وزير الخارجية التونسي: الإرهاب لن ينتصر رغم هجومي باردو وسوسة

الطيب البكوش قال لـ «الشرق الأوسط» إن مستقبل الأمن في كامل المنطقة رهين بمستقبل ليبيا.. ولا فتور في علاقتنا مع الجزائر

الطيب البكوش
الطيب البكوش
TT

وزير الخارجية التونسي: الإرهاب لن ينتصر رغم هجومي باردو وسوسة

الطيب البكوش
الطيب البكوش

اعتبر الطيب البكوش وزير خارجية تونس في حديث شامل مع «الشرق الأوسط» أن مستقبل الأمن والاستقرار في تونس وكامل منطقة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا رهين المستجدات الأمنية والسياسية في ليبيا ونجاح جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية.
وأكد البكوش أن الإرهاب لن ينتصر في تونس، رغم هجومي باردو وسوسة، وفسر إعلان حالة الطوارئ بالحرب على الإرهاب. كما نوه بالشراكة بين حكومة تونس ولندن وبروكسل وبقية العواصم الأوروبية والدولية لرفع التحديات الخطيرة التي تواجه بلاده في المجالين الأمني والاقتصادي، خاصة بعد الهجمات الإرهابية، على المنتجعين السياحيين أخيرًا. وتوقع البكوش تطورًا إيجابيًا في علاقات تونس بالجزائر، نافيًا وجود فتور، كما أكد وجود خطة لتطوير العلاقات مع الدول الخليجية والأفريقية.

* بصفتكم عضوًا في الحكومة ونائبًا أول لرئيس حزب نداء تونس وأحد أبرز مؤسسيه مع الرئيس الباجي قائد السبسي، كيف تقيمون الوضع العام في البلاد؟ وهل تعتبرون أنّ إعلان حالة الطوارئ سيؤدّي إلى تحقيق شعار رفعتموه في حملتكم الانتخابية الرئاسية والبرلمانية (إرجاع هيبة الدولة) أم أنّ الاضطرابات والاعتصامات ستتواصل؟
- تونس اليوم ما زالت في مرحلة الانتقال الديمقراطي، وقد توفّقت إلى صياغة دستور جديد ذي مرجعية مدنية تقدّمية وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة أفرزت رئيسا منتخبا من طرف الشعب، وبرلمانا تعدّديا لمدة نيابية، وأكسبت البلاد هيئات ومؤسسات من أولى أولوياتها إعادة الاستقرار للبلاد وضمان الأمن للمواطنين وإرجاع مصداقية الدولة وتحسين الخدمات وتوفير شروط الاستثمار وتعزيز الاقتصاد وتقليص البطالة والفوارق الاجتماعية ودعم صورة تونس في الخارج وتدعيم حضورها في المؤسسات الدولية.
بهذه المقاييس يمكن اعتبار تونس في الظرف الراهن استثناء فيما سمي بالربيع العربي. وبحسب تقييمات الأطراف الأجنبية والملاحظين فإنها نجحت فيما فشل فيه الآخرون. واليوم التحدي الأكبر هو كيفية دعم النجاحات السياسية على نسبيتها بنجاحات تنموية تعطي البعد الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي للبعد السياسي للانتقال الديمقراطي حتّى ندخل منطقة اللاّعودة ونحصّن المسار من مخاطر الانتكاسات. والحلّ يبقى في المراهنة دوما على تعزيز دور المؤسسات ودولة القانون وتجنب مظاهر الفوضى والتوتر، وفي هذا المجال وبالرجوع إلى سؤالكم يمكن القول إن البلاد أنجزت مكاسب لا بأس بها ولكن ما بقي لا يزال كثيرا.
واليوم تونس اعتمدت نظاما سياسيا ديمقراطيا يعترف بتعدّد وتنوّع الأدوار داخله في ما بين المؤسسات التي تكون المشهد السياسي. فلنا مؤسسة رئاسة الجمهورية باعتبارها رمزًا لوحدة وسيادة البلاد وضمانا لحرمة الفرد والمجموعة الوطنية ولقيم الجمهورية والحداثة، ولنا حكومة قائمة على ائتلاف حكومي متعدد المكونات وهي تجربة فريدة ورائدة. كما أن لنا برلمانا متعددا ومتنوعا يتعايش فيه الرأي والرأي الآخر ويقوم بدور الرقابة. كما لنا مجتمع مدني يقظ تحتل فيه المرأة الدور الريادي وننتظر من الشباب أن ينخرط أكثر في الشأن العام وأن يتحمل بدوره مسؤوليته في بناء المشروع المجتمعي الجديد وردّ الاعتبار لقيمة العمل والمشاركة في الحياة العامة. كما لنا إعلام متنوع ومتعدد سواء تعلّق الأمر بالصحافة المكتوبة أو بالسمعي - البصري أو بصفحات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من بعض التجاوزات فإن خيار الحرية يبقى هو الأفضل. وفي الأخير فإنّ الوضع العام بالبلاد بقدر ما يتوفّر على عناصر هامّة من الاستقرار والبناء لا تزال بعض العناصر المرتبطة ببعض المشاريع الهدامة ومنها مخاطر الإرهاب والتطرف تهدّد هذه المكاسب.
