مع اقتراب نصف المدة الزمنية..السعودية تنجح في تجاوز مستهدفات «رؤية 2030»

تقرير «بي دبليو سي الشرق الأوسط»: خطط التنويع الاقتصادي بدأت تؤتي ثمارها

جانب من مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض.(الشرق الاوسط)
جانب من مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض.(الشرق الاوسط)
TT

مع اقتراب نصف المدة الزمنية..السعودية تنجح في تجاوز مستهدفات «رؤية 2030»

جانب من مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض.(الشرق الاوسط)
جانب من مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض.(الشرق الاوسط)

قال تقرير اقتصادي صدر حديثاً أن السعودية نجحت في تحقيق معدلات إنجاز فاقت الأهداف المنشودة في بعض المجالات برؤية 2030، حيث أن رؤية 2030، التي أعلنتها المملكة في عام 2016، تقترب من نصف المدة الزمنية المتاحة لتنفيذها. ولفت التقرير أن المجالات التي تنظمنتها الرؤية تجاوزت المستهدفات المرصودة لها، والتي منها ارتفاع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 36 في، وهي نسبة أعلى من المعدل الذي كان مستهدف تحقيقه في عام 2030 والمحدد بنسبة 30 في المائة.وقال التقرير الصادر من شركة بي دبليو سي الشرق الأوسط الاقتصادية أن خطط التنويع الاقتصادي في السعودية بدأت تؤتي ثمارها عبر مختلف القطاعات، مع بلوغ حصة الاقتصاد غير النفطي نسبة 59 في المائة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في عام 2022 بنسبة 15 في المائة بالقيمة الفعلية و28 في المائة بالقيمة الاسمية مقارنة بخط الأساس قبل وضع الرؤية.

انتعاشاً واضحاًوأوضح التقرير الذي عنون بـ"المضي قدماً بخطى ثابتة نحو تحقيق الرؤى الوطنية الطموحة" أن "الرياض" وجدت سبيلها إلى الانتعاش في قطاع السياحة والمبادرات الاقتصادية التي أطلقتها والرامية إلى التوسع والابتكار والتنويع مسجلة مستويات قياسية جديدة، مشيراً إلى أن هذه النظرة الإيجابية تعزى إلى ارتفاع أسعار النفط والموازنات العمومية القوية على الصعيدين السيادي والمؤسسي.وقالت "ي دبليو سي الشرق الأوسط الاقتصادية" في تقريرها :"في الوقت الذي تشهد فيه الاقتصادات العالمية حالياً ما وصفه صندوق النقد الدولي بأنه "تعافٍ متأرجحٌ" في فترة ما بعد انحسار الجائحة، والتي اتسمت بارتفاع معدلات التضخم والفائدة وعدم اليقين الجيوسياسي، يشهد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي انتعاشاً واضحاً عبر مختلف قطاعاته، حتى أكثرها تضرراً، أضافة إلى جهود التنويع المستمرة والمرونة الاقتصادية التي تتمتع بها دول الخليج في ظل سعيها إلى تحقيق رؤاها الوطنية.مقومات تنفيذ الرؤى الوطنية في الخليجوبحسب التقرير تتمتع دول الخليج على وجه الخصوص بالمقومات والدعائم اللازمة لتنفيذ خطط تحول الرؤية الوطنية طويلة الأجل في ظل امتلاكها لموارد مالية ضخمة يمكنها توجيهها نحو تحقيق أهدافها المنشودة، وأنظمة سياسية تضمن استمرارية القيادة حتى الوصول إلى هذه الأهداف وتحقيقها. وتأتي رؤية السعودية 2030 كأحد أحدث الخطط في سلسلة خطط التحول الوطنية الاستراتيجية التي تم تطويرها في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي والتي تهدف إلى تحويل الاقتصاد. وبشكل عام، يعد التقدم في مؤشرات الأداء الرئيسية في المنطقة واعدًا مع وجود مجالات للتحسين في مؤشرات أخرى. وقال ريتشارد بوكسشال، الشريك وكبير الخبراء الاقتصاديين في بي دبليو سي الشرق الأوسط: "تحرز منطقة الخليج بشكل عام تقدماً جيداً على طريق تحقيق الرؤى الوطنية، وتشترك هذه الرؤى الوطنية في التركيز على مجالات منها تنويع الاقتصاد غير النفطي وتحسين البنى التحتية والنهوض بعمليات التحول الرقمي وخلق بيئات عمل تنافسية ووضع أهداف لتوطين القوى العاملة في القطاع الخاص. وعلاوةً على ذلك، تسعى معظم دول الخليج بخطى حثيثة نحو تحقيق أهداف الاستدامة الخاصة بها من خلال مبادرات منها التوسع في قدرات توليد الطاقة الشمسية. ونتوقع أن يزيد الزخم وعمليات إعادة الاستثمار التي تقود هذا التحول في ظل اقتراب موعد الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ".

انتعاش غير نفطيوسلط التقرير الضوء على السرعة التي تحركت بها المنطقة في سعيها لتأمين انتعاش الاقتصاد غير النفطي، حتى في أكثر القطاعات التي تضررت بسبب الجائحة وهي الضيافة والنقل وتجارة التجزئة والجملة. وفي عام 2022، سجل قطاع السياحة في خمس دول خليجية، وهي السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان، تراجعاً بنسبة 8 في المائة مقارنة بمستويات عام 2019. ولكن وبحلول الربع الأخير من عام 2022، سجلت ثلاثة دول منها، وهي قطر والسعودية والبحرين، مستويات أعلى بكثير من المستويات التي سجلتها لنفس الفترة من عام 2019.

