أزمة مياه حادة في العراق بسبب سد «إليسو» التركي

وزير الموارد المائية لـ {الشرق الأوسط} الوضع صعب لكنه تحت السيطرة

امرأة تجمع الملح قرب موقع بابل الأثري جنوب غربي بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
امرأة تجمع الملح قرب موقع بابل الأثري جنوب غربي بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

أزمة مياه حادة في العراق بسبب سد «إليسو» التركي

امرأة تجمع الملح قرب موقع بابل الأثري جنوب غربي بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)
امرأة تجمع الملح قرب موقع بابل الأثري جنوب غربي بغداد أول من أمس (أ.ف.ب)

أقر وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي، بخطورة أزمة المياه التي تعانيها بلاده بسبب بدء تركيا تشغيل سد «إليسو» على نهر دجلة داخل الأراضي التركية. وبينما لم تظهر بعد الآثار الحقيقية لتشغيل السد فقد تحول نهر دجلة الذي يشطر العاصمة بغداد إلى جانبين، كرخ ورصافة، إلى شبه ساقية يمكن عبوره من كلا جانبيه بينما كان منسوب مياهه حتى قبل أيام قلائل مرتفعا وتمر به السفن والقوارب.
وفيما دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور سليم الجبوري، إلى عقد جلسة استثنائية، اليوم (الأحد)، بحضور وزراء الموارد المائية حسن الجنابي، والخارجية إبراهيم الجعفري، والزراعة فلاح الزيدان، أكد الجنابي لـ«الشرق الأوسط» أن «شحة المياه التي نعانيها اليوم في العراق إنما هي عابرة للحدود الوطنية وهي بالنسبة إلينا لا تشكل مفاجأة، حيث سبق أن أعلنّا عنها منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وشكلت الحكومة لجنة عليا تضم عدة وزارات لمواجهة التداعيات المحتملة لهذه الأزمة، حيث وضعنا لمعالجتها 24 إجراءً توزعت على الوزارات المعنية». وأضاف الجنابي أن «الإجراءات الخاصة بمواجهة الأزمة تحت التنفيذ من قبل كل الوزارات، ولكن الشحة قوية ولا يمكن أن يستهان بها لكنها بشكل عام تحت السيطرة»، موضحاً أنه «تم تأمين مياه الشرب ونحو 50% من الحصة الزراعية المقررة ومليون دونم لزراعة البساتين». وأضاف أن «الوضع الحالي لا يمكننا التقليل من خطورته لكن أيضاً لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه غير قابل للحل، فقد حصلت في التسعينات من القرن الماضي شحة مشابهة إن لم تكن أقسى وتم إلغاء الزراعة الصيفية في ذلك الموسم».
وتابع الجنابي قائلاً إن «تأثيرات سد إليسو لم تبدأ بعد مع أنه دخل حيز التشغيل، لكنني سوف أقوم بزيارة قريبة لكل من تركيا وإيران لمناقشة الأمر مع المسؤولين في كلتا الدولتين». وبشأن سد الموصل وما إذا كان ممكناً أن يسد النقص الحاد في المياه، قال الجنابي إن «خزين سد الموصل أقل مما توقعناه، حيث لا يزال فيه نقص نحو 3 مليارات متر مكعب، لكن لدينا خزين معقول يجعلنا نجتاز هذا الصيف بأقل الخسائر الممكنة».
وينبع نهر دجلة من جبال طوروس، جنوب شرقي الأناضول في تركيا ويمر في سوريا 50 كيلومتراً في ضواحي مدينة القامشلي ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند بلدة فيشخابور. وللنهر روافد تنبع من أراضي تركيا وإيران وكذلك في العراق وأهمها الخابور، والزاب الكبير، والزاب الصغير، والعظيم، ونهر ديالى.
من جهته، يقول عضو العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي أحمد الجبوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «أخطر مشكلة تاريخية يواجهها العراق هي شحة المياه في نهري دجلة والفرات بسبب إقامة السدود في تركيا». ويضيف الجبوري أن «هذا الأمر يعد مؤشراً خطيراً على حرب مياه مقبلة، الأمر الذي يتطلب من الحكومة العراقية التحرك إقليمياً ودولياً والدخول في مفاوضات جادة مع الأتراك حول ذلك»، مبيناً أن «الأمر يتطلب أيضاً اتخاذ تدبير إضافية بديلة للري والتركيز على ترشيد الاستهلاك».
بدوره، يقول خبير السدود والموارد المائية، عون ذياب، إن «العراق سيواجه صيفاً جافاً وعدم القدرة على تأمين مياه الري لزراعة الحبوب والمحاصيل»، مبيناً أن «المحافظات الجنوبية ستتأثر بشدة من الجفاف هذا العام». وأكد أن «تحويل المياه إلى سد إليسو سيؤثر بشكل كبير على إطلاقات نهر دجلة وما سيصل للنهر هو 90 متراً مكعباً في الثانية فقط». ولفت إلى إنه «في الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) هنالك واردات دخلت إلى سد الموصل إلا أنها لم تكن بالمستوى الذي نطمح إليه، فقد كنا نطمح إلى ارتفاع منسوب مياه السد إلى 319 متراً لكن ما لدينا الآن هو 310 أمتار».
من جانبها، أكدت السلطات التركية، أمس، انتهاء المرحلة الأخيرة من سد «إليسو» وامتلاء خزانه تماماً بالمياه من نهر دجلة. وذكرت المديرية العامة للأعمال الهيدروليكية (هيئة حكومية) أنه تم إغلاق آخر بوابات التخزين ونفق الاشتقاق وامتلاء السد بالكامل ليتم بعدها إغلاق بوابات خروج المياه، مشيرة إلى أنه تم ضخ 40 ألف متر مكعب من الخرسانة على مدار 3 أشهر من العمل في جسم السد الذي يمتلك أكبر خزانات المياه في العالم والذي تم البدء في إنشائه عام 2006 كجزء من مشروع تنمية جنوب شرقي الأناضول وسيولّد 4.12 مليار كيلوواط- ساعة من الكهرباء سنوياً. كان السفير التركي لدى العراق فاتح يلدز، قد أعلن في يناير (كانون الثاني) الماضي موافقة حكومة بلاده على تأجيل ملء خزان سد «إليسو»، لضمان استمرار تدفق المياه إلى الأراضي العراقية.
إلى ذلك، ذكرت تقارير إعلامية، أمس، أن مجموعة من الإيرانيين بعثوا برسالة إلى الأمم المتحدة أكدوا فيها أن سد إليسو يهدد بتجفيف بحيرة الحور العظيم في إيران، فضلاً عن مجرى نهر دجلة في العراق، وما يتبعه من أزمة وكارثة بيئية في المنطقة المحيطة. وأشارت الرسالة إلى أن مشروع السد يؤثر بشكلٍ كبير على النظام في نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى الإضرار بملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية في سوريا والعراق، ويتسبب في أزمة بيئية حقيقية على ضفاف بحيرة الحور العظيم في إيران.
وتقول الحكومة التركية إن الهدف من بناء السد لا يقتصر على توليد الطاقة، إذ تسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية في المناطق الواقعة جنوب شرقي الأناضول التي تتسم بارتفاع كبير في معدلات البطالة والفقر بين سكانها. وتؤكد أن من شأن هذا المشروع المساعدة في إيجاد فرص عمل لسكان هذه المنطقة والمساهمة أيضاً في تحسين نوعية الحياة ومستوى التعليم.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.