الاقتصاد المصري ينتظر تدفقات دولارية بعد التعويم وسط مخاوف من التضخم

أسعار المستهلكين تقفز إلى 35.7 % في فبراير

أوراق نقدية من الجنيه المصري والدولار الأميركي وفي الخلفية نيل القاهرة (أ.ف.ب)
أوراق نقدية من الجنيه المصري والدولار الأميركي وفي الخلفية نيل القاهرة (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد المصري ينتظر تدفقات دولارية بعد التعويم وسط مخاوف من التضخم

أوراق نقدية من الجنيه المصري والدولار الأميركي وفي الخلفية نيل القاهرة (أ.ف.ب)
أوراق نقدية من الجنيه المصري والدولار الأميركي وفي الخلفية نيل القاهرة (أ.ف.ب)

يتأهب الاقتصاد المصري لعدد من المستقبلات، إيجابية وسلبية في آن واحد، وذلك بعد الخطوات الجريئة التي اتخذها البنك المركزي بخفض العملة لمستوى قياسي جديد بلغ 50 جنيهاً للدولار الواحد، ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس.

تأتي التدفقات الدولارية المتوقعة على الاقتصاد المصري، على رأس المستقبلات الإيجابية، التي طالب خبراء بحسن إدارتها حتى تؤتي ثمارها على الاقتصاد الكلي، في حين جاء ارتفاع معدل التضخم بوصفه أبرز المستقبلات السلبية التي تأتي على الاقتصاد نتيجة تخفيض قيمة العملة.

ومن المتوقع أن تحصل مصر على تمويل يبلغ 3 مليارات دولار من البنك الدولي، في إطار حزمة تمويل من صندوق النقد الدولي للبلاد بقيمة متوقعة 20 مليار دولار؛ وفق وزير المالية المصري محمد معيط.

كانت مصر وصندوق النقد الدولي قد اتفقا على زيادة قيمة برنامج التمويل إلى 8 مليارات دولار من 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى نحو 1 إلى 1.2 مليار دولار من برنامج الاستدامة التابع للصندوق.

وبالنظر إلى حجم التمويل المتوقع من رأس الحكمة البالغ 35 مليار دولار، بالإضافة إلى نحو 20 مليار دولار حزمة التمويلات من الصندوق، فقد تصل مصر وقتها إلى سد فجوتها الدولارية، التي يقدرها البعض بنحو 50 مليار دولار.

وكان البنك المركزي المصري قد أعلن الأسبوع الماضي رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس والسماح لسعر الصرف بالتحرك وفقاً لآليات السوق، ليرتفع سعر صرف الدولار إلى متوسط 49.5 جنيه في البنوك التجارية بعدما استقر عند 30.9 جنيه لما يقرب من عام.

وقال معيط، إنه تم الإفراج عن بضائع بقيمة 13 مليار دولار منذ أول يناير (كانون الثاني)، حتى الآن.

ومن المتوقع أن يستمر الطلب على الدولار حتى يتم الإفراج عن البضائع المحجوزة في الجمارك والموانئ المصرية، منذ الأسبوع الماضي وحتى الآن، والتي يقدرها البعض بنحو 8 مليارات دولار.

في الأثناء، فإن أسعار السلع والمنتجات لم تستجب بشكل فوري؛ نظراً لأن «البضائع والمنتجات المعروضة حالياً بسعر دولار السوق السوداء وقتما كان بـ70 جنيهاً... قبل التعويم الأخير»؛ وفق شعبان طه تاجر أدوات منزلية، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه بمجرد انتهاء المخزون (من السلع) سيتم تسعير المنتجات الجديدة بالسعر الجديد.

غير أن عماد قناوي، عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية ورئيس شعبة المستوردين، أوضح أن «المنتج والتاجر عليهما مسؤولية أخلاقية واجتماعية ووطنية... عندما كان الدولار مرتفعاً قيّم الجميع منتجه بالدولار تحوطاً للحفاظ على رأسماله، وعندما انخفض الدولار قيّم منتجه بالجنيه المصري تحوطاً للحفاظ على رأسماله».

وأكد قناوي في بيان صحافي الأحد، أن «تأثيرات قرارات البنك المركزي، ستكون إيجابية على الاقتصاد وعلى معدلات التضخم، خاصة أن القرارات تسهم في عودة العملات الأجنبية من السوق السوداء إلى وضعها في النظام المصرفي، وغياب سعر صرف مواز سيكون له تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المصري».

برنامج الطروحات

وبينما تستعد مصر للتخارج من بعض الشركات لترك مساحة أكبر للقطاع الخاص، وهو إطار تم التشديد عليه من جانب صندوق النقد الدولي، أكد معيط أن الحكومة ستمضي في برنامجها للتخارج من بعض الأصول ضمن تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة حسب الاتفاق مع الصندوق، موضحاً أن الخزانة العامة للدولة ستحصل على نصف حصيلة أي طروحات أو صفقات استثمارية، وأن ثمة نقاشاً حكومياً لتطبيق تلك القاعدة على صفقة رأس الحكمة مع الإمارات.

وقال معيط إن برنامج الطروحات يأتي تنفيذاً لسياسة الدولة، ويهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص. وأضاف أن مصر لا تخطط لطرح سندات دولية حتى نهاية السنة المالية الحالية، موضحاً أن المستثمرين عادوا لشراء أذون الخزانة المصرية بعد الإجراءات التي أعلنها البنك المركزي الأسبوع الماضي.

التضخم

في الوقت الذي ينتظر فيه الاقتصاد المصري مؤشرات إيجابية حتى تدفعه نحو نمو مستدام، بعد صفقة رأس الحكمة والتعويم الإجباري والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، جاءت معدلات التضخم خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، أعلى من التوقعات، حيث إنها قفزت إلى 35.7 في المائة، لتنهي سلسلة انخفاضات بدأت منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من 29.8 في المائة في يناير، مدفوعاً ذلك بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.

وتأتي الزيادة في التضخم قبل ارتفاع متوقع نتيجة لخفض قيمة العملة الأسبوع الماضي. بينما كان معدل التضخم في مصر ينخفض من مستوى تاريخي بلغ 38 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأرجعت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأحد، أسباب الارتفاع إلى «ارتفاع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة (25.0 في المائة)، ومجموعة الحبوب والخبز بنسبة (14.2 في المائة)، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (11.5 في المائة)، ومجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة (12.8 في المائة)، ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة (14.1 في المائة)...».

وتوقع محلل مخاطر بشركة «النيل للتأجير التمويلي»، زاهر خليف «استمرار معدل التضخم في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، نتيجة تخفيض قيمة الجنيه». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت بيانات التضخم في فبراير أكثر من المتوقع مدفوعة بالزيادة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات، نتيجة توقع المنتجين لتخفيض قيمة العملة المصرية أمام الدولار بعد مباحثات ولقاءات مع مسؤولي صندوق النقد...».

وعن أزمة الدولار وهل تم حلها بعد صفقة رأس الحكمة، قال خليف: «لا أعتقد أن أزمة الدولار في مصر يمكن حلها بمجرد توقيع صفقة مثل رأس الحكمة، ما لم يحسن استغلال هذه الأموال، وما لم تبحث الدولة عن حلول جذرية لهذه المشكلة، خاصة بعد تأثير التوترات الجيوسياسية على قناة السويس، أحد أهم موارد مصر من العملة الصعبة».

وعن الحلول الجذرية لأزمة الدولار، أكد على أنها يجب أن «تشمل تنويع مصادر الدولار وتوطين الصناعات، خاصة ومصر تتمتع بمزايا تنافسية منها: الموقع الجغرافي على سبيل المثال، وتوافر العمالة الماهرة، وانخفاض تكلفة العمالة...»، مشيراً إلى أهمية تعزيز التبادل بالعملات المحلية.

بينما أكد رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، «إننا الآن في حالة حرجة ووقت حرج، ويجب على الجميع مساندة الدولة والتخلي عن المصالح الشخصية الضيقة... فإذا لم نساعد ونتخلى عن المصالح والمنافع الشخصية الضيقة، فسوف نكون أول ضحايا الفشل الاقتصادي».


مقالات ذات صلة

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

شمال افريقيا مصريون يسيرون أمام مكتب صرافة في القاهرة (أ.ب)

الدولار… صداع مزمن يقض مضاجع المصريين

تنعكس أي زيادة في سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري بصورة مباشرة على زيادة أسعار السلع والخدمات، في ظل اعتماد مصر على مواد مستورَدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد عمليات تطوير وإنشاء مبانٍ حديثة بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

القطاع الخاص المصري يواصل الانكماش رغم ارتفاعه في أكتوبر

واصل أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر تراجعه في أكتوبر، وذلك في وقت تسببت ضغوط التكلفة المرتفعة في كبح أحجام الطلبيات الجديدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا والوفد المرافق (رئاسة الجمهورية)

مصر: المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد تبدأ الثلاثاء

قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم (الأحد)، إن المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولي مع البلاد ستبدأ يوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«فيتش» ترفع تصنيف مصر إلى «بي» لأول مرة منذ 5 سنوات

رفعت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، للمرة الأولى منذ مارس (آذار) عام 2019، تصنيف الديون طويلة الأجل لمصر بدرجة واحدة من «B -» إلى«B»، مشيدة بعدد من التحسينات.


تدفقات ضخمة إلى صناديق أسواق المال قبل الانتخابات واجتماع «الفيدرالي»

أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
TT

تدفقات ضخمة إلى صناديق أسواق المال قبل الانتخابات واجتماع «الفيدرالي»

أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)
أوراق نقدية من اليورو ودولار هونغ كونغ والدولار الأميركي والين الياباني والجنيه الإسترليني واليوان الصيني (رويترز)

شهدت صناديق أسواق المال العالمية تدفقات ضخمة في الأسبوع المنتهي في 6 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث سارع المستثمرون إلى اللجوء إلى الأمان قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية واجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وأظهرت البيانات أن المستثمرين ضخوا مبلغاً هائلاً قدره 127.44 مليار دولار في صناديق أسواق المال العالمية خلال الأسبوع، ما يعد أكبر صافي شراء أسبوعي منذ 3 يناير (كانون الثاني)، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وتم انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة هذا الأسبوع، حيث كانت أسواق المراهنات ترجح فوزه، بينما أظهرت الاستطلاعات حالة من التنافس الشديد في الانتخابات. في الوقت نفسه، قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية يوم الخميس، في خطوة تهدف إلى معالجة التعقيدات المحتملة في المشهد الاقتصادي مع استعداد الرئيس المنتخب لتولي منصبه في يناير المقبل.

وجذبت صناديق أسواق المال الأميركية 78.68 مليار دولار، وهو أعلى تدفق في ستة أسابيع. بينما استفادت صناديق أسواق المال الأوروبية والآسيوية أيضاً من هذا التوجه، حيث ضخ المستثمرون 42.87 مليار دولار و4.76 مليار دولار على التوالي.

وفي الوقت نفسه، سجلت صناديق الأسهم العالمية صافي شراء بقيمة 10.76 مليار دولار، مقارنة مع صافي سحب بقيمة 2.95 مليار دولار في الأسبوع السابق. كما تزايدت الاستثمارات في صناديق القطاع الصناعي، حيث حققت صافي شراء قدره 1.02 مليار دولار، وهو أكبر صافي شراء أسبوعي منذ 17 يوليو (تموز). وفي المقابل، شهدت قطاعات المال والسلع الاستهلاكية الأساسية سحوبات قيمتها 420 مليون دولار و354 مليون دولار على التوالي.

من ناحية أخرى، واصلت صناديق السندات العالمية جذب الاستثمارات للأسبوع الـ46 على التوالي، محققة تدفقات بلغت 11.45 مليار دولار.

وقال كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات العالمية في «يو بي إس»، مارك هايفلي: «نواصل التوقع بخفض آخر بمقدار 25 نقطة أساس من الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول)، بالإضافة إلى 100 نقطة أساس أخرى من التيسير في 2025. ننصح المستثمرين بتحويل السيولة الزائدة إلى الدخل الثابت عالي الجودة، خاصة مع الزيادة الأخيرة في العوائد التي توفر فرصة لإغلاق مستويات جذابة».

وشهدت صناديق السندات قصيرة الأجل العالمية صافي شراء بلغ 3.23 مليار دولار، وهو الأعلى منذ 25 سبتمبر (أيلول). في المقابل، جذبت صناديق السندات متوسطة الأجل المقومة بالدولار وصناديق السندات الحكومية والشركات تدفقات قدرها 1.42 مليار دولار و824 مليون دولار و606 مليون دولار على التوالي.

وفي السلع الأساسية، باع المستثمرون صناديق الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، ما أسفر عن بيع صاف بقيمة 649 مليون دولار، منهين بذلك سلسلة من المشتريات استمرت 12 أسبوعاً متتالياً من عمليات الشراء. كما شهد قطاع الطاقة تدفقات خارجة بلغت 245 مليون دولار.

وفي الأسواق الناشئة، أظهرت البيانات التي تغطي 29675 صندوقاً مشتركاً أن صناديق السندات شهدت تدفقات خارجة صافية بلغت 1.55 مليار دولار، وهو الأسبوع الثالث على التوالي من البيع الصافي. وشهدت صناديق الأسهم تدفقات خارجة بلغت 518 مليون دولار، ما يعكس انخفاض شهية المستثمرين للأسواق الناشئة.