«إيفرغراند» ورحلة السقوط من عملاق عقاري إلى التصفية

ديونها تمثل 6.5 % من إجمالي القطاع الصيني

امرأة تسير بجوار مجمع سكني تابع لمجموعة «إيفرغراند» يسمى «قصر إيفرغراند» في بكين (أ.ف.ب)
امرأة تسير بجوار مجمع سكني تابع لمجموعة «إيفرغراند» يسمى «قصر إيفرغراند» في بكين (أ.ف.ب)
TT

«إيفرغراند» ورحلة السقوط من عملاق عقاري إلى التصفية

امرأة تسير بجوار مجمع سكني تابع لمجموعة «إيفرغراند» يسمى «قصر إيفرغراند» في بكين (أ.ف.ب)
امرأة تسير بجوار مجمع سكني تابع لمجموعة «إيفرغراند» يسمى «قصر إيفرغراند» في بكين (أ.ف.ب)

بعد عامين من التخلف عن السداد، و18 شهراً من المداولات داخل محكمة هونغ كونغ، سطرت القاضية ليندا تشان، كلمة النهاية في قضية عملاق العقارات الصيني «إيفرغراند»، بعدما أمرت يوم الاثنين بتصفية المجموعة العقارية العملاقة، في خطوة من المرجح أن يكون لها تأثير على الأسواق المالية المنهارة في الصين مع سعي صناع السياسات لاحتواء أزمة متفاقمة.

والشركة الصينية العملاقة مدينة بأموال لنحو 171 بنكاً محلياً و121 شركة مالية أخرى. ويبلغ إجمالي التزامات المجموعة 313 مليار دولار، وهو ما يمثل 6.5 في المائة من إجمالي التزامات قطاع العقارات الصيني.

ومن حيث إجمالي السندات الخارجية القائمة، تمتلك «إيفرغراند» 19 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 9 في المائة من إجمالي سوق السندات الخارجية. وبشكل عام، تبلغ ديون المجموعة نحو 2 إلى 3 في المائة من رأس المال الأساسي للبنوك الصينية.

ويوم الاثنين، قررت تشان تعيين «ألفاريز آند مارسال» مصفياً للمطور العقاري الأكثر مديونية في العالم، مع أكثر من 300 مليار دولار من إجمالي الالتزامات، بعد أن أكدت القاضية أن «إيفرغراند» لم تتمكن من تقديم خطة إعادة هيكلة ملموسة بعد أكثر من عامين من التخلف عن سداد السندات وبعد جلسات استماع عدة في المحكمة. وقالت تشان، في جلسة المحكمة الصباحية يوم الاثنين: «لقد حان الوقت للمحكمة أن تقول كفى».

وأوضحت تشان إن تعيين مصفٍّ سيكون في مصلحة جميع الدائنين، لأنه قد يتولى مسؤولية خطة إعادة هيكلة جديدة لـ«إيفرغراند» في وقت يخضع فيه رئيسها، هوي كا يان، للتحقيق في جرائم مشتبه بها.

وقال سو شوان، الرئيس التنفيذي لـ«إيفرغراند»، لوسائل الإعلام الصينية، إن الشركة ستضمن استمرار تسليم مشاريع بناء المنازل على الرغم من أمر التصفية. وأضاف أن الحكم لن يؤثر على عمليات وحدات «إيفرغراند» البرية والبحرية.

بينما قالت تيفاني وونغ، المدير الإداري لشركة «ألفاريز آند مارسال»، إن «أولويتنا هي الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأعمال وإعادة هيكلتها واستمرار تشغيلها. وسنتبع نهجاً منظماً للحفاظ على القيمة وإعادتها إلى الدائنين وأصحاب المصلحة الآخرين».

أزمة معقدة

وتسببت مجموعة «تشاينا إيفرغراند»، التي تمتلك أصولاً بقيمة 240 مليار دولار، في دفع قطاع العقارات المتعثر إلى حالة من الفوضى عندما عجزت عن سداد ديونها في نهاية عام 2021، ومن المرجح أن يؤدي حكم التصفية إلى مزيد من الهزات في أسواق رأس المال والعقارات الصينية الهشة بالفعل.

