البنك الدولي: توسيع حرب الشرق الأوسط يفاقم التضخم العالمي

استقرار أسعار السلع يصعب مسار خفض الفائدة

متسوقون في أحد المتاجر بالعاصمة البريطانية لندن (إ.ب.أ)
متسوقون في أحد المتاجر بالعاصمة البريطانية لندن (إ.ب.أ)
TT

البنك الدولي: توسيع حرب الشرق الأوسط يفاقم التضخم العالمي

متسوقون في أحد المتاجر بالعاصمة البريطانية لندن (إ.ب.أ)
متسوقون في أحد المتاجر بالعاصمة البريطانية لندن (إ.ب.أ)

أكد البنك الدولي أن أسعار السلع الأساسية العالمية مستقرة، بعد هبوط حاد لعب دوراً حاسماً في تقليص التضخم الإجمالي العام الماضي، وهو ما قد يجعل من الصعب على البنوك المركزية خفض أسعار الفائدة بسرعة، مشيراً إلى أن من شأن اندلاع صراع كبير في الشرق الأوسط أن يوقف الانخفاض التضخمي الذي حدث خلال العامين الماضيين.

وفي أحد تقاريره حول «توقعات أسواق السلع الأساسية»، أوضح البنك الدولي أنه في الفترة ما بين منتصف عام 2022 ومنتصف عام 2023، انخفضت أسعار السلع الأساسية العالمية بنحو 40 في المائة. وقد ساعد هذا في دفع معظم الانخفاض بنحو نقطتين مئويتين في التضخم العالمي بين عامي 2022 و2023. ولكن منذ منتصف عام 2023، ظل مؤشر البنك الدولي لأسعار السلع الأساسية دون تغيير في الأساس.

وبافتراض عدم اندلاع مزيد من التوترات الجيوسياسية، تشير توقعات البنك إلى انخفاض بنسبة 3 في المائة في أسعار السلع الأساسية العالمية في عام 2024، وبنسبة 4 في المائة في عام 2025. ولن تفعل هذه الوتيرة الكثير لكبح التضخم الذي يظل أعلى من أهداف البنوك المركزية في معظم البلدان. وسوف يبقي ذلك أسعار السلع الأساسية أعلى بنحو 38 في المائة عما كانت عليه في المتوسط في السنوات الخمس التي سبقت جائحة «كوفيد - 19».

وقال إنديرميت جيل، كبير الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس مجموعة البنك الدولي: «لا يزال التضخم العالمي دون هزيمة. فالقوة الرئيسية لخفض التضخم (انخفاض أسعار السلع الأساسية) قد اصطدمت بشكل أساسي بجدار. وهذا يعني أن أسعار الفائدة قد تظل أعلى من المتوقع حالياً هذا العام والعام المقبل. حيث العالم يمر بلحظة هشة، فصدمة الطاقة الكبرى قد تؤدي إلى تقويض قدر كبير من التقدم المحرز في خفض التضخم على مدى العامين الماضيين».

وقد أدت التوترات الجيوسياسية المستمرة على مدى العامين الماضيين إلى ارتفاع أسعار النفط، والكثير من السلع الأساسية الأخرى حتى مع تباطؤ النمو العالمي. على سبيل المثال، ارتفع سعر خام برنت إلى 91 دولاراً للبرميل في وقت سابق من هذا الشهر، أي ما يقرب من 34 دولاراً للبرميل أعلى من متوسط فترة 2015 - 2019. وتشير توقعات البنك إلى أن أسعار «خام برنت» ستبلغ في المتوسط 84 دولاراً للبرميل في عام 2024 قبل أن تنخفض إلى متوسط 79 دولاراً في عام 2025، على افتراض عدم انقطاع الإمدادات بسبب الصراع. ولكن إذا تفاقم الصراع في الشرق الأوسط بشكل أكبر، فقد يؤدي انقطاع إمدادات النفط إلى دفع التضخم العالمي إلى الارتفاع، وقد يؤدي انقطاع الإمدادات المعتدل المرتبط بالصراع إلى رفع متوسط سعر «برنت» هذا العام إلى 92 دولاراً للبرميل. وقد يؤدي الاضطراب الأكثر حدة إلى تجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل، مما يزيد التضخم العالمي في عام 2024 بنحو نقطة مئوية واحدة.