وأضاف التقرير "حققت السعودية زيادة قياسية في أعداد الزوار والسائحين الربع سنوية حيث استقبلت المملكة 6 ملايين سائح في الربع الأخير، بما يعادل زيادة قدرها 47 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، وهو ما يؤكد النمو الكبير الذي نجحت المملكة في تحقيقه. وزاد " من خلال تطبيق إجراءات تمكن من الحصول على التأشيرات بسهولة أكبر وتطوير معالم وفعاليات جذابة مثل مهرجان موسم الرياض الشهير، وتسعى السعودية أكبر اقتصاد عربي إلى استقطاب 25 مليون سائح هذا العام، أي ما يعادل زيادة بنسبة 43 في المائة مقارنة بعام 2019. ويشير التقرير أيضاً إلى أنه على الرغم من وجود العديد من العوامل، ومن بينها الجائحة، التي أفضت إلى تراجع أعداد الوافدين، فقد تعافت هذه الأعداد في أعقاب الجائحة وانتعشت بنسبة 2.8 في المائة في عام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز مستويات عام 2019 في وقت لاحق من هذا العام. وفي هذا الصدد، حققت السعودية انتعاشاً قوياً خلال فترة الثمانية عشر شهراً الماضية فيما يتعلق بأعداد الوافدين بها. وقال "مع اقتراب عام 2022 من نهايته، سجلت أعداد الوافدين معدلات أكبر من المعدلات المسجلة لفترة ما قبل تفشي الجائحة، وذلك بفضل الخطط السكانية التي وضعتها السعودية، ومنها زيادة تعداد سكان الرياض إلى ضعف معدلاته الحالية واستقطاب 9 ملايين شخص إلى مشروع مدينة "ذا لاين" بحلول عام 2045".

وبين فيصل السراج الشريك الاستشاري ونائب رئيس مكتب بي دبليو سي في السعودية "لقد أظهر الاقتصاد السعودي نمواً كبيراً منذ الإعلان عن رؤية 2030. ورغم العقبات الاقتصادية المستمرة التي يواجهها العالم، تمكنت المملكة من خلال زيادة المساهمات غير النفطية وزيادة التركيز على التنويع الاقتصادي من قيادة أجندة التحول الاقتصادي على نطاق واسع. وهذا يجعلنا نشعر بقدر أكبر من التفاؤل بأن مستقبل المملكة لن يقف عند أعتاب رؤية 2030، بل سيستمر لما بعد ذلك، وسيكون مثالاً يحتذى به بفضل الحلول المبتكرة وأنشطة التحول الواسعة التي تقودها المملكة".


مقالات ذات صلة

إطلاق برج ترمب جدة... علامة فارقة في سوق العقارات الفاخرة بالسعودية

الاقتصاد يقع البرج في منطقة استثنائية على كورنيش جدة (شركة دار جلوبال على «تويتر»)

إطلاق برج ترمب جدة... علامة فارقة في سوق العقارات الفاخرة بالسعودية

في حدث استثنائي شهدته مدينة جدة، جرى تدشين مشروع برج ترمب، بحضور إريك ترمب، نائب رئيس منظمة ترمب.

أسماء الغابري (جدة)
الاقتصاد افتتاح منتجع «ديزرت روك» في وجهة البحر الأحمر (الشرق الأوسط)

«صندوق الاستثمارات» يواصل استكشاف مكامن الفرص السياحية بالسعودية

يواصل «صندوق الاستثمارات العامة» استكشاف مكامن الفرص في قطاع الضيافة والسياحة السعودية، بعد إطلاق عدد من الشركات المتخصصة والمشاريع العملاقة.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد أحد فنادق الضيافة في السعودية (الشرق الأوسط)

«الاستثمارات العامة» يطلق شركة تطَور علامات ضيافة سعودية جديدة

أطلق صندوق الاستثمارات العامة، الثلاثاء، شركة إدارة الفنادق (أديرا) التي تتخصص بإدارة وتشغيل الفنادق، مع المزج بين أعلى المعايير للقطاع وأصالة الضيافة السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد عدد من الزوار في منطقة العلا التابعة للمدينة المنورة (الشرق الأوسط)

المدينة المنورة ضمن أفضل 100 وجهة سياحية عالمية

تصدرت المدينة المنورة المدن السعودية المدرجة ضمن قائمة أفضل 100 وجهة سياحية عالمية لعام 2024، وفق تقرير منظمة «يورومونتر إنترناشونال».

«الشرق الأوسط» (المدينة المنورة)
الاقتصاد جناح «صُنع في السعودية» في أحد المعارض الدولية (الشرق الأوسط)

آلاف الشركات تستعين بـ«صُنع في السعودية» لولوج الأسواق العالمية

استطاع برنامج «صُنع في السعودية» جذب آلاف الشركات الوطنية بهدف تحفيز صناعات وتشجيع المستهلكين على شراء منتجاتها محلياً.

بندر مسلم (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».