«جنون الذهب» يعمّق ارتباط المصريين بـ«الملاذ الآمن»

الزيادة الكبيرة تسببت في تعليق البيع لدقائق

أحد العاملين بمتجر للذهب يقوم بتنسيق معروضاته في واجهة المحل وسط العاصمة المصرية (رويترز)
أحد العاملين بمتجر للذهب يقوم بتنسيق معروضاته في واجهة المحل وسط العاصمة المصرية (رويترز)
TT

«جنون الذهب» يعمّق ارتباط المصريين بـ«الملاذ الآمن»

أحد العاملين بمتجر للذهب يقوم بتنسيق معروضاته في واجهة المحل وسط العاصمة المصرية (رويترز)
أحد العاملين بمتجر للذهب يقوم بتنسيق معروضاته في واجهة المحل وسط العاصمة المصرية (رويترز)

لم يفكر المصري كامل علي، طويلا وهو يطالع أسعار الذهب صباح (الاثنين)، حيث قرّر التوجه إلى البنك الذي يدخر فيه أمواله، وسحبها لتحويلها إلى جنيهات ذهبية. وقال الموظف الخمسيني، الذي يقطن في محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، لـ«الشرق الأوسط»: «حسمت أمري، أموالي التي أحتفظ بها في حسابي البنكي تقل قيمتها يوما وراء الآخر، بينما يرتفع الذهب بشكل جنوني، لذا سأحولها إلى جنيهات ذهبية، كي تحافظ على قيمتها».

وسجل سعر الجنيه الذهب في بداية تعاملات الصاغة، الاثنين، مبلغ 24680 جنيهاً (الدولار يساوي 30.82 جنيه مصري حسب السعر الرسمي)، فيما صعد بمنتصف التعاملات مسجلاً 25200 جنيه.

وبالتوازي سجلت غرامات الذهب ارتفاعات كبيرة هي الأخرى بمنتصف تعاملات اليوم، ليسجل عيار 24 سعر 3600 جنيه، وعيار 21 سعر 3150 جنيهاً، ووصل سعر عيار 18 لـ2700 جنيه، «لتواصل جميعها سلسلة الارتفاعات التي تشهدها السوق منذ الأسبوع الماضي»، بحسب أمير رزق، عضو شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، وخبير المشغولات الذهبية، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط».

ولا يمثل «كامل» حالة خاصة باتجاهه إلى الذهب للاستثمار فيه، حيث أصبح المعدن النفيس «خياراً للاستثمار الآمن بين قطاعات كبيرة من المصريين على مدار الأشهر الماضية»، وفق كلمات خبير المشغولات الذهبية.

وكشف تقرير «اتجاهات الذهب» خلال الربع الثالث من 2023 الصادر عن مجلس الذهب العالمي، أن «المصريين اشتروا ذهباً منذ بداية العام وحتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) بمقدار 24.9 طن من الذهب».

بدورها، قالت الشعبة العامة للذهب، في بيان (الاثنين)، إن «ما يحدث في الأسواق من تذبذب وعدم استقرار الأسعار يعود لحركة تداول كبيرة بين عرض وحركة بيعية لجني الأرباح والاستفادة من الارتفاع الكبير لأسعار الذهب». ونفت الشعبة ما أشيع عن توقف حركة البيع بالأسواق المحلية، مؤكدة أن «سرعة تغير الأسعار أدت إلى ارتباك في بعض المحلات، ما تسبب في تعليق البيع لبضع دقائق لحسم أسعار البيع والشراء».

وهو الأمر الذي تؤكده الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى في مصر، موضحة أن أسباب الارتفاع الكبير لسعر الذهب يعود إلى نظرية «العرض والطلب»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «تمر مصر بأزمات بسبب الحرب على غزة ومن قبلها الحرب الروسية الأوكرانية، إلى جانب أحداث ملتهبة على حدودها، فهناك أزمة تلي الأخرى، ما تسبب في انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، ومع عدم وضوح الرؤية للأحداث المحيطة بنا، دفع ذلك قطاعات كثيرة من المصريين إلى التفكير في الحفاظ على قيمة مدخراتهم، والذين لا يجدون سوى الذهب بصفته ملاذا آمنا، وهو ما يزيد الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع سعره».

