الاقتصاد المصري يتباطأ في «عام الأزمات»

الآثار امتدت من قناة السويس إلى الصناعات النفطية والتحويلية

جانب من نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
جانب من نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد المصري يتباطأ في «عام الأزمات»

جانب من نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)
جانب من نهر النيل في العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

قالت وزارة التخطيط المصرية، اليوم (الخميس)، إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2.4 في المائة خلال الربع الرابع من السنة المالية 2023 - 2024، ليتراجع معدل النمو السنوي 2.4 في المائة، انخفاضاً من 3.8 في المائة خلال السنة المالية السابقة.

وأوضحت الوزارة أن تباطؤ النمو جاء على خلفية تبعات الأزمات الاقتصادية العالمية، والتوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط التي انعكست تأثيراتها على الأداء الاقتصادي لمصر. وتجلّى ذلك بصفة خاصة على أداء قناة السويس؛ إذ سجّل النشاط تراجعاً حاداً بلغ 68 في المائة خلال الربع الأخير من العام المالي، بسبب الـمخاطر الناجمة عن تهديدات الحركة الـملاحيّة الدوليّة في منطقة البحر الأحمر، واتجاه شركات الناقلات لتحويل مساراتها الـملاحيّة تجاه طرق أخرى بديلة؛ الأمر الذي أثّر سلباً على المعدل السنوي الذي بلغ انخفاضه 30 في المائة.

كما أشارت الوزارة إلى أن قطاع الصناعة التحويليّة غير البتروليّة الذي يبلُغ إسهامه نحو 11.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، شهد تراجعاً بنحو 5.2 في المائة على مدار العام، وذلك تأثّراً بالأوضاع الاقتصاديّة الكليّة، والمُتمثّلة في نقص الـمواد الخام الأوليّة اللازمة للصناعات؛ الأمر الذي تم تداركه مع سياسات الإصلاح الاقتصادي المنفذة في مارس (آذار) 2024؛ إذ إن القطاع سجّل نمواً إيجابياً بنسبة 4.7 في المائة خلال الربع الأخير من العام، وذلك لأول مرة منذ الربع الأول من العام المالي 2022 - 2023، وجاء هذا التحسّن نتيجة نمو مجموعة من الصناعات؛ مثل: صناعة الملابس الجاهزة (54.2 في المائة)، والمنسوجات (23.8 في المائة)، والحاسبات والمنتجات الإلكترونية (14.9 في المائة).

وعلى صعيد آخر، أوضح البيان انكماش نشاط الاستخراجات بنسبة 4.7 في المائة الذي يُسهم بنسبة 6.7 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، لا سيّما في مجال الزيت الخام والغاز الطبيعي؛ إذ سجل تراجعاً بنسبة 1.8 و13.1 في المائة على التوالي، وذلك تأثّراً بتراخي الإنتاج من الآبار البتروليّة والغاز الطبيعي؛ نتيجة لانخفاض الاستثمارات الأجنبية الـموجهة إلى الاكتشافات الجديدة للآبار، وتباطؤ عمليّات تطوير الآبار القائمة وتنميتها. كما شهد نشاط تكرير البترول تراجعاً بنسبة 6.1 في المائة تأثّراً بانخفاض الكميّة الـمُنتَجة من تلك الآبار، ومن ثم مُدخلاتها في تصنيع الـمُنتجات البتروليّة، وهو ما انعكس سلباً على صافي ميزان الصادرات البتروليّة خلال العام الـمالي ذاته؛ الأمر الذي أصبح يشهد تحسناً في الأشهر التالية لانتهاء العام المالي مع سداد مستحقات الشركاء الأجانب.

وأكدت وزارة التخطيط أن هذه التطوّرات حفّزت على توجّه الدولة نحو تكثيف الاستثمارات في مجال تنمية الطاقات الـمُتجدّدة وتطويرها، بوصفه جزءاً من استراتيجيّة مصر للانتقال نحو قطاع طاقة أكثر استدامة ومرونة، بالإضافة إلى تحفيز مزيد من الاستثمارات الخاصة.

