بسبب التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد-19. وطبق الرئيس إيمانويل ماكرون استراتيجية «مهما كانت التكلفة» قائمة على تدخل الدولة لإنقاذ الوظائف والشركات، بما في ذلك برنامج البطالة الجزئية الضخم وإجازة رعاية الأطفال المدعومة.

وفي أعقاب أزمة الفيروس، تعهدت الحكومة السابقة لماكرون بإعادة المالية العامة للبلاد إلى مسارها الصحيح. لكن تجاوزات الموازنة والإيرادات الضريبية الأقل من المتوقع حفرتا حفرة أكبر. ومن المتوقع أن يصل عجز الموازنة هذا العام إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعهد بارنييه، الذي تم تعيينه في سبتمبر (أيلول) بعد انتخابات تشريعية مفاجئة، بخفضه إلى 5 في المائة في العام المقبل.

لماذا يهم هذا الأمر؟

تواجه فرنسا ضغطاً من الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لخفض ديونها. وقد وضعتها الهيئة في وقت سابق من هذا العام تحت إجراء رسمي بشأن الدول التي تعاني من ديون مفرطة، وهي الخطوة الأولى في عملية طويلة قبل أن يتم احتواء الدول الأعضاء ودفعها لاتخاذ إجراءات تصحيحية.

وقرر بارنييه تأجيل الموعد المستهدف لتحقيق هدف العجز البالغ 3 في المائة في منطقة اليورو من عام 2027 إلى عام 2029.

كما يؤثر الوضع على مصداقية فرنسا في الأسواق المالية، مما يجعل تكاليف اقتراضها ترتفع.

وقال محافظ «بنك فرنسا» فرنسوا فيلروي دي غالهاو لإذاعة «فرنس إنفو»: «فرنسا في وضع عائلة تعيش فوق إمكاناتها. لذلك يجب عليها تقليل نفقاتها وزيادة دخلها قليلاً. أولاً، نحتاج إلى التحكم في إنفاقنا، لأنه عند مقارنة فرنسا بجيراننا الأوروبيين، لدينا نفس النموذج الاجتماعي، ونفس نموذج الخدمة العامة، لكنها تكلفنا الكثير أكثر».

وأضاف: «نحتاج إلى جهد من الجميع تقريباً».

ما الدواء المقترح من بارنييه؟

كشفت حكومة بارنييه عن خطط لتقليص الموازنة بمقدار 60 مليار يورو (65 مليار دولار) العام المقبل. وهذا يتضمن زيادة الضرائب - وهي خطوة محفوفة بالمخاطر في بلد معروف بالفعل بعبء الضرائب الثقيل.

تشمل الخطط إنشاء ضرائب جديدة - مقدمة على أنها مؤقتة - على حوالي 24 ألف أسرة من الأثرياء وعلى الأرباح داخل فرنسا لمئات الشركات الكبرى.

كما يهدف مشروع القانون إلى زيادة الضرائب على الكهرباء والسفر الجوي والسيارات الملوِّثة.

كما تسعى الحكومة إلى تقليص الإنفاق، بما في ذلك تجميد المعاشات التقاعدية الحكومية لمدة ستة أشهر العام المقبل وتقليل الدعم للتدريب المهني والعقود المدعومة.

كما يواجه برنامج الضمان الاجتماعي الفرنسي السخي تخفيضات في الإنفاق، من خلال تدابير مثل خفض المبالغ المستردة للتكاليف الطبية وإجازة المرض.

ومن المتوقع أن يتم الحفاظ على موازنة الدفاع، التي تلقت دفعة كبيرة بعد الحرب في أوكرانيا.

من سيتأثر أكثر من خلال التخفيضات المقترحة؟

ينتقد النواب اليساريون المعارضون والنقابات العمالية «موازنة التقشف» باعتبارها غير عادلة، قائلين إنها يمكن أن تؤثر بشكل عميق على ملايين الأسر ذات الدخل المنخفض، والتلامذة، والمتقاعدين، والشركات الصغيرة.

وقال النائب اليساري المتشدد إريك كوكييريل، رئيس لجنة المالية في الجمعية الوطنية: «التخفيضات في الإنفاق العام والشبكة الاجتماعية لها تأثير أكبر على حياة الطبقات العاملة والمتوسطة».

وقالت نقابة «سي جي تي» العمالية اليسارية المتشددة: «يتم مطالبة الموظفين والمتقاعدين مرة أخرى بدفع الفاتورة».

كما انتقدت نقابة «سي إف دي تي»، وهي نقابة يسارية أكثر اعتدالاً، خطط بارنييه، محذرة من «تدهور كبير في الخدمات العامة مثل التعليم، وإضعاف نظام الرعاية الصحية لدينا بشكل أكبر».

وحذرت أيضاً نقابات أرباب العمل من التأثير المحتمل لزيادات الضرائب على الشركات، بما في ذلك فقدان الوظائف المحتمل. وقال اتحاد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (سي بي إم إي) إن خطط الحكومة «ستؤدي إلى ارتفاع حاد في تكاليف الشركات».

قضية حاسمة للحكومة؟

سيتم مناقشة معركة الموازنة بشراسة في مجلس النواب، حيث يفتقر الائتلاف الحاكم إلى الأغلبية.

وتنقسم الجمعية الوطنية الفرنسية إلى ثلاث كتل رئيسية: الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وحلفاء ماكرون الوسطيين الذين عقدوا اتفاقاً مع المحافظين ليكونوا قادرين على الحكم.

وأثار نهج بارنييه في الموازنة غضب الكثيرين، بما في ذلك الوسطيون داخل ائتلافه الذي يرى أن خفض الضرائب هو شرط أساسي للحفاظ على تنافسية فرنسا في العالم.

وسعى نواب المعارضة اليسارية إلى تعديل مشروع القانون لاحقاً، بينما انتقد البعض في اليمين المتطرف خططاً للحصول على تنازلات كبيرة من الطبقات الدنيا والمتوسطة.

ومع تعليق بقائها على المحك، قد تضطر الحكومة إلى التراجع عن بعض التدابير المخطط لها لأن فقدان تصويت على الموازنة سيؤدي إلى أزمة سياسية عميقة.

ويضطر بارنييه إلى الاعتماد على حسن نية اليمين المتطرف لتجنب الإطاحة به من خلال تصويت عدم الثقة.

ومن الخيارات الأخرى المتاحة للحكومة استخدام سلطة دستورية خاصة لإقرار الموازنة دون تصويت، لكن هذا يمكن أن يؤدي أيضاً إلى اقتراح عدم الثقة، مع نتيجة غير مؤكدة.

ويجب أن يتم إقرار مشروع قانون الموازنة بحلول نهاية العام.

وقالت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الأسبوع الماضي، إن «التشرذم السياسي والحكومة الأقلية تُعقد قدرة فرنسا على تنفيذ سياسات التقشف المالي المستدامة»، حيث خفضت توقعات فرنسا من «مستقرة» إلى «سلبية».


مقالات ذات صلة

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

الاقتصاد منظر جوي لناطحة سحاب «شارد» في لندن مع الحي المالي «كناري وارف» (رويترز)

انكماش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ عام 2023

انكمش إنتاج الشركات البريطانية لأول مرة منذ أكثر من عام، كما أثرت الزيادات الضريبية في أول موازنة للحكومة الجديدة على خطط التوظيف والاستثمار.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متسوقون يمشون في شارع أكسفورد في لندن (رويترز)

تراجع مبيعات التجزئة البريطانية أكثر من المتوقع قبيل موازنة ستارمر

تراجعت مبيعات التجزئة البريطانية بشكل أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية التي أضافت إلى مؤشرات أخرى على فقدان الزخم الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد منظر عام لأفق مدينة عمان (رويترز)

الأردن يقر موازنة 2025 ويخفض العجز الأولي إلى 2%

أقر مجلس الوزراء الأردني مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2025، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الأمة خلال الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (عمان)

مصر: شركة بولندية لإنشاء مصنع أمونيا خضراء باستثمارات 1.6 مليار دولار

رئيس هيئة الاستثمار المصرية يلتقي رئيس الشركة البولندية والوفد المرافق له في القاهرة (هيئة الاستثمار المصرية)
رئيس هيئة الاستثمار المصرية يلتقي رئيس الشركة البولندية والوفد المرافق له في القاهرة (هيئة الاستثمار المصرية)
TT