ويلفت أمير رزق، عضو شعبة الذهب، إلى أن «الإقبال قل بدرجة كبيرة على شراء المشغولات الذهبية للتزين منذ بداية 2023 وتراجعت نسبة بيعها من 7 إلى 10 في المائة عما هو معتاد، بينما تتركز الحركة ويزيد حجم الطلب على شراء السبائك والجنيهات الذهبية، كونه نوعا من الادخار المضمون».

ويبيّن أن من يقبلون على الزواج أيضا يكتفون في الغالب بشراء «دبلة وخاتم الزفاف» فقط، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار.

هنا، تقول الخبيرة الاقتصادية: «تغيرت عادات المصريين في شراء الذهب عند الزواج، وتغير العُرف السائد المرتبط بشراء كميات من المشغولات، وأصبح هناك اتفاق بين العائلات على الاكتفاء بدبلة وخاتم الزفاف، على أن تُكتب القيمة فقط في قائمة المنقولات ليكون ضمانا للزوجة، وهو تغير جاء بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والتكلفة الباهظة لتأسيس مسكن الزوجية».

وفق بيان الشعبة العامة للذهب، فإن حركة الطلب المرتفعة ترتبط بتحوّط المستثمرين من ارتفاعات مقبلة يتوقع أن تشهدها الأسواق العالمية خلال الربع الأول من العام المقبل مثل قراءة لمؤشرات الأسواق العالمية من ناحية، وحركة طلب موسمية بالأسواق المحلية خلال مواسم أعياد الأقباط وبداية العام الجديد من ناحية أخرى.

وتتوقع «الملاح» ألا ينخفض سعر الذهب مع بداية العام الجديد، إلا مع استقرار الأوضاع في المنطقة وخلف حدود الدولة المصرية، عندئذ ومع الشعور بالاستقرار سيقوم المواطنون ببيع الذهب الذي بحوزتهم، وبالتالي يزيد العرض مما يخفض سعره.

يعود «كامل» إلى الحديث، موضحاً أن مدخراته وفق أسعار الذهب الحالية لن تسمح له سوى بشراء جنيهين ذهبيين فقط، إلا أنه رغما عن ذلك يرى أن «الذهب زينة وخزينة»، كما يقول المثل الشعبي المصري.


مقالات ذات صلة

أسعار الذهب تتجه نحو انخفاض أسبوعي

الاقتصاد سبائك الذهب في مصنع نوفوسيبيرسك لتكرير ومعالجة المعادن الثمينة (رويترز)

أسعار الذهب تتجه نحو انخفاض أسبوعي

اتجهت أسعار الذهب إلى انخفاض أسبوعي، يوم الجمعة، بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تباطؤ في دورة تخفيف السياسة النقدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك وعملات ذهبية في غرفة صندوق الأمانات في دار «برو أوروم» بميونيخ (رويترز)

الذهب يعوض خسائره بعد تلميحات بتباطؤ خفض الفائدة

عوّضت أسعار الذهب خسائرها لترتفع يوم الخميس، بعد أن تراجعت إلى أدنى مستوى لها في شهر في وقت سابق من اليوم.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد حُبيبات من الذهب النقي في مصنع كراستسفيتمت للمعادن الثمينة بكراسنويارسك (رويترز)

أسعار الذهب مستقرة قبل قرار «الفيدرالي»

لم يطرأ أي تغيير ملحوظ على أسعار الذهب، يوم الأربعاء، حيث تركزت أنظار الأسواق بشكل رئيسي على قرار السياسة النقدية المرتقب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في وقت لاحق

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية في قبو أحد البنوك بزيوريخ (رويترز)

استقرار الذهب قبل اجتماع «الفيدرالي» وتوقعات الفائدة في 2025

استقرت أسعار الذهب يوم الثلاثاء في انتظار اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث تترقب الأسواق بفارغ الصبر توقعات المركزي الأميركي بشأن الفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك من الذهب الخالص في مصنع كراستسفيتم للمعادن الثمينة بمدينة كراسنويارسك السيبيرية (رويترز)

