مصادرة الأصول الروسية... بين المكاسب السريعة والتكاليف بعيدة المدى

الخبراء يعدونها «مسألة معقدة» وشائكة لـ«مجموعة السبع»

مواطنون روس في العاصمة موسكو خلال مناسبة إحياء ذكرى «يوم النصر» في الحرب العالمية الثانية (إ.ب.أ)
مواطنون روس في العاصمة موسكو خلال مناسبة إحياء ذكرى «يوم النصر» في الحرب العالمية الثانية (إ.ب.أ)
TT

مصادرة الأصول الروسية... بين المكاسب السريعة والتكاليف بعيدة المدى

مواطنون روس في العاصمة موسكو خلال مناسبة إحياء ذكرى «يوم النصر» في الحرب العالمية الثانية (إ.ب.أ)
مواطنون روس في العاصمة موسكو خلال مناسبة إحياء ذكرى «يوم النصر» في الحرب العالمية الثانية (إ.ب.أ)

تمثل مصادرة الأصول واحدة من السياسات التي تهدف إلى فرض عقوبات على الدول أو الكيانات التي تنتهك القوانين الدولية أو تشارك في أنشطة غير مشروعة. ويعد استخدام هذه السياسات في العلاقات الدولية أمراً مثيراً للجدل، حيث يتمتع بعض الأطراف بالفوائد منها، بينما يرى آخرون أنها تثير توترات وتعقيدات جديدة.

وقال الباحث كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد العالمي والتمويل في المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس» في بريطانيا، إن هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 يتعارض مع أهم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويجب على مجموعة الدول السبع الكبرى أن تستمر في تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري القوي لأوكرانيا؛ ما يمكنها من الدفاع عن نفسها. ويعود هذا بالفائدة على الشعب الأوكراني، ويعد أمراً حاسماً لأمن دول مجموعة السبع الكبرى نفسها على المدى الطويل، وفق تحليل لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

لكن مصادرة 300 مليار دولار من الأصول الروسية الخاضعة للعقوبات - للمساعدة في تغطية تكاليف هذا الدعم - هي مسألة أكثر تعقيداً. وليس من المؤكد أن الفوائد لمجموعة الدول السبع ستتفوق على التكاليف التي ستتحملها. وقد يكون تمويل الدعم لأوكرانيا من خلال الإنفاق العام العادي، على الأقل في الوقت الحالي، الخيار الأفضل.

والفوائد الرئيسية لمصادرة الأصول محددة بشكل جيد نسبياً، وقابلة للحساب الكمي. أولاً، يمكن لحكومات مجموعة السبع استخدام تلك العائدات لدفع احتياجات أوكرانيا الفورية مثل إمدادات الأسلحة، أو إتاحتها بمرور الوقت لتمويل إعادة الإعمار على المدى الطويل.

وسيكون لهذا تأثير كبير على النفقات المستقبلية، إذ بلغ الدعم الثنائي الإجمالي لأوكرانيا نحو 278 مليار دولار حتى يناير (كانون الثاني) 2024، قبل صدور أحدث حزمة أميركية. وقد جرى تقدير تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا بنحو 500 مليار دولار، على الرغم من أن الجزء الأكبر من هذا سيجري تمويله من قبل المؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص. كما يمكن أن تؤمن المصادرة الآن دعماً مالياً لأوكرانيا قبل الفترات الغامضة التي قد ينطوي عليها حكم دونالد ترمب المحتمل في الولايات المتحدة، وفق بتلر.

ثانياً، ستزيد المصادرة لأصول الدولة من الثمن النهائي الذي تدفعه روسيا بسبب عدوانها. ومن غير المرجح بشكل كبير أن تقنع رئيس روسيا بإنهاء الحرب، فالخسائر التي تكبدها الجيش الروسي والأضرار التي سببتها العقوبات الاقتصادية هائلة بالفعل. لكن يمكن أن تساعد على ردع الدول الأخرى عن التفكير في أفعال مماثلة، على الأقل تلك التي تمتلك أصولاً في متناول حكومات مجموعة السبع.

ومقابل هذا، هناك تكاليف غير محددة بشكل واضح، ولكنها قد تكون كبيرة جداً. أولاً، هناك أثر الانتقال من تجميد الأصول إلى أجل غير مسمى إلى المصادرة التامة على الأسواق المالية العالمية.

وفي الوقت الحاضر، لا يوجد بديل عملي للدولار الأميركي وغيره من العملات الغربية القابلة للتحويل بالكامل كمكان للجزء الأكبر من احتياطات النقد الأجنبي في العالم البالغة 12 تريليون دولار.

ومن الممكن أن يعمل اليوان الصيني وسيلةً للصرف أو وحدة حساب، ولكن الجمع بين ضوابط رأس المال والخطر المتصور المتمثل في التدخل السياسي من قبل السلطات الصينية يستبعده كمخزن دولي للقيمة سواء للاستخدام من قبل الصين ذاتها أو دول أخرى. وتستبعد التقلبات العالية والتهديد بالقمع التنظيمي العملات المشفرة، في حين أن الكتلة المادية ونقص العائد المالي يجعلان الذهب غير عملي.