وقال أيهان كوسي، نائب كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي: «هناك تباين مذهل يظهر بين النمو العالمي وأسعار السلع الأساسية، وعلى الرغم من النمو العالمي الأضعف نسبياً، فإنه من المرجح أن تظل أسعار السلع الأساسية أعلى في فترة 2024 - 2025 مما كانت عليه في نصف العقد السابق لجائحة (كوفيد - 19)». وتابع: «يتعلق أحد العوامل الحاسمة وراء هذا الاختلاف بتصاعد التوترات الجيوسياسية التي تواصل الضغط التصاعدي على أسعار السلع الأساسية الرئيسية، وتزيد مخاطر حدوث تحركات حادة في الأسعار. ويتعين على البنوك المركزية أن تظل في حالة تأهب بشأن العواقب التضخمية المترتبة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية».

ومن المتوقع أن يصل متوسط سعر الذهب، وهو خيار شائع للمستثمرين الباحثين عن «ملاذ آمن»، إلى مستوى قياسي في عام 2024، قبل أن يتراجع قليلاً في عام 2025، ويتمتع الذهب بمكانة خاصة بين الأصول، وغالباً ما يرتفع سعره خلال فترات عدم اليقين الجيوسياسي والسياسي، بما في ذلك الصراعات. ومن المتوقع أن يؤدي الطلب القوي من الكثير من البنوك المركزية في البلدان النامية، إلى جانب التحديات الجيوسياسية المتزايدة، إلى تعزيز أسعار الذهب طوال عام 2024.

ويشير التقرير إلى أن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط قد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والأسمدة والمواد الغذائية. وتعد المنطقة مورداً مهماً للغاز، إذ إن 20 في المائة من التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال تمر عبر مضيق هرمز. وإذا انقطعت إمدادات الغاز الطبيعي المسال، فإن أسعار الأسمدة سترتفع أيضاً بشكل كبير، مما قد يؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ومع ذلك، فإن توقعات البنك الأساسية تشير إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية بشكل عام إلى حد ما - بنسبة 6 في المائة في عام 2024 و4 في المائة في عام 2025. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار الأسمدة بنسبة 22 في المائة في عام 2024 و6 في المائة في عام 2025.

وقد أدى تسارع الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء إلى تعزيز أسعار المعادن الرئيسية التي تشكل أهمية بالغة للتحول العالمي إلى الطاقة النظيفة. وارتفعت أسعار النحاس - الضروري للبنية التحتية لشبكات الكهرباء والمركبات الكهربائية - إلى أعلى مستوى لها منذ عامين هذا الشهر. ومن المتوقع أن ترتفع بنسبة 5 في المائة في عام 2024، قبل أن تستقر في عام 2025. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الألمنيوم بنسبة 2 في المائة في عام 2024 و4 في المائة في عام 2025، مدعومة بشكل خاص بإنتاج السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من البنية التحتية للطاقة المتجددة.


مقالات ذات صلة

«المؤتمر العام الثامن للكهرباء» يعزز التعاون العربي نحو استدامة الطاقة

الاقتصاد رئيس الاتحاد العربي للكهرباء المهندس طارق همان (الشرق الأوسط)

«المؤتمر العام الثامن للكهرباء» يعزز التعاون العربي نحو استدامة الطاقة

أكد مسؤولون خلال افتتاح «المؤتمر العام الثامن للاتحاد العربي للكهرباء»، أن التعاون بين دول المنطقة ضرورة «مُلحّة» لتعزيز القدرة على تلبية احتياجات الطاقة.

