إطلاق المرحلة الثالثة لحصار الرقة... وواشنطن تسد ثغرات خطة أوباما

الاتحاد الديمقراطي الكردي مطمئن لاستمرار الدعم الأميركي في عهد ترمب

مقاتل في ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي تعد لمهاجمة مواقع داعش في مدينة الرقة (أ.ف.ب)
مقاتل في ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي تعد لمهاجمة مواقع داعش في مدينة الرقة (أ.ف.ب)
TT

إطلاق المرحلة الثالثة لحصار الرقة... وواشنطن تسد ثغرات خطة أوباما

مقاتل في ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي تعد لمهاجمة مواقع داعش في مدينة الرقة (أ.ف.ب)
مقاتل في ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية التي تعد لمهاجمة مواقع داعش في مدينة الرقة (أ.ف.ب)

لم تنتظر ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية انتهاء المرحلة الثانية من حملة «غضب الفرات» الهادفة للسيطرة على مدينة الرقة، بشمال وسط سوريا، من تنظيم داعش، بل سارعت أمس لإطلاق المرحلة الثالثة من الحملة. وهكذا تسير بالتوازي مع عمليتي السيطرة على الريفين الشرقي والغربي لمحافظة الرقة وصولاً لحصار المدينة، عاصمة المحافظة، بشكل شبه كامل بانتظار تبلور خطة الإدارة الأميركية الجديدة لبدء الهجوم على المعقل الرئيسي للتنظيم المتطرف في سوريا.
في هذه الأثناء، بينما يبدو مسؤولو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي - الساعي إلى الفيدرالية - مطمئنين إلى أنّهم سيكونون جزءًا أساسيًا من أي خطة أميركية جديدة لغياب الخيارات البديلة، كان لافتًا ما كشفته أمس صحيفة الـ«واشنطن بوست» الأميركية عن أن إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب قررت ألا تتبنى خطة مدينة الرقة التي كانت قد وضعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وهي تقضي باستمرار دعم الأكراد وإرسال مساعدات عسكرية طلبوها قبل نهاية شهر فبراير (شباط) الحالي. وحسب الصحيفة تعتبر الإدارة الأميركية الجديدة أن الخطة التي استمر العمل عليها 7 أشهر تنطوي على ثغرات كثيرة. ونقلت الـ«واشنطن بوست» عن أحد المسؤولين في إدارة ترمب أن خطة أوباما تطلبت قوات أميركية لتدريب الأكراد على استخدام الأسلحة الجديدة والقتال في أماكن مكتظة بالسكان، غير أنه غابت عنها التفاصيل المطلوبة بشأن القوات الأميركية الكثيرة المطلوبة للتدريب، إضافة للموقع الذي لم يجر تحديده. كذلك أشار المسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة إلى أنهم استغربوا عدم وجود رؤية للتعاون مع روسيا، أو استراتيجية سياسية واضحة لتهدئة الجانب التركي. ولفت إلى أنّه لم تكن هناك أيضًا خطط طارئة في حال توقفت هجمات الأكراد.
وبحسب الـ«واشنطن بوست» أيضًا فإن ترمب ترك لوزير الدفاع جيمس ماتيس، والجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة رؤساء الأركان الأميركية المشتركة، إقرار الخطة اللازمة لمواجهة «داعش» ما يعطيهما الحرية المطلقة بالتعامل مع ملف الرقة والأكراد في سوريا، وسط ترجيحات بأن يعتمدا على خطط أوباما السابقة بعد إدخال بعض التعديلات إليها. وفي تفاصيل ما أوردته الصحيفة الأميركية أن أوباما أخبر مجموعة صغيرة من المساعدين أنه سيناقش أهمية مسألة مواصلة دعم الأكراد (الساعين للفيدرالية) مع ترمب بشكل شخصي صباح يوم التنصيب، ربما داخل السيارة الليموزين في الطريق إلى الكونغرس لأداء مراسم القسم. وأضاف أوباما، بحسب مصادر، فإنه ينوي أن يقول لخليفته: «مرحبًا بك في الدوري الأميركي للمحترفين».
