بنظرة جديدة نحو المخترعات والمنتجات الفاشلة يقدم المختص في علم النفس دكتور صمويل وست محتويات «متحف الفشل» في مدينة هيلسينغبورغ بالسويد، ويتعامل مع القطع المختلفة فيه ليس فقط باعتبارها أخفقت لدى عرضها في الأسواق، ولكنه يستمد من قصة فشل كل منها دروساً حول النجاح. يقول وست على موقع المتحف: «التعلُّم هو الطريق الوحيد للنجاح»، مضيفاً أن كل قطعة من مقتنيات المتحف تلقي الضوء على المخاطر التي تواجه كل اختراع جديد.
وخلال حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» أسأله: «كيف خطرت لك الفكرة؟»، يبدأ من البداية: «أنا باحث في مجال سيكولوجية الابتكار، وأعرف وكل مَن يعمل في المجال يعرف أن نحو 80 إلى 90 في المائة من المبتكرات تفشل في بدايتها، ولكن الشركات لا تتعامل وتتعلم من فشلها بطريقة ملائمة».
من خلال أبحاثه بدأ وست يفكر في جمع بعض المنتجات والابتكارات الفاشلة بشكل عشوائي، «وبعدما زرت متحف (العلاقات الخائبة) في زغرب بكرواتيا خطرت لي فكرة إنشاء متحف لعرض تلك القطع بدلاً من الاحتفاظ بها في مكتبي».
خلال رحلته لجمع قطع المتحف واجه وست بعض العقبات، منها أن الشركات المنتجة لتلك القطع لم تكن تريد التعاون معه، مثال شركة «كولغيت» لمعجون الأسنان التي حاولت دخول مجال الأغذية المجمدة في ثمانينات القرن الماضي. وبما أن المنتج، وهو «أكلة لازانيا مثلجة»، توقف إنتاجها، قام وست بصناعة علبة من الورق المقوى بسبب عدم وجود صور توثق لها. يقول تعليقاً على ذلك: «هذا المنتج أحد مظاهر مغامرة الشركات بالتوسع ودخول مجالات مختلفة عن نشاطها الأصلي». المنتج قديم والتوثيق الوحيد له يوجد في مراجع دراسات التجارة حول الشركات وفشل الترويج لبضائعها.
«كيف حصلت على القطع؟»، أسأله، ويجيب: «لم يكن الأمر سهلاً؛ فأغلب تلك المخترعات توقَّف إنتاجها، ولا توجد في الأسواق، توجهت لمواقع الإنترنت وفي بعض الحالات تواصلت مع أشخاص يملكون تلك القطع. والآن ومع تسليط أضواء الإعلام على المتحف بدأ الناس في إرسال المزيد من القطع لي».
«ربما يكون ذلك دافعاً للتوسع في المتحف؟»، يقول: «بالفعل أصبح المتحف أكبر مما كنت أتوقع وأخطط، وسترى في يوم الافتتاح في يونيو (حزيران)».
يبدو وست مندهشاً من الاهتمام الإعلامي الذي لقيه متحفه قبل أن يفتح أبوابه، أقول: «ربما يجب أن تنظر للأمر بأن المتحف سيكون ناجحاً على عكس المعروضات بداخله»، يضحك قائلاً: «بالتأكيد».
أسأله عن عدد القطع التي يضمها المعرض، يجيب: «حتى الآن لديَّ 60 قطعة، وفي هذه اللحظة التي تحدثيني فيها تلقيت ثلاثة طرود لقطع أنوي إضافتها. وأتوقع أن يصل العدد إلى 70 أو 80 عند الافتتاح»، مشيراً إلى أنه يتلقى قطعاً لا تتماشى مع مفهوم المتحف، فليس كل منتج لم يعد يماشي العصر يصلح للعرض «يجب أن يعبر المنتج عن فكرة أو ابتكار فشل في بدايته أو خلال حملة الترويج له».
القطع المعروضة تتراوح من قارورة عطر أنتجتها شركة الموتوسيكلات «هارلي ديفيدسون» عام 1989، ولم تلقَ نجاحاً، إلى مشروب «كوكاكولا» بنكهات لم تلقَ رواجاً، أو جهاز نيوتن من «آبل»، ما يجمع بين القطع كلها هو أن كل واحدة منها واجهت محاولات ترويجها تجارياً فشلاً ذريعاً، رغم ملايين الدولارات التي خُصِّصَت لذلك.