آيات نور (الرياض)
العالم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال لقائهما في نيويورك... سبتمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تعرض على ترمب معادن نادرة مقابل الأسلحة الأميركية

عرضت أوكرانيا إبرام صفقة مع الرئيس الأميركي ترمب لمواصلة المساعدات العسكرية الأميركية مقابل تطوير صناعة المعادن في أوكرانيا. فما القصة؟

«الشرق الأوسط» (كييف)
الاقتصاد رئيس مجلس هيئة السوق المالية محمد القويز متحدثاً في «ليب 25» (الشرق الأوسط)

الإدراجات السنوية في السوق السعودية تجاوزت 40 اكتتاباً أولياً بالعامين الماضيين

قال رئيس مجلس هيئة السوق المالية محمد القويز إن عدد الإدراجات السنوية في السوق المالية السعودية زاد من 10 إلى أكثر من 40 اكتتاباً أولياً خلال العامين الماضيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «إس إم آي سي» الصينية لصناعة الرقائق (رويترز)

انخفاض أرباح صانعة الرقائق الصينية «إس إم آي سي» 38.4 % في الربع الرابع

أعلنت شركة «إس إم آي سي» أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق عن انخفاض بنسبة 38.4 % على أساس سنوي في أرباح الربع الرابع

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد سيارات تابعة لشركة «شانغان» الصينية في مركز للتوزيع جنوب غربي الصين (أ.ف.ب)

مبيعات السيارات في الصين تسجّل أكبر انخفاض خلال عام

انخفضت مبيعات السيارات في الصين بنسبة 12 في المائة خلال يناير مقارنة بالعام السابق، وهو أول انخفاض منذ سبتمبر وأكبر انخفاض في عام تقريباً.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«المؤتمر العام الثامن للكهرباء» يعزز التعاون العربي نحو استدامة الطاقة

رئيس الاتحاد العربي للكهرباء المهندس طارق همان (الشرق الأوسط)
رئيس الاتحاد العربي للكهرباء المهندس طارق همان (الشرق الأوسط)
TT

«المؤتمر العام الثامن للكهرباء» يعزز التعاون العربي نحو استدامة الطاقة

رئيس الاتحاد العربي للكهرباء المهندس طارق همان (الشرق الأوسط)
رئيس الاتحاد العربي للكهرباء المهندس طارق همان (الشرق الأوسط)

يشكّل قطاع الكهرباء «الحيوي» دوراً حيوياً في تنمية وتطوير الاقتصادات العربية لمواكبة التطورات العالمية في الطاقة والاستدامة. لكنه يواجه تحديات في ظل التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية، ولذلك، أصبح التعاون بين دول المنطقة ضرورة «مُلحّة» لتعزيز القدرة على تلبية احتياجات الطاقة المستقبلية، من خلال تبادل أفضل الممارسات والخبرات، فضلاً عن تطوير استراتيجيات مبتكرة تشمل دمج مصادر الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الأنظمة الكهربائية، وتعزيز مشاريع الربط الكهربائي بين البلدان.

هذا ما أكده مسؤولون خلال افتتاح «المؤتمر العام الثامن للاتحاد العربي للكهرباء»، الذي يقام في الرياض، تحت شعار «نحو طاقة كهربائية مستدامة في الوطن العربي»، خلال الفتــرة 11 - 13 فبراير (شباط) الحالي. ويهدف الحدث إلى تبادل الخبرات والتجارب، واستعراض ومناقشة التحديات، وإيجاد فرص جديدة للشراكات، وتحسني الخدمات الكهربائية. كما سيسلط الضوء على أبرز القضايا والتحديات المستقبلية في القطاع.

القدرات المشتركة

وقال رئيس الاتحاد العربي للكهرباء، المهندس طارق همان، إن الرياض تمثل المنصة المثالية لمناقشة مستقبل قطاع الكهرباء والطاقة في الوطن العربي. وأوضح أن شعار المؤتمر يعكس السعي المشترك لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة تعزز القدرات المشتركة بين دول المنطقة.

وأضاف أن المؤتمر سيتناول أبرز القضايا، مثل استراتيجيات دمج مصادر الطاقة المتجددة في المنظومة الكهربائية، ودور الابتكار والذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة الأنظمة الكهربائية.

كما أشار إلى أن التكامل الإقليمي سيكون جوهر المؤتمر، حيث سيتم تسليط الضوء على مشاريع الربط الكهربائي بين الدول العربية لضمان استدامة الطاقة الكهربائية في المنطقة.