ويرى أحد القياديين من الجانب الكردي أنّه بعد سنتين من الدعم الأميركي لميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ونجاحها في الحرب على «داعش» «لن يستطيع الأميركيون استبدالهم بأي فريق آخر...»، وقال القيادي لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «عمليًا المناطق التي ستحررها قوات سوريا الديمقراطية من (داعش) بدعم من التحالف الدولي ستعتبر منطقة نفوذ أميركي في التوازنات الدولية، وهي الورقة التي ستفرض شكل الحل السياسي في ما بعد في سوريا». وأردف أن «الجديد الطارئ هو أن بريت ماكغورك، المبعوث الخاص للرئيس أوباما إلى التحالف الدولي ضد (داعش) كان يأخذ بعين الاعتبار التوجهات والحسابات الأخرى بما يخص الموقف الأميركي من بقاء بشار الأسد. ولكن الآن، ومع تولي ترمب سدة الرئاسة، سيكون أكثر حرية بالتصرف، وسيكون التركيز على محاربة (داعش) والإرهاب بغض النظر عن أي حسابات أخرى». وردًا على سؤال، أوضح المسؤول أن المدرعات التي أرسلتها واشنطن أخيرًا للميليشيا الكردية نتاج قرار نافذ اتخذته الإدارة الأميركية السابقة لكن بموافقة الإدارة الحالية.
من جانب آخر، لا يبدو أن أكراد سوريا الساعين إلى الفيدرالية سينتظرون تبلور ملامح الخطة الأميركية الجديدة من دون القيام بخطوات عملية تجعل واشنطن تسرّع البت بملف الرقة، ولذا أعلنوا أمس عن بدء المرحلة الثالثة من عملية حصار المدينة. وأوضح طلال سلو، المتحدث باسم ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» في لقاء مع «الشرق الأوسط» الوضع قائلاً: «نحن لم ننه المرحلة الثانية التي تقضي بتحرير الريف الغربي، بل قررنا أن تستمر بالتوازي مع المرحلة الثالثة التي تهدف لتحرير الريف الشرقي». ولفت إلى أن الغرض الأساسي من المراحل الثلاث عزل المدينة تمهيدًا لتحريرها، مضيفًا: «نحن طلبنا دعمًا من واشنطن تحضيرًا للعملية، وأهم ما نحتاجه اليوم مدرعات وصواريخ تاو وكاسحات ألغام، وبالطبع الدعم الكبير بالطيران من قبل طائرات التحالف. ومتى تم تأمين التجهيزات للمعركة سنكون جاهزين تمامًا للهجوم».
وبحسب بيان صادر عن الميليشيا - التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري - فإن «المرحلة الثالثة من (غضب الفرات) ستكون بدعم متزايد لقوات التحالف الدولي، سواء عبر تأمين التغطية الجوية لتقدم القوات، أو عبر المساعدة التي تقدمها فرقها الخاصة على أرض المعركة، وبموافقة ومباركة ودعم من شيوخ العشائر ووجهاء المنطقة».
وفي حين نقلت وكالة «آرا نيوز» عن مصدر كردي قوله إن الميليشيا ستسعى في المرحلة الثالثة للسيطرة على الطريق الواصل بين مدينة الرقة ومحافظة دير الزور بشرق سوريا، وقطع إمداد التنظيم بين المحافظتين»، أشار «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى أن «سوريا الديمقراطية» باتت على بعد نحو 23 كلم إلى الشمال من مدينة الرقة، وعلى بعد نحو 30 كلم من الشمال الغربي، كما وصلت إلى الضفاف الشمالية لنهر الفرات، وباتت على مسافة نحو 4 كلم عن سد الفرات الاستراتيجي، وعلى بعد أكثر من 32 كلم عن المدينة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.