تنخرط الحكومة اليابانية في تمويل القروض والأصول الأجنبية عن طريق اقتراض الين منخفض التكلفة، بقيمة ضخمة تبلغ 20 تريليون دولار، والتي يمكن أن تجلب مخاطر غير متوقعة إذا شدد البنك المركزي سياسته، حسبما حذر محللون في «دويتشه بنك».
وباستخدام الأبحاث التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرنسيسكو وصندوق النقد الدولي، قام جورج سارافيلوس، رئيس قسم أبحاث العملات في «دويتشه بنك»، بتحليل الميزانية العمومية الموحدة للحكومة اليابانية، بما في ذلك صندوق التقاعد الذي تديره الحكومة، وبنك اليابان، والمؤسسات المملوكة للدولة، والتي تبين مزيج الأصول والخصوم لديونها البالغة 20 تريليون دولار.
ووجد «دويتشه بنك» أن هذا الدين يرقى إلى مستوى «تجارة هائلة» مستثمرة في الخارج بأسعار فائدة مرتفعة وممولة عن طريق الاقتراض منخفض الفائدة وقصير الأجل بالين.
ومع تزايد التوقعات بأن يخرج بنك اليابان من موقفه النقدي المتساهل للغاية، يقول تقرير «دويتشه بنك» إنه من المهم فهم العواقب المحتملة لهذه التجارة الضخمة، ليس فقط على الميزانية العمومية للحكومة؛ ولكن على المدخرات والأصول التي تحتفظ بها الأسر.
ويعد الين تقليديا عملة تمويل مفضلة لتداولات المناقلة بسبب انخفاض أسعار الفائدة في اليابان، ويتوقع المشاركون في السوق أن يقوم المستثمرون على مستوى العالم بالتخارج من مئات المليارات من الدولارات من هذه الصفقات إذا خرج بنك اليابان من سياسته النقدية فائقة السهولة. ويوسع تقرير «دويتشه بنك» هذا السيناريو ليشمل الحكومة اليابانية وميزانيتها العمومية.
وقال التقرير إنه مع إبقاء أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة من خلال سياسة أسعار الفائدة السلبية التي ينتهجها البنك المركزي، فقد وجدت الحكومة حيزاً مالياً، ما مكنها من إدارة الدين العام فوق 200 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مع تمويل ثلثه نقداً لليلة واحدة.
وقال «دويتشه» أيضاً إنه ليس من المفاجئ أن عمليات البيع المكثفة للسندات هذا العام لم تضر باليابان. وأضاف سارافيلوس: «لقد توقف الجميع عن تنفيذ صفقات الشراء بالاقتراض، فلماذا لم تتوقف اليابان؟ الجواب بسيط: فيما يتعلق بالمسؤولية، يتحكم بنك اليابان في تكلفة تمويل الحكومة، وقد ظل هذا عند مستوى الصفر (أو في الواقع سلبيا) على الرغم من ارتفاع التضخم».
ولكن التضخم المستدام من الممكن أن يضع حداً لهذه التجارة المحمولة الهائلة، مع تصاعد الضغوط بالفعل على بنك اليابان لحمله على تطبيع سياسته النقدية.
وقال محللون في «دويتشه»: «إذا رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فسيتعين على الحكومة أن تبدأ في دفع الأموال لجميع البنوك، وستبدأ ربحية تجارة المناقلة في التراجع بسرعة». وهذا يعني ارتفاع مدفوعات الفائدة على احتياطيات البنوك وانخفاض قيمة السندات الحكومية، فضلا عن انخفاض قيم الأصول الحكومية في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة.
ويتوقع المحللون أيضاً أن ارتفاع قيمة الين مع ارتفاع أسعار الفائدة المحلية قد يؤدي إلى انخفاض في قيمة الأصول الأجنبية والمحلية. وقالوا إن التأثيرات لن تقتصر على الحكومة، حيث تعاني الأسر الأكبر سنا والأكثر ثراء في اليابان من انخفاض في قيمة أصولها وتضرر استحقاقاتها من معاشات التقاعد إذا تضررت الموارد المالية للحكومة. وقال المحللون، من ناحية أخرى، إن الأسر الشابة ستستفيد من المزيد من الأرباح على الودائع المصرفية وعائد أكبر على المدخرات المستقبلية.
وفي غضون ذلك، تترقب الأوساط الاقتصادية الخطوة المقبلة لبنك اليابان المركزي وسط توقعات بتدخل وشيك، بينما ظل الين عالقا قرب أدنى مستوى في ثلاثة عقود مقابل الدولار يوم الثلاثاء ويكابد من أجل وقف خسائره مع استمرار تعارض السياسة النقدية شديدة التيسير لبنك اليابان مع توقعات بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترات أطول في أماكن أخرى.
وسجلت العملة اليابانية أدنى مستوى منذ 15 عاما أمام اليورو عند 162.38 ين لليورو في بداية التعاملات الآسيوية، كما تراجعت إلى أدنى مستوى في ثلاثة أشهر تقريبا أمام الجنيه الإسترليني عند 186.25 ين للجنيه.
ومقابل الدولار، سجل الين في أحدث التعاملات 151.70 للدولار ليبقى بالقرب من أدنى مستوى في عام عند 151.92 الذي سجله يوم الاثنين. ومن شأن تسجيل أي انخفاض عن أدنى مستوى للين العام الماضي عند 151.94 للدولار أن يسجل مستوى قياسيا منخفضا جديدا في 33 عاما.
وكان الين قد قفز لفترة وجيزة مقابل الدولار في ساعات التداول الأولى بنيويورك بعد أن وصل إلى أدنى مستوى له منذ بداية العام، وهو ما أرجعه المحللون إلى موجة من التداول في الخيارات المستحقة هذا الأسبوع.
وقالت كارول كونغ، خبيرة استراتيجية العملات في بنك الكومنولث الأسترالي: «أعتقد أن الخيارات يمكن أن تستمر في العمل كعامل مقاومة لثنائي الدولار/الين. وكذلك المخاوف من المزيد من تدخل بنك اليابان».
وتدخلت السلطات اليابانية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي في سوق العملة لدعم الين للمرة الأولى منذ عام 1998، بعد أن أدى قرار بنك اليابان بالاحتفاظ بسياسته النقدية شديدة التساهل إلى انخفاض الين إلى 145 للدولار. وتدخلت السلطات مرة أخرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بعد أن انخفض الين إلى أدنى مستوى في 32 عاما عند 151.94 للدولار.
وعلى الرغم من الخطوات المنسقة بعناية التي اتخذها بنك اليابان هذا العام للتخلص التدريجي من سياسة التحكم في منحنى العائد المثيرة للجدل، والتلميحات إلى نهاية وشيكة لأسعار الفائدة السلبية، فإن التحركات التدريجية لم تفعل الكثير للحفاظ على ارتفاع الين، خاصة مع حفاظ البنوك المركزية على مستوى العالم على خطابها المتشدد بشأن أسعار الفائدة الأعلى لفترة أطول.
وقال رودريفو كاتريل، كبير استراتيجيي سوق الصرف الأجنبي في البنك الوطني الأسترالي: «أعتقد أن السوق قد أدركت أن بنك اليابان سيخرج من سياسته ولكن بوتيرة بطيئة وحذرة للغاية».
وخارج آسيا، يترقب المتعاملون أيضا بيانات التضخم الأميركية المقرر صدورها في وقت لاحق يوم الثلاثاء، والتي ستوفر مزيدا من الوضوح حول ما إذا كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سيحتاج إلى المزيد من رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم.