أسعار النفط مستقرة... وصراع الشرق الأوسط يحد من توقعات وفرة المعروض

مضخة رفع تقوم بحفر النفط الخام من حقل ييتس النفطي في حوض بيرميان غرب تكساس (رويترز)
مضخة رفع تقوم بحفر النفط الخام من حقل ييتس النفطي في حوض بيرميان غرب تكساس (رويترز)
TT

أسعار النفط مستقرة... وصراع الشرق الأوسط يحد من توقعات وفرة المعروض

مضخة رفع تقوم بحفر النفط الخام من حقل ييتس النفطي في حوض بيرميان غرب تكساس (رويترز)
مضخة رفع تقوم بحفر النفط الخام من حقل ييتس النفطي في حوض بيرميان غرب تكساس (رويترز)

انخفضت أسعار النفط، يوم الجمعة، لكنها ظلت على مسارها لتحقيق مكاسب أسبوعية قوية، حيث يزن المستثمرون احتمالات تعطل تدفقات الخام؛ بسبب صراع أوسع في الشرق الأوسط، في مقابل سوق عالمية جيدة الإمدادات.

واستقرّت العقود الآجلة لخام برنت عند 77.55 دولار للبرميل، اعتباراً من الساعة 06:46 بتوقيت غرينتش. ولم يطرأ تغيير يذكر على العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي عند 73.65 دولار للبرميل. ويتجه كلا الخامَين القياسيَّين إلى تحقيق مكاسب أسبوعية بنحو 8 في المائة.

وقال ييب جون رونغ، استراتيجي السوق في «آي جي»، إن الرهانات الهبوطية على النفط وجدت بعض المجال للتراجع هذا الأسبوع وسط مخاوف متزايدة بشأن اضطرابات الإمدادات المحتملة في الشرق الأوسط، إلى جانب التفاؤل بأن جهود التحفيز الاقتصادي الأخيرة في الصين قد تقدم بعض الارتفاع في الطلب.

وأضاف ييب: «السؤال الآن هو ما إذا كان هناك تعطل فعلي في إمدادات الخام، وهذا من شأنه أن يبقي الأسعار في لعبة انتظار خلال عطلة نهاية الأسبوع».

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الخميس، إن الولايات المتحدة تناقش ما إذا كانت ستدعم الضربات الإسرائيلية على منشآت النفط الإيرانية رداً على هجوم طهران الصاروخي على إسرائيل، بينما ضرب الجيش الإسرائيلي بيروت بضربات جوية جديدة في معركته ضد «حزب الله».

وأسهمت تعليقات بايدن في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 5 في المائة يوم الخميس، حيث تزن إسرائيل خياراتها بعد أن شنّت عدوتها اللدودة إيران أكبر هجوم لها على الإطلاق يوم الثلاثاء.

وقال محللون في «إي إن زد» في مذكرة: «عادت مخاطر العرض إلى التركيز مع ارتفاع التوتر في الشرق الأوسط، لكننا نتوقع أن يكون التأثير محدوداً».

وأوضح المحللون أنه في حين تمثل المنطقة أكثر من ثلث إمدادات النفط العالمية، فإن الهجوم المباشر على منشآت النفط الإيرانية يبدو أقل استجابة محتملة بين خيارات إسرائيل.

أضافوا: «مثل هذه الخطوة من شأنها أن تزعج شركاءها الدوليين، في حين أن تعطيل عائدات النفط الإيراني من المرجح أن يتركها مع قليل لتخسره، مما قد يؤدي إلى رد فعل أكثر شراسة».

كما خفتت المخاوف بشأن إمدادات النفط التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع في وقت سابق من الأسبوع؛ بسبب الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لمنظمة «أوبك» وحقيقة أن إمدادات الخام العالمية لم تتعطل بعد بسبب الاضطرابات في الشرق الأوسط.

وأعلنت الحكومة الليبية المتمركزة في الشرق، والمؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس، يوم الخميس، إعادة فتح جميع حقول النفط ومحطات التصدير بعد حل نزاع حول قيادة البنك المركزي؛ مما أنهى أزمة أدت إلى خفض إنتاج النفط بشكل كبير.

مع الإشارة إلى أن إيران وليبيا عضوان في «أوبك». وأنتجت إيران، التي تعمل بموجب العقوبات الأميركية، نحو 4 ملايين برميل يومياً من الوقود في عام 2023، بينما أنتجت ليبيا نحو 1.3 مليون برميل يومياً العام الماضي، وفقاً لبيانات من إدارة معلومات الطاقة الأميركية.



التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)
TT

التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)

قد يكون التذبذب السريع في معدلات التضخم دون تأثيرات مماثلة على الناتج الاقتصادي سمة بارزة لعالم ما بعد جائحة كوفيد-19، حيث تسعى سلاسل الإمداد الهشة لتلبية احتياجات الأسواق، ما قد يستدعي اعتماد سياسات مصرفية مركزية أكثر قوة ونشاطاً، وربما في كلا الاتجاهين.

لقد جاءت سرعة الارتفاع العالمي في معدلات التضخم بعد صدمتي جائحة كوفيد-19 وغزو أوكرانيا متساوية تقريباً مع الانخفاض الذي تلا ذلك. نتيجة لذلك، تسعى المصارف المركزية حالياً بسرعة إلى عكس سياسة رفع أسعار الفائدة الحادة التي اتبعتها لاحتواء الأسعار خلال عامي 2022 و2023، وفق «رويترز».

النتيجة المثيرة للاهتمام رغم هذه التقلبات هي إمكانية تحقيق «هبوط ناعم» للاقتصادات دون حدوث انكماش كبير في الناتج الإجمالي. والسؤال الجوهري لصانعي السياسات والشركات والأسواق المالية هو ما إذا كان هناك عودة إلى نقطة البداية مع تفادي أزمة نادرة.

