رسم عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، صورة للأوضاع الداخلية في بلاده، بالتأكيد على أن «الجهات الدولية والإقليمية أصبحت على يقين بأنه لا يمكن لأي طرف في الصراع الدائر في ليبيا أن ينتصر على الآخر أو يلغيه».
ودافع السويحلي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن «الخريطة الأممية» لتعديل «اتفاق الصخيرات»، وتبنيها «دمج المسلحين والتنظيمات الإسلامية في الحياة السياسية»، ورأى فيها «خطة منطقية وعملية تحظى بتوافق كبير بين الأطراف السياسية الليبية»، لكنه شدد على ضرورة «التخفيف من الآثار السلبية لما سماهم (المعرقلين)»، وقال إن «طرفا في السلطة الحالية يسعى لإفشال العملية السياسية. لكن المزاج الشعبي والإقليمي والدولي لم يعد يتقبل الاستمرار في التعنت من هذا أو ذاك».
كما تحدث السويحلي عن اختزال أعضاء «المجلس الرئاسي»، وفقاً لـ«الخريطة الأممية» من تسعة أشخاص إلى ثلاثة، وقال إن «هذا ليس موضوع خلاف، ولن يكون، لأن المتطلبات العملية والشعبية تفرض ذلك».
وبخصوص إمكانية دمج شخصيات معروفة، مثل المفتي السابق الصادق الغرياني في الحياة السياسية، علّق السويحلي على ذلك بالقول إنه «ليس من المنطقي منع أي شخص أو مجموعة تريد الانخراط في العملية السياسية، لكن شريطة الالتزام بالقواعد الديمقراطية»، موضحا أن «كثيرين يعترضون على استخدام المناصب العسكرية والدينية لتمرير آراء سياسية، وأنا معهم».
وفيما يلي نص الحوار:
> كيف تقرأ «الخريطة الأممية» للحل في ليبيا مع انطلاق الجولة الثانية لتعديل «اتفاق الصخيرات» في تونس السبت المقبل؟
- «خريطة الطريق» التي أعلنها غسان سلامة ترتكز على ثلاثة عناصر مهمة، وتتميز بتسلسل واضح لتعديل الاتفاق السياسي، (وقُع في منتجع الصخيرات بالمغرب ديسمبر/ كانون الأول 2015) واستكمال الاستحقاق الدستوري، وإنهاء المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات طبقا للدستور الجديد. وحسب هذه الخريطة فسيتم التعامل مع تلك العناصر في إطار المادة «12» من الاتفاق، التي تنص على أن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب هما المؤسستان المنوط بهما تعديل اتفاق الصخيرات، وعلى هذا الأساس نراها خطة منطقية وعملية وتحظى بتوافق كبير بين الأطراف الليبية.
> لكن البعض يعترض على «المرحلة الثانية» من «الخريطة الأممية»، والمتمثلة في عقد مؤتمر وطني لدمج «المهمشين» في العملية السياسية، ويرى أنه سيفرز كيانات إضافية قد تزيد من خلط الأمور؟
- نحن في المجلس الأعلى للدولة نتفق مع سلامة حول أهمية النظر إلى «المؤتمر الوطني» كحدث سينتهي، وليس كجسم يؤسس لوضع جديد يتخوف منه البعض، ونرى أن حشد الدعم لأي اتفاق قبل المفاوضات وخلالها وبعد استكمالها ضروري، وهو أحد الدروس التي تعلمناها من تجربة اتفاق الصخيرات.
> كيف ترى الموافقة على دمج سيف الإسلام القذافي في العملية السياسية وهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية ومحاكم ليبية؟
- ما يطرحه المبعوث الأممي يعتمد على أن المشاركة السياسية متاحة للجميع، وليست حكرا على أحد دون سواه، وهو موقف مبدئي ليس محل جدل بين الأغلبية الساحقة من الليبيين.