* ولكن ماذا عن إعلان حالة الطوارئ؟
- إعلان الطوارئ جاء بهدف تحصين البلاد ومؤسساتها والتضييق على محاولات الإرهابيين والمتربصين بأمنها واستقرارها. ويندرج قرار رئيس الجمهورية بعد التشاور مع الجهات المعنية بإعلان حالة الطوارئ حتى لا تستفيد الجماعات المتطرفة وتستغل مناخ الحرية لزعزعة كيان الدولة والمجتمع. فالمستهدف من هذا القرار هو الجماعات المتطرفة وليس المجموعة الوطنية ولا الفرد التونسي. كما أن المبادرة التشريعية الرئاسية بخصوص المصالحة الوطنية يمكن أن تشكّل دفعا للعدالة الانتقالية في الاتجاه الصحيح وفقا لتطلّعات الشعب وروح الدستور ودون الإخلال بمبدأ المحاسبة.
نعم.. إن إرجاع هيبة الدولة كما ذكرتم في سؤالكم لم يعد شعارا انتخابيا فحسب بل هو هدف أساسي في تعزيز أركان الدولة وفي بناء المشروع الديمقراطي. أما عما وصفته بالاضطرابات والاعتصامات العشوائية وعن مدى تواصلها في أنه من المرجو الفصل بين المطالب المشروعة السلمية القائمة على أسلوب الحوار والتفاوض واعتماد الواقعية والمرحلية وبين ما ينزع له البعض من محاولات تعطيل النسق العادي للدولة ومؤسساتها والإساءة لمصالح أفراد الشعب الحيوية التّي كثيرا ما لا تلقى صدى إيجابيا لدى عموم المواطنين أنفسهم.
* كيف تفسّرون تعاقب العمليات الإرهابية في تونس خلال الأشهر الستّة الماضية رغم تشكيل حكومة أفرزها البرلمان التعدّدي المنتخب وصادق عليها أكثر من ثلثي أعضائه؟ هل يستهدف الإرهاب ومن يقف وراءه «النموذج التونسي» السلمي؟
- إنّ تشكيل حكومة بمشاركة أربعة أحزاب هامّة وكثير من الشخصيات الوطنية وتزكيتها من قبل أكثر من ثلثي البرلمان كانت رسالة قوية تكرّس السّير السليم للانتقال الديمقراطي وتجسّد التوجّه الوطني التوافقي وهو ما لا يتماشى مع النيات والمخطّطات التخريبية للإرهاب والإرهابيين.
وقد أرادوا بعملياتهم هذه استهداف العملية الديمقراطية التونسية التّي أثبتت اليوم أنّ العالم العربي قادر على تجاوز ما يروّجه البعض من أنّ العرب غير قادرين وغير مؤهّلين للانتقال الديمقراطي. كما أن التجربة التونسية تشكّل الدليل القاطع على بداية نجاح ما سمّي بالربيع العربي.
ويجب أن ننوّه بالنجاحات الأمنية التّي ما انفكّت تحقّقها وحدات الأمن والحرس والجيش الوطني التّي مكّنت من القضاء على الكثير من العناصر الإرهابية الخطيرة وتحقيق تقدّم ملموس في استتباب الأمن وبثّ الطمأنينة في نفوس المواطنين. ولكن الدرب ما زال طويلا في هذا الشأن.
* إلى جانب التنسيق الأمني هل هناك تنسيق دبلوماسي سياسي مع بريطانيا والدول التّي سقط بين مواطنيها ضحايا في سوسة وباردو؟
- التنسيق الدبلوماسي بخصوص ملفّ الإرهاب متواصل منذ مدّة مع أهمّ الدول الشقيقة والصديقة. وقد شهد هذا التنسيق دفعا هاما إثر عمليتي باردو وسوسة، حيث تمّ تكثيف الاتصالات والتنسيق مع حكومات الدول التّي كان لها ضحايا في هاتين العمليتين ومنها بريطانيا على سبيل الذكر لا الحصر. وقد كانت مسألة مقاومة الإرهاب من بين أهمّ محاور اللقاءات والاتصالات الكثيرة التّي أجراها السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس الحكومة وأنا شخصيا مع قادة ومسؤولي البلدان المعنية وغيرها من الدول ومن الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا.
