تل أبيب تعود لسياسة «دع السوريين يستوعبوا الضربة ولا يردوا»

الجنرالات المتقاعدون يؤكدون «حرفية» القصف الجديد

نيران وانفجارات ناتجة عن قصف اللواء 47 جنوب حماة في سوريا ليلة الأحد (رويترز)
نيران وانفجارات ناتجة عن قصف اللواء 47 جنوب حماة في سوريا ليلة الأحد (رويترز)
TT

تل أبيب تعود لسياسة «دع السوريين يستوعبوا الضربة ولا يردوا»

نيران وانفجارات ناتجة عن قصف اللواء 47 جنوب حماة في سوريا ليلة الأحد (رويترز)
نيران وانفجارات ناتجة عن قصف اللواء 47 جنوب حماة في سوريا ليلة الأحد (رويترز)

بعد فترة قصيرة من التباهي الرسمي في إسرائيل بمسؤوليتهم عن تنفيذ عمليات قصف وتفجير في العمق السوري، عادت المؤسسة الرسمية إلى سياسة «الصمت»، فلا تؤكد ولا تنفي. ومع ذلك فقد لمح كثير من الخبراء العسكريين والجنرالات السابقين، إلى أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم الصاروخي الكبير والمكثف في سوريا، عند منتصف الليلة الماضية (الأحد - الاثنين). وفي ضوء هذا النشر، سارع المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي (الكابنيت) إلى عقد جلسة استثنائية لبحث الموقف؛ لكنه لم يصدر أي بيان.
وكانت إسرائيل قد غيرت سياستها قبل أسبوعين، إذ صرح مسؤول أمني باسمها للصحافي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» بأن جيشه يقف وراء قصف قاعدة «تي 4» في سوريا. لكن هذا النشر قوبل بمعارضة واسعة لدى الخبراء، فنصحوا بالعودة إلى السياسة القديمة، التي لا تؤكد إسرائيل ولا تنفي فيها، أنها هي التي قصفت. ورأوا أن هذه السياسة مجدية جدا، إذ إنها تتيح لسوريا وحلفائها أن يستوعبوا الضربات الإسرائيلية وألا يضطروا إلى الرد عليها. ومع ذلك فإن اتجاه النشر في إسرائيل كان واضحا بالإشارة إلى أنه قصف إسرائيلي.

وقد صرح الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلية «أمان»، اللواء المتقاعد عاموس يدلين، بأن قصف القواعد العسكرية في سوريا تم على يد جيش منظم، وهناك احتمالان فقط، إما أميركا وإما إسرائيل، إذ لا تستطيع فصائل المعارضة القيام بذلك. وأضاف يدلين في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي أن «حجم التفجير وقوته لا يمكن أن يتسبب فيهما مقاتلو المعارضة الواقعون تحت هجمات النظام السوري، الذين ينسحبون من مناطق الهجوم حالياً، ولا بد من أن يكون القصف قد جاء من طرف جيش منظم. فإما أن تكون الولايات المتحدة قد نفذته، مكملة القصف الذي بدأته قبل أسبوعين (الضربة الثلاثية مع فرنسا وبريطانيا)، وإما أن يكون احتمال آخر وحيد، لا أستطيع تأكيده، وهو أن إسرائيل هي التي نفذته». والمعروف أن التحالف الدولي بقيادة أميركا نفى أن يكون قد قصف أي مواقع عسكرية أو مواقع لتخزين الأسلحة في حلب أو حماة، قائلا إنه لم يشن أي غارات في الزمان والمكان اللذين أشار إليهما جيش النظام.
وعندما سئل عن المنطق وراء تنفيذ مثل هذا الهجوم، أجاب: «قد يكون القصف بمثابة ضربة لقافلة تنقل السلاح لـ(حزب الله) أو للبنية التحتية الإيرانية في سوريا، بهدف توجيه ضربة استباقية. فليس سراً أن إيران تريد الانتقام من إسرائيل لأنهم يرون أننا مسؤولون عن القصف في قاعدة (تي – 4)، وقبل أن يردوا على ذلك القصف، جاء قصف آخر».
وقال الناطق الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي، رون بن يشاي، إن ضخامة الانفجار تشير إلى أن الضربة وجهت إلى كميات ضخمة من الأسلحة التي تم خزنها في المكان، بينها صواريخ باليستية ثقيلة وصواريخ بحرية ومرافق تستخدم لصنع الأسلحة. وهذه تعتبر في المخابرات الإسرائيلية والأميركية أسلحة استراتيجية غرضها تثبيت الوجود الإيراني في سوريا، والتحضير لمواجهة حربية كبيرة بين إيران وإسرائيل.
وكتب محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن الهجوم الصاروخي استهدف «وفقا لتقديرات» مخازن أسلحة كبيرة «وبضمنها، على ما يبدو، صواريخ أرض – أرض، سعت إيران إلى نشرها في سوريا». وأشار هرئيل إلى التقارير التي نُشرت في الأسبوع الماضي، وقالت إن إسرائيل والولايات المتحدة تتعقبان شحنات إيرانية إلى سوريا، وإلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن إسرائيل ستدمر الصواريخ السورية. ورجح هرئيل أيضا فكرة الضربة الاستباقية، إذ قال: «ربما كانت هذه محاولة لتشويش رد فعل إيراني محتمل على الهجوم المنسوب لإسرائيل على قاعدة (T4) قبل أسبوعين ونصف أسبوع».
وقال المحلل العسكري في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، روني دانييل، إنه «على ضوء الصمت الإسرائيلي، فإنه ينبغي النظر إلى الصورة الواسعة. لقد أعلن رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو)، ووزير الأمن (ليبرمان) وآخرون أن إسرائيل لن تسمح بتمركز إيراني في الأراضي السورية، وهذا تمركز يهدد إسرائيل. ومؤخرا، نشرت تقارير ادعت قيام طائرات كبيرة بنقل أسلحة من طهران إلى سوريا. المنطق يقول إن سلاح الجو الإسرائيلي شن هجوما واسعا، حتى لو لم يتبنّ أحد المسؤولية عن هذا الأمر». ولم يستبعد دانييل أن «نشهد ليالي أخرى كهذه ستجري فيها الأحداث، ولا يتحمل أحد المسؤولية». إنما استبعد أن ترد إيران على الضربة، قائلا: «هناك احتمال بالطبع أن يرد الإيرانيون؛ لكن يبدو لي أنه احتمال ضعيف. فالإيرانيون أيضا، مثل السوريين، يدركون ضعفهم النسبي مقابل إسرائيل في المنطقة. ودفع إسرائيل لشن هجوم واسع ضد منشآتها في سوريا ليس مصلحتهم الحالية بالتأكيد».
وأما المراسل العسكري في صحيفة «معريب»، طال ليف رام، فكتب أنه «على الرغم من الصمت الإيراني الحالي، فإن النشر حول هذه الغارات في منطقتي حماة وحلب في وسائل إعلام تابعة للنظام السوري و(حزب الله)، وقولها إن المواقع المستهدفة مرتبطة بحرس الثورة الإيرانية، يقلص حيز المناورة الإيرانية». وأضاف ليف رام أنه حتى بغياب اعتراف إسرائيلي بالهجوم الصاروخي، فإنه «بالإمكان تقدير أن القرار اتخذ، وأن إسرائيل ستواصل مهاجمة أهداف إيرانية في سوريا، حتى لو كلف ذلك الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ضد إيران».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.