الصين: التصعيد الأوروبي قد يؤدي إلى «حرب تجارية»

تقديرات بدعم بكين للسيارات الكهربائية بأكثر من 230 مليار دولار

مئات السيارات الصينية في طريقها للشحن بميناء يانتاي جنوب شرقي البلاد (أ.ف.ب)
مئات السيارات الصينية في طريقها للشحن بميناء يانتاي جنوب شرقي البلاد (أ.ف.ب)
TT

الصين: التصعيد الأوروبي قد يؤدي إلى «حرب تجارية»

مئات السيارات الصينية في طريقها للشحن بميناء يانتاي جنوب شرقي البلاد (أ.ف.ب)
مئات السيارات الصينية في طريقها للشحن بميناء يانتاي جنوب شرقي البلاد (أ.ف.ب)

قالت وزارة التجارة الصينية يوم الجمعة إن الاتحاد الأوروبي قد يشعل «حربا تجارية» إذا استمر في تصعيد التوترات، متهمة التكتل بـ«اللعب غير النزيه» خلال التحقيق الذي استمر ثمانية أشهر لمكافحة الدعم في السيارات الكهربائية الصينية.

وفي الأسبوع الماضي، اقترحت المفوضية الأوروبية رسوما جمركية تصل إلى 38.1 في المائة على واردات السيارات الكهربائية من الصين على الرغم من احتجاج بكين، ما أدى إلى تراجع العلاقات التجارية إلى مستوى منخفض جديد، ومخاطر بإجراء عقابي من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقال بيان منسوب إلى المتحدث باسم وزارة التجارة: «يواصل الجانب الأوروبي تصعيد الاحتكاكات التجارية وقد يؤدي إلى حرب تجارية»، وأضاف أن «المسؤولية تقع بالكامل على الجانب الأوروبي».

وأضافت الوزارة أن «الجانب الأوروبي في تحقيقاته بشأن الرسوم الجمركية التعويضية، قام بترهيب وإكراه الشركات الصينية، وهدد بتطبيق معدلات تعريفة جمركية عقابية مرتفعة، وطالب بمعلومات واسعة للغاية».

ونُشر بيان وزارة التجارة قبل ساعة تقريباً من وصول وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك إلى بكين، حيث من المتوقع أن يشرح للمسؤولين الصينيين الإعلان الأخير عن التعريفات الجمركية مع تخفيف خطر الانتقام من الصين الذي قد يضر بالشركات الألمانية.

وستكون شركات صناعة السيارات الألمانية الأكثر تعرضاً لأي تحركات مضادة من الصين، حيث جاء ما يقرب من ثلث مبيعاتها من اقتصاد بقيمة 18.6 تريليون دولار العام الماضي.

وبلغت قيمة صادرات السيارات من الاتحاد الأوروبي إلى الصين 19.4 مليار يورو (20.8 مليار دولار) في عام 2023، بينما اشترى الاتحاد 9.7 مليار يورو من المركبات الكهربائية من الصين، وفقاً لأرقام وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي.

وفي بيانها، قالت وزارة التجارة إن المفوضية الأوروبية، التي تشرف على سياسة التجارة الخارجية للاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، «استخدمت بشكل غير لائق أداة التحقيق في الرسوم التعويضية»، وفشلت في الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية من خلال «البدء بشكل مستقل» في تحقيقها في السيارات الكهربائية الصينية.

كما أطلقت بكين تحقيق إغراق في واردات لحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي، والذي تقول وزارة التجارة إنه جاء نتيجة لشكوى قدمتها جمعية تربية الحيوانات الصينية.

ويوم الخميس، قال المتحدث باسم وزارة التجارة هي يادونغ إن المفوضية «طلبت بشكل إلزامي» من شركات صناعة السيارات الصينية تسليم كمية «غير مسبوقة» من المعلومات و«أكثر مما هو مطلوب للتحقيق في الرسوم التعويضية»، عندما سألها راديو الدولة الصيني عما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد سعى إلى «التجسس» على صناعة السيارات الكهربائية في الصين.