لكن المصادرة الدائمة لـ300 مليار دولار من أصول احتياطي النقد الأجنبي الروسي (2.5 بالمائة من الإجمالي العالمي) الموجودة في دول ليست في حالة حرب مع روسيا، من شأنه أن يزيد من المخاطر التي تتصورها كثير من الدول الأخرى.

ومن الأمثلة الهامة على ذلك الصين والهند، التي هي حالياً حائزة كبيرة جداً لهذه الأصول، وفق بتلر. وتخشى تلك الدول أن تخضع في مرحلة ما لتدابير مماثلة، على الرغم من أن احتمال عبورها العتبة السياسية التي حددها هجوم روسيا على أوكرانيا قد يكون منخفضاً.

وهناك أيضاً خطر يتمثل في أن التكاليف المالية قد تكون أعلى كثيراً، مع امتداد الضرر إلى الاقتصاد الحقيقي. وقد تكون النتيجة نقطة تحول في الأسواق المالية، على غرار «مذبحة السندات الكبرى» في عام 1994. وفي هذه الحالة، أثار القرار غير الضار الذي اتخذه بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي بزيادة أسعار الفائدة ردود فعل هائلة في أسواق السندات أدت إلى خسائر بلغت 1.5 تريليون دولار.

ويمكن القول إن الضرر قد حدث بالفعل بسبب قرار تجميد أصول الدولة الروسية إلى أجل غير مسمى. ولكن من المعقول بنفس القدر أن تدرك الأسواق فرقاً كبيراً بين إجراءات تجميد الأصول (بطريقة قد تستبعد في نهاية المطاف كلياً أو جزئياً بموجب وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض) والمصادرة الدائمة.

ويسلط هذا الضوء على تكلفة ثانية لمصادرة الأصول، لا سيما التأثير الذي يمكن أن تحدثه على تحقيق نهاية للحرب بشروط مقبولة لأوكرانيا.

ومن غير المرجح أن يهزم هذا الطرف أو ذاك تماماً، وبالتالي يجب وضع حد للأعمال العدائية من خلال المفاوضات. وفي تلك المرحلة، يجب على مجموعة السبع دعم أوكرانيا في السعي للحصول على تعويض عن الأضرار الهائلة الناجمة عن الحرب الروسية، فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان.

ويقول بتلر إن تجميد أصول الدولة الروسية المتاحة لأن يكون لها دور في هذه المفاوضات سيزيد من نفوذ مجموعة السبع وأوكرانيا ومرونتهما. ولا يلزم رفع التجميد عن الأصول إلا إذا وافقت روسيا على التعويض.

ولكن في حالة تولي حكومة روسية إصلاحية جديدة في مرحلة ما بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زمام الأمور، وهو أمر لا يمكن استبعاده، فسوف يكون هناك مجال للرد باستخدام الأصول بمرونة في المفاوضات.

وفي المقابل، فإن مصادرة أصول الدولة الروسية بشكل دائم الآن تقضي على هذه الخيارات، فمن المرجح كثيراً أنه لا يمكن استعادتها مرة أخرى بمجرد إنفاق الأموال.

وجرى اقتراح أفكار عدة لاستخلاص بعض القيمة من الأصول الدولية المجمدة لصالح أوكرانيا على المدى القصير مع تقليل المخاطر القانونية الفورية، وفي بعض الحالات الحفاظ على الأصول بوصفه ورقة مساومة لمفاوضات التسوية المستقبلية. كما جرى اقتراح أن تبيع أوكرانيا مطالبات أضرار الحرب المستقبلية المضمونة بأصول الدولة المجمدة لمستثمرين من القطاع الخاص.

وكقاعدة عامة، كلما زادت قيمة المكاسب التي تتحقق لأوكرانيا الآن، زادت درجة عدم اليقين القانوني والمخاطر المالية بعيدة المدى، وقلت مرونة استخدام الأصول المجمدة في المفاوضات المستقبلية.

ويرى بتلر أن المسار الأفضل هو الحفاظ على الوضع الراهن، بما في ذلك التهديد بالمصادرة كملاذ أخير، والاحتفاظ بمعاملة الأصول المجمدة لتحقيق أقصى قدر من التأثير لدعم أوكرانيا عندما تبدأ المفاوضات لإنهاء الحرب في نهاية المطاف.



