الصين تتعهد حماية أمنها الاقتصادي وتتوقع 5 % نمواً

الأرباح الصناعية تعاود الارتفاع وتعكس تحسن الطلب المحلي

شارع مزدحم وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
شارع مزدحم وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT
20

الصين تتعهد حماية أمنها الاقتصادي وتتوقع 5 % نمواً

شارع مزدحم وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
شارع مزدحم وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

ذكر تلفزيون الصين المركزي يوم الأربعاء أن الرئيس شي جينبينغ قال إن الصين ستحمي أمنها الاقتصادي الوطني، وأنها ستواصل تحفيز الواردات وتحرير الوصول إلى الأسواق.

أدلى شي بهذه التصريحات أثناء ترؤسه جلسة دراسة جماعية في اجتماع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

كما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) يوم الأربعاء، نقلا عن الاجتماع أن الصين ستتخذ إجراءات قوية لمنع وحل المخاطر الكبرى. وستعزز البلاد جهود مكافحة الفساد المتعلقة بالشركات المملوكة للدولة والقطاع المالي، وفقاً للاجتماع.

ومن جهة أخرى، قال مستشار للبنك المركزي الصيني يوم الأربعاء إنه من المتوقع أن تحقق الصين نمواً اقتصادياً يزيد قليلا على خمسة في المائة هذا العام.

وقال وانغ يي مينغ، عضو لجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، أمام منتدى اقتصادي، إن الوضع الاقتصادي في الصين مختلف تماماً عن الوضع في اليابان في التسعينات، ولا يوجد أساس لما يخشى حول ما يسمى بـ«التحول الياباني».

ويعتقد بعض المحللين أن الاقتصاد الصيني، المثقل بالانكماش العقاري والديون المرتفعة والشيخوخة السكانية، يتجه نحو صورة تشبه الوضع الياباني، وهو ما يشير إلى «العقود الضائعة» في طوكيو من الركود الاقتصادي منذ التسعينات.

وقال وانغ: «لا يوجد مثل هذا التحول في الصين، وما زلنا في مرحلة النمو المتوسط إلى العالي». وحددت الحكومة هدف نمو بنحو 5 في المائة لعام 2023.

وفي سياق منفصل، واصلت أرباح الشركات الصناعية الصينية انخفاضها خلال الأشهر الثمانية الأولى، لكن وتيرة الانخفاض تراجعت قليلا مع بدء سلسلة من خطوات دعم السياسات لتحقيق الاستقرار في أجزاء من الاقتصاد المتعثر.

وقد تقلص انخفاض الأرباح إلى 11.7 في المائة على أساس سنوي، من انكماش بنسبة 15.5 في المائة في الأشهر السبعة الأولى، وذلك تماشياً مع التوقعات، وربما يشير ذلك إلى أن التعافي المتواضع بدأ يتجذر لبعض الشركات.

وأظهرت بيانات من المكتب الوطني للإحصاء يوم الأربعاء أن ذلك مدعوم بأرباح أغسطس (آب) التي سجلت ارتفاعاً مفاجئاً بنسبة 17.2 في المائة عن العام السابق، فيما انخفضت الأرباح بنسبة 6.7 في المائة في يوليو (تموز).

وقال بروس بانغ، كبير الاقتصاديين في «جونز لانغ لاسال»: «تعكس هذه البيانات أن الطلب المحلي قد استقر، وأن جانب العرض والطلب شهد انتعاشا متوازنا».

وقال يو وينينغ، الإحصائي في مكتب الإحصاء الوطني، في بيان إن «سلسلة من السياسات لتعزيز انتعاش الاقتصاد الكلي» عززت أرباح الشهر الماضي.

وتحسنت أرباح 30 من أصل 41 قطاعاً صناعياً رئيسياً خلال هذه الفترة، مع تقلص الخسائر في صناعة تصنيع المواد الخام بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وانتعاش الطلب. وشهدت 28 صناعة من أصل 41 صناعة انخفاضاً في أرباحها في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو (تموز).

