السودان: هل من دور للتطبيقات المصرفية في قيام «سوق سوداء» للعملات؟

مواطنون أمام فرع بنك الخرطوم في وسط السودان (رويترز)
مواطنون أمام فرع بنك الخرطوم في وسط السودان (رويترز)
TT

السودان: هل من دور للتطبيقات المصرفية في قيام «سوق سوداء» للعملات؟

مواطنون أمام فرع بنك الخرطوم في وسط السودان (رويترز)
مواطنون أمام فرع بنك الخرطوم في وسط السودان (رويترز)

أكثر من مليونَي مواطن سوداني لجأوا إلى دول الجوار وحول العالم، هرباً من القتال والمعارك العنيفة المستمرة منذ أكثر من عام في أغلب أنحاء البلاد. وإزاء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، وفقدان مصادر الدخل، أصبح المواطنون يعتمدون على المساعدات النقدية التي تأتيهم من ذويهم. ولكن كون السودان خارج النظام المصرفي العالمي منذ أحداث أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يمنع مصارفها من إنجاز عمليات تحويل مالية بالعملات الأجنبية. وهو ما يدفع بعضهم إلى القيام بعمليات تحويل بالجنيه السوداني من خلال تطبيقات مصرفية، ما نقل مركز تداول العملات الأجنبية من جهة، وعزز إنشاء «أسواق عملات سوداء» خارج البلاد من جهة أخرى.

لكن مصدراً رفيعاً في بنك الخرطوم –أحد أعرق المصارف السودانية– ورائد التطبيقات المصرفية، نفى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» استخدام تطبيقه واسع الانتشار والمعروف باسم «بنكك»، في الاتجار بالعملات. وإذ أكد أن هذا التطبيق متاح للجميع في كل مكان، قال: «لم نسمع بأنه يتم استخدامه في تجارة العملة».

عرض وطلب

وأرجع الخبير الاقتصادي والناطق باسم حزب «البعث» عادل خلف الله، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، أسباب ازدهار أسواق العملات خارج السودان، إلى ما سمَّاه «توسع الفجوة بين العرض والطلب»، وفقدان البلاد نحو 80 في المائة من مصادر النقد الأجنبي نتيجة للحرب، ما أسهم في تغير اتجاه تحويلات المغتربين المقدرة بنحو 7 مليارات دولار قبيل نهاية عام 2021، إلى أسرهم وأنشطتهم خارج البلاد، بسبب النزوح واللجوء، وما وفرته التطبيقات المصرفية الإلكترونية من تسهيلات.

أسرار مصرفية

وقال مدير الموارد البشرية في بنك الخرطوم، نصر الدين عبد الواحد، لـ«الشرق الأوسط»، إن تطبيق «بنكك» ساعد المواطنين -لا سيما في مناطق النزاع- في الحصول على النقود من داخل السودان وخارجه. وشرح بأن معلومات العملاء سرية لا يمكن للمصرف الإفصاح عنها، مكتفياً بالقول: «من يتمتعون بخدمة (بنكك) عددهم كبير جداً». ووصف المعلومات التي يتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي حول هذا التطبيق بأنها «شائعات» مجهولة المصدر.

وأوضح الإداري الرفيع في المصرف، أن انقطاعات شبكة الاتصالات وعدم استقرارها في بعض المناطق، تعد من التحديات التي تواجه بنك الخرطوم وتطبيق «بنكك»، داعياً المواطنين إلى «الاتصال بمركز خدمات المشتركين في حالة واجهتهم أي مشكلة في التطبيقات».

ونبَّه عبد الواحد عملاء المصرف من فئة أطلق عليها «السماسرة» الذين يزعمون مساعدة الناس في استعادة الخدمة أو معالجة الأعطال مقابل المال، ودعاهم إلى الابتعاد عنهم. وقال: «هؤلاء فئة غير أمينة، وللأسف منتشرون بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي». وراجت على نطاق واسع أحاديث عن استعداد بعض الأشخاص لمعالجة مشكلات التطبيقات المالية في حال تعطلها لأسباب فنية أو إدارية أو إلكترونية، مقابل مبالغ مالية متفق عليها؛ خصوصاً بالنسبة للأشخاص الموجودين خارج البلاد، أو المناطق خارج سيطرة الحكومة؛ حيث لا توجد فروع عاملة للبنوك.

دور البنك المركزي

حلَّت التطبيقات المصرفية مشكلات كبيرة يعاني منها الاقتصاد السوداني والمواطنون خلال الحرب. فقبل الحرب، كان الاعتماد عليها داخلياً أقل مما هو عليه الآن، ولكن بسبب الحرب أصبح الاعتماد عليها كبيراً؛ خصوصاً بالنسبة للعملاء خارج البلاد. ويؤكد خبراء أهمية أن تكون لبنك السودان المركزي رقابة محكمة على هذه التطبيقات، وتبنِّي سياسات تحد من الممارسات السالبة للمضاربات المصرفية أو التعاملات الإلكترونية.

وقال الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ«الشرق الأوسط»، إن الهجوم الذي يُشَن على التطبيقات المصرفية يستند على معلومات غير دقيقة. وأضاف: «التطبيقات المصرفية ساهمت في حل مشكلات اقتصادية للأسر منذ بداية الحرب وحتى الآن». ودعا الناير بنك السودان المركزي إلى وضع سياسات مالية تمكِّنه من الاستفادة من التطبيقات، ووقف استغلالها بما يتسبب في الضرر للاقتصاد، وإلى تبني سياسات لترشيد الواردات وقصرها على السلع الضرورية، وزيادة حجم الصادرات، والاستفادة من الذهب والحد من تهريبه، مع ترشيد الاتفاق العام، بما يحافظ على سعر صرف العملة الوطنية.

«سوق العملات السوداء»

وأرجع عادل خلف الله ظهور «السوق السوداء» إلى حقبة تاريخية، بدأت بأول خفض لسعر صرف العملة الوطنية وربطها بالدولار، واعتماد سياسة تعدد سعر الصرف في عام 1978، إثر رضوخ نظام مايو (أيار) لوصفة صندوق النقد الدولي. وقال: «منذ ذلك التاريخ، ظهر ما عرفت بـ(سوق العملات السوداء) أو الموازية، وبلغت ذروتها في عهد حكومة (الإنقاذ) لعدة أسباب، من أهمها: زيادة أعداد السودانيين العاملين في الخارج، وتوسع الطلب الحكومي على النقد الأجنبي الناتج عن تصفية القطاع العام، وتحطيم قواعد الإنتاج ومصادر النقد الأجنبي».

وتابع: «لعب التمكين الاقتصادي لرموز نظام (الإنقاذ)، وتخصيص شركات مملوكة لهم للعمل في هذا النشاط، وتأثير العقوبات الاقتصادية على البلاد، دوراً كبيراً في ازدياد وتعاظم تجارة العملات في الأسواق الموازية وخارج النظام المصرفي».

ووفقاً لخلف الله، فإن أبرز تجليات أزمة الاقتصاد السوداني تتمثل في تنامي شح النقد الأجنبي، وانخفاض احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، في مقابل تنامي الطلب عليها، وعلى رأسه الطلب الحكومي. وتابع: «تفاقم تدهور سعر الصرف مقابل الدولار والعملات الأخرى، بعد الإجراءات التي اتخذها رئيس (مجلس السيادة) عبد الفتاح البرهان في 21 أكتوبر 2021. وزاد الطين بلة بعد الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023».


مقالات ذات صلة

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

شمال افريقيا الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

«حميدتي» يُصدر أوامر مشدّدة لقواته بحماية السودانيين

أصدر قائد «قوات الدعم السريع» في السودان، محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، السبت، أوامر مشدّدة لقواته بحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي صورة نشرها الموفد الأميركي على «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف

«متحالفون» تدعو الأطراف السودانية لضمان مرور المساعدات

جدّدت مجموعة «متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام بالسودان» دعوتها الأطراف السودانية إلى ضمان المرور الآمن للمساعدات الإنسانية المنقذة لحياة ملايين المحتاجين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

حرب السودان الكارثية... مشكلة كبرى أمام العالم الصامت

يلقى النزاع في السودان جزءاً ضئيلاً من الاهتمام الذي حظيت به الحرب في غزة وأوكرانيا، ومع ذلك فهو يهدد بأن يكون أكثر فتكاً من أي صراع آخر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو خلال مؤتمر صحافي في جنيف 12 أغسطس (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي يحذر من تمديد الحرب في السودان إقليمياً

حذر المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيرييلو من احتمالات اتساع رقعة الحرب في السودان لتهدد دول الإقليم، وحمّل استمرار الحرب لـ«قوى سياسية سلبية» في السودان.

أحمد يونس (كمبالا)
أفريقيا وزير الصحة السوداني يبحث تنفيذ الاشتراطات الصحية لدخول مصر (الصحة السودانية)

تجاوب سوداني مع اشتراطات مصرية جديدة لدخول البلاد

أعلنت وزارة الصحة السودانية «ترتيبات الخدمات الخاصة بتوفير الاشتراطات الصحية لتصاريح السفر، من بينها توفير لقاحات شلل الأطفال لجميع الأعمار».

أحمد إمبابي (القاهرة )

«بنك التنمية الجديد» لتعزيز الجهود في دول «البريكس»

شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
TT

«بنك التنمية الجديد» لتعزيز الجهود في دول «البريكس»

شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)

أقر «بنك التنمية الجديد» آلية جديدة لتعزيز جهود التنمية في دول «البريكس»، خلال اجتماع عقدته الدول الأعضاء، السبت، في كيب تاون بجنوب أفريقيا.

وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ولم يتم الكشف عن بنود الآلية الجديدة، لكن من المقرر أن تظهر ملامحها خلال فعاليات الاجتماع الحالي.

وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، محافظ مصر لدى «بنك التنمية الجديد»، رانيا المشاط، أهمية سد الفجوات التمويلية التي تواجه جهود تحقيق التنمية، من خلال التمويل المختلط الذي يجمع بين الاستثمارات الحكومية، والتمويلات الأخرى المتاحة من مختلف الأطراف ذات الصلة.

وأوضحت المشاط، في الجلسة النقاشية لمحافظي «بنك التنمية الجديد»، حول «فتح آفاق التمويل من أجل التنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والدول النامية»، أنه «في ظل انخفاض نسب التمويل المختلط، فإن التكامل بين بنوك التنمية متعددة الأطراف، والحكومات، يُعد أمراً بالغ الأهمية للدفع قدماً بجهود التنمية».

وأضافت المشاط، أن الحكومات يجب أن تكون واضحة بشأن أولوياتها، وأيضًا على مستوى حجم الاستثمارات الحكومية التي ستتيحها، وتعظيم مبدأ ملكية الدولة، من أجل تحديد الاحتياجات الفعلية من بنوك التنمية متعددة الأطراف، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، مؤكدة أن توضيح الأولويات في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول المختلفة يعزّز من فاعلية التعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف، ويحفّز جذب استثمارات القطاع الخاص.

جاء ذلك، وفق بيان صحافي، خلال مشاركة الوزيرة في الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي البنك، المنعقد تحت عنوان «الاستثمار في مستقبل مستدام» خلال المدة من 28 - 31 أغسطس (آب) 2024 بمدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا.

وألقى الكلمة الافتتاحية للجلسة رئيسة «بنك التنمية الجديد» ديلما روسيف، ورئيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية جين لي تشون، ورئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، ومحافظو دول البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وبنغلاديش، والإمارات العربية المتحدة، لدى البنك.

وفي كلمتها أوضحت المشاط، أن «تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وإفساح المجال للقطاع الخاص يُعدّ أحد المحاور الأساسية لتشجيع الاستثمارات، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن تتحمّل الدولة تكلفة، وتتيح جزءاً من موازنتها الاستثمارية لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية».

وفي سياق متصل، شددت الوزيرة على أن «التعاون بين دول الجنوب العالمي وزيادة جهود تبادل الخبرات والممارسات التنموية، يُعدان عنصرين حاسمين للاستفادة من التجارب الناجحة التي تساعد الدول النامية على تجاوز تحدياتها».

ثم انتقلت إلى الحديث حول الترابط الكبير بين جهود التنمية والعمل المناخي، وأنه «لا يمكن تجاهل هذا الترابط في أثناء السعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ولذلك فقد أطلقت مصر المنصة الوطنية لبرنامج (نُوَفّي)، التي تتضمّن مشروعات ذات أولوية في مجالي التخفيف والتكيف بقطاعات المياه والغذاء والطاقة».

وأشارت الوزيرة إلى «أهمية التكامل بين التمويل الحكومي وما تقدمه بنوك التنمية متعددة الأطراف أو الشراكات الثنائية، بهدف خفض التكاليف إلى أدنى حد ممكن»، موضحة أن «أحد التحديات الكبرى التي نواجهها هو أن التمويل المطلوب للتنمية والعمل المناخي سيستمر في الزيادة مع مرور السنوات، وعلى الرغم من أن التمويلات التنموية تؤدي دوراً حيوياً في تلك القضية، فإنها لا تستطيع سد الفجوة المتنامية باستمرار، لذا يتعيّن على الدول النامية والناشئة اتخاذ نهج متعدد الأوجه لحشد التمويل للتنمية المستدامة».