وأذكّر في هذا السياق بالزيارة التّي قام بها السيد الحبيب الصّيد، رئيس الحكومة، والتّي رافقته فيها إلى بروكسل، حيث عقدنا لقاءات هامّة مع السيد جان كلود يونكر، رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، والسيدة فريديريكا موغيريني، الممثّلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ومع وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد، ركّزنا خلالها على حاجات تونس العاجلة على المستويين الاقتصادي والأمني.
وقد تحصّلنا على وعد صريح من الاتحاد الأوروبي بتعزيز دعمه للاقتصاد التونسي، خصوصا في القطاع السياحي، وبزيادة مساعدته في المجال الأمني وهو ما يعكس الرغبة الحقيقية في الوقوف إلى جانب تونس خلال هذه الفترة الحسّاسة وفي الإسهام في إنجاح التجربة الديمقراطية التونسية. كما أشير إلى الزيارة التّي أدّاها مؤخّرا السيد محمّد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب، إلى بريطانيا على رأس وفد هام في مسعى لتجاوز الآثار السلبية التّي خلّفها الهجوم الإرهابي بسوسة، وهي زيارة تؤكّد أنّ كلّ مؤسسات الدولة، سواء كانت حكومية أو برلمانية، قد تجندّت من أجل الحدّ من النتائج السلبية التّي ترتّبت عن هذا الهجوم الجبان وتجاوزها في أقرب وقت ممكن.
وقد عملت وزارة الشؤون الخارجية خلال الفترة الأخيرة على تحسيس الدول الشقيقة والصديقة بضرورة دعم التعاون الأمني والاستخباراتي على الصعيدين الثنائي ومتعدّد الأطراف قصد القضاء على آفة الإرهاب التّي تمثّل تهديدا مباشرا وخطيرا ليس على منطقتنا فحسب وإنما كذلك على السلم والأمن الدوليين. إنّ الإرهاب لا موطن ولا دين له وقد أصبح ظاهرة عابرة للحدود تستهدف أمن واستقرار كلّ البلدان. ويخطئ من يعتقد أنّه في مأمن من هذه الآفة. ويمكن أن أؤكّد أنّنا لمسنا من خلال اتصالاتنا تعاطفا وتضامنا قويا مع تونس في هذا الظرف الصعب والتزاما صريحا من شركائنا بمساندة بلادنا اقتصاديا وأمنيا حتّى تتمكّن من استكمال كامل مراحل مسارها الديمقراطي.
* هل تتوقعون انتصار تونس في معركتها ضدّ الإرهاب قبل تحقيق تهدئة في ليبيا؟
- لا شكّ أنّ الوضع الأمني في تونس يبقى شديد الارتباط بالوضع الأمني في الشقيقة ليبيا. وفي اعتقادنا أنّ الوضع لن يهدأ ويستقرّ في كافة دول الجوار إلاّ إذا استعادت ليبيا هدوءها واستقرارها. ولن يتمّ ذلك إلاّ من خلال تشكيل حكومة توافق وطني لديها القدرة على فرض الأمن والنظام والسيطرة على كامل التراب اللّيبي وتكون مؤهّلة كجهة رسمية للتعاون والتنسيق مع الجانب التونسي في كل المسائل الأمنية وأوّلها مراقبة الحدود المشتركة بين البلدين ومكافحة الإرهاب. وفي كلّ الحالات فإنّ تونس كثّفت مجهوداتها لمقاومة ظاهرة الإرهاب معتمدة في ذلك على إمكانياتها الذاتية وكذلك على الدعم الذّي هي بصدد الحصول عليه في إطار التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة. وأنا على يقين بأنّنا سنوفّق في القضاء على هذه الآفة التّي تبقى دخيلة على المجتمع التونسي الذّي يعرف بتفتّحه وتسامحه ولن يقبل بالسلوكيات الهجينة التّي تسعى التنظيمات الإرهابية إلى فرضها.