ومع تكثيف بكين دعمها لاقتصادها المتعثر بعد انتعاش قصير بعد «كوفيد - 19»، أظهرت البيانات الأخيرة علامات استقرار، مع الإقراض المصرفي الأقوى من المتوقع وتحسن الإنتاج الصناعي ونمو مبيعات التجزئة لشهر أغسطس... ومع ذلك، فإن الضعف المستمر في قطاع العقارات - الذي ضربته الأزمة ويمثل ربع حجم ثاني أكبر اقتصاد في العالم - لا يزال يشكل عائقاً أمام النمو.

وفي الشهر الماضي، انخفضت أسعار المنازل الجديدة في الصين بأسرع وتيرة منذ 10 أشهر. وتظهر قواعد الاقتراض الميسرة علامات على توفير دفعة في بعض المدن الكبرى مثل بكين في مبيعات المنازل الجديدة، ولكن لا تزال هناك مخاوف من أن التحسن قد يكون قصير الأجل. ويكمن القلق في أن انخفاض الثقة في قطاع العقارات يمكن أن يقوض توقعات الطلب الإجمالي للشركات والاقتصاد.

وتشير تفاصيل بيانات مكتب الإحصاء الوطني إلى أنه لا يزال هناك طريق طويل لتقطعه بكين من أجل تحقيق انتعاش قوي في نمو الأرباح الإجمالية. وأظهرت البيانات أن أرباح الشركات المملوكة للدولة تراجعت 16.5 في المائة في الأشهر الثمانية الأولى، وانخفضت 11.1 في المائة بالنسبة للشركات الأجنبية، بينما شهدت شركات القطاع الخاص انكماش أرباحها 4.6 في المائة.

وتغطي أرقام الأرباح الصناعية الشركات التي تبلغ إيراداتها السنوية ما لا يقل عن 20 مليون يوان (2.75 مليون دولار) من عملياتها الرئيسية.

ومن ناحية أخرى، أظهرت بيانات منفصلة لمكتب الإحصاء نمو ناتج قطاع الخدمات في الصين خلال الشهر الماضي بنسبة 5.7 في المائة سنويا. كما زاد ناتج القطاع خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بنسبة 8.3 في المائة سنويا.

ومن جانبه، واصل بنك الشعب (المركزي) الصيني يوم الأربعاء ضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية في النظام المصرفي من خلال عمليات الشراء العكسي.

فبعد أن ضخ الثلاثاء 378 مليار يوان (حوالي 52.72 مليار دولار) من خلال عمليات إعادة شراء عكسية لأجل 14 يوما بفائدة قدرها 1.95 في المائة، وضخ يوم الاثنين 319 مليار يوان (حوالي 44.47 مليار دولار) وفقاً للآلية نفسها، أعلن البنك المركزي الأربعاء ضخ 417 مليار يوان من خلال عمليات الشراء العكسي بالقواعد نفسها، وضخ 200 مليار يوان من خلال عمليات شراء عكسي لأجل 7 أيام بفائدة تبلغ 1.8 في المائة.

وقال بيان للبنك المركزي إن هذه الخطوة تستهدف المحافظة على السيولة النقدية في النظام المصرفي مقبولة ووفيرة. وتعد إعادة الشراء العكسية، المعروفة بـ«الريبو العكسي»، عمليات يشتري فيها البنك المركزي الأوراق المالية من البنوك التجارية من خلال تقديم عطاءات، مع الاتفاق على بيعها إليها مرة أخرى في المستقبل.


