غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري

فشل شرطي المرور الروسي في سوريا

رجال الدبلوماسية لا يرحلون في السادسة والستين. فهم يعمِّرون لكي يعالجوا أزمات مستعصية من صنع رجال السياسة. لكن لماذا رحل الدبلوماسي الروسي فيتالي تشوركين فجأة على عتبة الـ65 من العمر، قبل أن يرحل زملاؤه الدبلوماسيون سيرغي لافروف. وجون كيري. ووليد المعلم، مع أنهم يكبرونه بنحو عشر سنين؟ شغلني رحيل المندوب الروسي إلى الأمم المتحدة، في الأسبوع الماضي، أكثر مما شغلتني «تويتات» السياسي دونالد ترمب التي تجنن العالم في ثانية. وتعيده عاقلاً في ثانية. ظننت أن تشوركين يريد أن يجعل من وفاته أزمة دبلوماسية حادة لا يستطيع «الفيتو» منعها. ثم علمت أن تشوركين كان يعاني من فيتو سرطان الدم.

العلاقة مع المسؤول هَمٌ إعلامي كبير

ليس هناك ناظم معين للعلاقة بين المسؤول والسياسي والصحافيين والمعلقين السياسيين. فهي تقوم أساسًا على رؤية الأنظمة السياسية للصحافة والإعلام. وهي تختلف حسب موقف الدولة من الحرية السياسية. ومن فهم النظام السياسي لمهمة الصحافة والإعلام. في النظام المطلق، كما في سوريا وكوريا الشمالية، فمهمة الإعلام والصحافة أن يكونا بوقا للدولة يخدم هيمنتها على المجتمع والرأي العام. والكاتب السياسي والصحافي عندها مجرد ناطق بلسانها. ولا حاجة للمسؤول إلى إقامة روابط ثقة وصداقة مع الكاتب السياسي، وتبادل الرأي معه حول سياسة الدولة والنظام. فالكاتب هنا مجرد «صندوق سمع» للخطاب السياسي. وعليه أن يردده.

«لعبة الأمم» تنذر بمواجهة تركية ـ سورية

هناك لعبة أمم تستكمل شروطها الأمنية على ضفة الفرات، فور عبوره الحدود التركية، لينساب في السهل السوري: حروب تندلع. وحروب تنطفئ. حدود تنمحي. وحدود ترتسم. دول تحضر. ودول تغيب. أنظمة تتشكل. وأنظمة تتآكل. تنظيمات تذوب. وتنظيمات تنتشر. مدن تغص بالنازحين واللاجئين. ومدن تُدمر. أحلاف تقوم. وأحلاف تموت. تجمعات سكانية تُهجر. وتجمعات تباد. حصار يجيع مئات الألوف. معتقلات للتعذيب تتحول إلى مسالخ بشرية. مقابر جماعية بلا شواهد وأسماء. ميليشيات من المرتزقة المسلحة آتية من لدن جيران أقربين وغرباء أبعدين. حفر الأتراك وطنهم بالأظافر. ودافعوا عنه بالأنياب والخناجر. فشكلت الشروخ على السطح ثغرات لأقوام. وأقليات.

جهود ومساعٍ لـ«تعريب» سياسة ترمب

اشتبك الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع القاضي الاتحادي الذي أوقف مؤقتًا تنفيذ إجراءاته الصارمة، بمنع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أميركا، بينها دول أعضاء في جامعة الدول العربية. وتذرع ترمب بأنه يخشى من عمليات إرهاب دموية، قد يقوم بها مواطنو هذه الدول في الولايات المتحدة. واصل ترمب حملته على الإسلام المتزمت (التي لم يسبق لرئيس أميركي أن شن مثلها)، واصفًا إياه بـ«الإسلام الراديكالي». وفي إشارته إلى عمليات قتل جماعي، قام بها «متطرفون مسلمون»، قال إن هؤلاء يقتلون الأبرياء في الأندية الليلية. والمكاتب. والكنائس. وانضم إليه في عمليته مساعدوه ومستشاروه الجدد.

عن إلغاء عروبة سوريا!

الدستور مرآة المجتمع. وهوية الأمة. ووطن الدولة. وعنوان السيادة. الدستور ليس هدية تُهدى من أمة إلى أمة. ولا يُفرض من دولة على دولة، إلا إذا كانت الدولة المتلقية للهدية فاقدة للسيادة. والدولة المقدمة للهدية غازية. ومعتدية. ومحتلة. في الحالة السورية الراهنة، تعلن روسيا عن تقديمها مسودة دستور سوري معدَّل، إلى معارضات سورية مريبة «لدراستها وإبداء الرأي فيها». بينها عناصر كردية وسورية محسوبة على دول إقليمية. أو قريبة من نظام بشار. فلم تغادر المدن والمناطق التي يسيطر عليها. روسيا لم تعلن رسميًا نص التعديلات المقترحة. إنما سُربت معلومات وشائعات متناقضة عن مضمونها. فلم تنفها.

