دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الخميس)، إلى «صدمة تمويل عام» لمواجهة الفقر واحترار المناخ، أمام نحو 40 رئيس دولة وحكومة مجتمعين في باريس لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال ماكرون خلال افتتاح قمة «ميثاق مالي عالمي جديد»، بحضور الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، في باريس: إن الدول «لا ينبغي أن تُوضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ»، مضيفاً: «علينا أن نُحدِث صدمة تمويل عام، ونحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص».
وقد تحادث الأمير محمد بن سلمان، على هامش القمة مع العديد من القادة الأفارقة ومع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
Réduire la pauvreté ou protéger la planète : on ne doit pas avoir à choisir. C’est en même temps que nous allons relever ces deux défis. pic.twitter.com/8npCEiu9xj
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) June 22, 2023
وأشار إلى أنه من دون «تغيير النظام برمته، يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير إذا وُظّفت هذه الأموال وهذه السيولة في خدمة تقدم الكوكب وهذا التحدي المزدوج الذي ذكرته، الفقر والمناخ، والتنوع البيولوجي».
وأكد الرئيس الفرنسي أمام رؤساء الدول والحكومات وبينهم عدد من الأفارقة: «هذه القمة هي قمتكم، أنتم الذين تقفون على خط المواجهة» في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة. وتعهّد أن يكون «هذا الاتفاق المالي الجديد أكثر احتراماً لسيادة» كل الدول.
Ce Sommet de Paris est le vôtre. Celui de tous ceux qui sont en première ligne face aux conséquences du dérèglement climatique et de la pauvreté. Pour surmonter ces défis, immenses, soyons collectivement à la hauteur. Nous aurons à rendre compte. pic.twitter.com/iGVA0yzfyk
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) June 22, 2023
من جهتها، دعت الناشطة الأوغندية الشابة فانيسا ناكاتي، رؤساء الدول والحكومات إلى التزام دقيقة صمت تكريماً «لجميع الذين يعانون والجياع والمشردين والذين يتركون المدرسة».
البنك وصندوق النقد الدوليان
وإن كان من المستبعد أن تُفضي المحادثات الجارية في قصر برونيار في وسط باريس إلى قرارات ملموسة، إلا أنها تستفيد من ثقل الضيوف المشاركين وبينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.
وفي خطاب ألقته يلين صباح اليوم في باريس، قالت: إن واشنطن «ستضغط» من أجل أن يشارك دائنو الدول الفقيرة والنامية في مفاوضات لإعادة هيكلة ديونها.
I am in Paris for the Summit for a New Global Financing Pact where I will focus on partnering with developing and emerging economies to strengthen the world economy and address global challenges like climate change.
— Secretary Janet Yellen (@SecYellen) June 21, 2023
كذلك، تشارك الصين من خلال رئيس وزرائها، لي تشيانغ. ويشارك أيضاً في القمة الرئيس الكيني ويليام روتو، بالإضافة إلى نحو عشرين زعيماً أفريقياً رفع الكثير منهم الصوت أخيراً ضد الدول الغنية التي تضخ المليارات لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.
ونشأت فكرة القمة في نوفمبر (تشرين الثاني) خلال مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 27) في مصر، عقب الخطة التي قدمتها رئيسة وزراء بربادوس ميا موتلي. فقد أعادت إحياء الأمل في إحراز تقدم بشأن هذه المسألة التي باتت عقبة بوجه مفاوضات المناخ بين الدول الفقيرة والدول الغنية المسبِّب الرئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة.
ودعت موتلي التي حضّت على إعادة توجيه التمويل الدولي نحو قضايا المناخ، الخميس، إلى «تحول مطلق» في النظام المالي وليس فقط «إصلاح مؤسساتنا». وأضافت: «نأتي إلى باريس اليوم بقلب حزين، لكن بأمل».
من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد، خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: «تُفرض تكلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم».
والهدف من القمة هو تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق عن اتفاقات «بريتون وودز» في عام 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتقول الدول النامية: إن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب، في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضاً للخروج من الفقر مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.