> وماذا عن دمج المسلحين والتنظيمات الإسلامية؟
- الاتفاق السياسي المُوقع في الصخيرات ينص على أن دمج وإعادة تأهيل منتسبي التشكيلات المسلحة هو إحدى أولويات حكومة الوفاق الوطني، ولا أعتقد أن هناك خلافا حول ذلك، وما يتعلق بالتنظيمات الإسلامية أو أي تنظيمات أخرى تريد الانخراط في العملية السياسية وتلتزم بالقواعد الديمقراطية فإنه من حقها أن تشارك في بناء الوطن الذي يسع الجميع وبحاجة إليهم.
> المفتي السابق الصادق الغرياني على «قائمة الإرهاب» ودائما ما يحرض على الاقتتال، عبر فضائية «التناصح»، ويرى أن كل من يقاتل مع قائد الجيش الليبي خارج عن ولي الأمر ويحشر في النار؟... هل مثل هذه الشخصيات ستمثل في العملية السياسية مستقبلاً؟
- سبق وقلت إنه ليس من المنطقي منع أي شخص أو مجموعة تريد الانخراط في العملية السياسية، ما دامت أنها مستعدة للالتزام بالقواعد الديمقراطية، ولا أحد يستطيع منعها، إضافة إلى ذلك يجب عدم تجاهل حقيقة أن الكثيرين يعترضون على استخدام المناصب العسكرية أو الدينية أو غيرها لتمرير أو فرض آراء سياسية، وأنا أشاطرهم ذلك.
> هل تتوقع تكرار المناكفات التي شهدتها البلاد أثناء مناقشة اتفاق الصخيرات مع تعديله في تونس؟
- أعتقد أن ديناميكية المشهد الليبي قد تغيرت كثيرا منذ اتفاق الصخيرات، وأصبحت الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية مهيأة أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى تسوية، ومع أنها قد لا تحظى بالرضا الكامل من كل الأطراف، لكنها تحقق مطلباً شعبياً لا يمكن تجاهله، وهذا ما بدأ ينعكس بالفعل على مجريات الأمور بين وفدي مجلسي الأعلى للدولة والنواب في لقاءاتهم بالعاصمة التونسية.
> وهل سيمرر مجلس النواب التعديل هذه المرة، أم أنه سيتعثر كما حدث مع اتفاق الصخيرات؟
- أعتقد أن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب والمبعوث الأممي على دراية تامة بالصعوبات التي واجهت عملية تنفيذ الاتفاق السياسي منذ عامين، والأهم أن ما لمسناه في الجولة الأولى من مفاوضات تعديل الاتفاق السياسي، التي جرت في تونس، هو أن هذه الأطراف ترى أن البلاد بحاجة إلى تفاهمات جديدة وعملية بآليات أكثر فاعلية وقابلة للتنفيذ.
> وماذا عن التدخلات الأجنبية والاستقواء بالخارج لحسابات شخصية، وانعكاسات ذلك على المناقشات الجارية؟
- ربما من حسن الحظ هذه المرة أن الأطراف الدولية والإقليمية أصبحت على يقين بأنه لا يمكن لأي طرف في الصراع الدائر في ليبيا أن ينتصر على الأطراف الأخرى أو يلغيها، وهو ما أثر إيجابيا على ديناميكية المشهد، وهذا لا يمنع رفض أحد الأطراف لأي تسوية، وربما الحصول على دعم لهذا الرفض، ولكن المزاج الشعبي والإقليمي والدولي عموما لم يعد يتقبل الاستمرار في التعنت من هذا أو ذاك.
> هل تتوقع توافقا على طرح فكرة «الرئيس والنائبين» وعدم التمسك بالتمثيل الجهوي والقبلي؟
- لا أعتقد أن تخفيض عدد المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة أعضاء سيكون موضوع خلاف، لأن ذلك التوجه تفرضه متطلبات عملية وشعبية.
