توقيف فنان لبناني مشهور بتهمة «التعامل مع إسرائيل»

توقيف فنان لبناني مشهور بتهمة «التعامل مع إسرائيل»
TT

توقيف فنان لبناني مشهور بتهمة «التعامل مع إسرائيل»

توقيف فنان لبناني مشهور بتهمة «التعامل مع إسرائيل»

خيمت صدمة، يوم أمس، على الأوساط الثقافية والفنية في لبنان، بعد شيوع خبر توقيف الفنان زياد عيتاني أحد أشهر الممثلين المسرحيين، وأكثرهم جماهيرية، بتهمة التعامل مع إسرائيل.
وقال مصدر أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن عيتاني قدم اعترافات كاملة لدى جهاز أمن الدولي، أفاد بها عن تجنيده من قبل الاستخبارات الإسرائيلية، وكشف عن لقائه في تركيا بضابطة استخبارات إسرائيلية. وأشارت التحقيقات إلى أن عيتاني حجز غرفةً في فندق البستان للضابطة التي كان من المفتَرَض أن تصل إلى بيروت بجواز سفر أجنبي.
وقالت المصادر أيضاً إن المشتبه به تلقى تعليمات برصد شخصيات لبنانية، بينها وزير الداخلية نهاد المشنوق، والنائب السابق عبد الرحيم مراد.
وأفادت المعلومات بأنه بنى لهذه الغاية علاقة وثيقة مع أحد مستشاري المشنوق، لكن هذه العلاقة لم تصل إلى مرحلة متقدمة، كما بنى علاقة مماثلة مع نجل مراد، كما أن عيتاني اعترف بوجود تحويلات مالية من الضابطة الإسرائيلية.
وعن دقة ما يُشاع من أن الهدف هو التحضير لاغتيالات، قال المصدر الأمني إن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتصل هاتفياً بالوزير المشنوق و«هنأه على السلامة»، ما يُعد مؤشراً قوياً في هذا الإطار.
وفي اتصال لـ«الشرق الأوسط» مع كاتب مسرحيات عيتاني ومخرجها منذ أربع سنوات يحيى جابر، وهو الشخص الذي لازمه طوال هذه الفترة، قال: «أنا تحت وقع الصدمة كما كل اللبنانيين، أتابع الأخبار كما الآخرين وأقرأ ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وليس عندي حتى القدرة على الكلام أو التعليق. أنا في حالة ذهول، لا أعرف كيف أصفها، وأجدني أقل من أي مواطن عادي أمام هكذا مفاجأة». وتم توقيف عيتاني بينما كان يتدرب على أحد الأعمال، أول من أمس (الخميس)، في «تياترو فردان».
وزياد عيتاني من عائلة بيروتية معروفة، ومن وسط فني مرموق، إذ إن جده هو الفنان الكبير الراحل محمد شامل، والفنان المسرحي حسن علاء الدين (شوشو) هو نسيب العائلة، الذي أثّر حتماً في المسار الفني لزياد.
وعيتاني هو ابن منطقة «طريق الجديدة»، بدأ عمله في الأصل صحافياً، حيث كتب في صحف ومواقع إلكترونية عدة، كما شارك في أعمال تلفزيونية. انتقل إلى التمثيل المسرحي عام 2013 ليسجل انطلاقة استثنائية. العمل الأول «بيروت طريق الجديدة» جمعه بالشاعر المعروف والكاتب والمخرج يحيى جابر ولقي نجاحاً باهراً لم تحصده مسرحية مثلها، واستمر عرضها زمناً قياسياً، ما يقارب السنوات الثلاث، حضرها نحو 35 ألف متفرج، وهذا رقم لا يحلم به مسرحي في لبنان. هذه المسرحية قدم من خلال تمثيلها الكثير من عادات وتقاليد منطقته البيروتية الأثيرة على قلبه ومسقط رأسه الذي لا يزال أهله يعيشون فيها، بعدها قدم مع جابر مسرحية «بيروت فوق الشجرة»، التي تتحدث عن خياط بيروتي، ومن خلاله نتعرف على التحولات اللبنانية السياسية والعلاقات بالدول العربية.
وجاءت بعد ذلك مسرحية «بيروت بيت بيوت» عن مدينته والموضوع الأغلى بالنسبة له، حيث كان العرض الأخير في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وكان ثمة عرض استثنائي لـ«بيروت فوق الشجرة» في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وكانت لعيتاني مشاركة في «مهرجانات بيت الدين» في عرض «بار فاروق» عام 2015، كما أنه شارك أخيراً ولفترة في برنامج «بي بي شي» على قناة «بي بي سي».
ويأتي توقيف زياد عيتاني مع فداحة التهم الموجهة له صادمة لكثيرين. فقد شكّل ظاهرة مسرحية لا يمكن نكرانها فهو موهوب ومحبوب، يقف منذ 4 سنوات على المسرح وحيداً أكثر من ساعة ونصف كل ليلة، ليقدم أعمالاً شبه مونودرامية، ويبقى قادراً على جذب الناس، على مختلف انتماءاتهم وشرائحهم الاجتماعية من خلال أسلوبه الحكواتي بكثير من الطرافة، والقدرة على تقمص الشخصيات، والانتقال السريع في الأدوار وتلوين الصوت والأداء والمهارة.
وهو الوحيد من بين المسرحيين اللبنانيين الحاليين الذي بقي يقدم، ولأشهر عدةٍ، مسرحيتين في وقت واحد، نظراً للإقبال الذي حظي به. وإذ عُرِف بوفائه لبيروت، وللناس العاديين، وبارتباطه بالشارع فقد سخر من خلال أعماله المسرحية وبأسلوب كوميدي بسيط من الطائفية والانقسامات المذهبية، وضيق الأفق والفتن التي لا طائل تحتها. وقد نشر على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام، محتفلاً بعيد الاستقلال، ومذكراً بدور آل العيتاني، صورة لقريب له يدعى إبراهيم بن مصباح العيتاني، كان قد استُشهِد أثناء نضاله ضد الفرنسيين عام 1947 حيث قاد حملة اقتحام مبنى مجلس النواب لتعليق الراية.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.