* ما هي آفاق العلاقات التونسية - الليبية بعد غلق القنصلية والسفارة وتأكد وجود علاقة بين الإرهابيين التونسيين وتنظيمات مسلّحة ليبية؟
- علاقاتنا مع الشقيقة ليبيا تاريخية وعريقة. وهي تستند إلى مرتكزات تاريخية وجغرافية واجتماعية عميقة. ولقد برهنت هذه العلاقات في أوقات المحن والأزمات على صلابتها وصمودها. ونحن نأمل بعد أن رحبنا بتوقيع غالبية الأطراف الليبية على الاتفاق السياسي بالصخيرات في أن تتجاوز ليبيا أزمتها الراهنة في أقرب وقت للتفرغ إلى بناء أسس الدولة والتنمية والازدهار. وهو ما يعود بالنفع بطبيعة الحال على المنطقة ككلّ وعلى العلاقات التونسية الليبية بصفة خاصة.
* ما حقيقة العلاقة بين تونس والجزائر بعد ما تردّد في بعض وسائل الإعلام الجزائرية والتونسية من حصول توتّر وسوء تفاهم؟ وما آفاق الشراكة الاقتصادية بين البلدين؟
- العلاقة بين تونس والجزائر مُتجذّرة واستراتيجية، وهي تقُوم على التنسيق والتواصل المستمر بين قيادتي البلدين. واسمح لي بأن أذكّر أنّ الجزائر الشقيقة قيادة وشعبا، قد باركت جميع مراحل الانتقال الديمقراطي التونسي وآزرت بلادنا في المحن والظروف الصعبة التي مرّت بها مثلما آزرت تونس الشعب الجزائري الشقيق زمن الكفاح من أجل التحرّر الوطني وفي جميع المحن التي عرفها. فعلاقاتنا مع الجزائر متميزّة ولا وجود لأي سوء تفاهم كما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام. وكما تعلمون، توجد رغبة صادقة من البلدين لمزيد دعم التنسيق والتشاور الثنائي على جميع المستويات، خصوصا في الفترة الرّاهنة، لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي تستهدف المنطقة برمّتها، ولبحث سبل وآفاق استتباب الأمن والاستقرار في الشقيقة ليبيا في إطار تسوية سياسية شاملة بمشاركة كل الأطراف دون استثناء.
وعلى المستوى الاقتصادي، ما فتئ البلدان يبذلان الجهود الضرورية للرفع في حجم التعاون ولتحقيق نسب أعلى في التبادل التجاري ولتنويع قاعدته، ولا سيما من خلال الاستفادة من الاتفاق التجاري التفاضلي الثنائي والعمل على تطويره. كما يتواصل العمل لتفعيل القرارات التّي تمّ اتخاذها بخصوص تنمية المناطق الحدودية وتأهيل المنافذ الجمركية لتحسين أدائها وخدماتها، علما بأن تونس تمثل وجهة سياحية تقليدية للأشقاء الجزائريين الذين ناهز عددهم المليون ومائتين وثمانين ألف سائح سنة 2014.
* هل تتوقعون أن تتطوّر علاقات تونس بالدول الخليجية اقتصاديا وماليا في ظلّ امتناع الدول الغربية عن تقديم مساعدات مالية حقيقية لتونس؟
- في البداية لا بد من رفع الالتباس حول العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية، إذ خلافا لما هو رائج في بعض الأوساط السياسية والإعلامية فإنّ التعاون الاقتصادي والمالي قائم ويتدعّم بشكل مطّرد مع كل الشركاء الغربيين سواء الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. أمّا بالنسبة للتعاون الاقتصادي والمالي مع الدول الخليجية الشقيقة، فمن الضروري التأكيد على متانة الروابط التاريخية والأخوية التي تجمع تونس بهذه الدول وعلى أهمية العلاقات الاقتصادية القائمة معها سواء كان ذلك في شكل استثمارات في القطاع المصرفي التونسي أو في القطاع العقاري أو في شكل تمويل لمشاريع تنموية كالطرق والجسور وتهيئة المناطق السقوية وبناء المنشآت العمومية كالمستشفيات. ويبقى هذا التعاون مرشّحا لمزيد التدعيم خاصة في أفق إصدار مجلة الاستثمارات الجديدة واعتبارًا لما يربط تونس من علاقات ثقة واحترام متبادل مع كل الدول الخليجية.