> هناك أطراف ليبية سعت إلى عرقلة الاتفاق السياسي في السابق. فهل ترصد تكرار السيناريو نفسه الآن؟
- رغم أن الظروف أصبحت مواتية أكثر من أي وقت مضى للوصول إلى توافق حقيقي يمكن تنفيذه ويؤثر إيجابيا على المشهد الليبي، ويساهم في رفع المعاناة عن مواطنينا، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ضمان عدم ظهور معرقلين، وعليه يجب العمل من الآن على التخفيف من الآثار السلبية لتلك الفئة، وأفضل طريقة لذلك هو توسيع قاعدة المشاركة السياسية.
> من هم المعرقلون برأيك؟
- «الخريطة الأممية»، إذا صح التعبير، تهدف إلى مساعدة الليبيين على الوصول إلى تسوية عادلة، وأي تسوية، بحكم تعريفها، لن تُرضي كل الجهات، خصوصا الجهات المستفيدة من استمرار الصراع، وتتمنى بقاء الوضع على ما هو عليه، وهناك بعض الأطراف في السلطة الحالية تسعى لإفشال العملية السياسية، وكما ذكرت سابقاً، فأنا أعتقد أنه بالإمكان التخفيف من آثار ذلك عبر عملية سياسية متوازنة وبمشاركة أكبر.
> البعض يرى أن ليبيا أصبحت مسرحا للأزمات العربية والأجنبية وتصفية الحسابات، وليس العكس؟
- هذا ليس غريباً، فجميع الدول تبحث عن مصالحها في كل مكان، وقد يقودها ذلك إلى صراع مع خصومها أو منافسيها على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وللأسف الشديد فإن الصراع في ليبيا بين أبناء الوطن الواحد فتح الباب أمام جهات خارجية نقلت صراعاتها إلى ليبيا.
> من تكون هذه الأطراف؟
- الصراع بين الأطراف الليبية سمح لآخرين بالتدخل في الشأن الداخلي، وفتح الباب على مصراعيه لكيل الاتهامات وتوجيه اللوم إلى هذا الطرف أو ذاك، اعتمادا على أدلة، أو حتى من دونها، وأعتقد أن تقارير فريق الخبراء المعني بليبيا الموجهة إلى مجلس الأمن تشير بوضوح إلى هوية الجهات، التي تتدخل في ليبيا، والدعم الضخم الذي تقدمه إلى أحد أطراف الصراع.
> كيف تنظرون إلى دخول إيطاليا على خط الأزمة الليبية؟
- أعتقد أن إيطاليا تشاركنا الرأي بخصوص أهمية تضافر الجهود في هذه المرحلة الحرجة من أجل الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بليبيا، وخطة العمل التي طرحها المبعوث الأممي، ودعم جهوده في تيسير الوصول إلى تسوية بين الأطراف الليبية، ونتمنى أن تصب تلك الجهود في هذا الاتجاه.
> هل من سبيل لتوحيد الجيش الليبي؟
- بكل تأكيد، فقد كانت هناك بداية واعدة في سنة 2012 عندما اشترك عسكريون ليبيون وخبراء دوليون، تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في إعداد وثيقة أطلقت عليها آنذاك «نحو ورقة بيضاء للدفاع» قدمت في أبريل (نيسان) 2013 إلى وزير الدفاع آنذاك عبد الله الثني، لكن للأسف لم ير ذلك الجهد النور حتى الآن، ونحن نرى أن عملية تأسيس جيش في ليبيا يجب أن تبتعد عن الشخصنة، وأن تركز على المبادئ، مع ضرورة أن تكون بنية المؤسسات الدفاعية والتشريعات متسقة مع المعايير الديمقراطية الدولية، وضمان خضوع ذلك لرقابة مدنية ديمقراطية، وأن يكون البناء المؤسسي للقوات المسلحة هو المهنية والولاء للوطن، واحترام حقوق الإنسان والمحافظة على السلامة الإقليمية لليبيا.