وفي محاولة لتجنب الانهيار، شرع هوي كا يان، مؤسس الشركة، في بيع أسهمه، كما باعت «إيفرغراند» بعض الأراضي بتخفيض بلغ 70 في المائة، ودفعت لبعض المزوّدين عقارات غير مكتملة عوضاً عن المال، لكن الأمور واصلت تفاقمها بعدما أعلنت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني في نهاية عام 2021 أن «إيفرغراند» عاجزة عن السداد.

إلا أن حملة السندات ليسوا الضحايا الوحيدين، ففقدان السيولة المالية أجبر الشركة في نهاية عام 2021 على وقف أعمال البناء في 800 مشروع، وهذا يعني أن 1.5 مليون شخص دفعوا مقدّماً للحصول على منازل يواجهون خطر خسارة أموالهم، وقد خرج هؤلاء في العديد من المدن الصينية للاحتجاج أمام مكاتب الشركة خلال الأشهر الماضية.

ويزيد أمر تصفية «إيفرغراند» من تعقيد الصورة بالنسبة للدائنين ومشتري المنازل؛ حيث إن أحد الأسئلة الكبيرة هو ما إذا كان سيتم الاعتراف بقرار التصفية وتنفيذه في البر الرئيسي. والسبب الآخر هو ما يحدث للتقدم في بناء المنازل المبيعة مسبقاً، التي تقدر قيمتها بنحو 604 مليارات يوان، والتي لم تقم الشركة بتسليمها بعد.

تحركات أسعار أسهم «إيفرغراند» الصينية خلال الأعوام العشرة الأخيرة

كرة الثلج

ولد مؤسس «إيفرغراند» لعائلة فقيرة، لكنه نجح في دخول الجامعة، ثم انتقل إلى مدينة شينزن؛ حيث أسس شركته في عام 1996. وعلى مدى ربع قرن، توسّعت أنشطة «إيفرغراند» لتشمل تعليب المياه، ومجال الرياضة، والترفيه عبر الإنترنت ومدن الملاهي، والمستشفيات، والبنوك والتأمين، حتى إن الشركة أعلنت في 2019 أنها ستصبح أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم. وقد أصبح هوي في عام 2017 أغنى رجل في الصين.

ومع التوسع الفائق، اعتمدت المجموعة على كمّ هائل من الديون بدعم من أصولها وحجم أعمالها، لكن بعض المحللين يرون أن تحولاً في السياسات الصينية أدى إلى انفجار الوضع.

يشير هؤلاء إلى أن إدارة الرئيس شي جينبينغ لم تحب هذا النموذج الرأسمالي الفج الذي تحولت إليه البلاد، ورأت أن الاستثمار في المصانع والتكنولوجيا يمثل المستقبل، أكثر من الاستثمار في العقارات؛ خصوصاً مع ظهور واتساع الفجوة الاجتماعية بشكل غير مسبوق، حتى إن الصين توجد فيها 4 من أغلى 10 مدن في العالم من حيث العقارات... ولذلك، فقد توقف «الدعم المنفلت» للمطورين العقاريين، الذين صاروا مصدراً صافياً للقلق مع تركز نحو 41 في المائة من أصول النظام المصرفي في أمور مرتبطة بالعقارات.

وفي خطوة حاسمة، أصدرت الحكومة المركزية والسلطات المحلية في مطلع خريف 2021 قيوداً وتشريعات جديدة تستهدف كبح تدفق الأموال نحو القطاع العقاري، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير وفوري لأسعار العقارات. وفي الوقت ذاته تقريباً، أصدرت بكين أوامر للبنوك لتمويل قطاعات التقنية والتصنيع عوضاً عن الرهون العقارية، فأدت هذه الإجراءات إلى انخفاض مبيعات العقارات بنسبة 40 في المائة... وما تلا ذلك كان معروفاً للجميع.

