إذا كان المتداولون على حق، فإن المصرف المركزي الأوروبي يواجه خطر دفع التضخم إلى ما دون هدفه البالغ 2 في المائة من خلال تباطئه في خفض أسعار الفائدة، مما قد يلحق الضرر بالاقتصاد الهش في منطقة اليورو.
تشير بيانات السوق، حيث يقوم المستثمرون بالتحوط ضد مخاطر التضخم من خلال تبادل المدفوعات المرتبطة بمعدل نمو الأسعار، إلى أن التضخم قد ينخفض بشكل مستدام إلى ما دون هدف المركزي الأوروبي اعتباراً من يناير (كانون الثاني) المقبل، وفقاً لبيانات جمعها «دانسكي بنك» لـ«رويترز» يوم الأربعاء. وهذا يتعارض مع توقعات المركزي الأوروبي، الذي يتوقع أن ينخفض التضخم - الذي يبلغ حالياً 2.2 في المائة ومن المحتمل أن ينخفض دون الهدف هذا الشهر قبل أن يرتفع مرة أخرى - إلى 2 في المائة بحلول أواخر عام 2025.
ويواجه المركزي الأوروبي تحدياً في كبح التضخم، الذي كان يتجاوز العشرة في المائة قبل أقل من عامين. لكن ضغوط الأسعار قد تراجعت بعد سلسلة من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة، مما دفع المصرف إلى بدء دورة التيسير النقدي في يونيو (حزيران). وقد قام بخفض أسعار الفائدة آخر مرة في وقت سابق من هذا الشهر.
وقالت أناليزا بيازا، محللة أبحاث الدخل الثابت في شركة «إم إف إس إنفستمنت مانجمنت»، التي تدير أصولاً بقيمة 639 مليار دولار: «تشير السوق إلى أن المركزي الأوروبي قد يكون متأخراً». وأضافت أنه إذا استمر المصرف في اتخاذ خطوات ربع سنوية العام المقبل، أبطأ مما تتوقع الأسواق، فقد يؤدي ذلك إلى دفع التضخم إلى ما دون الهدف لفترة طويلة، مما يجعل من الصعب رفعه مرة أخرى في المستقبل.
وعززت البيانات التي صدرت هذا الأسبوع، والتي أظهرت انكماش النشاط التجاري في منطقة اليورو بشكل غير متوقع في سبتمبر (أيلول)، توقعات الأسواق التي كانت ترى انكماشاً أسرع مما يتوقعه المركزي الأوروبي.
الآن، يتوقع المتداولون فرصة تزيد عن 50 في المائة لخفض أسعار الفائدة في أكتوبر (تشرين الأول)، وهو ما كان صانعو السياسات يرون أنه غير محتمل بعد اجتماع هذا الشهر. وقد أفادت «رويترز» بأن صانعي السياسات الذين يميلون إلى التيسير يستعدون للقتال من أجل خفض سعر الفائدة في أكتوبر، وهو إجراء من المحتمل أن يواجه مقاومة من نظرائهم المحافظين.
ويعتقد المستثمرون أن خطر التضخم دون الهدف يتزايد عالمياً. ورغم أن توقعاتهم للتضخم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تتراوح بين 2 و3 في المائة حتى نهاية عام 2025، فقد ارتفعت نسبة المستثمرين الذين يتوقعون تضخماً دون الهدف في كلتا المنطقتين هذا الشهر، وفقاً لاستطلاع أجراه «بنك أوف أميركا» في 13 سبتمبر، قبل خفض الاحتياطي الفيدرالي بمقدار 50 نقطة أساس.
في السويد، ظل التضخم أقل من الهدف لمدة ثلاثة أشهر متتالية، مما دفع المركزي السويدي إلى النظر في تخفيضات أسرع.
مخاوف النمو
جزء رئيسي من التباين يعود إلى أسعار النفط التي انخفضت إلى أدنى مستوى لها فيما يقرب من ثلاث سنوات دون 69 دولاراً في وقت سابق من سبتمبر. في يوم الخميس، كانت الأسعار عند نحو 72 دولاراً، أي أقل بنسبة 9 في المائة عن مستوى 16 أغسطس (آب) الذي استندت إليه أحدث توقعات المركزي الأوروبي.