مقالات ذات صلة

اقتطاعات كبيرة مرتقبة في موازنة الخارجية الأميركية

الولايات المتحدة​ مبنى هاري إس ترومان المقر الرئيسي لوزارة الخارجية الأميركية في واشنطن (أ.ب - أرشيفية)

اقتطاعات كبيرة مرتقبة في موازنة الخارجية الأميركية

نقلت وسائل إعلام أن موازنة وزارة الخارجية الأميركية قد تخفض بمقدار النصف تقريبا وستتوقف الولايات المتحدة جزئيا عن تمويل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والناتو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ياسين جابر خلال مقابلة مع «رويترز» في وزارة المالية ببيروت (رويترز)

لبنان يُخطط لاجتماعات مع حاملي السندات خلال عام لإعادة هيكلة الدين

قال وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، الثلاثاء، إن المسؤولين في بيروت يأملون في عقد اجتماعات مع حاملي السندات الدولية خلال الاثني عشر شهراً المقبلة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد الكوقلي خلال مشاركتها في إحدى جلسات المؤتمر (الشرق الأوسط)

البنك الدولي: فجوة المهارات تتسع عالمياً... والحلول تبدأ من التعليم

يواجه العالم تحدياً متصاعداً في سوق العمل مع توقعات بوصول أكثر من 1.2 مليار شاب إلى سن العمل بالدول النامية خلال العقد المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد يتسوّق الناس في متجر بقالة بتورونتو بأونتاريو (رويترز)

عشية اجتماع «المركزي»... التضخم في كندا يتباطأ بشكل مفاجئ إلى 2.3 % في مارس

شهد التضخم السنوي في كندا تباطؤاً مفاجئاً خلال مارس بـ2.3 % بانخفاض قدره ثلاث درجات مئوية عن الشهر السابق

«الشرق الأوسط» (أوتاوا )
الاقتصاد شعار شركة «نيسان» اليابانية لصناعة السيارات على مقر وكيلها في ولاية كاليفورنيا الأميركية (رويترز)

«نيسان» تُخفّض إنتاجها الياباني من طرازها الأميركي الأكثر مبيعاً

«نيسان» ستُخفّض إنتاجها الياباني من طراز روج الأميركي الأكثر مبيعاً خلال شهري مايو ويوليو ضمن تغيير خططها التصنيعية في ظل الرسوم الأميركية

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

كيف أخفقت «وول ستريت» في فهم ترمب؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
TT
20

كيف أخفقت «وول ستريت» في فهم ترمب؟

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

في منتصف فبراير (شباط)، اصطف بعض من أقوى المستثمرين ورجال الأعمال في «وول ستريت» - الذين يسيطرون على مئات المليارات من الثروة الشخصية والتريليونات من الأصول - وكانوا أشبه بمراهقين في حفل موسيقي، بحسب تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز».

وكان دونالد ترمب هو العنوان الرئيسي. في قاعة ميامي بيتش الضيقة، انتظر الأثرياء والرؤساء التنفيذيون ما يصل إلى ثلاث ساعات لأول خطاب شخصي للرئيس عن عالم الأعمال.

هتف الحشد، الذي ضم روبرت سميث من «فيستا إكويتي»، والرئيس التنفيذي لشركة «بريدج ووتر» نير بار ديا، والمؤسس المشارك لشركة «أبولو» جوش هاريس، عندما صعد الرئيس الأميركي أخيراً على المسرح، متأخراً ساعة.

قال ترمب: «إذا كنت تريد بناء مستقبل أفضل، فادفع الحدود، وأطلق العنان للاختراقات، وحول الصناعات، واجمع ثروة. لا يوجد مكان على وجه الأرض أفضل من الولايات المتحدة الأميركية الحالية والمستقبلية في عهد رئيس معين يُدعى دونالد ترمب».

ووفق التقرير، يبدو أن الأسواق المالية المرتفعة تؤكد ذلك. كان من المقرر أن تنطلق «الغرائز الحيوانية» للنخبة المالية الأميركية بعد أربع سنوات من الفحص والتوبيخ من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.

لم يشعر الكثيرون بالقلق من العناصر الأكثر جرأة في خطاب ترمب، مثل تهديده بفرض رسوم جمركية متبادلة على أي دولة شعر أنها تعامل الولايات المتحدة بشكل غير عادل.