محاولات أخيرة

لكن الوضع حالياً صار معقداً بأكثر مما يتخيل الجميع، إذ تواجه بكين أداءً اقتصادياً ضعيفاً، وأسوأ سوق عقارية لها منذ 9 سنوات، وسوق الأوراق المالية تتأرجح بالقرب من أدنى مستوياتها في 5 سنوات، لذا فإن أي ضربة جديدة لثقة المستثمرين قد تؤدي إلى تقويض جهود صناع السياسات لإنعاش النمو.

وتقدمت «إيفرغراند» بطلب تأجيل آخر يوم الاثنين؛ حيث قال محاميها إنها حققت «بعض التقدم» بشأن اقتراح إعادة الهيكلة. وفي جزء من العرض الأخير، اقترح المطور على الدائنين مبادلة ديونهم بجميع الأسهم التي تمتلكها الشركة في وحدتيها في هونغ كونغ، مقارنة بحصص تبلغ نحو 30 في المائة في الشركات التابعة قبل جلسة الاستماع الأخيرة في ديسمبر (كانون الأول).

وقال محامي «إيفرغراند» إن التصفية يمكن أن تضر بعمليات الشركة وإدارة الممتلكات ووحدات السيارات الكهربائية، الأمر الذي سيضر بدوره بقدرة المجموعة على سداد جميع الديون.

وكانت المجموعة تعمل على خطة تجديد ديون بقيمة 23 مليار دولار مع مجموعة من الدائنين تعرف باسم مجموعة حاملي السندات المخصصة لمدة عامين تقريباً.

من المتوقع أن يكون للحكم تأثير ضئيل على عمليات الشركة بما في ذلك مشاريع بناء المنازل على المدى القريب؛ حيث قد يستغرق الأمر شهوراً أو سنوات حتى يتمكن المصفي الخارجي المعين من قبل الدائنين من السيطرة على الشركات التابعة عبر البر الرئيسي للصين - وهي ولاية قضائية مختلفة عن هونغ كونغ.


مقالات ذات صلة

الرياض: انطلاق «مؤتمر الاستثمار» بتفاؤل وصفقات مليارية

الاقتصاد ياسر الرميان يتحدث للحضور في «مبادرة مستقبل الاستثمار» (الشرق الأوسط)

الرياض: انطلاق «مؤتمر الاستثمار» بتفاؤل وصفقات مليارية

ساد جو من التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد العالمي بين كبار الشخصيات وقادة الأعمال الذين شاركوا في انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي لـ«مبادرة مستقبل الاستثمار».

الاقتصاد خلال حفل التوقيع بين «أرامكو» و«الصندوق الصناعي» و«توليا» (البيان المشترك)

«أرامكو» و«الصندوق الصناعي» و«توليا» يعلنون عن منصة لتمويل سلسلة التوريد

وقّعت «أرامكو السعودية»، و«توليا»، إحدى شركات مجموعة «إس إيه بي»، وبدعم من «صندوق التنمية الصناعية» السعودي، اتفاقيات للعمل على تأسيس منصة لتمويل سلسلة التوريد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من توقيع الاتفاقيات (واس)

«أكوا باور» السعودية توقع اتفاقيات بـ1.78 مليار دولار

أبرمت شركة «أكوا باور» السعودية، الثلاثاء، عدداً من الاتفاقيات بإجمالي استثمارات بلغت 1.78 مليار دولار (6.69 مليار ريال)، خلال مشاركتها راعياً استراتيجيّاً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد إيلون ماسك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (الشرق الأوسط)

إيلون ماسك: الروبوتات «المؤنسنة» ستفوق عدد البشر بحلول 2040

توقّع الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا»، إيلون ماسك، أن تتجاوز الروبوتات «المؤنسنة» عدد البشر بحلول عام 2040، مبيّناً أنه سيُقدّر سعر الواحد منها بنحو 25 ألف دولار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا الرئيس ماكرون خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان المغربي (أ.ف.ب)