وفي محاولة لفهم دروس هذه المرحلة، أعاد بنك التسويات الدولية (الذي يُطلق عليه غالباً بنك المصارف المركزية) رسم صورة لعالم قد تتكرر فيه صدمات العرض، ويكون التضخم فيه أكثر توتراً. ولكن في خطاب ألقته هذا الأسبوع في لندن، قدمت أندريا ميتشل، نائبة المدير العام لبنك التسويات الدولية، رؤية أكثر عمقاً تشير إلى أن المصارف المركزية لم يعد بإمكانها «تجاهل» الصدمات العرضية كعوامل تضخم مؤقتة كما كانت تفعل قبل الجائحة.

وركزت ميتشل على منحدرات العرض الأكثر انحداراً و«منحنى فيليبس» الأكثر حدة، الذي يرسم العلاقة بين البطالة والأجور، أو بشكل أوسع بين الناتج والأسعار. جوهر حجتها هو أن هذه المنحنيات الحادة تعني تحركات أكبر في الأسعار نتيجة أي تغيير بسيط في الناتج، وهو ما تجلى بوضوح عندما أدى نقص العمالة بعد الجائحة إلى زيادات كبيرة في الأجور بالشركات التي أرادت تسريع أنشطتها.

كما أن اضطرابات الإمدادات الخارجية، مثل صدمة أسعار الطاقة بعد غزو أوكرانيا، أدت إلى تأثيرات أكبر وأسرع على الأسعار العامة مقارنة بالصدمات القطاعية والسلعية السابقة. والسبب في ذلك هو أن التضخم كان بالفعل أعلى من مستويات الاستهداف للمصارف المركزية عندما وقعت تلك الصدمات.

توخي الحذر

اختتمت ميتشل بالقول إنه «يجب على المصارف المركزية توخي الحذر عند تقييم مدى قدرتها على تجاهل الصدمات العرضية». ويجب أن يؤثر هذا على استراتيجياتها نظراً لأن تلك الصدمات أصبحت أكثر تكراراً في عالم يتسم بتقليص العولمة، وتوترات جيوسياسية، وانخفاض القوى العاملة، وديون عامة مرتفعة، وتغيرات مناخية، وانتقال إلى الطاقة الخضراء.

ومن المحتمل أن يتطلب الأمر اتخاذ سياسات أكثر «قوة» ونشاطاً، بغض النظر عن تأثيرها على الطلب الأساسي، لضمان ألا تؤدي تقلبات التضخم على المدى القصير إلى زعزعة توقعات التضخم على المدى الطويل، والحفاظ على الثقة في استهداف نسبة 2 في المائة.

ومع ذلك، فإن ما قد يكون الأكثر إثارة هو القول بأن منحنيات العرض الحادة قد تعني أيضاً أن الأجور والأسعار قد تعود إلى المستويات المستهدفة بسرعة أكبر، مع تأثيرات طفيفة فقط على الناتج من أسعار الفائدة المرتفعة.

وأشارت ميتشل إلى أن «رفع أسعار الفائدة استجابةً للصدمات العرضية قد يكون له تأثير محدود على النشاط إذا كانت (منحنيات فيليبس) حادة». وأضافت: «حينها، قد يكون إبطاء الاقتصاد للحد من التضخم أقل تكلفة من حيث الناتج».

وأضافت: «قد يكون التوقع الحالي بالهبوط السلس جزئياً مفسراً بحقيقة أن الاقتصاد - وخاصة أسواق العمل - في حالة تجعل (منحنيات فيليبس) أكثر حدة مما كانت عليه في العقود التي سبقت الجائحة».

التضخم المنخفض

أما كيف يمكن أن ينطبق كل ذلك على الوضع الحالي، فهو ليس واضحاً تماماً، رغم أن موضوع الإمدادات المستمرة لا يزال حاضراً في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.

لكن ربما يشير ذلك أيضاً إلى أن التطورات المرتبطة بالإمدادات التي قد تؤدي إلى انخفاض مفاجئ في التضخم تهدد الاستقرار السعري من الجانب الآخر، وينبغي أن تُعالج بالقوة نفسها من قبل المصارف المركزية.

ففي هذا الأسبوع فقط، أوضح صانع السياسات في المركزي الأوروبي ماريو سينتينو هذه النقطة بوضوح، مشيراً إلى أن المصرف الأوروبي في طريقه لتسريع تخفيف السياسة النقدية. وقال: «نواجه الآن خطراً جديداً: انخفاض التضخم عن المستوى المستهدف، مما قد يعيق النمو الاقتصادي».

وفي مواجهة انخفاض الأسعار الشهرية في الشهر الماضي وعودة التضخم السنوي إلى أقل من 1 في المائة، قال مارتن شليغل، رئيس البنك الوطني السويسري الجديد، إن البنك لا يستبعد إعادة أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية.

حتى أولئك الذين كانوا مترددين في بنك إنجلترا أشاروا أيضاً إلى إمكانية تسريع خفض الفائدة، حيث تحدث رئيس البنك أندرو بيلي عن «كوننا أكثر عدوانية قليلاً» في هذا الصدد.

وبالنسبة للمستثمرين، تشير جميع هذه السيناريوهات إلى بيئة معدلات فائدة أكثر تقلباً في كلا الاتجاهين، مما يجعل الأمور أكثر تعقيداً مما كانت عليه في عقد ما قبل الجائحة. ومع ذلك، يمكن أن تبقى هذه الأفق إيجابية للشركات والأرباح إذا تمكنت الاقتصادات الأوسع من التعامل مع الأسعار المتقلبة ومعدلات الاقتراض بشكل أفضل مما فعلته لعقود.