قال أحد الحاضرين المرتبطين بترمب في ذلك الوقت: «لم يذكر أي شخص كلمة ركود أو كساد. أعتقد أن هذا يرسل لك إشارة قوية جداً إلى تفاؤل وواقعية قادة الأعمال والمستثمرين».

بعد أقل من ثمانية أسابيع، انقلبت الأمور. أولئك الذين شهدوا خطاب ترمب هم الآن في وضع محاولة السيطرة على الأضرار، حيث أدت الحرب التجارية التي أطلقها في 2 أبريل (نيسان) إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية وتسببت في مخاوف من التضخم والركود الوشيك.

ولكن حتى قبل ذلك، كان القطاع المالي يترنح. انخفضت عمليات الاستحواذ على الشركات إلى أدنى مستوى لها منذ حوالي عقد من الزمان، وفقدت شركات الاستشارات العملاقة عقودها الحكومية، وألغت شركات، من «دلتا» إلى «وول مارت»، توقعات أرباحها.

ويخشى الكثيرون أن تُبطئ الرسوم الجمركية المحرك الاقتصادي الأميركي بشكل كبير.

وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في «وول ستريت» لـ«فايننشال تايمز»: «لم نصدقه. افترضنا أن شخصاً في الإدارة لديه خلفية اقتصادية سيخبره أن الرسوم الجمركية العالمية فكرة سيئة». وأضاف: «نحن على وشك أن نواجه تقلبات حادة».

ورأت الصحيفة أن تصريح المسؤول هو بمثابة اعتراف بأن حتى العديد من أشد مؤيدي ترمب في عالم الأعمال قد أخطأوا في فهم مدى تصميم الرئيس البالغ من العمر 78 عاماً على إجراء إصلاح جذري للسياسة الاقتصادية الأميركية وعكس عقود من العولمة.

في مناسبات لا تُحصى خلال حملته الانتخابية، صرّح ترمب وأقرب مستشاريه بأنهم لن يصمموا سياسات تُرضي أغنى سكان البلاد.

وقد أوضح جيه دي فانس، مرشحه لمنصب نائب الرئيس آنذاك، خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو (تموز) أن «رؤية الرئيس ترمب بسيطة للغاية، لكنها قوية للغاية. لقد انتهينا، سيداتي وسادتي، من تلبية احتياجات (وول ستريت). سنلتزم بدعم العمال».

أثبت إعلان التعريفات الجمركية أنه منعطف حاسم بالنسبة لـ«وول ستريت»، بحسب التقرير.

وعلى مدار يومين فقط، فقد مؤشر S&P 500 أكثر من 5 تريليونات دولار من قيمته. وفي تناقض صارخ مع هوس ترمب بسوق الأسهم خلال فترة ولايته الأولى، تجاهل الرئيس في بعض الأحيان أسئلة الصحافيين، قائلاً إنه لم يتحقق من الأسواق في الوقت الذي كان بحر من اللون الأحمر يجتاح «وول ستريت».

وعندما بدأت أسهم المؤسسات المالية القوية مثل «بلاك روك» و«أبولو» و«جيه بي مورغان» في الانخفاض، تغير السرد القادم من البيت الأبيض، فقالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض: «لأي شخص في (وول ستريت) هذا الصباح أود أن أؤكد على ثقتي بالرئيس ترمب».

بدأ يدرك المصرفيون والمحامون والمديرون التنفيذيون الأعلى أجراً في البلاد أن الإدارة الجديدة لا تكترث إذا ما عانى قصر التمويل العالي من تصدعات في أساسه نتيجة السياسة التجارية الجديدة للبلاد.

التزم معظمهم الصمت، متذمرين سراً ليس فقط من ارتفاع المعدلات، بل أيضاً من الطريقة الغامضة وغير المنتظمة لحسابها، وفق التقرير. لكن مديري صناديق التحوط المليارديرات مثل بيل أكمان ودان لوب وكليف أسنس أعربوا عن إحباطهم على منصة «إكس»، بينما صرّح وزير التجارة السابق في عهد ترمب، ويلبر روس، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» بالقول: «إنها طريقة غير تقليدية إلى حد ما لقياس التعريفات الجمركية».

