تفاصيل جديدة حول قتل بن لادن تثير الجدل في أميركا

بمناسبة فيلم جديد عن ليلة تصفية زعيم «القاعدة»

بن لادن في جبال تورا بورا مع أحد مساعديه عقب هجمات سبتمبر («الشرق الأوسط»)
بن لادن في جبال تورا بورا مع أحد مساعديه عقب هجمات سبتمبر («الشرق الأوسط»)
TT

تفاصيل جديدة حول قتل بن لادن تثير الجدل في أميركا

بن لادن في جبال تورا بورا مع أحد مساعديه عقب هجمات سبتمبر («الشرق الأوسط»)
بن لادن في جبال تورا بورا مع أحد مساعديه عقب هجمات سبتمبر («الشرق الأوسط»)

فجر فيلم سينمائي أميركي عن ليلة مقتل أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة نقاش، اشترك فيه صحافيون مرموقون، وعسكريون اشتركوا في عملية قتل بن لادن، وعملاء استخباراتيون خططوا للعملية، ومؤلفو كتب عن العملية، وعن بن لادن.
زاد النقاش موضوع غلاف في مجلة «نيويورك تايمز»، كتبه جوناثان ماهلار، مسؤول الشؤون الإعلامية في الصحيفة. وقال: «تدفن الحقيقة (عن قتل بن لادن) في أكوام من ازدواجية الحكومة الأميركية، وتقارير صحافية خرافية، وسذاجة من الشعب الأميركي لأنه لا يريد أن يشك في تفسير الحكومة، حتى شكًا ربما غير محتمل».
وأضاف ميلار: «ليست المشكلة أن الحقيقة عن وفاة بن لادن مجهولة. المشكلة أن الحقيقة موجودة، لكننا لا نعرفها. أيضا، يجب أن لا نعزي أنفسنا بأمل أن الحقيقة ستعرف في المستقبل القريب (لأنها يمكن ألا تعرف، ربما إلى الأبد)».
اشترك في النقاش غريغ ميلار، مسؤول الشؤون الإعلامية في صحيفة «واشنطن بوست»، الذي قال إن راي ماهلار «أخطأ» وأضاف: «نعرف كثيرا عن وفاة بن لادن. ونعرف كثيرا عن العملية التي أدت إلى وفاته». وكتب تفاصيل خلفية تاريخية، في تسلسل زمني، منذ قتل بن لادن، في مايو (أيار) عام 2011. وقال: «أكدت حقيقة قتل بن لادن أكثرية التفاصيل التي ظهرت منذ ذلك الحين في عشرات من التقارير الإخبارية، والكتب، والأفلام الوثائقية».
لكن، استدرك ميلار، وقال: «صحيح، تظل هناك أسئلة». وأشار إلى:
أولا: تفاصيل مطاردة بن لادن حتى قتله.
ثانيا: تفاصيل الغارة التي قتل خلالها.
ثالثا: من الذي أطلق أول رصاصة أصابت بن لادن.
رغم ذلك، قال ميلار: «تظل الحقيقة هي وجود اتفاق بأن قوات أميركية عسكرية خاصة قتلت بن لادن. وتشترك في هذا الاتفاق: حكومات معادية، ووكالات استخباراتية تتنافس وتتقاتل، وصحف وتلفزيونات وإذاعات تدقق في كل شيء».
صدقا أو كذبا، نشر ماهلار، صحافي «نيويورك تايمز» تفاصيل متضاربة عن الغارة التي قتلت بن لادن كما أوردتها وكالات الأنباء، والمجلات، والكتب، والأفلام. يمكن القول إن هذه التناقضات لا مفر منها، وإن الصورة الكبيرة هي الأهم. لكن، في نفس الوقت، يمكن القول إن هذه التناقضات تدل على أن الحقيقة تظل غير كاملة.
اشترك في النقاش سيمور هيرش، صحافي أميركي عريق، اشتهر، قبل خمسين عاما، عندما كشف مذبحة «ماي لاي» (ومذابح أخرى) ارتكبها الجنود الأميركيون خلال حرب فيتنام.
