مصر لتخطي إرث «رغيف الخبز المدعم»

عقب إعلان رئيس الوزراء تحريك الأسعار لأول مرة منذ 36 عاماً

دعم رغيف الخبز سياسة راسخة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 1988
دعم رغيف الخبز سياسة راسخة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 1988
TT

مصر لتخطي إرث «رغيف الخبز المدعم»

دعم رغيف الخبز سياسة راسخة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 1988
دعم رغيف الخبز سياسة راسخة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عام 1988

«عُض قلبي ولا تعض رغيفي»؛ مَثل شعبي استشهد به المصري عادل الديب، في إشارة منه إلى عدم تقبله فكرة رفع ثمن رغيف الخبز، بعد أن أعلنت الحكومة المصرية نيتها «تحريك» أسعار الخبز البلدي المدعم.

ويُضرب المثل الشعبي الشهير للإشارة إلى أهمية الخبز أو «العيش» لدى المصريين، حيث يعني أن المواطن قد يقبل بأي شيء حتى لو مس قلبه، إلا أنه لا يقبل أن يطول الأمر رغيف الخبز؛ فهو بمثابة «خط الأحمر» في حياته.

وقال الديب، الذي يعمل موظفاً حكومياً ويقطن بإحدى قرى محافظة المنوفية (بدلتا النيل)، لـ«الشرق الأوسط»: «رغيف العيش البلدي هو عصب الحياة لدينا، لا يمكن لمنزل أن يستغنى عنه، فقد يأكله الفقير بمفرده ولو مع قليل من الملح، وكذلك يتناوله الغني مع أشهى المأكولات، وبالتالي رفع سعره ورفع الدعم عنه سيكون عبئاً جديداً يضاف إلى الأعباء المعيشية».

وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الاثنين، إنه لا بد من «تحريك» أسعار الخبز لتتناسب مع ما وصفه بـ«الزيادات الرهيبة» في سعر التكلفة، لكنه أكد - خلال مؤتمر صحافي في مدينة الإسكندرية - أن الخبز «سيظل مدعوماً، لكن فاتورة دعمه أصبحت كبيرة جداً».

تكلفة كبيرة تتحملها الحكومة المصرية في دعم رغيف الخبز

ويرى الخبير الاقتصادي والمالي المصري، الدكتور ياسر حسين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «تحريك سعر الخبز متوقع حدوثه قريباً بعد تصريحات رئيس الحكومة، إلا أن ذلك سيكون على مراحل، وأتوقع أن تشهد المرحلة الأولى تحريكه من 5 قروش إلى 25 قرشاً، ثم يأتي التحريك بعدها تباعاً، لكن سيظل الخبز أكثر السلع المدعمة من قِبل الحكومة للمواطن لسنوات مقبلة عدة، وربما يتم رفع الدعم نهائياً عن سلع أخرى عديدة، إلا أن الخبز سيظل مدعوماً لسنوات طويلة».

والسبت الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه مشروعات تنموية، إن الحكومة تدعم الخبز بمبلغ 130 مليار جنيه سنوياً (نحو 2.8 مليار دولار - الدولار يساوي نحو 47 جنيهاً)، بينما يكلف رغيف الخبز الدولة 1.25 جنيه.

ويشير الخبير الاقتصادي والمالي إلى أنه بالفعل هناك تكلفة كبيرة في دعم رغيف الخبز في مصر، مضيفاً: «المواطن يدفع 5 قروش في حين يكلف الرغيف الدولة 125 قرشاً، التي تتحمل فارق التكلفة الكبير، وبالتالي هناك تكلفة كبيرة، ومع ارتفاع الدين الداخلي والخارجي لمصر، أصبح الاستمرار في دعم الخبز أمراً في منتهي الصعوبة، وبالتالي الحكومة مضطرة إلى تحريك سعر الخبز؛ لأنها لا تستطيع الاستمرار في هذا الدعم، في ظل الضغوط الاقتصادية».

وفي محافظة الشرقية، أبدت ربة المنزل الستينية، شادية حسن، موافقتها على رفع سعر الخبز، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «أعيش بمفردي، ولا أحتاج كثيراً إلى الخبز المدعم على بطافة التموين، وأرى أنه من الأفضل أن يتحول الدعم شكلاً نقدياً بصفة شهرية؛ لأنني سأستفيد به بشكل أكبر».

ومثّل دعم رغيف الخبز سياسة راسخة لدى الحكومات المتعاقبة منذ عام 1988، الذي شهد آخر تحريك لسعر رغيف الخبز برفعه إلى «5 قروش»، وأكدت الحكومة الحالية منذ تشكيلها في منتصف 2018، في أكثر من مناسبة، أن ما يشغلها في المقام الأول «هو الحفاظ علي رغيف الخبز المدعم»، وأنها «مستمرة في توصيل رغيف الخبز المدعم للمواطنين على بطاقات التموين بخمسة قروش، دون أي زيادة، للتيسير على المواطنين ومراعاة محدودي الدخل». كما نفت أكثر من مرة شائعات انتشرت لدى الرأي العام برفع الدعم، بالتأكيد أنه «لا توجد أي نية لرفع الدعم عنه».

يعود الموظف الخمسيني للحديث، قائلاً: «الحكومة غيّرت توجهها نحو الخبز؛ لذا سأجد معاناة إذا تم تحريك سعره، لأنني سأضطر وقتها إلى اقتطاع ميزانية خاصة له من راتبي، على حساب احتياجات أخرى».

وتشير إحصاءات وزارة التموين المصرية إلى إنتاج 250 مليوناً إلى 270 مليون رغيف يومياً، من خلال 30 ألف مخبز بلدي، منتشرة على مستوى المحافظات المصرية، ويستفيد من منظومة الخبز المدعم ما يقرب من 72 مليون مواطن، من خلال بطاقات التموين بمعدل 150 رغيفاً شهرياً لكل فرد مقيد ببطاقة التموين.

هنا يعلق الخبير الاقتصادي، لافتاً إلى أن الحكومات المتعاقبة تضع نصب أعينها دائماً ما حدث في أواخر السبعينات في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عندما حاول إحداث تحرر اقتصادي، وهو ما قوبل باضطرابات أو ما عرف بـ«انتفاضة الخبز»، التي لم تهدأ إلا بتراجع السادات عن قرارات رفع الأسعار، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن المواطن يرى أن دعم الخبز حق من حقوقه وإرث عليه ألا يفرط فيه.

لذا؛ يؤيد الخبير الاقتصادي ما تدرسه الدولة من تحويل منظومة الدعم العيني إلى نقدي؛ لأن ذلك سيكون في صالح الاقتصاد والمواطن، فهو يحول الدعم رقماً ظاهراً لعدد معروف من المواطنين، مضيفاً: «أتوقع أن الدولة ستسير في ذلك الاتجاه وبقوة وعلى مراحل، فهو يقضي على أي شبهة فساد، كما أنه أكثر شفافية مع الجهات الدولية المانحة».


مقالات ذات صلة

تحركات مصرية رسمية لـ«تحسين مناخ» الحريات قبيل «مراجعة جنيف»

شمال افريقيا اجتماع «اللجنة العليا لحقوق الإنسان» بمصر (الخارجية المصرية)

تحركات مصرية رسمية لـ«تحسين مناخ» الحريات قبيل «مراجعة جنيف»

ناقشت «العليا الدائمة لحقوق الإنسان» (لجنة يرأسها وزير الخارجية المصري، وتشارك فيها وزارات وهيئات حكومية) إجراءات تنفيذ «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مقر دار الإفتاء المصرية (دار الإفتاء)

مؤتمر لـ«الإفتاء المصرية» يناقش مكافحة التطرف عالمياً

يناقش مؤتمر دولي لدار الإفتاء المصرية «مكافحة التطرف وخطاب الكراهية» وينطلق الاثنين لمدة يومين بأحد فنادق القاهرة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

تُسرّع الحكومة المصرية من «إجراءات تعويض أهالي منطقة (رأس الحكمة) في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد)».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مناقشات «الحوار الوطني» في مصر لملف «الحبس الاحتياطي» (الحوار الوطني)

«الحوار الوطني» لعرض تعديلات «الحبس الاحتياطي» على الرئيس المصري

يراجع «مجلس أمناء الحوار الوطني» في مصر مقترحات القوى السياسية وتوصياتها على تعديلات بشأن ملف «الحبس الاحتياطي»، عقب مناقشات موسعة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا وزير التموين خلال جولته في الإسكندرية (وزارة التموين)

مسؤولون مصريون يواجهون «الغلاء» بجولات مفاجئة على الأسواق

يواصل مسؤولون مصريون جولاتهم المفاجئة على الأسواق للتأكد من توافر السلع بـ«أسعار مناسبة»، عقب زيادة أسعار الوقود.

أحمد عدلي (القاهرة)

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)
صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)
TT

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)
صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)

تنظّم وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، النسخة الثانية من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) 2024 التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).

ويشمل جدول أعمال المنتدى الطاولة الوزارية المستديرة بحضور عدد من الوزراء، ومن قيادات التحول الصناعي حول العالم، ويُستعرض من خلالها السياسات الصناعية وتحدياتها والحلول المقترحة لها، إلى جانب جلسات حوارية تتم فيها مناقشة سبل استخدام مصادر الطاقة النظيفة في الصناعة، وتسليط الضوء على أبرز الممارسات العالمية لتعزيز المرونة في سلاسل الإمداد والقدرة على التكيف مع المتغيرات، كما يبحث المنتدى أحدث التقنيات الرقمية في التصنيع؛ ومنها الذكاء الاصطناعي.

وسينعقد المنتدى في العاصمة الرياض للمرة الأولى خارج مقر المنظمة في فيينا، وذلك خلال يومي الأربعاء والخميس الموافقين 23 و24 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، تحت شعار «تحويل التحديات إلى حلول مستدامة من خلال السياسات الصناعية»، بحضور نحو 3 آلاف من قادة الصناعة من حول العالم، ومن صنّاع القرار والرؤساء التنفيذيين، ومن المختصين في القطاع الصناعي، والمهتمين بتطوير السياسات الصناعية.

ويمثّل منتدى السياسات الصناعية متعدد الأطراف فرصة لإبراز منجزات المملكة في القطاع الصناعي من خلال المعرض المصاحب، والذي سيجري فيه استعراض المبادرات والجهود في توطين الصناعات الواعدة، وتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية النوعية التي يوفرها القطاع، كما يتوافق المنتدى مع توجهات «رؤية 2030»، والاستراتيجية الوطنية للصناعة في دعم تنافسية القطاع الصناعي، وتطوير الابتكار والإبداع فيه.