نخبة رجال الأعمال في فرنسا تعرب عن قلقها من موجة إفلاسات محتملة

مارّة بمنطقة لا ديفونس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
مارّة بمنطقة لا ديفونس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
TT

نخبة رجال الأعمال في فرنسا تعرب عن قلقها من موجة إفلاسات محتملة

مارّة بمنطقة لا ديفونس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)
مارّة بمنطقة لا ديفونس المالية والتجارية بالقرب من باريس (رويترز)

قال مسؤولون تنفيذيون إن نخبة رجال الأعمال في فرنسا تشعر بالقلق إزاء السياسة المتقلبة، وصانعي السياسات عديمي الخبرة، والاحتجاجات في الشوارع، وموجة محتملة من حالات الإفلاس في الأشهر المقبلة.

وكان قادة الشركات الذين اجتمعوا يومي الجمعة والسبت بمدينة إيكس أون بروفانس في جنوب البلاد؛ للمشاركة في رد فرنسا السنوي على «دافوس»، من بين المستفيدين الرئيسيين من الإصلاحات المؤيدة للأعمال، التي أجراها الرئيس إيمانويل ماكرون منذ انتخابه أول مرة في عام 2017، وفق «رويترز».

وتريد أحزاب اليمين واليسار المتطرف التراجع عن بعض إصلاحات ماكرون؛ بدءاً من رفع سن التقاعد، إلى إلغاء ضريبة الثروة على الأصول المالية.

ومن المتوقع أن يعرقل الناخبون مساعيه لتخفيف الضرائب والقيود الأخرى على الأعمال عندما - كما هو متوقع على نطاق واسع - يلحقون بحزب ماكرون هزيمة ساحقة في انتخابات تشير استطلاعات الرأي إلى أنها ستمنح اليمين المتطرف أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

وقال رئيس شركة «سافران» للطيران والفضاء، روس ماكينيس، لـ«رويترز»: «نحن قلقون للغاية بشأن ما سيحدث. ومهما كان التشكيل السياسي الذي سينتج عن انتخابات الأحد، فمن المحتمل أننا في نهاية دورة الإصلاح التي بدأت قبل 10 سنوات».

وبينما كان قادة الأعمال يناقشون الانتخابات في لجان عامة، فإنهم لم يخفوا مخاوفهم على الهامش بشأن صعود كل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف.

وإذا فشل حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف في الحصول على الأغلبية المطلقة، فسوف يُترك الأمر للأحزاب الأخرى لمعرفة ما إذا كان من الممكن تشكيل ائتلاف حاكم، وهو أمر غير مسبوق في فرنسا الحديثة ومن المرجح أن يكون غير مستقر.

وقال رئيس مجموعة صناعية فرنسية كبيرة: «لا شيء جيداً يأتي من الفوضى. لا أعرف ماذا سيحدث، لكن هذا البلد شهد اضطرابات اجتماعية من قبل».

قادة عديمو الخبرة

وأعرب قادة الأعمال عن قلقهم من أن السياسيين الذين يقفون على أبواب السلطة يفتقرون إلى الخبرة في قيادة ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بينما يتجنبون أيضاً احتمال ازدياد العبء الضريبي المرتفع بالفعل على فرنسا في ظل الائتلاف اليساري.

ومن الممكن أن يصبح زعيم حزب «التجمع الوطني» غوردان بارديلا (28 عاماً) أصغر رئيس وزراء في فرنسا إذا فاز الحزب بالأغلبية في انتخابات الأحد.

وأدى عدم اليقين السياسي بالفعل إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض في فرنسا؛ فقد طالب مستثمرو السندات بأعلى علاوات مخاطر على ما يعادل الديون الألمانية منذ 12 عاماً بعد أن دعا ماكرون إلى انتخابات مبكرة الشهر الماضي.

وفي الوقت نفسه، يشعر المستثمرون من الشركات في الاقتصاد الحقيقي بالقلق أيضاً بشأن التوقعات السياسية والاقتصادية.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أرديان فرنس» (شركة أسهم خاصة)، ماثياس بورغهاردت: «لقد واصلنا اتخاذ قرارات الاستثمار خلال الأسابيع الماضية؛ بما في ذلك في فرنسا. ولكن من الواضح أنه إذا كان علينا اتخاذ قرار استثماري كبير حقاً، فربما كنا سننتظر للحصول على رؤية أفضل».

