اليابان تكافح ثلاثية الين والتضخم والفائدة

التزام بتحقيق فائض في موازنة العام المقبل رغم الصعوبات

متسوقون يشترون فاكهة وخضراوات في إحدى الأسواق الشعبية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
متسوقون يشترون فاكهة وخضراوات في إحدى الأسواق الشعبية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
TT

اليابان تكافح ثلاثية الين والتضخم والفائدة

متسوقون يشترون فاكهة وخضراوات في إحدى الأسواق الشعبية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)
متسوقون يشترون فاكهة وخضراوات في إحدى الأسواق الشعبية بالعاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

من المتوقع أن تلتزم الحكومة اليابانية بهدفها المتمثل في تحقيق فائض أولي في الموازنة بحلول نهاية السنة المالية في مارس (آذار) 2026، في إطار مخطط رئيسي لسياسة منتصف العام من المقرر صدوره في وقت لاحق من الشهر المقبل، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر بشكل مباشر لـ«رويترز».

وقال أحد المصادر إن الحكومة تدرك الحاجة إلى ترتيب أوضاعها المالية في مواجهة الارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة وضعف العملة، إضافة إلى تضخم مراوغ.

وساعدت سنوات من التحفيز النقدي غير التقليدي، والتي شهدت محافظة اليابان على أسعار الفائدة بالقرب من مستويات الصفر، بشكل فعال في تمويل الديون الحكومية وتقويض الانضباط المالي.

ومع ذلك، فإن القرار التاريخي الذي اتخذه بنك اليابان في مارس الماضي بإنهاء أسعار الفائدة السلبية وغيرها من بقايا سياسته النقدية غير التقليدية يشير إلى أن أيام الأموال الرخيصة تقترب من نهايتها.

وقال أحد كبار مشرعي الحزب الليبرالي الديمقراطي: «إن عدداً من مشرعي الحزب الليبرالي الديمقراطي يظهرون الآن تفهماً متزايداً تجاه هدف الموازنة مع ظهور ارتفاع أسعار الفائدة». وقال مسؤول في مكتب مجلس الوزراء: «لم يعد بإمكاننا تحديد هدف مالي فضفاض في ضوء ضعف الين وارتفاع أسعار الفائدة».

وأظهرت توقعات الحكومة الخاصة في يناير (كانون الثاني) أنه حتى مع افتراض هدف نمو اقتصادي متفائل عند 1.3 في المائة في السنة المالية 2025، فإن موازنة الميزانية الأولية ستكون أقل بمقدار 1.1 تريليون ين (7 مليارات دولار) من المستهدف.

وفي سياق موازٍ، قال وزير المالية الياباني شونيتشي سوزوكي، الثلاثاء، إنه يشعر بقلق أكبر بشأن الجوانب السلبية للضعف الحالي في الين، مكرراً التعبير عن مخاوف اليابان من التحركات المفرطة للعملة.

وقال سوزوكي أمام لجنة برلمانية: «إن ضعف الين يعزز أرباح المصدرين، لكنه يزيد أيضاً الأعباء على الشركات والمستهلكين؛ لأنه يدفع أسعار الواردات إلى الارتفاع». وقال: «بما أن هدف سياستنا كان تحقيق زيادات في الأجور تتجاوز ارتفاع الأسعار، فإننا نشعر بقلق أكبر بشأن التأثير السلبي لضعف الين في هذه المرحلة».

وأكد سوزوكي أيضاً أن السلطات اليابانية ستواصل مراقبة تأثير العملة على الاقتصاد والأسر وستستجيب بشكل مناسب. وظل الين بالقرب من مستوى 157 للدولار.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أكد زعماء المالية في مجموعة السبع الدول المتقدمة التزامهم بالتحذير من تحركات العملة المتقلبة بشكل مفرط، وهي اللغة التي تعدّها اليابان بمثابة ضوء أخضر للتدخل في السوق لوقف الانخفاض السريع في الين.