وفي غضون ذلك، قدرت دراسة جديدة أن قطاع صناعة السيارات الكهربائية في الصين حصل على دعم حكومي بواقع 231 مليار دولار، على الأقل، خلال الفترة من 2009 حتى نهاية العام الماضي.

وصرح سكوت كينيدي، الخبير المتخصص في الشأن الصيني لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية - مؤسسة بحثية أميركية مقرها واشنطن - بأن أكثر من نصف هذا الدعم كان في صورة إعفاءات من ضريبة المبيعات، في حين أن باقي الدعم جاء في شكل خصومات للشراء وتمويل حكومي لمشروعات البنية التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية مثل محطات الشحن، فضلا عن مشتريات حكومية لسيارات كهربائية.

ونقلت «بلومبرغ» عن كينيدي قوله في تدوينة: «استفاد قطاع السيارات الكهربائية الصيني من الدعم السياسي الهائل لهذه الصناعة، ما أدى إلى تحسن جودتها وجعلها جذابة للمستهلكين سواء داخل البلاد أو خارجها».

وأشار كينيدي إلى أن البيانات التي وردت في الدراسة «محافظة للغاية»، حيث إنها لم تتضمن برامج الخصومات التي تم تطبيقها على المستوى المحلي في مدن مثل شنغهاي وشينزن بغرض تشجيع أصحاب السيارات التقليدية على التحول إلى السيارات الكهربائية، ولا تتضمن أيضا خفض تكاليف الأرض والكهرباء ولا القروض التي حصلت عليها بعض شركات السيارات الكهربائية، ولا الدعم الذي حصلت عليه شركات البطاريات والخامات الأخرى في سلسلة التوريد.

وتأتي هذه الدراسة بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين بنسبة تصل إلى 48 في المائة لتعويض الدعم الحكومي الصيني لهذه الصناعة، وبعد قرار أميركي بزيادة الجمارك على السيارات الكهربائية الصينية بواقع أربعة أمثال تقريبا، بحسب «بلومبرغ».

هابيك غير متفائل

ومن جانبه، لا يبدو وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك متفائلا للغاية بشأن حل النزاع التجاري المتصاعد بين الصين والاتحاد الأوروبي حول السيارات الكهربائية.

وقال هابيك يوم الجمعة بالقرب من العاصمة الكورية الجنوبية سيول قبيل توجهه إلى الصين، إنه يأمل أن يتم وضع حلول أو «صيغ موجهة نحو الحلول» في المستقبل القريب، وأضاف: «إذا كانت رحلتي يمكن أن تساهم في ذلك، فسيكون ذلك جيدا. ومع ذلك، فإن حتى بوادر الحل أصبحت الآن صعبة».

وحاول هابيك التقليل من التوقعات بشأن محادثاته مع مسؤولي الحكومة الصينية، وقال: «أي احتمال بشأن حل النزاع في الصين أثناء وجودي هناك أمر غير وارد. لا أستطيع التفاوض نيابة عن الاتحاد الأوروبي على الإطلاق».

وقال هابيك إن ألمانيا - باعتبارها أكبر دولة في أوروبا وأكبر دولة منتجة للسيارات في القارة - لها بالتأكيد وضع خاص في هذا الصراع. وتعد الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، وبالتالي فهي مهمة للغاية بالنسبة لمصنعي السيارات الألمان، ما يعني أن أي إجراءات مضادة من جانب الصين قد تضر بشركات السيارات الألمانية.

وذكر هابيك أنه تحدث إلى مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون التجارية، فالديس دومبروفسكيس، قبل توجهه للصين، مضيفا أنه يحث الآن الطرفين على التحدث سويا والبحث عن نقاط للاتفاق.

كندا على الخط؟

ويبدو أن الأزمة مرشحة للتوسع، إذ ذكرت مصادر مطلعة أن حكومة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو تستعد لفرض رسوم جمركية جديدة على السيارات الكهربائية القادمة من الصين، لتتماشى مع الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.

ونقلت «بلومبرغ» عن المصادر قولها إن الحكومة الكندية لم تتخذ حتى الآن قرارات نهائية بشأن كيفية المضي قدما في فرض الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية، ولكنها على الأرجح سوف تعلن قريبا بدء المشاورات بشأن هذه الرسوم.

وتشير بيانات مكتب الإحصاء الكندي إلى أن قيمة السيارات الكهربائية الصينية التي استوردتها كندا ارتفعت العام الماضي لتصل إلى 2.2 مليار دولار كندي (1.6 مليار دولار أميركي)، مقابل أقل من 100 مليون دولار كندي في عام 2022. كما زاد عدد السيارات الواردة من الصين إلى ميناء فانكوفر الكندي بأكثر من خمسة أمثال، بعد أن بدأت شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية في شحن سياراتها من طراز «موديل واي» التي يتم إنتاجها في مصنع الشركة بمدينة شنغهاي الصينية.

ورغم أن الشاغل الرئيسي للحكومة الكندية لا ينصب على شركة «تسلا»، فإنها تشعر بالقلق من احتمالات أن تغمر السيارات الصينية رخيصة الثمن الأسواق الكندية في نهاية المطاف.


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء البريطاني يُعرب عن ثقته بجذب استثمارات خاصة جديدة

الاقتصاد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر يتحدث خلال زيارة لمصنع في تشيستر (رويترز)

رئيس الوزراء البريطاني يُعرب عن ثقته بجذب استثمارات خاصة جديدة

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إنه واثق بجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة إلى بريطانيا في الأسابيع والأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عمال يرصُّون أجولة من السكر لشحنها في ميناء بولاية غوجارات الهندية (رويترز)

السكر يقود قفزة شاملة بأسعار الغذاء العالمي في سبتمبر

أظهرت بيانات أن مؤشر أسعار الغذاء العالمية قفز في سبتمبر (أيلول) مسجلاً أكبر زيادة له في 18 شهراً بدعم من ارتفاع أسعار السكر.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد ماسح أحذية يتعامل مع أحد الزبائن أمام محطة طوكيو المركزية بالعاصمة اليابانية (أ.ف.ب)

رئيس الوزراء الياباني يطلب رسمياً إعداد حزمة تحفيز

أصدر رئيس الوزراء الياباني الجديد تعليمات رسمية لوزرائه يوم الجمعة بإعداد حزمة اقتصادية جديدة لتخفيف الضربة التي تتعرض لها الأسر نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد منظر عام لبنك إنجلترا في لندن (رويترز)

كبير اقتصاديي بنك إنجلترا يدعو إلى الحذر عند خفض الفائدة

أكد كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، ضرورة أن يتخذ المصرف المركزي البريطاني خطوات تدريجية عند خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)

التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

قد يكون التذبذب السريع في معدلات التضخم دون تأثيرات مماثلة على الناتج الاقتصادي سمة بارزة لعالم ما بعد جائحة كوفيد-19.

«الشرق الأوسط» (لندن)

شركات فرنسية لضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية

حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوقع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية بحضور حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية (هيئة الاستثمار المصرية)
حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوقع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية بحضور حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية (هيئة الاستثمار المصرية)
TT

شركات فرنسية لضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية

حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوقع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية بحضور حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية (هيئة الاستثمار المصرية)
حسام هيبة رئيس هيئة الاستثمار والمناطق الحرة يوقع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية بحضور حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية (هيئة الاستثمار المصرية)

تعهدت شركات فرنسية عدة بضخ استثمارات جديدة في السوق المصرية، خلال الفترة المقبلة، وذلك في قطاعات متنوعة أبرزها النقل والأغذية والدواء.

وذكر بيان صحافي صادر عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر، السبت، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن شركات: «لوسافر» في مجال صناعة الخمائر، و«ألستوم» عملاق النقل، و«سانوفي» في قطاع الصناعات الدوائية، و«ديكاتلون» في قطاع التجزئة المتخصصة في الملابس والمعدات الرياضية، تعهدوا بضخ استثمارات جديدة إلى السوق المصرية خلال المرحلة المقبلة، استغلالاً للتحسن الكبير الذي شهدته البنية التحتية والتشريعية للاستثمار في مصر.

تبلغ قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر نحو 7 مليارات يورو (7.7 مليار دولار) تتوزع بين 180 شركة في مختلف القطاعات.

وأوضح البيان أن تعهد الشركات الفرنسية بالتوسع في مصر، جاء خلال الزيارة الترويجية التي قام بها حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بمصاحبة حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، والتي شملت المشاركة في منتدى الأعمال المصري الفرنسي في باريس ومارسيليا، بحضور صوفي بريماس، وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية وأكثر من 350 شركة فرنسية.

وأشار البيان إلى اللقاءات الترويجية التي شملت شركة «جون كوكوريل»، إحدى الشركات الرائدة في إنتاج معدات وأجهزة التحليل الكهربي لتوليد الهيدروجين، ومسؤولي بنك الاستثمار الفرنسي bpi France، حيث تم مناقشة تعزيز وجود البنك في مجال خدمات الضمان المالي، والتمويل للمشروعات الاستثمارية بما يساهم في تعزيز وجود الاستثمارات الفرنسية بالسوق المصرية، كما تم التباحث مع رئيس مجموعة CMA CGM الفرنسية العاملة بقطاع الملاحة والنقل واللوجيستيات، الشريك التنموي لمصر، لتنفيذ عدد من المشروعات ذات الأولوية في مجال البنية التحتية.

وقال هيبة، إن «مصر نجحت في جذب عدد كبير من الشركات العالمية والفرنسية للاستثمار في مصر، للاستفادة من قدراتها كبوابة استثمارية وتصديرية لأفريقيا»، مشيراً إلى أن «مصر حافظت على صدارتها لقائمة المقاصد الأفريقية الجاذبة للاستثمار لعامي 2022-2023، ومن المتوقع استمرار تصدرها في الأعوام المُقبلة، خاصةً بعد أن وصلت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر في العام المالي 2023-2024 إلى قمة تاريخية بلغت 46.1 مليار دولار».

وأشار البيان إلى أن الرئيس التنفيذي للهيئة قام خلال الزيارة بتوقيع مذكرة تفاهم مع وكالة ترويج الاستثمار الفرنسية، بحضور حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، بهدف «ضمان استدامة التعاون الاستثماري بين البلدين».

نصت مذكرة التفاهم على «توفير كل أشكال الدعم والتيسير للمستثمرين، والتنسيق بين مجتمعي الأعمال في البلدين من أجل إنشاء شراكات استثمارية، وتبادل البيانات والمعلومات عن القطاعات والصناعات والفرص الاستثمارية المستهدفَة والتطورات التشريعية والتنفيذية الخاصة ببيئة الاستثمار، وتنظيم الندوات والمؤتمرات المخصَّصة للترويج للاستثمار وجذب المستثمرين، وتنظيم الجولات الترويجية لوفود الأعمال من البلدين لاستكشاف الفرص الاستثمارية».

وأشار الجانب الفرنسي إلى حجم الاستثمارات الفرنسية التي تم ضخها في السوق المصرية، ومن أبرزها استثمارات شركات فاليو، وكابجيميني، وأتوس، وأورانج بزنس سيرفيسز، في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واستثمارات شركات سيرفييه، وأكسا، وأكسا ون هيلث، وسانوفي، وإير ليكيد في قطاع الرعاية الصحية، بجانب شركة لوريال العاملة في قطاع صناعة مستحضرات التجميل.

وتعد الزيارة الترويجية لفرنسا امتداداً لمؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي 2024، الذي عُقد بالقاهرة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، والإعلان عن ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي لمستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة في مارس (آذار) الماضي.