وقال المسؤولون التنفيذيون إنه مع عدم وجود علامة على أن التقلبات السياسية ستهدأ في أي وقت قريب، فإن تكاليف التمويل المرتفعة يمكن أن تصل قريباً إلى الشركات الفرنسية، تماماً كما تستعد لتجديد القروض منخفضة التكلفة للغاية من عصر «كوفيد19» بمعدلات أعلى.

وقالت رئيسة «الأبحاث الاقتصادية» في ذراع التأمين على الائتمان التجاري لشركة «أليانز»، آنا بواتا، لـ«رويترز»: «هذا يخلق سيناريو نتوقع فيه أن يستمر العجز عن سداد الشركات في فرنسا في الارتفاع إلى ما هو أبعد مما كان يمكن أن يكون عليه لو لم تحدث مثل هذه الاضطرابات السياسية».

وكثيراً ما اصطدمت حملة ماكرون المؤيدة لقطاع الأعمال مع الناخبين؛ مما أدى في بعض الأحيان إلى احتجاجات عنيفة في الشوارع، مثل حركة «السترات الصُفر» في عام 2018، ومسيرات العام الماضي ضد إصلاح نظام التقاعد.

وعلى الرغم من فوزه بولاية ثانية في عام 2022، فإن ماكرون فشل أيضاً في التواصل مع كثير من الناخبين، الذين يعدّونه نتاجاً للنخب السياسية والتجارية المتشابكة بشكل وثيق التي تدير البلاد.

واقترح حزب «التجمع الوطني» المناهض للهجرة والمتشكك في الاتحاد الأوروبي إلغاء زيادة سن التقاعد التي فرضتها إدارة ماكرون في عام 2023، حيث رفعت السن إلى 64 عاماً من 62، وخفض الضرائب على الطاقة، عادّاً أن هذه الإجراءات ستمول من خلال تقليص الإنفاق على الرعاية الاجتماعية التي يستفيد منها المهاجرون.

وفي الوقت نفسه، فإن برنامج الضرائب والإنفاق الذي يتبناه تحالف «الجبهة الشعبية» اليسارية سيعيد فرض ضريبة على الثروة ويرفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 14 في المائة، في حين يلغي أيضاً إصلاح معاشات التقاعد الذي أقره ماكرون.

وستكون حكومة الأقلية مقيدة بخطر التصويت بحجب الثقة، مما يجعلها أقل قدرة على المضي قدماً في التشريع الجديد.

وبعيداً عن احتمال تشكيل حكومة عاجزة، فإن قادة الأعمال يشعرون بالقلق أيضاً بشأن التأثير غير المباشر؛ الذي من المرجح أن تحدثه سياسات حزب «التجمع الوطني» المناهضة للمهاجرين، على القوى العاملة في فرنسا في المستقبل.

وقال ماكينيس: «تبين لنا التركيبة السكانية أننا بحاجة إلى جذب المواهب. لقد جرى دعم هذا البلد بالهجرة لمدة 300 عام».



رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
TT

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تباطئه في سبتمبر، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

وعانت تركيا على مدى العامين الماضيين تضخماً متسارعاً، بلغ ذروته عند معدل سنوي 85.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، و75.45 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

وأفادت بيانات رسمية، يوم الخميس، بانخفاض معدل التضخم إلى 49.38 في المائة في سبتمبر. إلا أن إحصاءات مجموعة «إي إن إيه جي» المؤلفة من اقتصاديين مستقلين، أشارت إلى أن معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته يبلغ 88.6 في المائة.

وسبق لوزير المال التركي محمد شيمشك أن أكد في تصريحات سابقة أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تأمل في خفض التضخم إلى 17.6 في المائة نهاية عام 2025، وما دون 10 في المائة عام 2026.

وأشاد إردوغان حديثاً بالمسار التراجعي للتضخم، مشدداً على أن «الأوقات الصعبة باتت خلفنا». إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن ارتفاع أسعار الاستهلاك في تركيا بات «مزمناً»، وتزيده سوءاً بعض السياسات الحكومية. وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة محمد شيمشان إن «الانخفاض الراهن يعود حصراً إلى تأثير القاعدة (التي يحتسب على أساسها التضخم). ارتفاع الأسعار شهرياً ما زال كبيراً، ويبلغ 2.97 في المائة في تركيا و3.9 في المائة في إسطنبول». وأضاف: «لا يمكن اعتبار ذلك قصة نجاح».