> إلى متى ستظل ليبيا تحت سيطرة الميليشيات المسلحة وانتشار السلاح في أيدي الجميع؟
- ليس هناك خلاف حول حقيقة أنه لا يمكن بناء الدولة في غياب امتلاكها للقوة، ولكن التعامل مع ظاهرة انتشار السلاح والمجموعات المسلحة يتطلب أولا الاعتراف بأن هذه الظاهرة معقدة، يختلط فيها الجانب السياسي والعسكري والاقتصادي، وأنه لا يمكن التعامل معها بالتمني أو الإجراءات العشوائية، فتجارب المجتمعات الأخرى حول العالم أثبتت ضرورة وجود برنامج لجمع السلاح من أيدي المواطنين، وإعادة دمج تلك الفئات في المجتمع، في ظل عملية تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية يمكن أن تتيح لأعضاء تلك المجموعات المسلحة فرصة واقعية للاندماج، مع ملاحظة أن هذه الإجراءات لا يمكن تنفيذها في غياب الإرادة السياسية التي تعتبر أمرا حتميا، بالإضافة إلى أن الوفاق الوطني يعتبر نقطة البداية الأساسية لذلك، وبالتالي يعود الاستقرار إلى بلادنا.
> على ذكر التحولات الاجتماعية والاقتصادية هناك ليبيون كثيرون يطرحون السؤال التالي: أين تذهب أموال النفط؟
- يشكل النفط الخام 96 في المائة من إجمالي صادرات البلاد، ما يجعل الاقتصاد معرضا للصدمات في أسواق النفط الخام الدولية، وهذا ما حدث بالفعل بعد التراجع العالمي في أسعار النفط، هذا بالإضافة إلى انقطاع الإنتاج بسبب مشكلات أمنية، ما أثر بشكل كبير على اقتصادنا، إذ انخفضت عائدات النفط الخام في البلاد من 53.3 مليار دولار عام 2012 إلى 4.8 مليار دولار في عام 2016. وأرى أن الحل الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في الاستقرار السياسي والانضباط المالي، وتوحيد المؤسسات السيادية واستقرار الوضع الأمني.
> لكن هناك من يقول إن حكومة الوفاق فشلت في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وكان أداؤها متواضعا، مما كان يستلزم قيام مجلس الدولة بسحب الثقة منها؟
- نحن الآن في حوار مع مجلس النواب حول تعديل الاتفاق السياسي، ومن أهم البنود المطروحة إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، وهو أمر أشمل وأهم من مجرد سحب الثقة واستبدال حكومة بأخرى، وقد توصلت لجنتا المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب خلال الجولة الأولى التي احتضنتها تونس إلى تفاهمات مبدئية مهمة حول هذا الموضوع، وتهدف إلى معالجة جذرية لقضايا الأداء والكفاءة والفاعلية والمساءلة في السلطة التنفيذية.
> بعض الفرقاء يقولون إن المدة القانونية لاتفاق الصخيرات تنتهي منتصف ديسمبر المقبل بحسب نصوصه؟ ما صحة ذلك؟
- بعض الدوائر المحلية والإقليمية تصر خطأ على أن الاتفاق السياسي الليبي ينتهي في تلك المدة كما ذكرت، وبصرف النظر عن حقيقة أن هذا الموقف يعبر عن مصالح ذاتية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، فإن ذلك يفتقر بوضوح إلى الأسس الموضوعية، فالاتفاق السياسي يعتبر ساري المفعول طوال الفترة الانتقالية التي حددت في الاتفاق السياسي في المادة «1» تحت بند «أحكام إضافية»، بأنها «هي التالية لاعتماد الاتفاق، ولحين انعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية بموجب الدستور الليبي»، أما بالنسبة لمجلسي النواب والدولة فإنهما يستمران في العمل «لحين انعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية بموجب الدستور الليبي»، طبقا للمادتين «18» تحت بند «مجلس النواب»، والمادة «22» فقرة «2» تحت بند «المجلس الأعلى للدولة»، وبغض النظر عن هذا التشويش فإنه من المهم إنجاز خطة العمل التي اقترحها المبعوث الأممي، وأعتقد أنه إذا ما تحملنا مسؤولياتنا وتضافرت الجهود فإن الوضع في بلادنا سيشهد تحسناً ملحوظاً.