باول: سنأخذ في الحسبان الأثر التراكمي للتشديد النقدي

«الفيدرالي» أبقى أسعار الفائدة بلا تغيير وفق المتوقع

رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء (أ. ف.ب)
رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء (أ. ف.ب)
TT

باول: سنأخذ في الحسبان الأثر التراكمي للتشديد النقدي

رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء (أ. ف.ب)
رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمره الصحافي يوم الأربعاء (أ. ف.ب)

كما كان متوقعاً، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من دون تغيير، لكنه أبقى الباب مفتوحاً أمام احتمال رفعها لاحقاً لمواصلة تباطؤ التضخم.

وقال «الاحتياطي الفيدرالي»، في بيان، إنه يواصل مراقبة تأثير مسار التشديد النقدي. بينما أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، في مؤتمر صحافي عقب القرار: «إننا نتوخى الحذر بشأن مستقبل أسعار الفائدة»، معيداً التأكيد على أن «التضخم أعلى بكثير من مستهدفنا البالغ 2 في المائة» ومنبهاً إلى أن وصوله إلى هذا المستوى «طريق صعب وطويل».

وأضاف: «سنأخذ في الحسبان الأثر التراكمي للتشديد النقدي».

وكانت الأنظار قد اتجهت على مدار نهار الأربعاء إلى العاصمة الأميركية واشنطن، ترقباً لانتهاء اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي بدأ الثلاثاء، وما تلاه من كلمة لرئيس المجلس، وسط أوضاع عالمية زادت تعقيداً بتطورات الأحداث في الشرق الأوسط.

وكانت غالبية التوقعات لا تخرج عن «شبه يقين» بأن «الفيدرالي» سيقوم بتثبيت معدلات الفائدة على الاقتراض في نطاقها الذي يتراوح بين 5.25 و5.5 في المائة، لكن الجميع كان ينتظر ظهور باول في المؤتمر الصحافي لاستشفاف ما سيأتي مستقبلاً، ولو بإشارة عارضة في وسط حديثه.

صحيح أن جميع المؤشرات تؤكد قوة الاقتصاد الأميركي وتحمله كل ما شهده من فائدة مرتفعة دون الدخول في ركود، وهو ما تؤكده كل المؤشرات سواء من بيانات النمو أو الإنفاق أو الأجور أو التوظيف، لكن إصرار «الفيدرالي» على الاستمرار في أسعار الفائدة المرتفعة لحين بلوغ مستهدف التضخم عند 2 في المائة لا يزال يثير الكثير من المخاوف سواء في الولايات المتحدة أو خارجها.

ففي الولايات المتحدة تضغط الفائدة المرتفعة بقوة على الشركات والأفراد وحتى الحكومة ذاتها، لتقلص من قدرات الأولى على التوسع، وتضع المواطنين وسط مزيد من الضغوط والديون، بينما تزداد كلفة الدين الحكومي بشكل غير مسبوق.

أما خارج أميركا، فالكل يلهث وراء معادلة الفائدة لمنع تسرب الاستثمارات والأموال الساخنة، ورغم معاناة كثير من الدول من تبعات ذلك - وعلى مستويات عدة، فإن كسر الحلقة لا بد أن يبدأ من الولايات المتحدة.

وفي إشارة إلى المخاطر السلبية التي تتراكم تباعاً، أظهرت بيانات اقتصادية نُشرت الثلاثاء، تراجع ثقة المستهلكين بالولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى أقل مستوياتها منذ 5 أشهر، متأثرة بالتوقعات السلبية لحالة النشاط الاقتصادي والمخاوف من مزيد من ارتفاع الأسعار.


مقالات ذات صلة

أكبر 4 بنوك أميركية تحقق أعلى حصة من أرباح القطاع منذ عقد

الاقتصاد لافتة خارج المقر الرئيسي لبنك «جيه بي مورغان تشيس» بنيويورك (رويترز)

أكبر 4 بنوك أميركية تحقق أعلى حصة من أرباح القطاع منذ عقد

تتجه أكبر 4 بنوك أميركية نحو الاستحواذ على أكبر حصة لها من أرباح القطاع المصرفي منذ ما يقارب العقد، في دلالة على تعزيز مكانتها المهيمنة بالسوق.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» يُعيد النظر في «اختبارات الضغط» للبنوك

أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نيته إدخال تغييرات جوهرية على «اختبارات الضغط» السنوية للبنوك، استجابةً للتطورات القانونية الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد تمثيل لعملة «البتكوين» أمام صورة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (وكالة حماية البيئة)

صناعة العملات المشفرة تدعو ترمب لتنفيذ إصلاحات فورية بمجرد توليه منصبه

حثت صناعة العملات المشفرة فريق الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، على بدء تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها في حملته الانتخابية بشأن السياسة المتعلقة بالتشفير.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شعار شركة «الأهلي المالية» (الشرق الأوسط)

«موديز» ترفع التصنيف الائتماني لـ«الأهلي المالية» إلى «إيه2»

رفعت وكالة «موديز» العالمية التصنيف الائتماني لشركة «الأهلي المالية» عند «إيه 2» مع الحفاظ على نظرة مستقبلية مستقرة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شرارات تضرب تمثيلاً للبتكوين في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

«البتكوين» تنخفض 5 % بعد تصريحات باول برفض «الفيدرالي» تخزينها

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الأربعاء، إن البنك المركزي الأميركي يرغب في المشاركة بأي مسعى حكومي لتخزين كميات كبيرة من «البتكوين».

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
TT

السندات الدولية تنذر بمقاضاة لبنان أمام القضاء الأميركي

نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)
نجيب ميقاتي (وسط الصورة من اليسار) في صورة مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (وسط الصورة من اليمين) والوزراء بعد اجتماع وزاري في مدينة صور (مكتب رئيس الوزراء)

ارتفعت السندات السيادية اللبنانية السقوف بنسبة قاربت 100 في المائة من أدنى مستوياتها التي وصلت إليها في الأسواق المالية الدولية منذ الانهيار الاقتصادي عام 2019، وتوقف الدولة عن سداد ديونها عاماً. وتعدّت أسعار التداولات السوقية عتبة الـ13 سنتاً لكل دولار، مقابل نحو 6.5 سنت عشية اندلاع المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية.

واكتسبت هذه الشريحة من الديون اللبنانية «المعلّقة» السداد للأصول والفوائد، قوة دفع استثنائية ومحفّزة للطلب القوي من قبل مؤسسات استثمارية خارجية، استناداً إلى التغييرات الداخلية المحسوسة التي تلت وقف الحرب المدمرة وتفاعلاتها المتوالية على المشهد السياسي، ولا سيما ملف انتخاب رئيس جديد للبلاد لإعادة انتظام السلطات بمستوياتها المختلفة.

ويبدو، حسب مسؤول مصرفي كبير، أن المستثمرين يميلون إلى التمهل في زيادة حجم محفظتهم من السندات اللبنانية ريثما تنضج المعطيات الموثوقة للمقاربات الحكومية اللاحقة بشأن خطة التعافي، والخروج من نفق الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعانيها البلاد، وبما يشمل خصوصاً إعادة هيكلة هذه الكتلة الأساسية من الدين العام، بعدما تكفل انهيار سعر العملة الوطنية بذوبان نحو 98 في المائة من الديون المحررة بالليرة.

وتفترض مؤسسات مالية واستثمارية دولية، بينها وكالة «موديز» وبنك الاستثمار العالمي «غولدمان ساكس» ووكالة «بلومبرغ»، احتمالات متباينة للقيمة المستقبلية لهذه السندات تتراوح بين 25 و35 سنتاً لكل دولار، تبعاً لاتفاق منشود بين الحكومة والدائنين المحليين والأجانب، يؤمل بأن يحل الإشكاليات القانونية والإجرائية المترتبة على قرار الحكومة السابقة برئاسة حسان دياب قبل نحو 5 سنوات بتعليق دفع مستحقات «اليوروبوندز» المبرمجة حتى عام 2037، وبقيمة إجمالية تناهز 31 مليار دولار، وتسبب بتراكم فوائد غير مدفوعة بقيمة تزيد على 11 مليار دولار.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن بالولايات المتحدة (رويترز)

ويشير المسؤول المصرفي في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن التناقض الكبير بين توقعات المستثمرين المترجمة بالإقبال الأجنبي على حيازة السندات اللبنانية، مقابل التباطؤ الصريح من قبل الحكومة القائمة في فتح أبواب التفاوض مع حامليها الدوليين والمحليين، يعكس حقيقة جديدة من حال عدم اليقين التي تتحكم بالقطاع المالي والمصرفي، في ظل «التغييب» المستمر لخطط الإنقاذ والتعافي وإعادة هيكلة الدين العام، وبما يحول حكماً دون الشروع بمعالجة المشكلات المالية المستعصية، وفي مقدمها سبل إيفاء حقوق المودعين في البنوك.

وتبعاً لهذه المعادلة، تواجه الحكومة حالياً خطر إقدام المؤسسات الأجنبية الحاملة للسندات على إقامة دعاوى قضائية لدى المحاكم الأميركية (نيويورك)، وفقاً للمندرجات القانونية الواردة في مواصفات الإصدارات، وتحديد مرجعية التقاضي، وسنداً إلى حفظ الحقوق بالفوائد التراكمية التي تسقط تلقائياً بعد مرور 5 سنوات على تعليق الدفع، ومن دون اعتراض قانوني من قبل أصحاب الحقوق.

ومن الواضح أن البنوك اللبنانية ليست بوارد «التضحية» بهذه الحقوق المتوجبة قانونياً على الدولة، بدليل ما أورده أمين عام جمعية المصارف الدكتور فادي خلف، ولو بصفة غير رسمية، بأن التحديات التي تواجه المصارف والدولة على حد سواء تتطلب تعاوناً وثيقاً وحلولاً مبتكرة. ولا يمكن للمصارف أن تتحمل مسؤولية التقاعس عن المطالبة بحقوقها، ولا يمكن للدولة أن تدير ظهرها لهذه المشكلة المعقدة.

وفي تحذير صريح، أضاف خلف، أن المطلوب اليوم هو قرارات جريئة، وإجراءات عملية، خلال النصف الأول من شهر يناير (كانون الثاني) على أبعد تقدير، وذلك قبل أن يصل الجميع إلى نقطة تضطر فيها المصارف إلى القول للدولة: «مرغماً أخاك لا بطل». ورغم أن رفع الدعاوى القضائية ضرورة ملحّة للحفاظ على الحقوق، فإن المصارف تريثت حتى الآن؛ إذ إن إجراءً كهذا قد يحمل في طياته تبعات جسيمة على الاقتصاد الوطني.

وفي الحيثيات، وفق أمين عام الجمعية، فإنه وفقاً للقوانين النافذة، فإن حق المصارف في المطالبة بالفوائد على سندات «اليوروبوندز» سيسقط في حال عدم تحريك الدعاوى القضائية ضد الدولة قبل انتهاء مدة مرور الزمن البالغة خمس سنوات. وهذا الواقع القانوني يضع المصارف أمام معضلة كبرى، حيث إن تقاعسها عن اتخاذ خطوات قانونية الآن سيؤدي إلى فقدان حقها وحق المودعين الذين أودعت سنداتهم لديها في استرداد الفوائد المستحقة.

والأخطر أيضاً، أنه في حال مرور ست سنوات دون رفع دعاوى قضائية على الدولة، ستسقط أيضاً حقوق المصارف في المطالبة بأصل هذا الدين. هذا الوضع يشكل تهديداً مباشراً على حقوق المودعين الذين أودعوا أموالهم في المصارف، وعلى حقوق المساهمين، مما يضع المصارف في موقف لا يمكن التهاون به.

وبالفعل، قامت جمعية المصارف بسلسلة من الاتصالات المكثفة، وعلى أعلى المستويات مع الجهات الرسمية، بهدف التوصل إلى حلول قانونية تُجَنِّب المصارف الاضطرار إلى اللجوء إلى القضاء. وقد حصلت، حسب خلف، على تطمينات مبدئية من الجهات الحكومية بشأن إيجاد حلول قانونية لتمديد المهل الزمنية تفسح المجال أمام معالجة الوضع بطريقة متوازنة. إلا أنه لم تتّخذ أي إجراءات تنفيذية من قبل الدولة حتى الآن.

وتبرز الحاجة الملحّة في ظل هذا الوضع الحرج، لتحرّك الدولة بجدية وعلى وجه السرعة، حيث ينبغي على السلطة التشريعية أن تتحرك فوراً لإقرار القوانين التي تعالج هذه الإشكالية، بما يضمن عدم ضياع حقوق المصارف والمودعين. كما تمت المصارحة بأن أي تأخير أو مماطلة من قبل الدولة سيدفع المصارف إلى التسريع في اتخاذ هذه الخطوة للحفاظ على حقوقها، مما يعقد المشهد ويضع الجميع في مواجهة لا تُحمد عقباها.

كذلك يقتضي التنبيه، وفق ملاحظات أمين عام الجمعية، أنه في حال قررت المصارف رفع دعاوى قضائية ضد الدولة، فإن ذلك سيضع مزيداً من الضغوط على ما تبقى من أصول الدولة. وقد يؤدي ذلك إلى نتائج تعجز الدولة عن تحملها، علماً بأن رفع الدعاوى من قبل المصارف المحلية قد يؤدي إلى تحريك المياه الراكدة، وتحفيز حملة السندات الدوليين على اتخاذ إجراءات مشابهة، مما يفاقم الأزمة بدلاً من حلها.