رغم الحرب... لماذا تستمر روسيا في ضخ الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا؟

عامل بين الأنابيب في محطة ضغط وتوزيع خط أنابيب الغاز «أورينغوي - بوماري - أوغورود» (رويترز)
عامل بين الأنابيب في محطة ضغط وتوزيع خط أنابيب الغاز «أورينغوي - بوماري - أوغورود» (رويترز)
TT

رغم الحرب... لماذا تستمر روسيا في ضخ الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا؟

عامل بين الأنابيب في محطة ضغط وتوزيع خط أنابيب الغاز «أورينغوي - بوماري - أوغورود» (رويترز)
عامل بين الأنابيب في محطة ضغط وتوزيع خط أنابيب الغاز «أورينغوي - بوماري - أوغورود» (رويترز)

رغم التوترات الجيوسياسية والصراع الدائر في أوكرانيا، تواصل روسيا ضخ الغاز إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية، مدفوعة بمصالح اقتصادية واستراتيجية. فالغاز يمثل مصدراً حيوياً للإيرادات لروسيا، وتعدّ أوكرانيا طريقاً تقليديةً لنقل الغاز إلى الأسواق الأوروبية. علاوة على ذلك، تستخدم روسيا الغاز أداةً سياسيةً للتأثير على قرارات الدول الأوروبية؛ مما يجعل من الصعب وقف تدفق الغاز بشكل كامل.

فما هو السبب وراء ذلك، وأين يمر خط الأنابيب؟

يمر خط أنابيب الغاز السوفياتي القديم «أورينغوي - بوماري - أوغورود» من غرب سيبيريا عبر «سودجا» في منطقة كورسك الروسية. ثم يتدفق عبر أوكرانيا باتجاه سلوفاكيا، وفق «رويترز».

وفي سلوفاكيا، ينقسم خط أنابيب الغاز، حيث يذهب أحد الفرعين إلى جمهورية التشيك والآخر إلى النمسا. والمشترون الرئيسيون للغاز هم المجر، وسلوفاكيا والنمسا.

وتم توريد نحو 14.65 مليار متر مكعب من الغاز عبر «سودجا» في عام 2023، أي نحو نصف صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. وانخفض استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي إلى 295 مليار متر مكعب في عام 2023.

تقع «سودجا»، التي هي على بعد مسافة قصيرة من الحدود مع أوكرانيا، في قلب المعارك العنيفة بين القوات الأوكرانية والروسية. ومن غير الواضح مَن يسيطر على المدينة.

كما تقع محطة قياس الغاز «غازبروم» سودجا في منطقة حدودية قريبة من روسيا، على بعد بضعة أميال من المدينة.

وقالت شركة «غازبروم» الروسية إنها سترسل 39.6 مليون متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، الاثنين، مقارنة بـ39.3 مليون متر مكعب، الأحد.

كم تبلغ إمدادات روسيا للاتحاد الأوروبي؟

كانت روسيا تزود ما يقرب من نصف غاز الاتحاد الأوروبي قبل حرب أوكرانيا عام 2022. لكن أوروبا تحولت بعيداً عن الغاز الروسي بينما أدت الهجمات الغامضة على خط أنابيب «نورد ستريم» إلى تقليل الإمدادات الروسية.

وتم استبدال الغاز الروسي باستيراد الغاز الطبيعي المسال، حيث زادت الولايات المتحدة حصتها في سوق الغاز بالاتحاد الأوروبي إلى 56.2 مليار متر مكعب في عام 2023 من 18.9 مليار متر مكعب في عام 2021، بينما زادت النرويج حصتها إلى 87.7 مليار متر مكعب في عام 2023 من 79.5 مليار متر مكعب في عام 2021. وكانت البِلدان الموردة الأخرى هي بلدان شمال إفريقيا، وبريطانيا وقطر.

ولم يتحمل أحد المسؤولية عن انفجارات «نورد ستريم» في سبتمبر (أيلول) 2022، والتي وقعت قبالة جزيرة «بورنهولم» الدنماركية وأدت إلى تدمير ثلاثة من أربعة خطوط للنظام الذي يوصل الغاز الروسي إلى أوروبا.

وتقول روسيا إن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا وراء الانفجارات، لكنها لم تقدم أي دليل. وذكرت صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» أن أوكرانيا - التي نفت مراراً وتكراراً تورطها - كانت وراء الهجوم.

وردت روسيا بإجمالي نحو 63.8 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر طرق مختلفة في عام 2022، وفقاً لبيانات «غازبروم» وحسابات «رويترز». وانخفض هذا الحجم بنسبة 55.6 في المائة إلى 28.3 مليار متر مكعب العام الماضي.