قيمة الليرة

وعلى عكس السياسة التقليدية برفع معدلات الفوائد لمكافحة التضخم، لطالما دافع إردوغان عن سياسة خفض الفوائد، مما تسبب بانخفاض متزايد في قيمة الليرة التركية، وساهم بدوره في ارتفاع التضخم.

لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً في مايو 2023، أطلق إردوغان يد المصرف المركزي لرفع معدلات الفائدة الأساسية من 8.5 إلى 50 في المائة، بين يونيو (حزيران) 2023 ومارس (آذار) 2024. وأبقى المصرف معدلاته دون تغيير في سبتمبر للشهر السادس توالياً.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس إرينتش يلدان، إن «مكافحة التضخم تتمحور حول أولويات القطاع المالي. نتيجة لذلك، تجري الأمور بطريقة غير مباشرة وتولّد حالة من عدم اليقين».

وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة كارادينيز التقنية، يعقوب كوتشوكال، على أن رفع معدلات الفوائد لا يكفي لكبح التضخم ما لم يقترن بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، مشيراً إلى أنه يبلغ مستوى قياسياً عند 129.6 مليار ليرة (3.79 مليار دولار).

وأوضح أن وزير المال شيمشك «يقول إن هذا يعود إلى الإنفاق المرتبط بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء زلزال فبراير (شباط) 2023»، في إشارة إلى الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 53 ألف شخص. وتابع: «لكن الثقب الأسود الفعلي يعود إلى عقود الشراكة المكلفة بين القطاعين العام والخاص»، في إشارة إلى عقود لتطوير البنى التحتية يقول منتقدوها إنها غالباً ما تؤول إلى شركات على صلة وثيقة بحكومة إردوغان.

وتشمل هذه العقود كلفة بناء وإدارة مختلف البنى التحتية من الطرق السريعة والجسور إلى المستشفيات والمطارات، وغالباً ما تكون مصحوبة بضمانات سخية مثل تعويضات حكومية إذا كان معدل استخدامها دون المتوقع. وشدد كوتشوكال على أنه «يجب أن نشكك بهذه العقود التي تشكّل عبئاً على الميزانية؛ لأن هذه التعويضات مرتبطة بالدولار أو باليورو».

وغالباً ما تنعكس إجراءات مكافحة التضخم سلباً على الأسر ذات الدخل المنخفض، علماً بأن الحد الأدنى للأجور لم يتم رفعه منذ يناير (كانون الثاني)، وفق كوتشوكال الذي أكد أن «القوة الشرائية لهؤلاء متدنية أساساً».

وتابع: «بغرض خفض الطلب، على هذه الإجراءات أن تستهدف المجموعات ذات الدخل الأعلى، لكن بالكاد يوجد ما يؤثر عليها».

إجراءات التقشف

من جهته، رأى يلدان أن «إجراءات التقشف» التي شملت على سبيل المثال إلغاء خدمات التنظيف في المدارس الرسمية، تضر بالفئات الأكثر حرماناً، وتعزز عدم المساواة، مشيراً إلى أنه من المحبذ فرض «ضريبة على الثروة، والتعاملات المالية وإيرادات العقار». لكنه لفت إلى صعوبة تحقيق ذلك نظراً إلى أن الحزب الحاكم يعوّل على دعم «شركات موالية للحكومة» فازت بعقود البنى التحتية.

ووفق دراسة أعدتها جامعة كوش، تتوقع الأسر أن يبلغ التضخم السنوي نسبة 94 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، أي أعلى بكثير من توقعات المصرف المركزي.

ورأى شيمشان أن «ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الطبقات المتوسطة والدنيا محزن للغاية؛ لأنه يشمل منتجات أساسية وخدمات مثل الغذاء والسكن والتعليم، حيث يبقى التضخم بالغ الارتفاع».

وأشار مراقبون إلى أن عدم اليقين بشأن المستقبل يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار يحاولون أن يأخذوا في الاعتبار التكاليف المستقبلية. وقال يلدان: «التضخم بات هيكلياً ومستمراً في تركيا. في غياب إصلاحات هيكلية، سنكون عالقين في حلقة مفرغة كما كنا عليه في التسعينات».