لماذا اختار «الاحتياطي الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة بشكل كبير؟

رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يغادر بعد مؤتمر صحافي في مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ف.ب)
رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يغادر بعد مؤتمر صحافي في مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

لماذا اختار «الاحتياطي الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة بشكل كبير؟

رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يغادر بعد مؤتمر صحافي في مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ف.ب)
رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يغادر بعد مؤتمر صحافي في مقر الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (أ.ف.ب)

في حديثه الشهر الماضي في جاكسون هول، كان جيروم باول صريحاً بشأن ما عدّه مهمة مجلس الاحتياطي الفيدرالي مع خروج الاقتصاد الأميركي من صدمة التضخم المرهقة. وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي عند سفوح سلسلة جبال تيتون في وايومنغ: «سنبذل قصارى جهدنا لدعم سوق العمل القوية، مع إحراز مزيد من التقدم نحو استقرار الأسعار».

يوم الأربعاء، خفّض باول سعر الفائدة القياسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 4.75 - 5 في المائة، ليبدأ أول دورة تخفيف للبنك المركزي منذ أكثر من 4 سنوات. وأوضح المسؤولون أنهم لن يتوقفوا عند هذا الحد أيضاً، حيث أظهرت التوقعات التي صدرت يوم الأربعاء فيما يُسمى بـ«الرسم البياني النقطي» (dot plot) أن معظم أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية قدروا أن سعر الفائدة سينخفض ​​بمقدار نصف نقطة مئوية أخرى هذا العام، ثم سلسلة من التخفيضات في عام 2025 لترك الأسعار عند 3.25-3.5 في المائة، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».

ولم يكن خفض الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية يوم الأربعاء سبباً في إثارة الذعر ــ وهو ما أثار قلق كثيرين قبل الاجتماع - بل إن الأسواق المالية تعاملت مع الخفض على نحو هادئ، حيث أنهت مؤشرات الأسهم الرئيسية والسندات الحكومية اليوم دون تغيير يذكر.

وقال بيتر هوبر، نائب رئيس قسم الأبحاث في «دويتشه بنك»: «كان الأمر مبتكراً. كان بمثابة تأمين لإطالة أمد ما هو مكان جيد للغاية في الاقتصاد». وأضاف هوبر، الذي عمل في بنك الاحتياطي الفيدرالي لمدة 30 عاماً تقريباً: «يريد باول ضمان الهبوط الناعم».

والقرار خطوة جريئة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد أثار انتقادات لا مفر منها، بعد أن جاء قبل أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني). فقد قال المرشح الجمهوري دونالد ترمب إن الخفض تم إما لأسباب «سياسية» - لمساعدة كامالا هاريس، منافسته في سباق البيت الأبيض - أو لأن الاقتصاد في حالة «سيئة للغاية».

كما يمثل القرار، من نواحٍ كثيرة، لحظة فاصلة بالنسبة لباول، حيث يتوج فترة مضطربة بصفته رئيساً لأهم بنك مركزي في العالم، التي شملت جائحة عالمية، وأكبر انكماش اقتصادي منذ الكساد الأعظم، وتدخلات حكومية تاريخية، وحرباً، وصدمات عرض شديدة أدت إلى تضخيم أسوأ نوبة تضخم في 40 عاماً.

لقد كان عديد من خبراء الاقتصاد يشكّكون في قدرة باول على ترويض ضغوط الأسعار دون دفع أكبر اقتصاد في العالم إلى الركود. ولكن بعد عامين من ذروة ارتفاع التضخم، عاد إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، البالغ 2 في المائة تقريباً بينما ظل النمو الاقتصادي قوياً.

وفي شرح القرار يوم الأربعاء، صاغ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة الأكبر من المعتاد بوصفه «إعادة معايرة» للسياسة النقدية لتناسب اقتصاد تتراجع فيه ضغوط الأسعار بشكل ملموس بينما يتباطأ الطلب في سوق العمل أيضاً.

وقال باول للصحافيين في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع: «الاقتصاد الأميركي في مكان جيد، وقرارنا اليوم مُصمَّم لإبقائه هناك».

في الماضي، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي ينحرف عادة عن وتيرة تعديلات السياسة التقليدية التي تبلغ رُبع نقطة مئوية فقط عندما يواجه صدمة هائلة - في بداية الأزمة الاقتصادية لـ«كوفيد - 19»، على سبيل المثال، أو عندما أصبح من الواضح في عام 2022 أن البنك المركزي أخطأ في تشخيص مشكلة التضخم في الولايات المتحدة.