وفي ذروة الإنتاج خلال عامي 2018 و2019، بلغت كمية الغاز الطبيعي التي كانت تضخ إلى أوروبا عبر هذه الخطوط ما بين 175 و180 مليار متر مكعب سنوياً.

لماذا لا تزال روسيا ترسل الغاز عبر أوكرانيا؟

يذهب نحو نصف صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا. والأسباب الرئيسية هي المال والتاريخ.

كانت «غازبروم»، التي تمتلك نحو 16 في المائة من احتياطيات الغاز العالمية وتوظف ما يقرب من نصف مليون شخص، واحدة من أقوى الإمبراطوريات الشركات الروسية - لدرجة أنها كانت معروفة باسم «دولة داخل الدولة».

لكنها واجهت أوقاتاً عصيبة بسبب فقدان سوق الغاز الأوروبية.

وتراجعت الشركة لتسجل خسارة صافية قدرها 629 مليار روبل في عام 2023؛ وهو ما يمثل أول خسارة سنوية منذ أكثر من عقدين، وذلك بالتزامن مع انخفاض حاد في صادرات الغاز إلى أوروبا، التي كانت تمثل السوق الرئيسية للشركة.

وتحقق أوكرانيا، التي كانت سابقاً جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي، إيرادات مالية من عائدات عبور الغاز عبر أراضيها.

هل يستمر العبور؟

في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وقّعت موسكو وكييف اتفاقية طويلة الأمد مدتها خمس سنوات لانتقال الغاز الروسي عبر أوكرانيا تشمل 45 مليار متر مكعب في عام 2020 و40 مليار متر مكعب سنوياً في الفترة من 2021 إلى 2024. وينتهي اتفاق نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا في عام 2024، وقالت كييف إنها ليس لديها نية لتمديده أو إبرام صفقة جديدة.

وذكرت وكالات الأنباء الروسية الشهر الماضي نقلاً عن نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك أن روسيا مستعدة لمواصلة إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا بعد انتهاء اتفاق النقل الحالي في نهاية عام 2024.

وفي مايو (أيار) 2022، أوقفت أوكرانيا ضخ الغاز الروسي العابر عبر محطة سوكرافونكا، التي كانت تبلغ طاقتها الاستيعابية 30 مليون متر مكعب يومياً، بدعوى وجود حالة قاهرة، واقترحت تحويل كامل كميات الغاز العابر إلى محطة «سودجا».

وكان خط أنابيب «ترك ستريم» الذي يمر عبر البحر الأسود هو الخط الوحيد الآخر الناقل للغاز إلى أوروبا في ذلك الوقت.


مقالات ذات صلة

«شيفرون» تتغلب على ضغط المياه الشديد وتنجح في استخراج النفط من أعماق البحار

الاقتصاد حقل «أنكور» التابع لشركة شيفرون في خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأميركية (الموقع الإلكتروني لشركة شيفرون)

«شيفرون» تتغلب على ضغط المياه الشديد وتنجح في استخراج النفط من أعماق البحار

قالت شركة شيفرون الأميركية للطاقة، الاثنين، إنها حققت انفراجة تكنولوجية بإنتاجها أول نفط من حقل أميركي في خليج المكسيك تحت الضغط الشديد في أعماق البحر.

«الشرق الأوسط» (هيوستن)
الاقتصاد مؤشر قياس ضغط الغاز في إحدى المحطات (رويترز)

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا لأعلى مستوى منذ ديسمبر 2023

واصلت أسعار الغاز الطبيعي مكاسبها التي حققتها الأسبوع الماضي، في أوروبا جراء مخاوف تتعلق بإمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية التي تمر بأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منصة بحرية لإنتاج الغاز (رويترز)

«القابضة الكويتية» تعتزم ضخ مزيد من الاستثمارات في مصر

تعتزم الشركة القابضة المصرية الكويتية ضخ مزيد من الاستثمارات في مصر لتعزيز عمليات الاستكشاف وزيادة إنتاج الغاز من خلال شركتها التابعة «شمال سيناء للبترول».

