باتت مشاهدة قطع أثاث قديمة وأجهزة منزلية معمرة أمام واجهات محال تجارية متخصصة في بيع السلع القديمة أمراً ملحوظاً في كثير من الأحياء المصرية؛ حيث تلقى إقبالاً من كثيرين أُجبروا على الشراء منها؛ بسبب ارتفاع أسعار السلع الجديدة بفعل التضخم، وحالة الغلاء التي تعاني منها مصر؛ خصوصاً بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري وشح «العملة الصعبة» بالأسواق، وفق مراقبين.
والأشياء القديمة حسبما يقول سعيد جابر؛ صاحب معرض أثاث قديم، بمنطقة الهرم بالجيزة (غرب القاهرة) لـ«الشرق الأوسط» يتجه بها جامعو «الروبابيكيا» إلى ورشات خاصة، يمتلك هو إحداها، تحول القطع القديمة بواسطة فنيين، وأسطوات مهرة إلى قطع مقبولة، تلقى زبونها الذي يتجنب شراء سلع مماثلة جديدة بأسعار مضاعفة.
ويرى جابر أن «رواج أسواق بيع السلع القديمة بالآونة الأخيرة؛ تسبب في ارتفاع أسعار السلع الجديدة».
وقال هاني محمد، 60 عاماً صاحب محل تنجيد أثاث بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «تسببت أسعار الأخشاب ومستلزمات الأقمشة في ارتفاع أسعار منتجات الموبيليا بشكل لافت بالآونة الأخيرة، فبينما كنت أبيع (الركنة الكبيرة) في عام 2013 بسعر 6 آلاف جنيه، فإنني أبيعها راهنا بأكثر من 30 ألف جنيه، فيما تتكلف عملية تجديدها الآن نحو 12 ألف جنيه»، منوهاً إلى أن «هذا الارتفاع الكبير دفع مواطنون إلى تجديد ما لديهم رغم ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة في عمليات التجديد». مضيفاً أن «المقبلين على الزواج باتوا يتكبدون مبالغ كبيرة في سبيل تأثيث شققهم».
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فإن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 34.6 في المائة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة بـ35.8 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي.
وظل التضخم السنوي يسجل صعوداً لمدة عامين ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 38 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي. والمعدل المسجل في نوفمبر هو الأدنى منذ مايو (أيار) من العام الحالي.
ولا يعني تراجع التضخم في نوفمبر حلا لمشكلة ارتفاع الأسعار، نظراً لاستمرار أزمة شح الدولار في البلاد التي تستورد معظم احتياجاتها الغذائية والصناعية.
فيما قالت سعدية محمد، ربة منزل (45 عاماً) تعيش بمنطقة فيصل بالجيزة لـ«الشرق الأوسط» إنها «اضطرت إلى تجديد غرفة نوم أطفالها بعد أن فوجئت بأسعار غرف النوم الجديدة في السوق، ودفعت مبلغاً كبيراً يساوي سعرها الأصلي مقابل عمليات التجديد».
ويبرر جابر ارتفاع سعر معروضاته من الأثاث التي يصل بعض قطعها إلى 12 ألف جنيه مصري، بارتفاع أسعار مستلزمات التجديد، ويقول: «لدي أثاث غير موجود في الأسواق، به نقوش لا يستطيع أي (صنايعي) أن يقدمه الآن إلا بأسعار مرتفعة جداً، فالقطعة التي أبيعها هنا بنحو 10 آلاف جنيه مصري يباع الجديد منها بأكثر من ثلاثين ألفاً».
من جهته، يقول هشام جيد، الذي يدير ورشة لتجديد الموبيليات بمنطقة العباسية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط»، وهو يشير لعدد من كراسي الاستقبال قام بإعادتها لحالتها الأولى، هذا الصالون تكلف تجديده أكثر من 17 ألف جنيه، وهو ثمن لقماش إعادة تنجيده، وخامات تلميعه، وصيانته، فضلا عن المصنعية التي قدرتها ليظهر بهذه الحالة.
وبالإضافة إلى التجار الذين يفضلون تجديد قطع الأثاث وبيعها بأسعار جديدة، فإن هناك آخرين لا يحبون إرهاق أنفسهم في عمليات التجديد ويحبذون بيع الأثاث القديم بحالته نفسها، ومن بينهم أحمد مسعود، الذي يدير أحد هذه المحال بمنطقة المنيب (جنوب الجيزة)، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أبيع بضاعتي كما هي، وللمشتري أن يستخدمها أو يصرف على تجديدها».
وما ينطبق على الموبيليا تشهده أيضا السلع المنزلية المعمرة على غرار الغسالات والثلاجات، أحمد عبد الله صاحب معرض لتجارة هذه الأجهزة، يقول: «لدي ورشة بها مهندسون يعيدون المعطل منها للعمل، ويقومون بإعادة طلائها، وهناك أجهزة تأتي على درجة من الكفاءة تحتاج إلى جهد بسيط، وتباع بسعر يناسب حالتها».
ويبيع عبد الله أحد أنواع الغسّالات بمبلغ 12 ألف جنيه مصري، وأحد أنواع الثلاجات بـ13 ألف جنيه، وهي أسعار لا تتجاوز نصف قيمتها راهنا إذا تم بيعها جديدة، على حد تعبيره.
ويعزو الباحث الاقتصادي المصري إلهامي الميرغني، سبب رواج تجارة السلع القديمة راهناً إلى «موجات الغلاء المتتالية»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «موجات الغلاء دفعت الناس إلى البحث عن السلع الأرخص ثمناً، والأكثر جودة»، مضيفاً أن «كثيرا من المشترين يرون أن جودة بعض أنواع السلع القديمة أفضل من الأخرى الجديدة، لكن مشكلة هذا النوع من التجارة أن النشرات الإحصائية الخاصة بالمركزي للتعبئة العامة والإحصاء لا ترصد حجم التداول في أسواقها، ولا يتمكن الباحثون من متابعة تطورها وأهم خصائصها على مدى السنوات الأخيرة».