وتحدث البعض بصراحة أكبر، وقال أنتوني سكاراموتشي، مؤسس شركة الاستثمار «سكاي بريدج كابيتال»، والذي شغل لفترة وجيزة منصب مدير الاتصالات في البيت الأبيض في عهد ترمب خلال ولايته الأولى: «إنه (ترمب) يريد إنهاء نظام التجارة العالمي وإضعاف الولايات المتحدة. يريد عزل الولايات المتحدة عن بقية العالم». وأضاف: «هذه أغبى سياسة اقتصادية انتهجتها الولايات المتحدة على الإطلاق».

في البداية، اعتبرت نخبة رجال الأعمال الرسوم الجمركية ثمناً لا بد من دفعه للحصول على مزايا أخرى من البيت الأبيض في عهد ترمب، بما في ذلك التراخي في تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار وتخفيضات ضريبية كبيرة.

ومع ذلك، فإنّ استعداد ترمب لزعزعة «وول ستريت» من خلال تصعيد حرب تجارية قد زرع الثقة وأثار مخاوف من أن النماذج المالية التي توجه الأعمال لم تعد قادرة على التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك، حسبما قال أكثر من اثني عشر مستثمراً ومديراً تنفيذياً لصحيفة «فايننشال تايمز».

وأشار هوارد ماركس، المؤسس المشارك لشركة «أوكتري كابيتال»، إلى أنه «بالنظر إلى حالة الجهل لدينا وكل ما لا نعرفه، فإن (الاستثمار الآن) يشبه الرهان على نتيجة السوبر بول عندما لا تعرف الفرق التي تلعب أو أيا من لاعبيها».

وقال: «يعتمد الاستثمار إلى حد كبير على افتراض أن المستقبل سيبدو مثل الماضي، ويبدو أن هذا الافتراض أضعف من المعتاد».

وبصفته ابن مطور عقاري في نيويورك وخريج كلية وارتون للأعمال المرموقة، فقد طور ترمب منذ فترة طويلة علاقة شخصية مع «وول ستريت». لكنها غالباً ما كانت محفوفة بالمخاطر.

وبحسب أولئك الذين يعرفونه، فإن ترمب شعر بانتظام بالتهميش من قبل أعلى مستويات «وول ستريت». «تجنبته النخبة المالية في الثمانينيات عندما احتاج إلى مساعدتهم لتمويل مشاريع عقارية، أو سخروا منه لكونه بين المشاهير لا وزن له»، وفقا لما قال شخص مقرب من ترمب غير مسموح له بالتحدث رسمياً للصحيفة.

وأضاف: «لم يكن ترمب ليصبح رئيساً لـ(وول ستريت) أبداً».

ومع ذلك، في ولايته الأولى، أدخل ترمب القطاع المالي في قلب إدارته. فقد عيّن ستيفن منوشين وجاري كوهن، المخضرمين في «غولدمان ساكس»، وزيراً للخزانة وكبيراً للمستشارين الاقتصاديين على التوالي.

كما دعا إلى عقد مجموعة تسمى المنتدى الاستراتيجي والسياسي، والتي ضمت عمالقة «وول ستريت» مثل جيمي ديمون من «جي بي مورغان»، ولاري فينك من «بلاك روك»، وستيفن شوارزمان من «بلاكستون».

وكان ترمب يعقد معهم جلسات استماع بانتظام، غالباً تحت أضواء كاميرات التلفزيون. لكن تلك العلاقة توترت خلال رئاسته، وأدت أعمال الشغب في الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021 إلى قطيعة تامة.

ووصف شوارزمان، الذي ترأس منتدى ترمب للأعمال، التمرد بأنه «مروع». وفي عام 2022، قال شوارزمان إن الوقت قد حان «للتحول إلى جيل جديد من القادة» للحزب الجمهوري، مشيراً إلى أنه لن يدعم ترمب في عام 2024.