وشدد همان على أن التعاون العربي في قطاع الكهرباء يعد ضرورة استراتيجية تتطلب العمل المشترك، وأن العمل الجماعي هو السبيل الوحيد للتغلب على التحديات وبناء مستقبل أكثر إشراقاً.

وأوضح أن الاتحاد يشكل قوة دافعة لتطوير القطاع في الوطن العربي، ويجمع الدول الأعضاء لتبادل الخبرات وتحقيق التكامل الاقتصادي والبيئي الذي يخدم مصالح الدول العربية.

التحولات الكبرى

رئيس المؤتمر المهندس خالد الغامدي (الشرق الأوسط)

بدوره، أشار رئيس المؤتمر المهندس خالد الغامدي إلى أن هذا الحدث يعد محطة محورية في مسيرة التعاون العربي في قطاع الكهرباء. وأضاف أنه يجمع صناع القرار والخبراء لمناقشة الفرص والتحديات، واستشراف مستقبل القطاع في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم. وأوضح الغامدي أن المرحلة الحالية تتطلب حلولاً مبتكرة واستراتيجيات تكاملية، بهدف تعزيز الشراكات التي تمكن المنطقة من مواكبة التطورات العالمية في مجالات الطاقة والاستدامة.

وأكد الغامدي أن التكامل في قطاع الكهرباء أصبح ضرورة في ظل المتغيرات الاقتصادية والتقنية والبيئية الحالية. ومن هنا، يبرز دور إنجازات العرب في قطاع الكهرباء، حيث يساهم في تعزيز التعاون وتنسيق الجهود لتحقيق أمن الطاقة، ورفع كفاءة الشبكات، وتعزيز مشاريع الربط الكهربائي التي تعد حجر الأساس للترابط العربي نحو مستقبل مستدام.

ونوّه الغامدي بأن استضافة هذا المؤتمر تعكس الالتزام الراسخ بتعزيز التعاون العربي، والحرص على تبادل الخبرات وأفضل الممارسات مع الدول العربية.

خفض الانبعاثات

مساعد وزير الطاقة السعودي لشؤون الكهرباء المهندس ناصر القحطاني (الشرق الأوسط)

من ناحيته، بيّن مساعد وزير الطاقة السعودي لشؤون الكهرباء المهندس ناصر القحطاني، أن عقد هذا الحدث يأتي في إطار أهداف الوزارة لإثراء قطاع الكهرباء وتطوير المنظومات المرتبطة به، بما يتماشى مع تطور المملكة في مختلف المجالات.

وأشار إلى أن المملكة تعمل على تنفيذ مشاريع ضخمة لتطوير البنية التحتية لقطاع الكهرباء، وذلك ضمن «رؤية 2030».

وتطرّق القحطاني إلى هدف المملكة، بحلول عام 2030، نحو تحقيق مزيج طاقة يتضمن إنتاج 50 في المائة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، و50 في المائة من الغاز الطبيعي. بالإضافة إلى خفض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنوياً، بحلول نهاية العقد الحالي.

ولفت القحطاني إلى أن المملكة تعمل حالياً على تطوير مشاريع للطاقة المتجددة تصل سعتها إلى 44.1 غيغاواط في مراحل تطويرية مختلفة. من بينها، تم ربط 6.6 غيغاواط بالشبكة الكهربائية بالفعل. وهذه المشاريع تأتي في إطار «رؤية 2030» الهادفة إلى تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتنويع مصادر الدخل الوطني.

وواصل أن البلاد تعمل على أتمتة 40 في المائة من شبكات توزيع الكهرباء بحلول نهاية هذا العام.

يشار إلى أن الاتحاد العربي للكهرباء تأسس 1987 في العاصمة التونسية، وأصبح منظمة مستقلة تضم 33 عضواً يمثلون الوزارات والهيئات المسؤولة عن القطاع في الدول العربية، إلى جانب نخبة من الشركات، فضلاً عن الأعضاء الأكاديميين. وهدفه الأساسي هو تحقيق رؤية شاملة لتطوير القطاع.