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد فينان أمام صهاريج تابعة لشركة أدنوك الإماراتية (من الموقع الإلكتروني لأدنوك)

ارتفاع دخل «أدنوك للغاز» في الربع الثاني بأعلى من التوقعات

أعلنت شركة أدنوك للغاز، نتائجها المالية الفصلية محققة صافي دخل في الربع الثاني قدره 4.369 مليار درهم (1.19 مليار دولار) بزيادة 21 في المائة على أساس سنوي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد شعار شركة "توتال إنرجيز" على محطة نفط وغاز في برلين (أ.ف.ب)

«توتال» تورد أول وقود بحري يعتمد على زيت الطهي بنسبة 100% إلى سنغافورة

أعلنت شركة «توتال إنرجيز» الفرنسية العملاقة للطاقة، يوم الاثنين، أنها زودت أول شحنة من الوقود الحيوي بنسبة 100 في المائة للسفن في سنغافورة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

«شيفرون» تتغلب على ضغط المياه الشديد وتنجح في استخراج النفط من أعماق البحار

حقل «أنكور» التابع لشركة شيفرون في خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأميركية (الموقع الإلكتروني لشركة شيفرون)
حقل «أنكور» التابع لشركة شيفرون في خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأميركية (الموقع الإلكتروني لشركة شيفرون)
TT

«شيفرون» تتغلب على ضغط المياه الشديد وتنجح في استخراج النفط من أعماق البحار

حقل «أنكور» التابع لشركة شيفرون في خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأميركية (الموقع الإلكتروني لشركة شيفرون)
حقل «أنكور» التابع لشركة شيفرون في خليج المكسيك قبالة ساحل لويزيانا الأميركية (الموقع الإلكتروني لشركة شيفرون)

قالت شركة شيفرون الأميركية للطاقة، الاثنين، إنها حققت انفراجة تكنولوجية بإنتاجها أول نفط من حقل أميركي في خليج المكسيك تحت الضغط الشديد في أعماق البحر.

ويدشن مشروعها، الذي تبلغ تكلفته 5.7 مليار دولار والذي يطلق عليه اسم «أنكور»، بداية عصر جديد من الإنتاج في المياه العميقة الذي ظل بعيد المنال لفترة طويلة؛ بسبب عدم وجود المعدات القادرة على التعامل مع ضغط يصل إلى 20 ألف رطل لكل بوصة مربعة.

وتتوقع «شيفرون» وشريكتها «توتال إنرجيز» أن إنتاج مشروع «أنكور» سيستمر على مدار 30 عاماً.

وفي ذروة إنتاجها، ستضخ المنصة العائمة نحو 75 ألف برميل من النفط و28 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً. ويقع الحقل على بعد نحو 225 كيلومتراً قبالة ساحل ولاية لويزيانا الأميركية.

وقال نائب الرئيس التنفيذي لشركة «شيفرون» نايجل هيرن: «تسمح لنا هذه التقنية الأولى من نوعها في الصناعة بالمياه العميقة بالحصول على موارد كان من الصعب الوصول إليها في السابق، كما ستمكن من تنفيذ مشروعات مماثلة في المياه العميقة عالية الضغط في هذه الصناعة».

وتسعى شركة نفط أميركية أخرى، وهي شركة «بيكون أوفشور إنرجي»، إلى تكرار إنجاز شركة «شيفرون» لاستخراج النفط تحت ضغط 20 ألف رطل لكل بوصة مربعة، في حقلها «شيناندواه» في المياه العميقة، قبالة سواحل لويزيانا أيضاً.

وقد تأخر هذا المشروع، حيث من المتوقع أن يبدأ إنتاج النفط في الربع الثاني من عام 2025.

واكتشفت شركة «بريتش بتروليوم» أول حقل في خليج المكسيك تحت ضغط 20 ألف رطل للبوصة المربعة وأطلق عليه اسم «كاسكيدا»، لكن تقنيات الحفر تحت سطح البحر حينذاك لم تسمح بالتطوير. وحتى الآن، كانت تقنيات الحفر تحت سطح البحر محدودة إلى حد كبير بضغوط تبلغ 15 ألف رطل على البوصة المربعة.

لكن «بريتش بتروليوم» (بي بي) أعطت الضوء الأخضر لتطوير الحقل الشهر الماضي مستندة إلى التطورات الجديدة. وتخطط للاستفادة من تصميمات المعدات تحت سطح البحر والحصول على أول إنتاج للنفط من حقل كاسكيدا في عام 2029.

ويشتمل تطوير شركة «شيفرون» على سبعة آبار تحت سطح البحر مرتبطة بمنصة الإنتاج العائمة «أنكور». ومن المتوقع أن يحتوي الحقل في أعماق البحار نحو 440 مليون برميل من النفط والغاز القابلين للاستخراج.

وقال بروس نيماير، رئيس إنتاج النفط والغاز في الأميركتين لدى شركة «شيفرون»: «يوضح هذا الإنجاز الكبير قدرة شيفرون على تنفيذ المشروعات بأمان وبتكلفة غير باهظة في خليج المكسيك».