لاحظ حلفاء ترمب هذا الازدراء. وقال أحد الممولين المخضرمين المقربين من ترمب: «لم يأخذه هؤلاء الرجال على محمل الجد أبداً. أين كانت معظم (وول ستريت) عندما تعرض ترمب لهجوم من القضاة على مدى السنوات الأربع الماضية؟ من اختارته (وول ستريت) خلال الحملة؟ كامالا هاريس، وليس ترمب. لماذا يجب أن يهتم بـ(وول ستريت) الآن؟».

لم تختفِ تلك المعارضة لترمب إلا عندما بدا أنه قادر على الفوز في عام 2024. عاد شوارزمان إلى المجلس في مايو (أيار) من ذلك العام، واصفاً التصويت لترمب بأنه «تصويت من أجل التغيير». وتبعه آخرون.

بعد فوزه في عام 2024، قال الرئيس التنفيذي لشركة غولدمان ساكس، ديفيد سولومون، إنه «متفائل للغاية» بشأن أجندة ترمب المؤيدة للنمو. دافع ديمون عن الرسوم الجمركية الجديدة باعتبارها إجراءً للأمن القومي، قائلاً لشبكة «سي إن بي سي» إن على الناس «تجاوز الأمر».

تبرعت شركات الاستثمار الخاصة التي دعمت منافسي ترمب بملايين الدولارات لصندوق تنصيبه على أمل استعادة نفوذها. لكن قلّة منها اليوم تحظى باهتمام الرئيس.

وقال رئيس شركة استثمار خاصة: «لقد أحاط ترمب نفسه بغرفة صدى. باستثناء بيسنت، لا يوجد أشخاص حقيقيون، ولا آراء معارضة. الأمر مختلف تماماً عما كان عليه الحال عندما حقق غاري كوهن التوازن».

أظهر ترمب نفسه استعداده لاستهداف من يُعتقد أنهم أظهروا ولاءً غير كافٍ. غريزته الانتقامية تتجلى بوضوح في معركته مع كبرى شركات المحاماة.

وقدرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن بول وايس وسكادن أربس وآخرين تعرضوا لضغوط لتقديم ما يقرب من مليار دولار من العمل التطوعي لقضايا تدعمها الإدارة، خوفاً من أن يؤدي تجاوز البيت الأبيض إلى شلل أعمالهم.

كبار المديرين التنفيذيين الآن حذرون للغاية في كلماتهم، نظراً لأن تعليقاً مرتجلاً قد يثير توبيخاً من البيت الأبيض. إنهم يخشونه... لا يريدون أن ينتهي بهم الأمر إلى أي إجراء قانوني ضد بنكهم أو عائلاتهم. وقد نصحتهم مجالس إداراتهم: «ابقوا صامتين»، وفق سكاراموتشي.

وألمح مايكل سيمباليست، رئيس قسم استراتيجية السوق والاستثمار في «جي بي مورغان»: «بالمناسبة، ليس لدينا حتى مكاتب محاماة قادرة على الدفاع عنكم، لأن جميع مكاتب المحاماة الكبرى قد غرقت في قبضة الرئيس».

عندما قرر ترمب التراجع عن الرسوم الجمركية، لم يكن ذلك لأن كبار رجال «وول ستريت» قد حرّكوا خيوطه. فبحلول فجر التاسع من أبريل (نيسان)، كانت الأسواق المالية العالمية في حالة هبوط حاد، وقد لاحظ الرئيس ذلك.

وقال ترمب لاحقاً: «كانت أسواق السندات تُصبح مُتوترة بعض الشيء، ومُضطربة بعض الشيء»، مُعترفاً بأنه كان يُراقب الاضطرابات المُتزايدة من كثب. استمع إيلون ماسك والرئيس السابق لشركة «غوغل» إريك شميدت وآخرون إلى خطاب دونالد ترمب في ميامي في فبراير (شباط).

في ذلك الصباح، قدم ديمون، رئيس «جي بي مورغان»، حجة لطيفة ولكنها مقنعة في النهاية حول سبب وجوب توقف الرئيس عن حربه التجارية.