مصر: شركة بولندية لإنشاء مصنع أمونيا خضراء باستثمارات 1.6 مليار دولار

رئيس هيئة الاستثمار المصرية يلتقي رئيس الشركة البولندية والوفد المرافق له في القاهرة (هيئة الاستثمار المصرية)
رئيس هيئة الاستثمار المصرية يلتقي رئيس الشركة البولندية والوفد المرافق له في القاهرة (هيئة الاستثمار المصرية)

أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «هينفرا» البولندية، توموهو أوميدا، أن شركته تخطط لإنشاء 5 مصانع لإمداد منطقتَي شرق ووسط أوروبا باحتياجاتهما من الأمونيا الخضراء، وقد وقع اختيار الشركة على مصر لتستقبل أحد المصانع بطاقة إنتاجية مبدئية 100 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنوياً.

وأوضح أوميدا، خلال لقائه الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حسام هيبة، في القاهرة، أن الإنتاج من المقرر أن يبدأ «بعد الانتهاء من تشييد المرحلة الأولى للمصنع بحلول عام 2030، مع الوضع في الاعتبار إمكانية زيادة الإنتاج لتصل إلى إجمالي نحو مليون طن سنوياً من الأمونيا الخضراء».

وتسعى الشركة إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي للماء، ثم إنتاج الأمونيا الخضراء من خلال تفاعل الهيدروجين الأخضر والنيتروجين عند درجات حرارة مرتفعة، وتتم كل هذه العمليات بواسطة مصادر الطاقة المتجددة.

ووفق بيان صحافي صادر عن هيئة الاستثمار، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، فإن رئيس الشركة البولندية، أوضح أنها «ستعتمد على مصادر الطاقة المتجددة المتاحة في مصر من طاقة شمسية وطاقة رياح لتوفير احتياجات مصنعها ليكون إنتاج الأمونيا الخضراء معتمداً بالكامل على الطاقة النظيفة، على أن يكون الحد الأدنى للقدرات الإنتاجية اليومية لمحطات توليد الطاقة التي ستنشئها الشركة كافياً لتوفير احتياجاتها لإنتاج الأمونيا الخضراء».

وأضاف أن هذا «يعني أن الشركة ستمد الشبكة القومية لكهرباء مصر بفائض إنتاجها من الكهرباء في معظم أيام العام، لدعم جهود الحكومة المصرية في زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة»، مشيراً إلى أن الشركة ستنقل خبراتها التقنية إلى السوق المصرية في قطاعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وإنشاء أنظمة تخزين الطاقة المتجددة وتقنيات التحليل الكهربائي وتحلية المياه.

وعن حجم الاستثمارات، أعلن حسين الغزاوي الشريك التنفيذي للشركة في مصر، أن «الاستثمارات المبدئية لهذا المشروع ستكون 1.6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تصل إلى 10.6 مليار دولار مع رفع الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنوياً من الأمونيا الخضراء، على أن تجري إتاحة كامل إنتاج الشركة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي الذي يرتبط مع الشركة باتفاقيات تصدير لسنوات كثيرة».

من جانبه قال حسام هيبة إن مصر تولي اهتماماً خاصاً لقطاعي الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، حيث جرى إصدار قانون حوافز مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، وإنشاء المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر، كما مُنحت الرخصة الذهبية لعدد من مشروعات الهيدروجين والأمونيا الخضراء، وهي رخصة جامعة لكل التصاريح اللازمة لإنشاء المشروعات.

وأشار إلى أن مؤتمر الاستثمار المصري - الأوروبي الذي نظمته الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة منتصف العام الحالي شهد توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع الحكومات والشركات الأوروبية بقيمة تتجاوز 67 مليار يورو، جميعها تتفق مع خطة التنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، وكثير منها يرتبط بإنتاج الطاقة المتجددة وتصديرها إلى السوق الأوروبية.

وأوضح هيبة أن الاتحاد الأوروبي يستهدف استيراد 6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، و4 ملايين طن من الأمونيا الخضراء بحلول عام 2030، وينسق الجانبان المصري والأوروبي من أجل استحواذ مصر على حصة كبيرة من واردات الاتحاد الأوروبي في هذا القطاع في إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين.