للمرة الأولى منذ 2003... السجن لمسؤول عراقي رفيع

محافظ صلاح الدين أدين بالفساد

أطفال عراقيون ينتظرون دورهم لمل غالوناتهم بالماء في معسكر السالمية قرب الموصل (رويترز)
أطفال عراقيون ينتظرون دورهم لمل غالوناتهم بالماء في معسكر السالمية قرب الموصل (رويترز)
TT

للمرة الأولى منذ 2003... السجن لمسؤول عراقي رفيع

أطفال عراقيون ينتظرون دورهم لمل غالوناتهم بالماء في معسكر السالمية قرب الموصل (رويترز)
أطفال عراقيون ينتظرون دورهم لمل غالوناتهم بالماء في معسكر السالمية قرب الموصل (رويترز)

صادقت محكمة استئناف الرصافة في بغداد، أمس، على الحكم الصادر بحق محافظ صلاح الدين السابق، أحمد عبد الله الجبوري، وقضت بحبسه 3 سنوات على خلفية قضايا فساد، بعد أن ردت المحكمة بصفتها التمييزية طعوناً تقدم بها المدان.
ويعد الحكم الصادر بحق الجبوري الأول الذي يطال مسؤولاً تنفيذياً بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إذ إن أغلب الأحكام الصادرة بحق كبار المسؤولين في الدولة لم تؤد إلى إيداعهم السجن، وتمكن أغلبهم من الفرار إلى خارج البلاد.
وكان القضاء قد أصدر، في يونيو (حزيران) الماضي، 3 أحكام بالسجن في حق الجبوري؛ اثنان منها مع النفاذ والثالث مع إيقاف التنفيذ، على خلفية قضايا أحالتها محكمة تحقيق النزاهة، منها قيام المدان بالاستيلاء على أراضٍ مملوكة للدولة، وتسجيلها باسم شركة خاصة، وتقطيعها وبيعها لحسابه الخاص، إلى جانب قيامه بمنح سلف تشغيلية بنسبة 50 في المائة من قيمة العقد لمشروع إعادة تأهيل شوارع صلاح الدين، الأمر الذي يعد مخالفة قانونية وإدارية صريحة، بحسب ديوان الرقابة المالية.
وأبلغت مصادر من محافظة صلاح الدين «الشرق الأوسط» بأن المحافظ المدان قام بالاستيلاء على أراضٍ مهمة غرب صلاح الدين، كانت مملوكة لنجلي الرئيس السابق صدام حسين (عدي وقصي)، من دون سند قانوني. ويؤكد المصدر، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «المحافظ السابق يحظى بنفوذ كبير، وقد طلب من دول مجاورة، ومنها إيران، الوقوف إلى جانبه، والضغط باتجاه تبرئة ساحته، إلا أن ذلك لم ينجح»، ويلفت إلى أن «عشرات القضايا وتهم الفساد بانتظار الجبوري، ومن المرجح أنه سينال أحكاماً أخرى».
وتوقع المصدر أن تطيح قضية المحافظ المدان في الأيام المقبلة بـ«أعضاء في البرلمان ومجلس المحافظة، ومدراء دوائر ورؤساء وأعضاء لجان كانوا يتعاونون مع المحافظ، ويغطون خروقاته المالية والإدارية».
وكان النائب مشعان الجبوري، زميل المحافظ السابق في التحالف الانتخابي «القائمة العربية»، قد اعتبر، في تصريحات تلفزيونية في وقت سابق، أن المحافظ المدان «واحد من أخطر الأشخاص، وهو بمثابة (مرجان أحمد مرجان) العراق»، في إشارة إلى الشخصية التي قام بأدائها الفنان المصري عادل إمام. والنائب مشعان الجبوري هو من قدّم أغلب ملفات التجاوزات المالية والإدارية التي ارتكبها أحمد الجبوري للقضاء وهيئة النزاهة.
وتعد عشيرة الجبور، التي ينتمي إليها المحافظ المدان، من أكبر عشائر محافظة صلاح الدين نفوذاً، وهي مسقط رأس صدام حسين. ونتيجة لعلاقاتهم المتوترة مع عشيرة صدام حسين (البيجات)، سارع الجبور بوقت مبكر إلى التفاهم مع القوات الأميركية بعد وصولها للمحافظة، وظلوا بحكم أغلبيتهم العددية يهيمنون على أغلب المواقع الحكومية في المحافظة، كما أنهم أول من اقترح تشكيل قوات «الصحوات»، في إطار صراعهم مع تنظيم القاعدة عام 2006. وكانت حكومة بغداد في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تغض الطرف عن الفساد والتجاوزات في صلاح الدين نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربطها بالمحافظ وأعضاء المجلس المحلي.
ويعتبر كثيرون أن الفساد هو الملف الأكثر أهمية في العراق بعد الانتهاء من مرحلة «داعش»، وتشير أرقام رسمية إلى أن الفساد وسوء الإدارة أدى إلى توقف نحو 10 آلاف مشروع خدمي واستثماري. وكان مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي قد أعلن، في أبريل (نيسان) الماضي، عن أن الأمم المتحدة عبر محققيها في العراق تحقق بـ«40» ملف فساد، كما أعلنت الحكومة العراقية في وقت سابق عن تعاقدها مع محققين دوليين للتحقيق في ملفات فساد. لكن عضواً في لجنة النزاهة النيابية اعتبر، في تصريحات صحافية، أمس، أن اللجنة «لا تعرف شيئاً عن المحققين الدوليين الذين وصلوا العراق للتحقيق في قضايا الفساد، وهي تسمع أخبارهم من خلال وسائل الإعلام فقط». ويقول الناطق باسم اللجنة، عادل نوري، إن «رئيس الوزراء حيدر العبادي قد اتفق معهم دون التشاور مع هيئة النزاهة، رغم كونها الجهة التنفيذية الأولى لمواجهة الفساد». ولم يصدر أي توضيح من رئاسة الوزراء بشأن تصريحات لجنة النزاهة النيابية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.