الذهب يرتفع مع توقعات بخفض الفائدة من جانب «الفيدرالي»

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الاثنين، مع توقع المستثمرين تخفيضاً محتملاً في أسعار الفائدة من قِبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)

محافظ «المركزي المصري»: نطبق أدوات السياسة الاحترازية الكلية في الوقت الراهن

محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله (البنك المركزي)
محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله (البنك المركزي)
TT

محافظ «المركزي المصري»: نطبق أدوات السياسة الاحترازية الكلية في الوقت الراهن

محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله (البنك المركزي)
محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله (البنك المركزي)

قال محافظ البنك المركزي المصري، حسن عبد الله، إن البنوك المركزية العربية تقوم بدور رئيسي في الوقت الراهن، لتعزيز الاستقرار المالي، ومرونة القطاعات المصرفية العربية، وذلك من خلال «ضمان تبني البنوك لسياسات ديناميكية ودقيقة لإدارة المخاطر، واستعدادها للتكيف مع الظروف المتغيرة والصدمات المتلاحقة، والمخاطر الناشئة المتعلقة بتغيرات المناخ والتحديات السيبرانية، وذلك عبر تطبيق أدوات السياسة الاحترازية الكلية».

وأكد عبد الله -خلال مشاركته في «الاجتماع السنوي التاسع عشر عالي المستوي حول الاستقرار المالي والأولويات التنظيمية والرقابية» بأبوظبي- على ضرورة التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، واحتواء الضغوط التضخمية، وتوجيه مزيد من التمويل للقطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي.

وأشار المحافظ، إلى أن البنك المركزي المصري يقوم بصورة دورية بتقييم صلابة القطاع المصرفي في مواجهة المخاطر المختلفة التي قد تهدد الاستقرار المالي، وذلك من خلال منظور احترازي كلي؛ حيث «يتم تطبيق اختبارات الضغوط الكلية، ضمن سيناريو متكامل للمخاطر الاقتصادية والمالية والجيوسياسية والمناخية، بهدف قياس مدى تأثر القطاع المصرفي بالمخاطر النظامية التي قد تنتج عن تلك الصدمات. وقد أظهرت هذه الاختبارات مرونة القطاع المصرفي المصري في مواجهة مختلف المخاطر، وفاعلية السياسة الاحترازية الكلية والجزئية للبنك المركزي المصري في تعزيز الاستقرار المالي».

تضمن الاجتماع كثيراً من الجلسات التي ناقشت عدداً من القضايا والموضوعات ذات الأولوية للبنوك المركزية والأنظمة المصرفية العربية، منها اتجاهات المخاطر في الأنظمة المالية بالدول العربية، والأولويات الرقابية في ظل التغيرات الاقتصادية والتداعيات الجيوسياسية، ودور البنوك المركزية في ضوء ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية، وتعزيز حوكمة البنوك المركزية، والمبادئ الأساسية المعدَّلة للرقابة المصرفية الفعالة، وانعكاساتها على الأطر الرقابية والاحترازية.

حضر الاجتماع خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، والدكتور فهد بن محمد التركي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، وفرناندو ريستوي، رئيس معهد الاستقرار المالي، وعدد كبير من محافظي البنوك المركزية بالدول العربية.

جدير بالذكر أن هذا الاجتماع السنوي يمثل أهمية كبيرة لصانعي السياسات ومتخذي القرار في البنوك المركزية والمؤسسات المالية والمصرفية، وكبار مسؤولي الرقابة المصرفية في المنطقة العربية، باعتباره لقاءً دورياً يضم خبرات متميزة ومسؤولين رفيعي المستوى، ويناقش أهم المستجدات في قضايا الاستقرار المالي والتشريعات الرقابية، بما يساهم في الخروج برؤى قيِّمة تتم ترجمتها إلى قرارات فاعلة، تعمل على تعزيز الاستقرار المالي في الدول العربية.