وعلى الرغم من هذه التحديّات، أظهرت بعض الأنشطة الاقتصاديّة مرونة قويّة، وسجّلت مُعدّلات نمو مُوجبة خلال العام؛ إذ سجّل نشاط الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نمواً بنسبة 14.4 في المائة، والسياحة (الممثلة في المطاعم والفنادق) بنسبة 9.9 في المائة، وتجارة الجُملة والتجزئة بنسبة 6.1 في المائة، والتشييد والبناء نمواً بنسبة 5.7 في المائة، والخدمات الاجتماعيّة التي تشمل الصحّة والتعليم لتُسجّل نسبة 5.6 في المائة، والنقل والتخزين بنسبة 5.4 في المائة، والزراعة بنسبة 3.8 في المائة، وهو ما يتوافق مع رؤية الدولة المصريّة نحو التنويع الهيكلي للاقتصاد الـمصري ودفع مُعدّلات التنمية، سواء في قطاعات الزراعة والصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أو تلك القطاعات المعنيّة بالتنمية البشريّة والاجتماعيّة، حسب وزارة التخطيط.

وعلى صعيد آخر، تشير المؤشرات الدورية إلى بوادر تحسّن في النشاط الاقتصادي؛ إذ ارتفع مؤشر «مديري المشتريات» إلى 50.4 نقطة في أغسطس (آب) الماضي، متجاوزاً مستوى الحياد لأول مرة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، مدفوعاً في المقام الأول بالتوسع في أنشطة التصنيع. كما شهد مؤشر «بارومتر» للأعمال، الصادر عن «المركز المصري للدراسات الاقتصادية»، انتعاشاً طفيفاً، وهو ما يعكس اتجاهاً إيجابياً في الأداء التجاري الإجمالي.

وتشير هذه التطورات إلى استقرار تدريجي للاقتصاد؛ إذ تظهر بعض القطاعات الرئيسية علامات على تحسّن النشاط الاقتصادي، لا سيما إفساح المجال للقطاع الخاص.

وتتسق تلك المؤشرات مع التوقعات الصادرة عن عدة مؤسسات دولية التي تشير إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 4 في المائة في العام المالي الحالي 2024 - 2025، مدعوماً بالجهود الحالية لتعزيز دور القطاع الخاص في الدفع بعجلة الإنتاج، مع اتخاذ تدابير لصقل السياسات النقدية والمالية لدعم التعافي الاقتصادي بصورة أفضل، فضلاً عن تنفيذ سياسات الإصلاح الهيكلي التي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية؛ هي: تعزيز صمود الاقتصاد الكلي، وتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال، ودعم الانتقال الأخضر.

وختاماً أكدت الوزارة أنه من المتوقع أن تُسهم حوكمة الاستثمارات العامة في إفساح المجال لمزيد من استثمارات القطاع الخاص، في حين سيؤدي استمرار ضبط الأوضاع المالية إلى خلق مساحة لمزيد من الاستثمارات في رأس المال البشري والتنمية الصناعية، وتعزيز الإنتاجية، وهو عامل رئيسي للنمو الاقتصادي المستدام والتنمية.


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد جانب من توقيع الاتفاقية في تونس (الصندوق)

تمويل كويتي بـ32 مليون دولار لتطوير الخطوط الحديدية لنقل الفوسفات في تونس

وقَّع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الخميس، اتفاقية قرض مع حكومة الجمهورية التونسية بمبلغ 10 ملايين دينار كويتي (32 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (تونس)
الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
TT

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن المنظمة ستُشارك بقوة خلال فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 16» لمواجهة التصحر، الذي ينعقد في السعودية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع خروج المؤتمر -وهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة الشرق الأوسط- بمخرجات مهمة.

تعليقات الواعر جاءت على هامش لقاء «مائدة مستديرة»، أعده المكتب الإقليمي لـ«فاو» في مقره بالعاصمة المصرية، القاهرة، بحضور ممثلين محدودين لوسائل إعلام مختارة، وذلك لشرح شكل مشاركة المنظمة في المؤتمر المقبل، وتأكيد أهمية ما يُعرف باسم «ثالوث ريو» (Rio trio)، وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغيُّر المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر.