ومما يزيد من الإرباك والقلق، أن بيانات أظهرت يوم الثلاثاء أن القياسات الرئيسية لبنك اليابان المركزي للتضخم الأساسي في أبريل (نيسان) تراجعت جميعها عن هدفه البالغ 2 في المائة للمرة الأولى منذ أغسطس (آب) 2022؛ مما يزيد من حالة عدم اليقين بشأن توقيت رفع أسعار الفائدة المقبل.

وأظهرت البيانات أن متوسط معدل التضخم المرجح، وهو من بين المؤشرات الثلاثة التي تتم مراقبتها من كثب كمقياس لمعرفة ما إذا كانت زيادات الأسعار آخذة في الاتساع، ارتفع بنسبة 1.1 في المائة في أبريل مقارنة بالعام السابق، بعد زيادة بنسبة 1.3 في المائة في مارس (آذار).

وأظهرت البيانات أن المؤشر المتوسط، الذي يستثني الأطراف العلوية والسفلية لتوزيع تغير الأسعار، ارتفع بنسبة 1.8 في المائة في أبريل مقارنة بالعام السابق، متباطئاً من 2.2 في المائة في الشهر السابق. وأظهر المؤشر الثالث الذي يقيس معدل التضخم بأعلى كثافة في التوزيع أنه ارتفع أيضاً بنسبة 1.6 في المائة في أبريل، متباطئاً عن مكاسب الشهر السابق البالغة 1.9 في المائة.

وأنهى بنك اليابان ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية وغيرها من بقايا التحفيز النقدي الجذري في مارس الماضي على أساس وجهة نظر مفادها أن تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 في المائة أصبح في الأفق.

وقال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن البنك المركزي سيرفع أسعار الفائدة من المستويات الحالية القريبة من الصفر إذا تسارع التضخم الأساسي نحو 2 في المائة كما هو متوقع حالياً.

وتلقي البيانات بظلال من الشك على وجهة نظر بنك اليابان بأن ارتفاعات الأسعار تتسع إلى ما هو أبعد من تلك الناجمة عن ارتفاع تكاليف المواد الخام، وأنه من المرجح أن تستمر مدعومة بالطلب المحلي القوي.

وبمقابل توقعات التضخم الاستهلاكي، أعلن بنك اليابان المركزي، الثلاثاء، ارتفاع مؤشر أسعار الجملة للخدمات في اليابان خلال أبريل 2.8 في المائة سنوياً، وهو أعلى معدل للزيادة منذ سبتمبر (أيلول) 1991، مع استبعاد الفترة التي تأثرت فيها الأسعار بزيادات ضريبة القيمة المضافة. وكان متوسط توقعات المحللين لارتفاع المؤشر خلال الشهر الماضي 2.3 في المائة فقط.

وأشارت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إلى أن البنك المركزي يعدّ مؤشر أسعار الجملة للخدمات عنصراً رئيسياً في تقدير انتشار التضخم في الاقتصاد الياباني ككل؛ وهو ما يزيد من حيرة «المركزي» حول إمكانية استمرار معدل التضخم العام.

ومن المتوقع استمرار ارتفاع أسعار الخدمات في اليابان نتيجة ارتفاع الأجور خلال العام الحالي. وذكر أكبر تجمع للنقابات العمالية في اليابان أن أعضاءه حصلوا على زيادات في الأجور خلال مفاوضاتهم مع أصحاب العمل في العام الحالي تزيد على 5 في المائة، في حين كانت الزيادة في أجور عمال الخدمات بقطاعي تجارة التجزئة والاتصالات أكبر من متوسط الزيادة العامة في الأجور.