لكن ديمون تواصل مع ترمب ليس في محادثة خاصة في «مار إيه لاغو» أو البيت الأبيض. لقد ظهر على قناة «فوكس بيزنس نيوز». تجاوزت ظروف السوق السلبية إلى العدائية.

وقال لورانس سامرز، وزير الخزانة السابق والرئيس السابق لجامعة هارفارد: «كانت حقيقة أن سوق السندات كانت تتحرك في اتجاه الإنذار بدلاً من اتجاه التأمين هي العامل الحاسم الذي جعل الجميع في (وول ستريت) على مستوى مختلف تماماً من التوتر».

وأضاف أن سندات الحكومة الأميركية كانت تتداول فجأة في نمط يشبه ديون الأسواق الناشئة. كان الدولار يضعف في الوقت نفسه.

نتج انهيار سوق السندات جزئياً عن قيام صناديق التحوط في اليابان والولايات المتحدة بتصفية «الصفقات الأساسية» المحفوفة بالمخاطر على سندات الخزانة - وهي استراتيجية غامضة وعالية الاستدانة لطالما تم الإشارة إليها كمحفز محتمل في أوقات الذعر.

في هذه الأثناء، بدأ المستثمرون الأجانب، خوفاً من موقف ترمب العدائي، في سحب أموالهم من الولايات المتحدة. ظهرت الشقوق في أماكن أخرى. تجمدت أسواق الإقراض التي تستخدمها عادةً الشركات منخفضة التصنيف وشركات الأسهم الخاصة، وحتى التكتلات الكبرى تم استبعادها من سوق السندات - وهو أمر نادر.

بعد أسبوع من الاضطرابات، أوقف الرئيس جزئياً تعريفاته الجمركية المتبادلة. وصرح شخص مقرب من ترمب لصحيفة «فايننشال تايمز»: «ترمب لا يمانع في تعرض (وول ستريت) لضربة، لكنه لا يريد انهيار المنزل بأكمله».

حقيقة أن سوق السندات كانت تتحرك في اتجاه الإنذار بدلاً من اتجاه التأمين كانت هي العامل الحاسم في كسر النمط. حقيقة أن الأسواق هي التي أجبرت ترمب على التصرف تؤكد أن مصيره لا يزال مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بثروات النخبة المالية، حتى لو استمر تهميشهم في إدارته.

وحتى مع تحرك ترمب لإعادة تشكيل التجارة العالمية، فإنه يواجه ألغاماً أرضية أخرى في النظام المالي. إن صناعة رأس المال الخاص التي تبلغ قيمتها 13 تريليون دولار، والتي تسيطر على حصة متزايدة من الاقتصاد الأميركي وتوظف أكثر من 10 ملايين أميركي، مبنية على الديون.

لقد تركت سنوات من الاستدانة قطاعات واسعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم هشة ومعرضة بشدة للصدمات. مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، من المرجح أن تستجيب شركات الأسهم الخاصة بخفض التكاليف والوظائف، مما يزيد من الألم الاقتصادي.

ترتفع معدلات التخلف عن السداد وقد تقفز قريباً، مما يؤدي إلى موجة من حالات الإفلاس. قد تتعرض صناديق التقاعد الكبيرة، التي تستثمر بكثافة في الأسواق الخاصة، أيضاً لضغوط.

ويقول ترمب إنه على استعداد لتحمل الألم الاقتصادي لرؤية خططه تتحقق، «هذه ثورة اقتصادية وسننتصر»، نشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

يبدو المستقبل، في الوقت الحالي، متقلباً. وقال جوزيف فودي، أستاذ الاقتصاد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك إن الرسوم الجمركية كانت «بمثابة ضربة أساسية لثقة (وول ستريت) في قدرتهم على التنبؤ بما ستفعله الإدارة على الإطلاق. لقد أدركوا الآن أن كل هذا غير مؤكد وغير قابل للتنبؤ».