تحديات اقتصادية هائلة تنتظر الرئيس الأرجنتيني الجديد

ترويض التضخم ومعالجة سعر الصرف والتفاوض مع صندوق النقد الدولي تعوق حكمه

خافيير ميلي يُحيَّي مناصريه عقب إعلان النتائج التي أظهرت فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين (أ.ف.ب)
خافيير ميلي يُحيَّي مناصريه عقب إعلان النتائج التي أظهرت فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين (أ.ف.ب)
TT

تحديات اقتصادية هائلة تنتظر الرئيس الأرجنتيني الجديد

خافيير ميلي يُحيَّي مناصريه عقب إعلان النتائج التي أظهرت فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين (أ.ف.ب)
خافيير ميلي يُحيَّي مناصريه عقب إعلان النتائج التي أظهرت فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين (أ.ف.ب)

قد يكون خافيير ميلي قد فاز بغالبية غير متوقعة في الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، لكن هذا «الرأسمالي» يواجه عقبات كبيرة أمام تنفيذ برنامجه «الطموح» لتقليص الحكومة ودولرة الاقتصاد.

فالحالة الاقتصادية الأرجنتين المزرية، حيث يبلغ معدل التضخم 143 في المائة سنوياً، والاحتياطيات السلبية بالعملات الأجنبية، وسعر الصرف الرسمي غير الواقعي إلى حد كبير، والمالية العامة غير المستدامة، والفقر المدقع، كلها تحديات كبيرة لأي رئيس دولة جديد.

ميلي، الذي فاز في جولة الإعادة الثانية يوم الأحد بـ56 في المائة مقابل 44 في المائة أمام منافسه سيرجيو ماسا، أعلن يوم الاثنين، أن السيطرة على التضخم قد تستغرق ما بين 18 و24 شهراً من أجل «إعادته إلى أدنى المستويات الدولية»، مؤكداً في مقابلة أجرتها معه محطة «راديو كابيتال» الإذاعية أنه لا يعتزم إلغاء الضوابط على الصرف فوراً، لأن هذا الأمر من شأنه أن يؤدي إلى «تضخم مفرط». وجدد تأكيد رغبته في إلغاء المصرف المركزي الأرجنتيني في نهاية المطاف، متهماً إياه بأنه «يسرق» المواطنين.

وأضاف: «الدولرة ستكون الطريقة لفعل ذلك. العملة ستكون تلك التي يختارها الأرجنتينيون بحرية»، دون أن يحدد موعداً لهذه «الدولرة» المرتقبة لاقتصاد البلاد.

طرح ميلي في برنامجه الانتخابي «علاج الصدمة» لمواجهة المشكلات الاقتصادية وإعادة التوازن إلى حسابات الدولة. وهدف هذا البرنامج إلى تقليص الإنفاق العام بنحو 15 في المائة، والمضي في عمليات خصخصة لتحقيق توازن في الموازنة ينشده صندوق النقد الدولي.

أزمات متعددة

تعاني الأرجنتين أزمات اقتصادية عميقة أبرزها، إلى جانب التضخم:

- الضوابط أمام البيزو: جرى تقييد عملة البيزو الأرجنتينية بسبب ضوابط رأس المال منذ انهيار السوق في عام 2019، مما أدى إلى مجموعة غير عملية من أسعار الصرف، إذ يُتداول الدولار بأكثر من ضعف سعر المستوى الرسمي بالقرب من 350 للدولار.

وتشمل أسعار الصرف غير الرسمية الشائعة الدولار «الأزرق»، والمقايضة الممتازة، على الرغم من أن الطلب على الدولار من خلال القنوات الموازية قد أنتج بمرور الوقت عشرات الأسعار المختلفة بما في ذلك «دولار كولدبلاي» و«دولار مالبيك».

وتعهّد ميلي بالتراجع السريع عن ضوابط رأس المال، وفي النهاية الدولرة في الاقتصاد، في حين من المرجح أن يؤدي الانخفاض الحاد في قيمة العملة في المستقبل القريب إلى تقريب المعدلات الرسمية والموازية بعضها من بعض، وفق ما ذكرت «رويترز».

- احتياطيات المصرف المركزي: تقترب احتياطيات المصرف المركزي الأرجنتيني من العملات الأجنبية من أدنى مستوى لها منذ عام 2006. ومن حيث القيمة الصافية يرى المحللون على نطاق واسع أنها في المنطقة السلبية بعد أن أثّر الجفاف الكبير على صادرات المحاصيل النقدية الرئيسية مثل فول الصويا والذرة والقمح.

وتهدد الاحتياطيات المنخفضة قدرة البلاد على سداد الديون للدائن الرئيسي، صندوق النقد الدولي، وحَمَلة السندات الخاصة، فضلاً عن تغطية الواردات الرئيسية. علماً بأن الأرجنتين ستحتاج إلى تجديد برنامج صندوق النقد الدولي البالغ 44 مليار دولار.

وقد وافقت الحكومة على مبادلة ممتدة للعملة مع الصين للمساعدة في تغطية بعض تكاليفها، واضطرت إلى تأخير بعض المدفوعات للشركاء التجاريين الرئيسيين مثل البرازيل.