أنظار «وول ستريت» تتجه نحو «إنفيديا»... هل تواصل قيادة «ستاندرد آند بورز 500»؟

تظهر لافتة لمبنى مكاتب شركة «إنفيديا» في سانتا كلارا كاليفورنيا (أ.ب)
تظهر لافتة لمبنى مكاتب شركة «إنفيديا» في سانتا كلارا كاليفورنيا (أ.ب)
TT

أنظار «وول ستريت» تتجه نحو «إنفيديا»... هل تواصل قيادة «ستاندرد آند بورز 500»؟

تظهر لافتة لمبنى مكاتب شركة «إنفيديا» في سانتا كلارا كاليفورنيا (أ.ب)
تظهر لافتة لمبنى مكاتب شركة «إنفيديا» في سانتا كلارا كاليفورنيا (أ.ب)

يستعد المستثمرون في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» لاستقبال أسبوع حافل بالتطورات، فما التوقعات بشأن مستقبل سهم «إنفيديا»؟ وما انعكاساتها المحتملة على أداء المؤشر؟

استغلت «إنفيديا» هوس «وول ستريت» بالذكاء الاصطناعي لتصبح إحدى أضخم شركات سوق الأوراق المالية، بقيمة إجمالية تتجاوز 3 تريليونات دولار. وقد دعم المال الحقيقي هذا الارتفاع، وتستمر شركات التكنولوجيا في التهام رقائق «إنفيديا» لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وعندما تقدم «إنفيديا» أحدث نتائجها الفصلية، يوم الأربعاء المقبل، يتوقع المحللون أن ترتفع إيراداتها إلى 28.65 مليار دولار في الربيع، بزيادة 112 في المائة عن العام السابق. وهذا الرقم سيكون أعلى بكثير من النمو البالغ 5 في المائة بالإيرادات الذي من المحتمل أن تحققه شركات «ستاندرد آند بورز 500» بشكل عام للربع نفسه، وفقاً لشركة «فاكت ست».

ويقول النقاد إن المشكلة تكمن في أن هذا النمو الرائع قد أثار الكثير من الحماسة بين المستثمرين. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام، ارتفعت أسهم «إنفيديا» بنحو 150 في المائة.

في تلك المرحلة، كانت الأسهم تتداول بأكثر قليلاً من أرباح الشركة 100 مرة خلال الأشهر الاثني عشر السابقة. وهذا أعلى كثيراً من أي وقت مضى، وأكثر من مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بشكل عام.

وبفضل الحجم الهائل لـ«إنفيديا»، أدى الأداء المذهل للشركة إلى مساهمتها بنحو 30 في المائة من إجمالي عائد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» خلال الأشهر الستة الأولى من العام. كل ذلك من شركة واحدة فقط من بين 500 شركة مدرجة في المؤشر، أو 0.2 في المائة من أعضائه.

وقد أظهر هذا الثقل الهائل جانبه السلبي هذا الصيف، عندما هبط سهم «إنفيديا» بنسبة 27 في المائة من ذروته في أواخر يونيو (حزيران) إلى أوائل أغسطس (آب). كانت «وول ستريت» قلقة من أن أسهم «إنفيديا»، وغيرها من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى، قد أصبحت باهظة الثمن ببساطة في ارتفاع يُذكّر بطفرة التكنولوجيا في التسعينات، حتى مع التحذير من أنها كانت تحقق أرباحاً أكبر بكثير من أي شركة «دوت كوم» في أواخر القرن العشرين.

وساعد انخفاض «إنفيديا» في انخفاض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 10 في المائة من أعلى مستوى له على الإطلاق تم تسجيله الشهر الماضي. وفي بعض الأيام، انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» على الرغم من ارتفاع معظم الأسهم في «وول ستريت». وطغت الانخفاضات التي شهدتها «إنفيديا»، وغيرها من أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى المؤثرة في تلك الأيام، على كل شيء آخر.

وقالت كبيرة مسؤولي الاستثمار في إدارة الأصول لدى «مورغان ستانلي»، ليزا شاليت، إن الانخفاضات تخلصت من «بعض التجاوزات» بعد أن تزاحم المتداولون في رهانات على «إنفيديا»، وعدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى.

وسيكشف تقرير أرباح «إنفيديا» المقبل النقاب عن مدى قدرة الشركة على تجاوز التوقعات المالية. لكن تجدر الإشارة إلى أن الأرباح القوية وحدها قد لا تكون كافية لدفع أسهم الشركة نحو المزيد من الارتفاعات، كما أثبتت نتائج شركة «ألفابت» في الفترة الأخيرة.

وانخفضت أسهم «ألفابت» حتى مع تحقيقها الربح والإيرادات التي تجاوزت توقعات المحللين، وهي إشارة إلى مدى صعوبة تحقيق المزيد من الارتفاع في أسهمها.

ولهذا السبب، وفي حين كان المستثمرون يتطلعون إلى خطاب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، عن توجيهات حول أسعار الفائدة يوم الجمعة، رأى استراتيجيو «بنك أوف أميركا»، بقيادة أوهسونغ كوان، أن التقرير المقبل لشركة «إنفيديا» هو المؤشر الأهم لتوجيه استثماراتهم.