بالطبع، لا تشير الأسواق إلى نوع التضخم المنخفض للغاية الذي كان سائداً قبل جائحة كوفيد - 19، والذي كان المركزي الأوروبي يكافح لإعادته، مما دفعه إلى إطلاق عمليات شراء ضخمة للسندات وتجربة مثيرة للجدل مع أسعار الفائدة السلبية.
وتشير عقود المبادلة إلى متوسط تضخم يبلغ 1.7 في المائة على مدار العام المقبل. كما أن مؤشر السوق الرئيسي لتوقعات التضخم على المدى الطويل، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له في عامين في وقت سابق من سبتمبر، لا يزال أعلى بقليل من 2 في المائة.
لكن الأهم من ذلك، تشير توقعات التضخم في السوق إلى اختلاف في الرأي مع توقعات المركزي الأوروبي بشأن النمو. قال غي ستير، رئيس استراتيجية الأسواق المتقدمة في معهد «أماندي للاستثمار»: «السوق تعتقد أن المركزي الأوروبي متفائل قليلاً بشأن النمو»، ويتوقع أن يتحسن نمو منطقة اليورو إلى 1 في المائة العام المقبل من 0.8 في المائة هذا العام، وهو أقل من الزيادة التي يتوقعها المركزي الأوروبي والتي تصل إلى 1.3 في المائة.
تعزيز الدخل!
بينما يعترف المركزي الأوروبي بأن الطلب المحلي سيكون أضعف مما كان متوقعاً سابقاً، إلا أنه يرى أن انخفاض أسعار السلع قد انتهى، ويتوقع أن تدعم الزيادات في الدخل الحقيقي الاستهلاك وتدفع النمو.
ومع ذلك، تقوم الأسر في منطقة اليورو بتوفير المزيد مقارنة بما كان عليه الحال قبل الجائحة، ويعتقد بعض الاقتصاديين أنه من غير المحتمل أن يقللوا من تلك المدخرات ويزيدوا من الاستهلاك في ظل استمرار ضعف ثقة المستهلك. يشير اقتصاديون من «نومورا» إلى أنه بدلاً من زيادة أموالهم النقدية، قد قام المدخرون بزيادة حيازاتهم من الأصول، مما يجعلهم أقل احتمالاً للإنفاق.
ورغم تقلب نمو الأجور الذي يقلق بشكل خاص صقور المركزي الأوروبي بشأن الحفاظ على ارتفاع تضخم الخدمات، فإنه قد تباطأ بشكل أكبر مما توقع المصرف.
كما أن بيانات النشاط التجاري يوم الاثنين، التي أظهرت أن الشركات الألمانية تتخلص من الموظفين بأسرع وتيرة منذ أكثر من 15 عاماً خارج فترة الوباء، تتطلب مزيداً من الحذر، حسب قول الاقتصاديين.
ويتوقع المستثمرون أن تؤدي نظرة اقتصادية أكثر كآبة مما يتوقع المركزي الأوروبي إلى دعم سندات الحكومة في منطقة اليورو، التي تأخرت عن سندات الخزانة الأميركية هذا العام. وفي الواقع، سجلت عوائد السندات الألمانية ذات السنتين الحساسة تجاه أسعار الفائدة أكبر انخفاض يومي لها منذ ما يقرب من شهرين يوم الاثنين.
وقال رئيس استراتيجية أسعار الفائدة باليورو في «باركليز»، روهان خانا: «السؤال الذي يبقى ببساطة هو: بالنظر إلى ضعف النمو العام، إلى متى يمكن للمركزي الأوروبي التمسك بفكرة أن تضخم الخدمات ثابت ويجب أن نكون صبورين؟».
وأضاف: «كلما طالت فترة تمسكهم بهذه الحجة، زاد سوء الوضع الاقتصادي، مما سيدفعهم إلى اتخاذ تخفيضات أعمق، أو ربما حتى تخفيضات أكبر في المستقبل».