وقالت فداء حداد، مسؤول برامج إعادة تأهيل الأراضي والتغيُّر المناخي في منظمة الفاو، إن اتفاقيات الأطراف الثلاثة غاية في الأهمية والتكامل، وإن المؤتمر المقبل في السعودية سيركز على الأراضي والمياه، وإعادة تأهيلهما والإدارة المستدامة لهما.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأشارت فداء حداد إلى أن نحو 90 بالمائة من منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف، إلا أنه على الرغم من ذلك، تمكَّنت المجتمعات المحلية والحكومات العربية في كثير منها في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر.

وكشفت فداء حداد أن «فاو» نجحت للمرة الأولى في وضع موضوع النظم الغذائية على أجندة اجتماعات مؤتمر الأطراف لمواجهة التصحر، الذي يعقد في السعودية، لتتم مناقشة أهمية إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها.

من جانبه، أوضح الواعر أن «فاو» لديها دور كبير في تحقيق الهدف الثاني الأممي من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، ومن ثم فهي تشارك بقوة وفاعلية في مؤتمرات الأطراف لمواجهة تغيُّر المناخ والتصحر وحماية التنوع، التي تخدم ذات الهدف.

وأكد الواعر أن المنظمة تحاول إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم، بحيث تكون أكثر شمولاً وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل، مشيراً إلى نجاح المنظمة في إدخال هذه الرؤية إلى أجندة الاتفاقيات الثلاث التي تهدف لحماية الأرض، والإسهام مع عدد من الدول المستضيفة في بعض المبادرات.

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

وأضاف المسؤول الأممي أن هناك تواصلاً كبيراً مع السعودية لدعم بعض المبادرات خلال استضافتها «كوب 16»، خصوصاً أن هذه الاستضافة تعد مهمة جدّاً من أجل دول المنطقة، كونها الأكثر معاناة فيما يتعلق بندرة المياه والجفاف والتصحر، إلى جانب مشكلات الغذاء والزراعة وغيرهما... ولذا فإن أمام هذه الدول فرصة لعرض الأزمة وأبعادها والبحث عن حلول لها، وإدراجها على لوائح المناقشات، ليس في الدورة الحالية فقط؛ ولكن بشكل دائم في مؤتمرات «كوب» التالية.

وأكد المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، أن العالم حالياً أكثر انتباهاً واهتماماً بمشكلة التصحر، لكونها بدأت في غزو مناطق لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها أو تصورت أن تشهدها، على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أميركا اللاتينية مثلاً، وهذه الدول والمناطق بدأت تلاحظ زحف التصحر وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ومن ثم بدأت النظر إلى المنطقة العربية تحديداً لتعلُّم الدروس في كيفية النجاة من هذه الأزمة عبر قرون طويلة.

وأفاد الواعر بأن «فاو» ستشارك في «كوب 16» بجناحين، أحدهما في المنطقة الزرقاء والآخر في المنطقة الخضراء، وذلك حتى يتسنى للمنظمة التواصل مع الحكومات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني ورواد المؤتمر.

كما أوضح أن «فاو»، بالاتفاق مع السعودية والأمم المتحدة، ستقوم بقيادة التنسيق في يومي «الغذاء» و«الحوكمة» يومي 5 و6 ديسمبر، إضافة إلى مشاركتها القوية في كل الأيام المتخصصة الباقية خلال فعاليات «كوب 16» لمكافحة التصحر.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وحول أبرز الموضوعات والمحاور التي جرى إدراجها للنقاش في أروقة «كوب 16» بالرياض، أوضح الواعر أن من بينها «الاستصلاح والإدارة المستدامة للأراضي» في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والتي تعد مسألة مهمة وأساسية في محاولة استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المضارة نتيجة التصحر، خصوصاً من خلال المبادرات المتعلقة بزيادة رقعة الغابات والمناطق الشجرية، على غرار المبادرات السعودية الخضراء التي تشمل خطة طموحاً لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.