بداية من مساء الخميس بتوقيت غرينتش، تتجه الأنظار غرباً نحو ولاية وايومنغ الأميركية، حيث يلتقي كبار صناع السياسات المالية على مستوى العالم في ضيافة مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي)، في تقليد سنوي.
وخلال السنوات الماضية، كان الكل يهتم بمتابعة المنتدى من أجل قراءة الخطوط العريضة للسياسات المالية من خلال مناقشات وكلمات الحضور. لكن هذا العام ينصبّ الاهتمام حول ما إذا كان الاجتماع هو اللحظة المناسبة لتعديل السياسات النقدية المتشددة وشديدة الحدة والعنف، والتي أدت إلى تباطؤ اقتصادي لا يخفى على أحد، وبمؤشرات تقترب من حد الركود.
ويعقد «الفيدرالي» اجتماعه السنوي في الفترة من 24 إلى 26 أغسطس (آب). ويترقب المستثمرون على وجه الخصوص خطاب رئيس المجلس جيروم باول يوم الجمعة لمعرفة ما إذا كانت أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول... لكن الكل يأمل في بلوغ النهاية قريباً.
وسيجتمع مسؤولو «الفيدرالي» وصانعو السياسات من البنك «المركزي الأوروبي» و«بنك إنجلترا» و«بنك اليابان» في جاكسون هول، وقد تهيمن مسألة أسعار الفائدة، وما إذا كان من الضروري رفعها لفترة أطول على المناقشات رغم تراجع الضغوط التضخمية.
البنوك المركزية الكبرى اضطرت منذ بداية العام الماضي إلى اللجوء إلى تشديد السياسات النقدية بعد سنوات من التيسير من أجل حصار غول التضخم المتوحش، الذي كاد أن يفترس الاقتصادات كبيرها وصغيرها. لكن في مقابل إيجابية تقليص التضخم، كانت سلبية تأثر النمو الاقتصادي.
خلال الأشهر الطويلة الماضية، دافع صناع القرار عن توجهاتهم بأن الاقتصادات قوية بما يكفي لتحمل المزيد من رفع الفائدة. وبالفعل، كانت البيانات تتماوج صعوداً أو هبوطاً بشكل مقبول وموزع بين أركان العالم... لكن الأسبوع الأخير تحديداً ربما كان الأكثر إثارة للقلق على وجه الإطلاق؛ إذ إن المؤشرات كانت محبطة في الاقتصادات الكبرى كافة بشكل متزامن بما يرفع احتماليات الركود العالمي لمستويات فائقة الخطورة.
ويوم الأربعاء، كشفت مجموعة من عمليات المسح لمؤشرات مديري المشتريات في كبرى الاقتصادات عن صورة قاتمة. إذ أعلنت اليابان تقلص نشاط المصانع للشهر الثالث على التوالي في أغسطس. كما تراجع النشاط التجاري والخدمي في منطقة اليورو، وخاصة في ألمانيا، أكثر من المتوقع. ويبدو أن الاقتصاد البريطاني يتجه للانكماش في الربع الحالي؛ مما يجعله عرضة لخطر الانزلاق إلى الركود. بينما اقترب النشاط التجاري في الولايات المتحدة من نقطة الركود في أغسطس، وسجل النمو أقل معدلاته منذ فبراير (شباط) الماضي.
وفي ظل سياسات التشديد النقدي، تراجعت معدلات التضخم عن ذروتها، واقتربت في بعض الدول من المستويات المستهدفة للبنوك المركزية. إلا أن ذلك لم يحُل دون استمرار هذه البنوك في سياساتها المتشددة سعيا لبلوغ المستهدف نفسه.
ورغم دعوة كثير من المحللين الاقتصاديين للتوقف عن رفع الفائدة والاكتفاء ولو مؤقتاً بما تحقق؛ وذلك لإنقاذ الاقتصادات وحمايتها من مخاطر الركود لما يحمله من مشكلات خطرة، يرى آخرون أن مثل ذلك الإجراء قد يفقِد البنوك المركزية مصداقيتها، وقد يكون له تبعات أكثر خطورة مما قد ينجم عن الركود.
ويشير مراقبون إلى أن اجتماعات جاكسون هول قد تكون النقطة السحرية التي تشهد مثل هذا التغيير، حيث إن لقاء صناع السياسات المالية قد يسفر عن توجه جماعي لتخفيف الأحمال عن كاهل الاقتصاد العالمي، الذي اثقلته سنوات متوالية؛ من الحرب التجارية، فجائحة كبرى، فحرب في البلقان، ثم تضخم شرس وتباطؤ واسع النطاق.
وفي أوساط المستثمرين، فإن هناك توقعات متزايدة بوجود نوع من الاستجابة من صناع السياسات في البنوك المركزية، خاصة «الفيدرالي» و«الأوروبي»، للبيانات الاقتصادية السيئة. والتي تتمثل في وقف الزيادات المتكررة للفائدة، وربما الإشارة إلى انتهاء عصر التشديد النقدي.