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء البريطاني يُعرب عن ثقته بجذب استثمارات خاصة جديدة

الاقتصاد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر يتحدث خلال زيارة لمصنع في تشيستر (رويترز)

رئيس الوزراء البريطاني يُعرب عن ثقته بجذب استثمارات خاصة جديدة

قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إنه واثق بجذب مزيد من الاستثمارات الخاصة إلى بريطانيا في الأسابيع والأشهر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عمال يرصُّون أجولة من السكر لشحنها في ميناء بولاية غوجارات الهندية (رويترز)

السكر يقود قفزة شاملة بأسعار الغذاء العالمي في سبتمبر

أظهرت بيانات أن مؤشر أسعار الغذاء العالمية قفز في سبتمبر (أيلول) مسجلاً أكبر زيادة له في 18 شهراً بدعم من ارتفاع أسعار السكر.

«الشرق الأوسط» (روما)
الاقتصاد ماسح أحذية يتعامل مع أحد الزبائن أمام محطة طوكيو المركزية بالعاصمة اليابانية (أ.ف.ب)

رئيس الوزراء الياباني يطلب رسمياً إعداد حزمة تحفيز

أصدر رئيس الوزراء الياباني الجديد تعليمات رسمية لوزرائه يوم الجمعة بإعداد حزمة اقتصادية جديدة لتخفيف الضربة التي تتعرض لها الأسر نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد منظر عام لبنك إنجلترا في لندن (رويترز)

كبير اقتصاديي بنك إنجلترا يدعو إلى الحذر عند خفض الفائدة

أكد كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هيو بيل، ضرورة أن يتخذ المصرف المركزي البريطاني خطوات تدريجية عند خفض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي أمام مقر المصرف المركزي في فرانكفورت (رويترز)

التضخم في عالم ما بعد الجائحة... هل تستعد المصارف المركزية لمزيد من القوة؟

قد يكون التذبذب السريع في معدلات التضخم دون تأثيرات مماثلة على الناتج الاقتصادي سمة بارزة لعالم ما بعد جائحة كوفيد-19.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
TT

رغم تراجعه... اقتصاديون يرون التضخم في تركيا بات هيكلياً

أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)
أشخاص يتسوقون في سوق مفتوح في إسطنبول (رويترز)

رغم تباطئه في سبتمبر، ما زال التضخم في تركيا مرتفعاً بشكل كبير، في ظل إحجام الحكومة عن اتخاذ قرارات صعبة قادرة على لجم ارتفاع الأسعار، بحسب محللين.

وعانت تركيا على مدى العامين الماضيين تضخماً متسارعاً، بلغ ذروته عند معدل سنوي 85.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، و75.45 في المائة في مايو (أيار) الماضي.

وأفادت بيانات رسمية، يوم الخميس، بانخفاض معدل التضخم إلى 49.38 في المائة في سبتمبر. إلا أن إحصاءات مجموعة «إي إن إيه جي» المؤلفة من اقتصاديين مستقلين، أشارت إلى أن معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته يبلغ 88.6 في المائة.

وسبق لوزير المال التركي محمد شيمشك أن أكد في تصريحات سابقة أن حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان تأمل في خفض التضخم إلى 17.6 في المائة نهاية عام 2025، وما دون 10 في المائة عام 2026.

وأشاد إردوغان حديثاً بالمسار التراجعي للتضخم، مشدداً على أن «الأوقات الصعبة باتت خلفنا». إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن ارتفاع أسعار الاستهلاك في تركيا بات «مزمناً»، وتزيده سوءاً بعض السياسات الحكومية. وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة محمد شيمشان إن «الانخفاض الراهن يعود حصراً إلى تأثير القاعدة (التي يحتسب على أساسها التضخم). ارتفاع الأسعار شهرياً ما زال كبيراً، ويبلغ 2.97 في المائة في تركيا و3.9 في المائة في إسطنبول». وأضاف: «لا يمكن اعتبار ذلك قصة نجاح».

قيمة الليرة

وعلى عكس السياسة التقليدية برفع معدلات الفوائد لمكافحة التضخم، لطالما دافع إردوغان عن سياسة خفض الفوائد، مما تسبب بانخفاض متزايد في قيمة الليرة التركية، وساهم بدوره في ارتفاع التضخم.

لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً في مايو 2023، أطلق إردوغان يد المصرف المركزي لرفع معدلات الفائدة الأساسية من 8.5 إلى 50 في المائة، بين يونيو (حزيران) 2023 ومارس (آذار) 2024. وأبقى المصرف معدلاته دون تغيير في سبتمبر للشهر السادس توالياً.

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس إرينتش يلدان، إن «مكافحة التضخم تتمحور حول أولويات القطاع المالي. نتيجة لذلك، تجري الأمور بطريقة غير مباشرة وتولّد حالة من عدم اليقين».

وشدد أستاذ الاقتصاد في جامعة كارادينيز التقنية، يعقوب كوتشوكال، على أن رفع معدلات الفوائد لا يكفي لكبح التضخم ما لم يقترن بمعالجة العجز الضخم في الميزانية، مشيراً إلى أنه يبلغ مستوى قياسياً عند 129.6 مليار ليرة (3.79 مليار دولار).

وأوضح أن وزير المال شيمشك «يقول إن هذا يعود إلى الإنفاق المرتبط بإعادة إعمار المناطق التي تضررت جراء زلزال فبراير (شباط) 2023»، في إشارة إلى الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 53 ألف شخص. وتابع: «لكن الثقب الأسود الفعلي يعود إلى عقود الشراكة المكلفة بين القطاعين العام والخاص»، في إشارة إلى عقود لتطوير البنى التحتية يقول منتقدوها إنها غالباً ما تؤول إلى شركات على صلة وثيقة بحكومة إردوغان.

وتشمل هذه العقود كلفة بناء وإدارة مختلف البنى التحتية من الطرق السريعة والجسور إلى المستشفيات والمطارات، وغالباً ما تكون مصحوبة بضمانات سخية مثل تعويضات حكومية إذا كان معدل استخدامها دون المتوقع. وشدد كوتشوكال على أنه «يجب أن نشكك بهذه العقود التي تشكّل عبئاً على الميزانية؛ لأن هذه التعويضات مرتبطة بالدولار أو باليورو».

وغالباً ما تنعكس إجراءات مكافحة التضخم سلباً على الأسر ذات الدخل المنخفض، علماً بأن الحد الأدنى للأجور لم يتم رفعه منذ يناير (كانون الثاني)، وفق كوتشوكال الذي أكد أن «القوة الشرائية لهؤلاء متدنية أساساً».

وتابع: «بغرض خفض الطلب، على هذه الإجراءات أن تستهدف المجموعات ذات الدخل الأعلى، لكن بالكاد يوجد ما يؤثر عليها».

إجراءات التقشف

من جهته، رأى يلدان أن «إجراءات التقشف» التي شملت على سبيل المثال إلغاء خدمات التنظيف في المدارس الرسمية، تضر بالفئات الأكثر حرماناً، وتعزز عدم المساواة، مشيراً إلى أنه من المحبذ فرض «ضريبة على الثروة، والتعاملات المالية وإيرادات العقار». لكنه لفت إلى صعوبة تحقيق ذلك نظراً إلى أن الحزب الحاكم يعوّل على دعم «شركات موالية للحكومة» فازت بعقود البنى التحتية.

ووفق دراسة أعدتها جامعة كوش، تتوقع الأسر أن يبلغ التضخم السنوي نسبة 94 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، أي أعلى بكثير من توقعات المصرف المركزي.

ورأى شيمشان أن «ارتفاع الأسعار الذي تعانيه الطبقات المتوسطة والدنيا محزن للغاية؛ لأنه يشمل منتجات أساسية وخدمات مثل الغذاء والسكن والتعليم، حيث يبقى التضخم بالغ الارتفاع».

وأشار مراقبون إلى أن عدم اليقين بشأن المستقبل يساهم أيضاً في ارتفاع الأسعار؛ لأن التجار يحاولون أن يأخذوا في الاعتبار التكاليف المستقبلية. وقال يلدان: «التضخم بات هيكلياً ومستمراً في تركيا. في غياب إصلاحات هيكلية، سنكون عالقين في حلقة مفرغة كما كنا عليه في التسعينات».