لقد أدى التخفيض الكبير الذي تم تنفيذه يوم الأربعاء، دون مثل هذه الضغوط الاقتصادية أو المالية الشديدة، إلى إبراز رغبة الاحتياطي الفيدرالي في تجنب الركود غير الضروري.

وقالت ديان سوونك من شركة «كي بي إم جي» إنه إذا تمكن باول من تحقيق هذا النوع من الهبوط الناعم، فسوف «يختم» إرثه بصفته رئيساً.

بدلاً من ذلك، يعكس قرار يوم الأربعاء جهود «الاحتياطي الفيدرالي» لموازنة المخاطر التي تواجه الاقتصاد. بعد إدخال التضخم إلى النطاق، تحول تركيزه إلى سوق العمل، حيث أثار تباطؤ النمو الشهري وارتفاع البطالة المخاوف.

وقالت تيفاني وايلدينغ، الخبيرة الاقتصادية في «بيمكو»، في إشارة إلى مستوى أسعار الفائدة الذي لا يحفّز النمو ولا يقمعه: «إن (الاحتياطي الفيدرالي) يدرك تماماً أنه من منظور إدارة المخاطر، فإن الاقتراب من الحياد ربما يكون المكان المناسب نظراً للوضع الاقتصادي الحالي».

الخطوة التالية للمسؤولين هي معرفة مدى السرعة التي ينبغي لهم بها خفض أسعار الفائدة للوصول إلى هذا المستوى المحايد. في المؤتمر الصحافي، قال باول إنه «لم يكن هناك اندفاع لإنجاز هذا الأمر». كما أظهر الرسم البياني النقطي تشتتاً بين المسؤولين ليس فقط لهذا العام، ولكن أيضاً في عام 2025.

اعتقد اثنان من المسؤولين الـ19 الذين وضعوا التقديرات أن «الاحتياطي الفيدرالي» يجب أن يبقي على أسعار الفائدة عند المستوى الجديد 4.75 - 5 في المائة حتى نهاية العام. وتوقع 7 آخرون خفضاً آخر بمقدار رُبع نقطة فقط هذا العام. كان النطاق أوسع بالنسبة لأسعار الفائدة في عام 2025.

سيكون باول مكلفاً تكوين إجماع في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، بعد أن واجه معارضة واحدة في هذا الاجتماع من المحافِظة ميشيل بومان، التي صوّتت لصالح تحرك رُبع نقطة. وهذا يجعلها أول محافظ في بنك الاحتياطي الفيدرالي يتردد في اتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة منذ عام 2005.

سيصبح تحقيق هذا الإجماع أكثر صعوبة؛ بسبب الصورة الاقتصادية الضبابية، التي تظهر بعض الثبات في التضخم على الرغم من التحسن العام والضعف الناشئ في سوق العمل الصلبة بخلاف ذلك.


مقالات ذات صلة

مستشار ترمب الاقتصادي يدافع عن الخفض الكبير في الفائدة من قبل «الفيدرالي»

الاقتصاد كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)

مستشار ترمب الاقتصادي يدافع عن الخفض الكبير في الفائدة من قبل «الفيدرالي»

دافع المرشح المحتمل لدونالد ترمب لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن الخفض الكبير لأسعار الفائدة الذي أجراه البنك المركزي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى المصرف المركزي المصري (الشرق الأوسط)

«المركزي المصري» يبقي على أسعار الفائدة دون تغيير

أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة من دون تغيير عند أعلى مستوى تاريخي للمرة الرابعة على التوالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد لوحة تذكارية تحمل نقش البنك المركزي الأوروبي تتألق في ضوء النهار أمام مقره (د.ب.أ)

«المركزي الأوروبي» يخفض الفائدة الرئيسية إلى 3.25 % للمرة الثالثة هذا العام

خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي إلى 3.25%، في ثالث خفض هذا العام.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف في يوم البنك المركزي الأوروبي (رويترز)

ما المتوقع من اجتماع البنك المركزي الأوروبي اليوم؟

يجتمع البنك المركزي الأوروبي، اليوم (الخميس)، في فرنكفورت لاتخاذ قرار جديد بشأن أسعار الفائدة... فما المتوقع؟