في بداية هذا العام، نشر هيرست ما يمكن أن يوصف بأنه «إعادة كتابة تاريخ قتل بن لادن». وقال إن الغارة التي قتلت بن لادن، وكل التطورات التي أعلنها العسكريون الأميركيون عنها ليست إلا «خدعة». يعتقد أنه اعتمد على عسكريين واستخباراتيين باكستانيين، وعلى مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وقال إن حقيقة قتل بن لادن تظل مغمورة في سنوات من العلاقات الخفية المضطربة بين الاستخبارات الأميركية والاستخبارات الباكستانية.
تصدى صحافيون كبار، وصحف ومجلات، لتفسير هيرش، وقوله: «تظل الحقيقة مدفونة». من بين هؤلاء صحيفة «فوكس» (ليس تلفزيون «فوكس») الإلكترونية. كتبت: «تعاني نظرية هيرش من عدم وجود أدلة واضحة تؤيدها. منذ أن نشرت، تنافست صحف وصحافيون في تشريحها. واتفقوا على وجود مشكلتين فيها:
أولا: قصور في المصادر.
ثانيا: خلل في المنطق الداخلي.
اشترك في النقاش مارك بودين، مؤلف كتاب «بلاك هوك داون» (سقوط النسر الأسود) عن هزيمة فرقة عسكرية أميركية في الصومال، كانت ذهبت، بأوامر من الرئيس السابق بوش الابن (عام 1991) لحماية تقديم مساعدات أميركية إلى الصوماليين، في خضم حرب أهلية. ثم وجدت نفسها جزءا من الحرب الأهلية. في وقت لاحق صار الكتاب فيلما سينمائيا.
في كتابه عن بن لادن، فصل بودين تفاصيل حياته، وتفاصيل قتله. لكن، اختلف هيرش مع بودين في تفاصيل قتل بن لادن. وانتقده انتقادا لاذعا، قال فيه: «لا يريد أي رجل أن ينهزم».
أول من أمس، دخل تلفزيون «سي إن إن» النقاش. وشن هجوما على ماهلار، صحافي صحيفة «نيويورك تايمز». وقال، على لسان بيتر بيرغن، خبير الأمن الوطني فيه: «تعتبر (نيويورك تايمز) أكبر الصحف العالمية على الإطلاق. لكنها وقعت في خطأ فادح عندما أفردت صفحاتها لما لا يقل عن 7 آلاف كلمة عن تفاصيل موضوع شاهدناه كلنا جيدا، ونعرفه، ونعرف تفاصيله بكل شفافية. أفردت صفحاتها لتشك في الموضوع، وهو أن أسامة بن لادن قتل في باكستان، حيث كان يختفي، بأيدي قوات عسكرية خاصة».
وأضاف بيرغن: «كان يمكن لهذا الجهد الكبير المبذول من جانب صحيفة (نيويورك تايمز) أن يبذل في كشف سر اختفاء بن لادن كل هذه السنوات حتى قتلته القوات الأميركية». وقال بيرغن إنه كان واحدا من بين «الآلاف حول العالم» الذين أثارهم العنوان المريب (في موضوع الغلاف في مجلة «نيويورك تايمز». ووصفه بأنه «عنوان لم يكشف عن أي شيء جديد». وسأل: «أين جهود هذه الصحيفة العظيمة في التحقيقات والتقارير الاستقصائية؟».
أمس الثلاثاء، سأل معلق في تلفزيون «فوكس»، خلال نقاش عن الموضوع: «هل تعرفون أن فيلما سينمائيا سيصدر عن دمار مدينة هوي، خلال حرب فيتنام، قبل خمسين عاما؟» وأجاب على سؤاله: «لن ينتهي موضوع بن لادن. توقعوا، بعد خمسين عاما، أن يصدر فيلم عنه، وأن يتكرر النقاش الذي نشهده حاليا».



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.