ماكرون يجدد أمام البرلمان المغربي دعم «سيادة» المغرب على الصحراء

جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام البرلمان المغربي، الثلاثاء، التأكيد على تأييد بلاده لـ«سيادة المملكة على الصحراء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

فرص العمل الأميركية تسجل أدنى مستوى منذ 3 سنوات

علامة توظيف تظهر بمتجر تجزئة في كارلسباد كاليفورنيا (رويترز)
علامة توظيف تظهر بمتجر تجزئة في كارلسباد كاليفورنيا (رويترز)
TT

فرص العمل الأميركية تسجل أدنى مستوى منذ 3 سنوات

علامة توظيف تظهر بمتجر تجزئة في كارلسباد كاليفورنيا (رويترز)
علامة توظيف تظهر بمتجر تجزئة في كارلسباد كاليفورنيا (رويترز)

انخفضت فرص العمل في الولايات المتحدة الشهر الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ يناير (كانون الثاني) 2021، مما يشير إلى فقدان سوق العمل بعض الزخم. ومع ذلك، تظل فرص العمل أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة.

وأفادت وزارة العمل يوم الثلاثاء بأن عدد فرص العمل انخفض إلى 7.4 مليون في سبتمبر (أيلول)، مقارنة بـ7.9 مليون في أغسطس (آب). وكان الاقتصاديون يتوقعون أن يبقى مستوى فرص العمل دون تغيير تقريباً، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

كما ارتفع عدد حالات تسريح العمال، حيث انخفض عدد الأميركيين الذين تركوا وظائفهم إلى أقل من 3.1 مليون، وهو أدنى مستوى منذ أغسطس 2020، مما يدل على أن المزيد من الأشخاص يفقدون الثقة في قدرتهم على العثور على فرص عمل أفضل.

وعلى الرغم من أن فرص العمل قد تباطأت بشكل ملحوظ منذ أن بلغت ذروتها عند 12.2 مليون في عام 2022، لكنها لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل أن يشل وباء كورونا الاقتصاد الأميركي في أوائل عام 2020. وبعد الانتعاش القوي للاقتصاد من ركود «كوفيد - 19»، كانت الشركات تسعى بشغف للعثور على ما يكفي من العمال لتلبية طلبات العملاء المتزايدة.

وأدى ارتفاع النشاط الاقتصادي إلى اندلاع التضخم، مما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي 11 مرة في عامي 2022 و2023. وقد انخفض معدل التضخم من ذروته البالغة 9.1 في المائة في يونيو (حزيران) 2022 إلى 2.4 في المائة في سبتمبر.

وأثبت الاقتصاد قدرته على التكيف بشكل مدهش مع زيادات أسعار الفائدة التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي، متجنباً الركود الذي توقعه الكثيرون. ومع ذلك، مقارنة بزيادة التوظيف من عام 2021 إلى عام 2023، فقد تباطأ خلق فرص العمل هذا العام، فبلغ متوسط ​​الوظائف الجديدة 200 ألف وظيفة شهرياً من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر، ورغم أن هذا رقم صحيّ، لكنه أقل بكثير من متوسط 604 آلاف وظيفة شهرياً في عام 2021، و377 ألفاً في عام 2022، و251 ألفاً في العام الماضي.

ومع ذلك، أضاف أرباب العمل بشكل غير متوقع 254 ألف وظيفة في سبتمبر.

ومن المتوقع أن تعلن وزارة العمل يوم الجمعة أن الاقتصاد أضاف 120 ألف وظيفة الشهر الماضي، وهو إجمالي من المرجح أن يتأثر بتأثيرات إعصار هيلين والإضراب في شركة «بوينغ». ومن المتوقع أن يظل معدل البطالة عند مستوى منخفض يبلغ 4.1 في المائة، وفقاً لمسح أجرته شركة البيانات «فاكتست».