ومن أجل تحقيق ذلك؛ سيتعين على الدول النامية باستثناء الصين إنفاق 2400 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من 260 مليار إلى نحو 1.9 تريليون دولار سنوياً على مدى العقد، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
دعوة لتفهم المتغيرات
من جانبه، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مؤسسات التمويل الدولية إلى تفهم ظروف بلاده ومراعاة تأثير السنوات الثلاث الماضية على الاقتصاد. وقال في كلمة خلال القمة: إن من الضروري «إصلاح الهيكل المالي العالمي لتعزيز تمويل التنمية المستدامة، بما يتضمن إعادة تخصيص حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، وتعليق أو إلغاء الرسوم الإضافية للصندوق وقت الأزمات».
وأضاف السيسي، أنه «نتيجة الظروف التي شهدتها السنوات الثلاث الماضية، أقول ببساطة إننا نحتاج إلى تفهم شركائنا في التنمية ومؤسسات التمويل الدولية ومراعاتهم لهذا الأمر، ليس لمصر فقط، ولكن لكل الدول التي تشهد ظروفاً مماثلة». وأوضح أن بلاده كان لديها خطة لإدارة الديون، لكن هذه الخطة «واجهت صعوبات كبيرة جداً نتيجة الظروف التي مررنا بها» خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
إجراءات مستجدة للفقراء والكوارث
وفي كلمتها بالقمة، أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أنّه تمّ تحقيق هدف تخصيص مائة مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للدول الفقيرة، وهي أصول احتياط لصندوق النقد الدولي يمكن استخدامها للتنمية والتحوّل المناخي. وقالت: إنه «تمّ تحديد الهدف عند مائة مليار». وأضافت: «حققنا الهدف، لدينا مائة مليار».
كما ذكرت تقارير إخبارية، أن أجاي بانغا، رئيس البنك الدولي، يعتزم السماح للدول التي تعرضت لكوارث بوقف تسديد أقساط ديونها لمؤسسة التمويل الدولية. وأشارت صحيفة «فاينانشال تايمز» إلى أن بانغا سيعلن في كلمته عن إجراءات جديدة تستهدف توفير تغطية للتأمين ضد الكوارث ضمن القروض الجديدة للدول.
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن البنك سيسمح أيضاً للدول بإعادة توجيه بعض الأموال للتعامل مع حالات الطوارئ. كما يعتزم البنك التعاون مع القطاع الخاص لتوفير منتجات تأمين جديدة للمشروعات التنموية.
وقالت ميا موتلي، رئيسة وزراء جزر باربادوس في مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز»: إن هذه الإجراءات حيوية لضمان قدرة الدول التي تعرضت للكوارث على إعادة الإعمار.
ضرائب على النقل البحري
من بين الطروحات الكثيرة التي تُناقَش، تكتسب فكرة فرض ضريبة دولية على انبعاثات الكربون من النقل البحري زخماً. ويتحدّث قادة العالم عن ضرائب أخرى ولكن أيضاً عن إصلاحات مؤسسية وإعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة وتعزيز دور القطاع الخاص.
وتدعم موتلي بقوة فكرة تعليق سداد الديون في حال حدوث كارثة طبيعية. فالأعاصير «لا تفرّق» بين الدول الغنية والفقيرة، لكنها قد «تتسبب في خسارة سنوات من التنمية»، وفق ما ذكر فاتومانافا باولولي لوتيرو، رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، رأس الحربة في هذه المعركة من أجل تمويل جديد.
وستوضع الدول الغنية في مواجهة وعدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة احترار المناخ، وهو وعد يفترض أن يتم الوفاء به هذا العام، بعد 3 سنوات من التأخير؛ وهو ما أدى إلى تراجع عميق في الثقة بين الشمال والجنوب.
وأشار هارجيت سينغ، من «كلايمت أكشن نتوورك»، إلى أن هذا المبلغ يبدو سخيفاً، لكن «التمويل العام هو البذرة التي ستثمر تريليونات». وستُدعى مصارف التنمية متعددة الأطراف أيضاً إلى تقديم المزيد من القروض، بعد أشهر قليلة من إعلان البنك الدولي تقديم 50 مليار دولار على مدى 10 سنوات.