- الركود: يتجه ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية إلى تسجيل انكماش بواقع 2 في المائة هذا العام، وفقاً لأحدث مسح لمحللي المصرف المركزي، ويرجع ذلك جزئياً إلى تأثير الجفاف الأخير الذي أدى إلى خفض محاصيل الذرة وفول الصويا إلى النصف.

وإلى جانب التضخم المكون من ثلاثة أرقام، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى زيادة مستويات الفقر، حيث يعيش خمسا الناس بالفعل تحت خط الفقر مع تآكل الرواتب والمدخرات.

وفي المقابل، قد تشهد الأرجنتين، الغنية بالحبوب والغاز الصخري والليثيوم، دفعة العام المقبل، إذ تساعد الأمطار على تحسن الحصاد. كما أنه من شأن خط أنابيب غاز جديد أن يقلل الاعتماد على الواردات المكلفة، ويزيد الطلب على الليثيوم.

هل سيملك ميلي الغالبية في الكونغرس؟

ميلي، الذي لا يملك خبرة تنفيذية، بعيد كل البعد عن الحصول على الغالبية في الكونغرس، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إذ إن حزبه المتمرد «لا ليبرتاد أفانزا» الذي تعثر في انتخابات الكونغرس في أكتوبر (تشرين الأول) بسبب افتقاره إلى التنظيم على مستوى البلاد، يحتل 39 مقعداً فقط في مجلس النواب الجديد من أصل 257 مقعداً. وفي مجلس الشيوخ، الذي يجدد ثلث أعضائه كل عامين، فإن الموقف أسوأ: ميلي لديه ثمانية مقاعد فقط من أصل 72 مقعداً.

وقال المحلل السياسي والمستشار سيرجيو بيرينزتين للصحيفة البريطانية: «سيتولى ميلي منصبه كأضعف رئيس في تاريخ الأرجنتين، رغم فوزه الواضح في الجولة الثانية»، مشيراً إلى «الكتلة الصغيرة جداً» التي يتمتع بها في الكونغرس. وأضاف: «السؤال الأول للحكم سيكون نظام التحالفات والاتفاقيات التي سيبنيها ميلي».

وقد أشارت استطلاعات الرأي إلى أن الكثير من أفكار ميلي التحررية، مثل السماح ببيع الأعضاء البشرية، لا تحظى بشعبية لدى الأرجنتينيين. وما كان له صدى قوي هو نداؤه إلى رفض الطبقة السياسية بأكملها، التي أحبطت الناخبين باستمرار منذ عودة الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية إلى الديمقراطية عام 1983.

إلا أن المفارقة هي أن ميلي يحتاج الآن إلى دعم جزء على الأقل من تلك الطبقة السياسية للحكم.

لقد قدم رئيس يمين الوسط السابق ماوريسيو ماكري دعمه بالفعل للرئيس المنتخب. وهذا يمكن أن يضمن غالبية في مجلس النواب، إذا كان جميع المشرعين من تحالف ماكري المتصدع «جونتوس بور إل كامبيو» سيحذو حذوه، وهو أمر غير مضمون. وحتى ذلك الحين، لا يزال ميلي بحاجة إلى عدد قليل من الأصوات من البيرونيين المهزومين أو حلفائهم لتمرير الإجراءات في مجلس الشيوخ.

وهذا يعني أن الكثير من مقترحات الرئيس المنتخب الأكثر تطرفاً، مثل إغلاق المصرف المركزي أو استبدال الدولار الأميركي بالبيزو، من غير المرجح أن ترى النور، على الأقل في المدى القصير.

وفي الواقع، تراجع ميلي بالفعل في الأسابيع الأخيرة من الحملة عن أفكاره التي لا تحظى بشعبية من أجل الانتخاب. ووعد في الفيديو الأخير لحملته بعدم خصخصة التعليم أو الصحة، وعدم التخلي عن ضوابط الأسلحة وعدم السماح ببيع الأعضاء البشرية. ومع التركيز على الشغف الوطني، تعهد أيضاً بعدم خصخصة كرة القدم.

في خطاب النصر الذي ألقاه مساء الأحد، عاد ميلي إلى التعهد بـ«تغيير جذري، دون تدرج»، على الرغم من أنه قام بتعديل بعض لغته للتحدث عن «إصلاح المشكلات» في المصرف المركزي، بدلاً من إلغائه.

غالباً ما كان أداء رؤساء أميركا اللاتينية الذين يفتقرون إلى الأغلبية في الكونغرس ضعيفاً، حتى في ظروف اقتصادية أفضل بكثير من تلك التي يواجهها ميلي. لقد فشل الكثيرون في إنهاء شروطهم. ويمكن أن تشكل شخصية ميلي الغريبة في بعض الأحيان عقبة إضافية لأسابيع من المفاوضات المنتظرة لبناء أغلبية تشريعية.