المتحف سيفتح أبوابه في السابع من شهر يونيو (حزيران) المقبل، ويعد وست لاستضافة فعاليات تتماشى مع موضوع المتحف، مثل إعداد قائمة طعام فاشلة لمطعم راقٍ، وفرص لتذوُّق مشروبات فاشلة تعدها حانة مجاورة. وفي نظر وست أن العالم يقدر النجاح بشكل مبالغ فيه، مضيفاً في حديث لـ«سي إن إن»: «النجاح دائماً موضوع على منصة التقدير والإعجاب بينما الفشل يكنس تحت البساط ولا يتحدث عنه أحد».
وست يختار القطع التي تعبر عن سقطات في قراءة نفسية المستهلك، وأيضاً التي تعبر عن نظرة ضيقة للعالم، مثل جهاز «بييك» الذي أُنتِج في عام 2009 لاستغلال النجاح الساحق لموقع «تويتر»، وجاء الجهاز موجهاً لمن يفضل الأجهزة التي تحمل في راحة اليد وأيضاً كان مخصصاً لهدف وحيد؛ فهو جهاز وظيفته الوحيدة هي تصفح موقع «تويتر»، ولكنه فشل في أن يعرض أي تغريدة كاملة على شاشته.
أما جهاز نوكيا «إن - غيج» فيحتل مكانة خاصة في المتحف بوصفه «مثالاً على التصميم السيئ»، حيث إنه يشبه شريحة «التاكو»، فهو هاتف وجهاز للألعاب الإلكترونية، ولكي يلعب المستخدم يجب عليه تفكيك الجهاز برفع الغطاء للوصول إلى واجهة اللعب وأيضاً لتغيير اللعبة. الجانب الآخر هو أن الميكروفون والسماعة وُضِعا في الجهة ذاتها.
ومع أن معروضات المتحف محدودة ولكنها تعد فرصة للزائر لرؤية بعض المخترعات والقطع التي لم يحالفها الحظ للبقاء طويلاً في الأسواق مثل كاميرا «ديجيتال» من «كوداك» وهاتف ذكي من «نوكيا» ورقعة لعب تحمل اسم دونالد ترمب. وحسبما ذكر وست لصحيفة «تايمز»، فإن جمع تلك القطع لم يكن أمراً سهلاً.
يشير وست إلى أن لديه ثلاثة أهداف من إنشاء المتحف، الأولى وهي رسالة للعالم بأن الفشل ضروري للنجاح... «نحتاج لأن نفشل أولاً لنصل للنجاح، وهو أمر ينطبق على مجالات الابتكار ومجال التجارة وغيرها، مثل تعلم مهارة أو حرفة أو حتى لغة جديدة»، يضيف ضاحكاً: «على سبيل المثال قضيتُ عاماً بأكمله أحاول تعلم اللغة العربية، ولكني فشلت، ربما يجب أن أجعل من فشلي هذا جانباً من العرض في المتحف».
أما الهدف الثاني، فهو إثبات أن المبتكرين يجب أن يتعلموا من فشل مجهوداتهم بدلاً من إخفائها أو تجاهُلِها... «الرسالة الثالثة، أراها عامة؛ فعندما نرى أن شركات عملاقة، مثل (كوكاكولا) و(آبل)، وغيرها تقدم منتجات فاشلة، رغم أنها تملك كل الإمكانات والوسائل التي تمكنها من النجاح، عندما نراهم يفشلون، فإن ذلك يحررنا من الشعور بالخوف من الفشل؛ فهو جزء من الحياة وجزء من التطور».
يختتم وست حديثه معي بطلب: «أتمنى أن أصل إلى الجمهور العربي، وأن يشعر القراء بالحرية في الاتصال بي لعرض أي قطع يعتقدون أنها تصلح للمتحف، فلدي مشاركات من أنحاء كثيرة من العالم، ما عدا العالم العربي».
صمويل وست لـ «الشرق الأوسط» : حاولت تعلم العربية وفشلت
«متحف الفشل» في السويد... إعادة التقدير للإخفاق واعتباره مقدمة للنجاح
صمويل وست لـ «الشرق الأوسط» : حاولت تعلم العربية وفشلت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة