ملتقى الحج بمشاركة 72 مفتياً وعالماً يختتم أعماله في مكة بتبني تحديث الخطاب الديني

المشاركون ثمنوا جهود الملك سلمان في الدفاع عن الإسلام

جانب من جلسات ملتقى الحج: «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» (واس)
جانب من جلسات ملتقى الحج: «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» (واس)
TT

ملتقى الحج بمشاركة 72 مفتياً وعالماً يختتم أعماله في مكة بتبني تحديث الخطاب الديني

جانب من جلسات ملتقى الحج: «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» (واس)
جانب من جلسات ملتقى الحج: «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» (واس)

شدد ملتقى الحج الذي شارك فيه عدد كبير من المفتين ومن العلماء المسلمين في مكة المكرمة، على أن الإسلام، بوسطيته المتوازنة، وقيمه السمحة، وأحكامه العادلة، ونُظمه الشاملة، وتجربته الحضارية الفريدة «قادر في كل زمان ومكان على تقديم الحلول للمشكلات المزمنة للمجتمعات الإنسانية، وإنقاذها من ترديها الأخلاقي والاجتماعي الذي طبعتها به المظاهر المادية والانحرافات الثقافية والسياسية».
وعدّ المشاركون في الملتقى، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، على أن الوسطية والتسامح في فهم الإسلام وتطبيقه من مسلمات الدين البارزة، الواضحة الأحكام في مسائل العقيدة وأبواب الفقه، ولا يكون الانحراف عنها إلا بسبب جهل أو خطأ أو تطرف فكري، فهي سِمة واضحة في وجدان الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، استمساكاً بهدي الكتاب والسنة، وتأسيا برعيل الأمة الصالح في مواجهة شذوذ الأفكار والرؤى حول الإسلام والإنسان والمجتمع.
جاء ذلك ضمن فعاليات ملتقى الحج لهذا العام تحت عنوان: «الوسطية والتسامح في الإسلام... نصوص ووقائع»، حيث أصدر المشاركون بياناً، أشادوا خلاله بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في خدمة القضايا الإسلامية والدفاع عنها، مثمنين مواقفه «النبيلة» في إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى، وفي إبراز المنهج الوسطي والبعد الحضاري للإسلام عبر إنشاء مركز الملك سلمان للسلام العالمي، والمركز العالمي لمكافحة التطرف «اعتدال»، ومركز الحرب الفكرية.
وأوضح الملتقى، أن الوسطية الإسلامية هي «ركيزة أساسية لسلامة الفكر من الانحراف أو الخروج عن الاعتدال المعتبر في فهم الأمور الدينية والسياسية والاجتماعية الأمر الذي يحفظ الدين والكيان العام للأمة، ويحقق الأمن والطمأنينة والاستقرار، وتقع المسؤولية العظمى في نشر الوسطية الإسلامية على عاتق العلماء والدعاة ورجال التربية والتعليم والإعلام، توعية للنشء، وإظهاراً للحق؛ ليكون التعرف على الإسلام من خلال أصوله الصحيحة وعلمائه المعتبرين، بعيداً عن الدعايات المغْرضة وأطروحات التطرف الفكري».
وأكد البيان، على أهمية العمل على ضرورة تحديث الخطاب الديني بما يراعي فوارق الزمان والمكان والحال، ويتلاءم مع ثوابت الإسلام وهويته، ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة، بعيداً عن الانفعال وردات الفعل الآنية التي تغفل عن الآثار البعيدة، وأخذ زمام المبادرة في جميع القضايا النازلة بتقديم رؤى إسلامية أصيلة ورصينة تحقق المصالح المشروعة للأمة.
ودعا الملتقى، إلى تشجيع البحوث والدراسات التي تؤصل لمبدأ الوسطية والتسامح في الإسلام وتبرز أهميته، وتسعي للتعريف به، ونشره بين الحضارات، وتفنيد شبهات المتطرفين ممن يحملون أفكارا مختزلة أو منحرفة تتعارض مع محكمات الفقه الإسلامي، ومقاصد الشريعة.
ولفت، إلى أهمية أن تكون الملتقيات العلمية والدعوية والفكرية جامعة لكلمة المسلمين، مع ترسيخ الإيمان بالسنة الكونية في الاختلاف والتنوع والتعددية مع إيضاح الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقال المشاركون إن «حال الضعف والفتور الذي يعتري الأمة المسلمة في الوقت الحاضر لا يعبر عن تاريخها الحضاري الممتد، فقد نجحت تاريخياً في تحقيق الإنجازات الحضارية والانفتاح الإيجابي على الحضارات الأخرى، واستفادت من تواصلها معها وأفادتها؛ الأمر الذي أهّل الأمة المسلمة لريادة الحضارة الإنسانية قرونا متعاقبة، وجعلها تسهم في بناء الإنسان، وفق منهج إصلاحي متكامل، كما هي قادرة اليوم على الاستفادة من الإنجازات المعرفية الإنسانية، وترجمتها إلى واقع تنموي ينهض بالمجتمعات والدول المسلمة ضمن منهج الإسلام وضوابطه».
وحث البيان، على ضرورة دعم المؤسسات العلمية والبحثية في العالم لرصد الحملات الإعلامية على الإسلام، ومعرفة دوافعها، ووضع استراتيجيات مناسبة للتصدي لها، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين؛ ليتعرف العالم على مبادئه العظيمة، ومواجهة حملات «الإسلاموفوبيا».
كما حث أيضاً، على أهمية تجلية موقف الإسلام من قضايا العصر ونوازله وعلومه ومستجداته، ودراسة الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعاصرة، وتقويمها وفق المنهاج الإسلامي الوسطي للخروج برؤى إسلامية واضحة وصحيحة صالحة للتطبيق من أجل تجاوز مشكلات المرحلة الراهنة.
وشارك في الملتقى، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والشيخ الدكتور محمد العيسى أمين العام الرابطة رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية للعلماء المسلمين، ومفتي جمهورية مصر العربية الدكتور شوقي علام، والمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين، ومفتي جمهورية الشيشان الشيخ صلاح مجييف، ورئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا الشيخ محمد المختار بن إمبالة، وعدد من أصحاب الفضيلة العلماء من 72 بلداً عربياً وإسلامياً، بالإضافة إلى علماء المملكة العربية السعودية.
وتناول ملتقى «الوسطية والتسامح في الإسلام... نصوص ووقائع» أوراق عمل مستفيضة المحاور ومنها: «الوسطية والتسامح»، و«واقع الوسطية والتسامح»: «التحديات والمسؤوليات».
فيما تناولت كلمة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة، المعاني السامية للوسطية، مبيناً أن العدل والتسامح من أظهر السمات العظيمة التي تميز بها دين الإسلام، ورسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل نبي الرحمة والتسامح.
وأشار إلى أن من مظاهر الوسطية في الإسلام اتصافها بكل صفات الخير والنبل والعطاء والعدل والإنصاف والرحمة والإخاء والمحبة ونبذ العنف والعدوان بغير حق، والدعوة إلى الخير وإلى الأخلاق الفاضلة، والترغيب في الصفح والعفو عن المخطئ، والصبر على الأذى وتحمله، والإحسان إلى الخلق والرحمة بهم.
ودعا العلماء والدعاة والمثقفين وأصحاب الأقلام بشكل خاص، إلى إظهار جانب الوسطية والتسامح في دين الإسلام بأفعالهم وأقوالهم، والكتابة بأقلامهم، والمساهمة بالنشر في وسائل الإعلام، وعبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل المتاحة، ليزيلوا هذه الغشاوة التي أخفتْ حقيقة دين الإسلام عن الناس، ليرى الناس ما في هذا الدين من محاسن وفضائل، وليدركوا حقيقته الناصعة.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد العيسى في كلمته، إلى أن للتطرف أساليب عدة في تمرير أفكاره الضالة، مبيناً أنه في محاولات تسلله قرر كتباً لبعض علماء الإسلام فأخذ منها وترك وزاد ونقص مثلما دلس بإقرار الكتاب والسنة وأنه بهذا إنما يناور على العناوين العريضة ليقتنص بها، وأن الجهل والإغراض وجدا في الجماعات الإرهابية ذريعة لتسويق الصورة السلبية عن الإسلام.
وأكد، على حاجة الجميع لصياغة سلوكهم على منهج معرفة الآخر والتعامل معه بخطاب الحكمة والمرونة والاحتواء دون الاقتصار على بيان خطئه وتجهيله فضلاً عن الإساءة إليه، وأنه يجب أن يعي الجميع كيف يتفقون وكيف يختلفون، وأن منطق الحكمة والعدل يقضي بأن جناية «قولية أو فعلية» تُرتكب باسم الدين هي في حقيقتها جناية ضد الدين نفسه، مشدداً على أهمية دور العلماء والدعاة والمفكرين في القيام بمسؤولية إيضاح حقيقة الإسلام والتصدي للشبهات والأوهام والمزاعم التي عمد إليها التطرف لتمرير باطله.
بينما عبر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين عن شكره للسعودية على رعايتها لوفود الرحمن إلى هذا الديار المقدسة ليؤدوا مناسكهم بكل أمن واطمئنان، كما شكر رابطة العالم الإسلامي على دعوتها لهذا الملتقي، مؤكداً أن موضوع الملتقى تنبع أهميته من أن الوسطية إنما هي الإسلام بعينه وما أحاط به من نصوص كريمة، وأن هذه الملتقيات والتجمعات العلمية، من شأنها أن تثري المسيرة الإسلامية، وأكد أن المسجد الأقصى المبارك وما يعانيه من ممارسات سلطات الاحتلال لم يعرف التسامح، وإنما عرف عنه منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله، وقد عايش المسلمون المحنة التي أصيبوا بها في الأرض الفلسطينية في شهر يوليو (تموز) الماضي، مؤكداً على جهود خادم الحرمين الشريفين التي كان لها الأثر الكبير في إنهاء تلك الأزمة، مع التأييد والدعم من قبل الأشقاء في عدد من الدول الإسلامية.
بدوره أشار مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور شوقي علام، إلى أهمية الملتقى، وأن اللقاء، يمثل الإسلام في حقيقته ونصوصه ووقائعه، مؤكداً ضرورة تفعيل الوسطية والتسامح على أرض الواقع: «حيث إن النصوص تحتاج أن تنزل إلى أرض الواقع، وتحويل النصوص من التجريد إلى التحديد يحتاج إلى عقلية كبيرة»، وقال إن «كثيراً من نصوص الوحي تنزل إلى أرض الواقع من خلال الممارسة العملية، ونحتاج إلى إنزال النص الشريف من خلال الفتوى، ذلك أن كل الأطروحات التي استندت إليها التنظيمات الإرهابية إنما هي نابعة من الفتاوى وليس من المواعظ، لأن الفتوى هي المحرك الأساس، محذراً من تدخلات أناس لم تكتمل عندهم أدوات الفتوى من إدراك النص الشرعي، وإدراك الواقع، ومعرفة كيفية إنزال النص الشرعي على أرض الواقع، وجميعها تحتاج إلى علوم كثيرة، إلى علم الاقتصاد وعلم السياسة والعلاقات الدولية وغير ذلك».
وقال إن «الإسلام يدخل إلى القلوب قبل الأجساد، ورأينا في تاريخنا كيف أن العلماء من الصحابة والتابعين عندما ذهبوا إلى خارج الجزيرة العربية لم يستعملوا المواعظ ولم يكتفوا بالكلام، إنما ترجموا معاني الإسلام في سلوك حسن غزا القلوب قبل الأجساد».
وفي كلمته، حذر مفتي الشيشان الشيخ صلاح مجييف، من مغبة التنطع في الدين، مستشهداً بقول الرسول الكريم: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون» وهم المتشددون والمتكلِفون فيما لا ينبغي وفي غير موضعه الصحيح، ولفت إلى أن النصوص الشرعية التي تحض على التسامح والتعايش كثيرة «لكن التسامح مشروط بعدم التكفير وبعدم المخالفة في الأصول وبعدم الإرهاب لأن التكفير والإرهاب يؤدي إلى استحلال الدم والقتل والدمار»، مشيراً إلى أن الأفكار التكفيرية والإرهابية في الشيشان «جاءت من الخارج تحت اسم الإسلام ودمرت الشيشان تدميرا كاملاً»، مشيدا بنشر مفاهيم الوسطية في الشيشان التي جاء بها الكتاب والسنة النبوية.
فيما قال رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا الشيخ محمد المختار بن إمبالة إن «المسؤولية في تحقيق التسامح والوسطية تقع على العلماء لأن الحروب التي تحدث تبدأ من مشكلات فكرية والفكر لا يقابل إلا بالفكر والحجة لا تقابل إلا بالحجة، والأمثلة كثيرة على ذلك من النصوص الدينية وأقوال العلماء التي تحذر من الغلو في الدين باعتبار أن الغلو في الدين مهلكة كبيرة جداً».
وأضاف أن «شرعيتنا وسط بين أولئك الذين أفرطوا والذين فرطوا، وأهل السنة عقيدتهم وسط بين طرفي الغلو والتقصير وبين التشبيه والتعطيل، وكان الإسلام في الجانب السياسي نظاماً ربانياً وسطاً جاء بين الديمقراطية والديكتاتورية».


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
TT

السعودية وبريطانيا تؤكدان ضرورة خفض التصعيد الإقليمي

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)
الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً كير ستارمر في قصر اليمامة بالرياض (واس)

أكدت الرياض ولندن، الخميس، ضرورة خفض التصعيد الإقليمي، والالتزام بالمعايير الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، وذلك في بيان مشترك عقب زيارة كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني للسعودية هذا الأسبوع، التي جاءت انطلاقاً من أواصر علاقتهما المميزة.

وذكر البيان أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، وستارمر أكدا خلال جلسة مباحثات رسمية على أهمية الدور الذي يقوم به مجلس الشراكة الاستراتيجية في تعزيز التعاون بين البلدين، واستعرضا التقدم الكبير المحرز في تطوير العلاقات الثنائية وتنويعها.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهما، والتزامهما برفع حجم التجارة البينية إلى 37.5 مليار دولار بحلول عام 2030، وزيادة الاستثمار في صناعات الغد، بما يحقق النمو المستدام. كما اتفقا على برنامج طموح للتعاون يهدف لتعزيز الازدهار المتبادل، والأمن المشترك، ومعالجة التحديات العالمية.

وأشادا بنمو الاستثمارات المتبادلة، ونوّها بالاستثمارات السعودية الكبيرة في المملكة المتحدة خلال عام 2024، ومنها لصندوق الاستثمارات العامة، مثل «سيلفريدجز» و«مطار هيثرو»، والاستثمار الإضافي في نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، ما يعزز العلاقات المتنامية بين شمال شرقي إنجلترا والسعودية.

ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء البريطاني خلال جلسة مباحثات رسمية في الرياض (واس)

وبينما تعدّ المملكة المتحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في السعودية، نوّه الجانبان بإعلان الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات عن خططها لزيادة حجم تعرضها السوقي إلى 6 مليارات دولار أميركي، وذلك في ضوء نجاح التمويل (المتوافق مع الشريعة الإسلامية) بقيمة تبلغ نحو 700 مليون دولار للاستثمار بمشروع القدية (غرب الرياض).

وأعربا عن تطلعهما إلى تطوير شراكات استراتيجية طويلة الأمد تخدم المصالح المتبادلة، والمساهمة في النمو الاقتصادي المستدام. ورحّبا بالتقدم الكبير المحرز بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة.

وأشادا بالتعاون القائم بين البلدين في قطاع الطاقة، وأكدا أهمية تعزيزه بمجالات الكهرباء، والطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف وتطبيقاته، والتكنولوجيا النظيفة، وابتكارات الطاقة والاستدامة. واتفقا على العمل المشترك لإنشاء تحالف الهيدروجين النظيف بين جامعاتهما بقيادة جامعتي «الملك فهد للبترول والمعادن»، و«نيوكاسل».

وأكدا أهمية تعزيز موثوقية سلاسل التوريد العالمية، وتحديداً مع إطلاق السعودية مبادرة لتأمين الإمدادات، وخاصة بمجالات الطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين، والمعادن الخضراء، والبتروكيماويات المتخصصة، وإعادة تدوير النفايات، والمركبات الكهربائية.

جانب من جلسة المباحثات بين الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر (واس)

كما رحّبا بإطلاق السعودية 5 مناطق اقتصادية خاصة تستهدف الصناعات والقطاعات الاستراتيجية، وتوفر للشركات البريطانية فرصة الاستفادة من مزايا وحوافز على جميع مستويات سلاسل التوريد.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في قطاع الخدمات المالية، ومجال تطوير قطاعات التعدين المستدامة، وتنويع إمدادات المعادن النادرة المستخدمة في التقنيات النظيفة. وأعربت بريطانيا عن دعمها وعزمها المشاركة على مستوى رفيع في «منتدى مستقبل المعادن السعودي» خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2025.

كما أكدا على مركزية الاتفاقية الأممية الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية باريس، ونوّها بنتائج مؤتمر الأطراف «كوب 29»، وأهمية العمل لتحقيق نتيجة طموحة ومتوازنة في «كوب 30» عام 2025. ورحّبت بريطانيا بطموحات الرياض وقيادتها عبر مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، ورئاستها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر «كوب 16».

وأعربت بريطانيا أيضاً عن دعمها جهود السعودية في مجالات البيئة والتغير المناخي من خلال تنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي أطلقته الرياض، وأقرّه قادة مجموعة العشرين، مؤكدة دعمها القوي لـ«رؤية 2030»، والتزامها بالفرص التي تتيحها في إطار الشراكة بين البلدين.

ولي العهد السعودي يصافح رئيس الوزراء البريطاني لدى وصوله إلى قصر اليمامة (واس)

ورحّب البلدان بتزايد عدد الزوار بينهما، وعبّرا عن تطلعهما إلى زيادة هذه الأعداد بشكل أكبر خاصة في ظل زيادة الربط الجوي بينهما، وتسهيل متطلبات الحصول على التأشيرة من الجانبين.

واتفقا على أهمية تعزيز التعاون في مختلف القطاعات الثقافية، بما في ذلك من خلال إطلاق برنامج تنفيذي جديد لتعزيز مشاركة بريطانيا في تطوير محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، كما رحّبا بالاتفاق على إطلاق شراكة بين الهيئة الملكية للعلا والمجلس الثقافي البريطاني تزامناً مع احتفال الأخير بمرور 90 عاماً على تأسيسه.

وأشادا بنتائج تعاونهما الاستراتيجي في مجالات التعليم والتعليم العالي والتدريب. ورحّبا بالخطط الاستراتيجية لزيادة عدد المدارس البريطانية في السعودية إلى 10 مدارس بحلول عام 2030، وافتتاح فروع للجامعات البريطانية في السعودية، كما عبّرا عن التزامهما بمواصلة التباحث حول زيادة التعاون في مجالات الاحتياجات التعليمية الخاصة، والتدريب التقني والمهني.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال الرعاية الصحية، ومواجهة تحديات الصحة العالمية. ونوّها بالمناقشات الجارية بين الجامعات البريطانية والشركاء السعوديين المحتملين لإنشاء كلية لتدريب الممرضين بالسعودية. كما اتفقا على أهمية الاستفادة من فرصهما لزيادة التعاون بمجالات السلامة الغذائية، والمنتجات الزراعية.

ولي العهد السعودي يستقبل رئيس الوزراء البريطاني (واس)

واتفق الجانبان على تعزيز التعاون في الأنشطة والبرامج الرياضية، وأشادا بالمشروع المشترك بين الجامعات السعودية والبريطانية لدعم تطوير القيادات النسائية المستقبلية بمجال الرياضة، والشراكة المتنامية بمجال الرياضات الإلكترونية.

وأشادا بمستوى تعاونهما بمجال الدفاع والأمن على مرّ العقود الماضية، وأكدا التزامهما بشراكة دفاعية استراتيجية طموحة ومستقبلية، بما يسهم في تطويرها لتركز على الصناعة وتطوير القدرات، وزيادة التشغيل البيني، والتعاون بشأن التهديدات المشتركة بما يسهم في تحقيق الأمن والازدهار في البلدين.

واتفقا على توسيع التعاون في مجالات النشاط السيبراني والكهرومغناطيسي، والأسلحة المتقدمة، والقوات البرية، والطائرات العمودية، والطائرات المقاتلة. كذلك تعزيزه أمنياً حيال الموضوعات المشتركة، بما فيها مكافحة الإرهاب والتطرف.

وأكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال العمل الإنساني والإغاثي، وشدّدا على ضرورة مواصلة التعاون في المحافل والمنظمات الدولية لمعالجة التحديات الاقتصادية العالمية، والتزامهما بتوحيد الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وعقد حوار استراتيجي سعودي - بريطاني سنوياً بشأن المساعدات والتنمية الدولية، واتفقا على التمويل المشترك لمشاريع في هذا الإطار بقيمة 100 مليون دولار.

الأمير محمد بن سلمان وكير ستارمر قبيل جلسة المباحثات في قصر اليمامة (واس)

وحول تطورات غزة، أكد الجانبان ضرورة إنهاء الصراع، وإطلاق سراح الرهائن فوراً وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، مشددين على الحاجة الملحة لقيام إسرائيل بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية لإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب الفلسطيني، وتمكين المنظمات الدولية والإنسانية من القيام بعملها.

وبحثا كيفية العمل بينهما لتنفيذ حلّ الدولتين بما يحقق إحلال السلام الدائم للفلسطينيين والإسرائيليين. وأعربت بريطانيا عن تطلعها إلى انعقاد المؤتمر الدولي الرفيع المستوى بشأن الحل السلمي، الذي سترأسه السعودية وفرنسا في يونيو (حزيران) 2025.

وفي الشأن السوري، رحّب الجانبان بأي خطوات إيجابية لضمان سلامة الشعب السوري، ووقف إراقة الدماء، والمحافظة على مؤسسات الدولة ومقدراتها. وطالبا المجتمع الدولي بالوقوف بجانب الشعب، ومساعدته في تجاوز معاناته المستمرة منذ سنوات طويلة، مؤكدين أنه حان الوقت ليحظى بمستقبل مشرق يسوده الأمن والاستقرار والازدهار.

وفيما يخص لبنان، أكدا أهمية المحافظة على اتفاق وقف إطلاق النار، والتوصل لتسوية سياسية وفقاً للقرار 1701. كما اتفقا على ضرورة تجاوزه لأزمته السياسية، وانتخاب رئيس قادر على القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

ولي العهد السعودي يصافح الوفد المرافق لرئيس الوزراء البريطاني (واس)

وبشأن اليمن، أكد الجانبان دعمهما الكامل لمجلس القيادة الرئاسي، وأهمية دعم الجهود الأممية والإقليمية للتوصل لحلٍ سياسيٍ شاملٍ للأزمة اليمنية، وضمان أمن البحر الأحمر لتحقيق استقرار الاقتصاد العالمي.

وحول الأوضاع السودانية، أكدا أهمية البناء على «إعلان جدة» بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان عبر مواصلة الحوار لتحقيق وقف كامل لإطلاق النار، وحل الأزمة، ورفع المعاناة عن شعبه، والمحافظة على وحدة البلاد، وسيادتها، ومؤسساتها الوطنية.

ورحّب الجانبان باستمرار التواصل بين البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا، مؤكدين أهمية بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق السلام العادل والمستدام الذي يحترم السيادة والسلامة الإقليمية بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة.

جانب من مراسم الاستقبال الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني في قصر اليمامة بالرياض (واس)