إلى حد بعيد التحدي الأكبر هو الاقتصاد. جرى إغراء الناخبين من خلال برنامج الدردشة التلفزيوني الاقتصادي بتعهدات للقضاء على التضخم وإنهاء امتيازات الطبقة السياسية. ويبقى أن تجري مراقبة مدى حماسهم إزاء التخفيضات في وظائف القطاع العام أو التخفيضات في دعم الطاقة السخيّ وبرامج الرعاية الاجتماعية اللازمة لتحقيق التوازن في الموازنة.

المستثمرون متوترون

وعلى الرغم من برنامج ميلي الذي يبدو أنه صديق للسوق لخفض الإنفاق بنسبة 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإن المستثمرين متوترون بشأن المخاطر التي تهدد الحكم، لا سيما في بلد له تاريخ الأرجنتين من الحركات العمالية القوية والاحتجاجات الاجتماعية.

ويعلم ميلي أنه ربما لديه فرصة واحدة فقط لتصحيح الاقتصاد، فإذا فشلت خططه فإن الآلة السياسية البيرونية الهائلة ستنتظره للاستفادة بسرعة من سوء حظه.

يكمن التحدي المباشر الأكثر الواقعية في منع الانزلاق إلى التضخم المفرط. ولكن حتى لو تجاوز ميلي هذه العقبة، هناك الكثير في المستقبل. إذ يتعين إعادة التفاوض على ديون الأرجنتين البالغة 44 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، كما يبدو أن اتفاقها لعام 2020 مع الدائنين من القطاع الخاص غير قابل للاستمرار.


مقالات ذات صلة

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

الاقتصاد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)

سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

ارتفعت سندات لبنان السيادية المقوَّمة بالدولار إلى أعلى مستوياتها منذ عامين؛ حيث راهن المستثمرون على أن الهدنة المحتملة مع إسرائيل قد تدفع لتحسين اقتصاد البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

مجلس الوزراء السعودي يقر ميزانية الدولة للعام المالي 2025

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ميزانية العام المالي 2025، التي تتوقع إيرادات بقيمة 1.184 تريليون ريال.

الاقتصاد رجل يمر أمام لوحة تحمل شعار «نيبون ستيل» على مقرها في العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

اليابان تناشد بايدن الموافقة على صفقة «نيبون - يو إس ستيل»

أرسل رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، رسالةً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يطلب منه الموافقة على استحواذ «نيبون ستيل» على «يو إس ستيل».

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد يابانيون يمرون أمام شاشة إلكترونية في العاصمة طوكيو تعرض حركة الأسهم على مؤشر نيكي (أ.ب)

رئيس الوزراء الياباني يدعو الشركات لزيادة كبيرة في الأجور

قال رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا يوم الثلاثاء إنه سيطلب من الشركات تنفيذ زيادات كبيرة في الأجور في مفاوضات العمل العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
TT

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)
وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني» لأنها تمنع الإنفاق الضروري على الدفاع وغيرها من الأولويات.

وأضاف المرشح عن حزب «الخضر» لمنصب المستشار في مؤتمر صناعي في برلين يوم الثلاثاء: «هذه القواعد لا تتناسب مع متطلبات العصر»، وفق «رويترز».

وأشار هابيك إلى أن الحكومة الائتلافية تفاوضت بشكل غير صحيح على إصلاحات القواعد الأوروبية، دون أن يذكر كريستيان ليندنر، وزير المالية السابق المسؤول عن تلك المفاوضات.

وأدى نزاع حول الإنفاق إلى انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر، بعدما قام المستشار أولاف شولتز بإقالة ليندنر، المعروف بتوجهاته المتشددة في مجال المالية العامة، ما فتح الباب لإجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) المقبل.

وفي إشارة إلى مطالبات بإعفاء الإنفاق الدفاعي من القيود المفروضة على الاقتراض بموجب الدستور، قال هابيك: «لا يمكننا التوقف عند مكابح الديون الألمانية». وأضاف أن ألمانيا قد تضطر إلى تحقيق مزيد من المدخرات في موازنتها لعام 2025 للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي المالية، حتى إذا التزمت بالحد الأقصى للاقتراض بنسبة 0.35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي كما ينص دستور البلاد.

وبعد أشهر من النقاشات، وافق الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2023 على مراجعة قواعده المالية. وتمنح القواعد الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) الدول أربع سنوات لترتيب شؤونها المالية قبل أن تواجه عقوبات قد تشمل غرامات أو فقدان التمويل الأوروبي. وإذا اقترن مسار خفض الديون بإصلاحات هيكلية، يمكن تمديد المهلة إلى سبع سنوات.

وأشار هابيك إلى أن القواعد الجديدة قد تسمح بزيادة الاقتراض إذا أسهم ذلك في زيادة النمو المحتمل.

وردّاً على انتقادات هابيك، قال ليندنر إن الدول الأوروبية بحاجة إلى الالتزام بحدود إنفاقها، مشيراً إلى «قلقه الشديد» بشأن مستويات الديون المرتفعة في فرنسا وإيطاليا. وأضاف ليندنر لـ«رويترز»: «الوزير هابيك يلعب باستقرار عملتنا». وأكد قائلاً: «إذا شككت ألمانيا في قواعد الاتحاد الأوروبي المالية التي تفاوضت عليها بشق الأنفس أو خالفتها، فإن هناك خطراً في انفجار السد».