«آستانة ـ 6»: هدنة في إدلب برقابة ثلاثية... والمعارضة تعترض على مشاركة ايران

جانب من الجلسة الختامية لاجتماع آستانة امس (رويترز)
جانب من الجلسة الختامية لاجتماع آستانة امس (رويترز)
TT

«آستانة ـ 6»: هدنة في إدلب برقابة ثلاثية... والمعارضة تعترض على مشاركة ايران

جانب من الجلسة الختامية لاجتماع آستانة امس (رويترز)
جانب من الجلسة الختامية لاجتماع آستانة امس (رويترز)

اتفقت كل من روسيا وإيران وتركيا في ختام اجتماعات آستانة على إقامة منطقة خفض توتر في منطقة إدلب السورية في شمال غربي البلاد، على أن تنتشر قوة مراقبين من الدول الثلاث لضمان الأمن على حدود هذه المنطقة، ومنع الاشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة، وهو الأمر الذي رحّبت به الفصائل، معبرة في الوقت عينه عن اعتراضها لمشاركة إيران.
وأصدرت الدول الضامنة (روسيا وتركيا وإيران) بياناً ختامياً عقب الجولة السادسة من المفاوضات حول الأزمة السورية ضمن مسار «آستانة»، تلاه وزير الخارجية الكازخي خيرات عبد الرحمنوف. وقالت: «نعلن عن إقامة مناطق خفض التصعيد بموجب مذكرة 4 مايو (أيار) 2017»، وأعادت إلى الأذهان أن المناطق هي «الغوطة الشرقية، ومناطق محددة من شمال حمص، ومحافظة إدلب مع مناطق محددة من محافظات اللاذقية وحماة وحلب، وأخيراً مناطق محددة في جنوب سوريا». وأكد الضامنون، أن «مناطق خفض التصعيد وإقامة أحزمة أمنية في محيطها هي إجراءات مؤقتة، يتم العمل وفقها مبدئيا لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد التلقائي بموجب إجماع الضامنين»، وشددوا على أن إقامة هذه المناطق «لا يقوض بأي شكل من الأشكال سيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية».
وأكدوا، أنهم سيقومون معا بمهام المراقبة في مناطق خفض التصعيد؛ ولهذا الغرض «سيتم تشكيل مركز روسيي - تركي – إيراني لتنسيق مراقبة التهدئة في مناطق خفض التصعيد». ويشمل اتفاق «آستانة - 6» منطقة خفض التصعيد الأخيرة في محافظة إدلب وبعض مناطق محافظات اللاذقية وحماة وحلب، حيث ستقوم الدول الضامنة بنشر قوات مراقبة وفقا للحدود ضمن الخرائط المتفق عليها خلال اجتماع أنقرة في 8 سبتمبر (أيلول)، وبموجب شروط وضعتها لجنة العمل المشتركة (الثلاثية) حول طبيعة وآليات نشر القوات هناك لمنع أي اشتباكات بين الأطراف المتنازعة.
وفي الفقرات الأخرى من البيان الختام، دعت الدول الضامنة الأطراف السورية للاستفادة من الظروف الناشئة الملائمة للمضي في الحل السياسي. وأشارت بوضوح إلى المعارضة السورية دون أي إشارة للنظام، وتركت الباب مفتوحاً أمام مواصلة المفاوضات في جنيف وعلى مسارات أخرى، حين قالت: «ندعو الأطراف المتنازعة، وممثلي المعارضة السورية والمجتمع المدني لاستغلال الظروف الملائمة الناشئة لتفعيل الحوار بين السوريين والدفع إلى الأمام بالعملية السياسية تحت الرعاية الأممية في جنيف وغيرها من المبادرات». وحثت الدول المراقبة في عملية آستانة على دعم خفض التصعيد عبر إرسال مساعدات إنسانية والمساهمة في إعمار سوريا، وأكدت عزمها على مواصلة الحرب ضد الإرهاب داخل مناطق خفض التصعيد وخارجها. وتوقعت عقد جلسة جديدة من المفاوضات في آستانة نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وجاء هذا الاتفاق الذي يتضمن مشاركة إيران في عمليات مراقبة خفض التصعيد بما في ذلك في محافظة إدلب، على الرغم من رفض دولي ورفض وفد المعارضة السورية لأي دور إيراني في جهود التسوية السورية. وقال فاتح حسون، عضو وفد فصائل المعارضة السورية إلى مفاوضات آستانة، في تصريحات لوكالة «ريا نوفوستي»، إن المعارضة السورية ما زالت تقف ضد دور إيران طرفا ضامنا، وأكد أن «المعارضة منذ لقاء آستانة الأول تحفظت على مشاركة إيران كواحدة من الدول الضامنة. وما زال موقفنا على حاله. لن نوافق على الدور الإيراني، ونعمل في آستانة فقط عبر الضامن التركي». من جانبه، قال أيمن العاسمي، إن المعارضة تقيّم إيجابيا نتائج المفاوضات في آستانة، وأشار إلى أن اللقاء حقق الهدف الرئيس بإعلان إقامة منطقة خفض التصعيد في إدلب، وشدد على ضرورة بحث ملف المعتقلين، واتهم النظام السوري بأنه يعمل على تأجيل هذه المسألة، لافتاً إلى أن «الجانبين الروسي والكازاخي وعدونا بالمساعدة في هذا الموضوع».
من جانبه، قال ألكسندر لافرينتيف، رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات «آستانة - 6»، إن عدد المراقبين من روسيا وتركيا وإيران في منطقة خفض التصعيد بريف إدلب، قد يبلغ 1500 شخص، أي 500 مراقب من كل دولة، لافتاً إلى أن روسيا قد ترسل وحدات غير قتالية من الشرطة العسكرية. ونفى أي خلافات بين الدول الضامنة بشأن مشاركة قوات من روسيا وتركيا وإيران في المراقبة في إدلب، لكنه أشار إلى أن «الآلية بحد ذاتها، والمناطق المحددة (لانتشار القوات) سيتم تحديدها بالتوافق بين الدول الضامنة، في سياق تنفيذ الاتفاق». وقال: إن انتهاء العمل على مناطق خفض التصعيد يفتح الأبواب أمام وقف شامل لإطلاق النار وعودة الحياة السلمية إلى سوريا. وحث المعارضة السورية على الانضمام إلى العمليات ضد «داعش» و«جبهة النصرة»؛ الأمر الذي سيساهم في تغيرات إيجابية ميدانياً «كما وسيساهم في وضع أسس لتدابير تعزيز الثقة بين السوريين»، حسب قوله، لافتاً إلى أن المحادثات مع المعارضة والنظام أظهرت أن الدرب طويلة لتحقيق هذا الأمر.
كما دعا المعارضة السورية إلى إعادة النظر في تعاملها بشأن تغير نظام الحكم، وتبني موقفا أكثر موضوعية. وانتقد خطة تأسيس توحد الفصائل في جيش وطني، وقال: إنها خطوة لا تساعد على الحرب ضد المجموعات الإرهابية، كون هذا الجيش ما زال يضع «إسقاط سلطات دمشق الشرعية والمعترف بها دولياً هدفا له».
وأشار إلى أن وفد المعارضة طرح موضوع المعتقلين، وأكد في هذا السياق أن روسيا ستبذل المزيد من الجهد في هذا المجال. وأعلن لافرينتيف، أن جولة مفاوضات جديدة ستعقد في آستانة نهاية أكتوبر، وستقوم الدول الضامنة خلالها بتقييم عمل مناطق خفض التصعيد. أما بشار الجعفري، رئيس وفد النظام السوري إلى آستانة، فقد وصف الاتفاق على إدلب أهم ما تم التوصل إليه خلال لقاء «آستانة - 6»، وقال: إن مسار آستانة هو الوحيد المثمر بين مسارات التسوية السورية؛ ولهذا يحظى باهتمام واسع.
ورحب حسن جابري أنصاري، نائب وزير الخارجية الإيراني، ورئيس وفد بلاده إلى «آستانة - 6» بنتائج المفاوضات، وعبر عن أمله بأن تساهم النتائج التي تم تحقيقها في آستانة بتسريع المفاوضات بين الأطراف ونهاية النزاع في سوريا. وأكد أن «الدول الضامنة تمكنت من تحقيق تقدم بأننا قمنا بالفصل بين المجموعات الإرهابية وفصائل المعارضة»
وكان دي ميستورا نوّه بإصرار الدول الضامنة على تحقيق النتائج، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن اللقاء لم يتمكن من تحقيق تقدم في موضوع إطلاق سراح المعتقلين، وعبر عن أسفه بهذا الخصوص، وشدد «يجب علينا حل هذه المسألة في نهاية المطاف». وقال: إن موعد الجولة القادمة من المفاوضات في جنيف سيتم الإعلان عنها بعد مشاورات خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث التسوية السورية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي أمس، وقال الكرملين إن الرئيسين تبادلا وجهات النظر حول الوضع في سوريا، وعرض بوتين على ماكرون النجاح في عملية دير الزور، وأكدا على أهمية حشد الجهود الدولية في التصدي للإرهاب، كما تناولا بعض جوانب العمل الجاري في آستانة حول مناطق خفض التصعيد. كما بحث بوتين الوضع في سوريا أمس مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي واستمع إلى عرض من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حول محادثاته مع رأس النظام السوري في دمشق مؤخراً. وكانت جهود التسوية السورية موضوعاً رئيسيا كذلك خلال محادثات هاتفية بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي ريكس تيلرسون، وقالت الخارجية الروسية، إن الجانبين «بحثا آفاق التعاون في إنهاء النزاع السوري، مع تركيز على العمل المستقر لمانطق خفض التصعيد».