عروض قيصرية فوق الحصانين الإيراني والتركي

في السيرك الروسي، يقدم الرئيس فلاديمير بوتين عرضًا قيصريًا على ظهر الحصانين الإيراني والتركي. ويجري خلفه «زلمته» السوري الباحث من جديد عن مصيره ومستقبله، فيما دُعي إلى المشاركة في العرض راعي المدرسة الشعبوية الأميركية دونالد ترمب. جاء العرض القيصري في آستانة كازاخستان، بمثابة انعطافة روسية سلمية بالحرب السورية التي أشعلها بوتين بضراوة خلال العامين الأخيرين. وجرب إنهاءها في نهاية السنة الأخيرة، بهدنة وافقت عليها الأمم المتحدة، من دون أن تشارك في فرضها. في الحروب المدنية والطائفية، ليس هناك من رابح أو خاسر. فاللعبة الجهنمية تقتضي أن يخسر الجميع. هذا هو الأمر الواقع في الحرب السورية.

كل «ترامب» والعرب بخير!

قبل أيام من توليه رئاسة الولايات المتحدة، لا يزال دونالد ترامب لغزًا محيِّرًا للعرب. فسياسته الخارجية غير واضحة. وسياسته الداخلية مشوشة. والاقتصادية تنذر بنشوب حروب تجارية عالمية. وشخصيته الغريبة مكنته من التغلب على منافسين كانوا أقوى منه. أليس «ترامب» الرابع عشر شبيهًا بكل «ترامب» آخر تولى رئاسة أميركا منذ الحرب العالمية الثانية. فألحق بجهله السياسي ومزاجيته كوارث بالعرب؟ شكرًا للرئيس فرانكلن روزفلت. فقد أعلن الحرب على الألمان. واليابان. والطليان. ولم يعلن الحرب على العرب. وعندما تقاسم في يالطا العالم مع ستالين وتشرشل، صنف العرب دولاً «نامية».

عصر الإرهاب

لا مساومة. ولا تسوية بين الأمن والإرهاب. فالتعايش مستحيل بينهما. الأمن مكلف بالقضاء على الإرهاب في الموصل. والرقة. وعدن. وسرت... عندما يغدو الإرهاب أضعف من الأمن، يغادر الموقع. يبحث عن الانتقام. وطالما أن الإرهاب غير آمن في موقعه، فهو يستبيح العالم بحزامه. أو قنبلته. ولأنك أنت لست آمنًا في طريقك. أو سوقك. أو طائرتك. أو حتى في مسرحك، فأنت لا شك تعيش في قلق. وخوف. فحياتك مهددة في أية لحظة. الكائن الذي يترصدك فقد الرغبة في الحياة. وهو مستعد لأن يأخذك معه. يضحي بك سواء كنت طفلاً. شابًا. شيخًا. امرأةً. أبًا. أخًا. مؤمنًا. ملحدًا. فأنت مرشح للموت. أنت، إذن، يا سيدي، تعيش عصرًا غريبًا. مخيفًا.

إشكالية الصراع السني / العلوي

كيف يمكن منح العروبة تعريفًا إنسانيًا وحضاريًا، مجردًا من كل تعالٍ عنصري؟ لم يعد بالإمكان اللجوء إلى قرابة الدم للتعريف بالأمم. إنها الهوية الثقافية واللغوية التي تحدد الانتماء إلى الأمة. وهي التي صهرت العرب المسلمين المهاجرين إلى الوطن العربي الكبير، مع الأقوام السامية التي سبقتهم إليه منذ ألوف السنين. أممية الإسلام ساوت بين العرب وهؤلاء المستعربين (الموالي) في الحقوق والواجبات. وكذلك فعلت مع الأقليات اللاعربية التي تأسلمت. أو تعربت من دون أن تتأسلم.

الحرب الإلكترونية تملأ العالم الافتراضي بالتضليل

هل نعيش لنكذب؟! أم نكذب لكي نعيش. وننجح. وننتصر؟! حاولت الفلسفة أن تبحث عن الحقيقة. فوجدتها كمية نسبية. ليست هناك حقيقة كاملة في حياتنا وعالمنا. ربما علم الرياضيات هو الحقيقة المطلقة. فالرقم لا يكذب. ولا يقبل النفي والجدل. غير أن الرقم حقيقة صماء. جافة. متقشفة. من الصعب أن تعيش. وتلوك الأرقام. بدلاً من تداول الكلمات. الدين أيضًا بحث عن الحقيقة. لكن الإيمان لا يحتاج إلى الفلسفة، لتقديم الدليل على الاعتقاد بأن الله هو الحقيقة الأزلية الخالدة. بعض المذاهب يجد في «التقية» وسيلة للمواربة والتغطية. فتبطن غير ما تعلن. بمعنى آخر، التقية تجيز التستر على الحقيقة.