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد امرأة تحمل مظلة تقف أمام بنك إنجلترا في الحي المالي بلندن (أ.ب)

تباطؤ التضخم البريطاني لأدنى مستوى له منذ أكثر من 3 سنوات

تباطأ التضخم في المملكة المتحدة إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهو الانخفاض الذي عزز توقعات السوق بأن بنك إنجلترا سيخفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر تخفض الطاقة المتجددة المستهدفة لـ2040 بنسبة 18 %

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال مشاركته في جلسة نقاشية بمؤتمر «موك 2024» المنعقد في الإسكندرية (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال مشاركته في جلسة نقاشية بمؤتمر «موك 2024» المنعقد في الإسكندرية (وزارة البترول المصرية)
TT

مصر تخفض الطاقة المتجددة المستهدفة لـ2040 بنسبة 18 %

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال مشاركته في جلسة نقاشية بمؤتمر «موك 2024» المنعقد في الإسكندرية (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال مشاركته في جلسة نقاشية بمؤتمر «موك 2024» المنعقد في الإسكندرية (وزارة البترول المصرية)

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن مصر خفضت هدفها لنسبة الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة بحلول 2040 إلى 40 في المائة بدلاً من 58 في المائة المستهدف سابقاً، مؤكداً أن الغاز الطبيعي سيظل وقوداً رئيسياً لسنوات مقبلة.

وأوضح بدوي خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «موك 2024»، بعنوان: «دعم التحالف والشراكات أفضل استغلال لغاز شرق المتوسط»، أنه «تم بالفعل وضع خريطة طريق لتمثل الطاقة الجديدة 40 في المائة من مزيج الطاقة بحلول عام 2040. وذلك من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الحرارية من باطن الأرض، مع تنفيذ مشروعات خفض الانبعاثات في مختلف الأنشطة البترولية».

وأضاف الوزير: «الغاز الطبيعي سيتم الاعتماد عليه لعدة أعوام مقبلة، وهذه رسالة لنا جميعاً لكي نعمل معاً لزيادة الاكتشافات، وجذب مزيد من الاستثمارات من خلال المزايدات التي يتم طرحها للبحث والاستكشاف لتحقيق اكتشافات جديدة في المنطقة التي تحمل مزيداً من الثروات خاصة الغاز الطبيعي... علينا إتاحة التكنولوجيا اللازمة للإسراع في تحقيق ذلك إلى جانب دعم تنفيذ مشروعات تسهم في إزالة الكربون وخفض الانبعاثات، والحفاظ على البيئة».

وقد ضمت الجلسة جورج باباناستاسيو وزير الطاقة القبرصي، وأسامة مبارز الأمين العام لمنتدى «غاز شرق المتوسط»، وأرسطوتيلس أيفاليوتيس الأمين العام للطاقة والثروة المعدنية في اليونان، والدكتورة هدى بن جنات علال المدير التنفيذي لـ«مرصد المتوسط للطاقة والمناخ»، وأدارها توم ماهر رئيس شركة «أبكس» العالمية.

من جانبه، قال وزير الطاقة القبرصي جورج باباناستاسيو: «ما زلنا نحتاج لتطوير تقنيات الطاقة الجديدة والمتجددة وتوافرها، فالتقنيات الموجودة غير متاحة وباهظة الثمن، ومن ثم فإن العمل على مسار تنمية الاكتشافات بالمنطقة، ودعم جهود خفض الانبعاثات، وما نعمل عليه من التعاون المشترك يحتاج إلى زيادة التمويل الاقتصادي، ونحن في المنطقة متفائلون بشأن مستقبلها».

ويرى أسامة مبارز، أمين عام منتدى «غاز شرق المتوسط»، أن «منطقة شرق المتوسط بها موارد واكتشافات مهمة للسوق العالمية، وتبرز أهم التحديات في تدفق الاستثمارات وتوفير التكنولوجيا، ومن هنا جاءت فكرة المنتدى لربط كل أصحاب المصالح من أجل صالح المنطقة والعالم لاستغلال 300 تريليون قدم مكعبة من الغاز بالمنطقة؛ وفقاً للتقارير العالمية».

وأضاف مبارز أن المنتدى هو المنظمة الوحيدة التي تضم كل أطراف الصناعة، حيث يعمل على تقريب وجهات نظر الحكومات والشركات والمستثمرين لدعم البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات، وتعظيم الاكتشافات، وخفض الكربون، وتحقيق الاستدامة.