المعارضة
وأعلن وفد الفصائل المعارضة في تعليقات نشرها على حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه «تم الاتفاق على إدراج منطقة خفض رابعة تشمل إدلب وأجزاء من حلب وحماة واللاذقية (المحرر) دون التوصل إلى أي اتفاق حول آلية المراقبة». وشدد على أنه «لن تتواجد قوات النظام أو ميليشياته في أي بقعة أو جزء من أجزاء مناطق خفض التصعيد، ولن يكون لها دور في مناطقنا المحررة».
وأكد العميد في «الجيش الحر» المشارك في آستانة، فاتح حسون: «رفض المعارضة بدور إيران الضامن ومطالبتها بالخروج من سوريا مع كافة الميليشيات الطائفية التي تقاتل إلى جانبها»، مؤكدا أن قواتها لن تكون متواجدة في مناطق المعارضة، حيث ستدخل القوات التركية، بل ستكون إلى جانب القوات الروسية في مناطق النظام.
وقال حسون لـ«الشرق الأوسط»: «تواجدنا في المؤتمر لا يعني موافقتنا على كل تفاصيله وقراراته، وموقفنا من مشاركة إيران معلن وواضح ولم يتغير، ومقدم مسبقا بشكل رسمي في المؤتمرات السابقة»، مضيفا: «لا يمكننا تقديم التحفظ لأننا لسنا ضمن الموقعين على الاتفاق، لكن قدمنا مذكرة سابقة تشير إلى موقفنا من إيران».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.