* خطة شراكة مع أفريقيا والدول العربية
* ما آفاق تطوير العلاقات بين تونس ومحيطها العربي وعمقها الأفريقي؟
- يظل اتحاد المغرب العربي فضاء انتمائنا الطبيعي. وسنواصل العمل مع أشقائنا قادة دول الاتحاد لتجاوز حالة الجمود التّي يشهدها، غايتنا في ذلك التسريع في استكمال بناء مؤسساته لتحقيق التكامل والاندماج الاقتصادي المنشود. ولئن بقي الاندماج المغاربي معطّلا منذ سنوات، فإنّ تونس ما فتئت تعمل من أجل دعم تعاونها الثنائي مع مختلف أعضاء الاتحاد ساعية في نفس الوقت إلى تحريك الاتحاد المغاربي من جموده الذّي يتسبّب سنويا في فقدان ما يقارب النقطتين من نسبة النموّ بالنسبة لكلّ دولة مغاربية. ومن جهة أخرى، نسعى لتطوير علاقاتنا مع البلدان العربية الشقيقة في كل المجالات بما يخدم مصالحنا المشتركة وتطلعات شعوبنا في الرقي والرفاه. ونحن واثقون أنّ تونس ستستعيد مكانتها ودورها في دفع العمل العربي المشترك وفي تنقية الأجواء بين الأشقاء العرب وذلك بالحثّ على تغليب لغة الحوار والوفاق إزاء مختلف الأزمات التي تشهدها المنطقة. كما وضعنا ضمن أولوياتنا خطّة عمل لتكثيف التعاون مع بلدان القارة الأفريقية باعتبارها تمثّل عمقا استراتيجيا لتونس. وتعمل الدبلوماسية التونسية على استكشاف فرص الشراكة التجارية والاقتصادية والفنية مع هذه الدول التّي ما فتئت اقتصاداتها تحقّق نسب نموّ هامّة وبصفة متواترة، حيث توفّر فرصا واعدة وحقيقية في مجالات الاستثمار والمبادلات التجارية، بالإضافة إلى استعدادها للاستفادة من الخبرات التونسية في كثير من المجالات ولا سيما التعليم والصحة والتكوين المهني والبنية الأساسية.
* هل تجاوزت حكومة تونس ووزارة الخارجية تحديدا سوء التفاهم الذّي وقع سابقا مع تركيا؟
- في البداية أودّ التأكيد على أنّ العلاقات التونسية - التركية عريقة متينة وقوامها المشاورات الدورية بخصوص كلّ المسائل ذات الاهتمام المشترك. ونحن حريصون على مزيد من دعم هذه العلاقات حتّى ترقى إلى أعلى المستويات المرجوة من الطرفين. ولم يحدث سوء تفاهم كما ذهب إليه البعض بل كلّ ما في الأمر أنّه تمّ تأويل بعض ما صرّحت به بخصوص شبكات تسفير الجهاديين التونسيين إلى سوريا. وقد وضّحنا هذه المسألة وقتها إلى أصدقائنا الأتراك وتمّ تجاوزها نهائيا من خلال اللقاءات التّي جمعتني بكثير من المسؤولين من هذا البلد الشقيق. وقد اتّفقنا على تكثيف التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة وعلى دعم التعاون الأمني والاستخباراتي قصد المساهمة سويا في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
* بعد قمّة الدول الصناعية السبع الكبرى في ألمانيا بمشاركة الرئيس الباجي قايد السبسي هل تتوقعون مساعدات اقتصادية ملموسة لتونس؟
- أودّ أن أذكّر أنّ دعوة السيد رئيس الجمهورية لحضور هذا الاجتماع هي في حدّ ذاتها اعتراف بالنجاح الذي حقّقته تونس في مجال الانتقال الديمقراطي على الرغم من الوضع الإقليمي والدولي الصعب. وقد مكّنت هذه المشاركة من إطلاع قادة الدول السبع الكبار على الخطوط العريضة لبرنامج الإصلاحات العميقة التّي ستقدم عليها تونس وما سيرافقها من تحدّيات تنموية واقتصادية واجتماعية وأمنية.
وقد تمّ الاتفاق على مواصلة التشاور مع حكومات هذه الدول قصد تحديد أولوياتنا واحتياجاتنا على الصعيدين الاقتصادي والأمني والتّي ستتمّ دراستها بصفة معمّقة خلال الفترة المقبلة، حيث أكد الطرف التونسي على ضرورة أن يكون حجم الدعم المرتقب في مستوى التحدّيات الرّاهنة. ولقد تلقينا تطمينات من هذه الدول بتوفير الدعم الكافي.
وفي كلّ الحالات ومهما كان حجم الدعم الدولي لبلادنا، فإنّ نجاح التجربة الديمقراطية التونسية لن يتحقّق من دون انصراف التونسيين للعمل والتعويل على طاقاتهم الإنتاجية وقدراتهم الذاتية وثروتهم البشرية للنهوض باقتصادنا الوطني وتحقيق التنمية الشاملة لتونس.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.