لا تشبه حفلات كاظم الساهر في «مهرجانات بيت الدين» غيرها من السهرات التي يتوافد لحضورها آلاف الأشخاص، من فئات وأعمار وجنسيات متعددة. ليس لأنّ القيصر هو الأفضل، بل لأنّ لهذا الفنان، تحديداً، سحرا على الجمهور النسائي، لا يقاوم، ولأدائه في «بيت الدين» بشكل خاص، نكهة مغايرة حسب ما يقول محبوه.
لهذا بات اللقاء السنوي مع الساهر تقليدياً في قصر الأمير بشير التاريخي، منذ اعتلى منصته عام 1997، حتى باتت عودته السنوية حتمية، وزادت إلى ليلتين بعد الليلة الواحدة منذ ست سنوات، لاستيعاب طلب الجمهور. ومع ذلك يبقى الازدحام سمة، والاكتظاظ سنوياً، وجنون الحاضرين مستمراً.
كان يكفي أن يصعد إلى المسرح لتعلو الصرخات، باسمه، أن يتحدث عن روعة المكان والتنظيم ورقي الجمهور ليعلو التصفيق والهتاف. البداية مع أغنية جديدة «رسالة حب صغيرة» من ألبومه الأخير «كتاب الحب»، وكرت السبحة. مع القيصر الناس في لقاء شعري قباني بامتياز، على موعد مع الحب والرومانسية واللغة العربية الفصحى، حين تصبح لساناً للعشاق. هذا ربما ما يجعل كاظم الساهر متوجاً على قلوب هؤلاء الصبايا اللواتي كن يصرخن ويرقصن ويتمايلن ويصفقن طوال الوقت. يبدأ بإلقاء الشعر، كما عادته دائماً، ثم يطربهن به مغنى وغالباً من ألحانه. ليس بحاجة لأن يغيّر اللحن كثيراً، أو يجتهد بقسوة، أو حتى يبدّل الأغنيات في كل سنة لو أراد. يكفي أن يكون هنا ويغني، كي يطرب الجمهور ويسعد.
أغنيته الجديدة «كوني امرأة خطرة، كوني القسوة كوني النمرة، لفّي حولي، لفي حولي، كي أتحسس دفء الجلد وعطر البشرة، غني عيشي أرقصي، غني، عيشي، ابكي، جنّي، سيلي عرقاً، زيدي ألقاً، إني أنزف حبّاً». عرّف بها شعراً كي يستأنس الجمهور ثم غناها، لكنّ الحاضرين غالباً، كما حصل ليلة الجمعة، ما يطلبون الأغنيات القديمة نفسها التي يحبون تردادها من دون كلل. «أشهد أن لا امرأة إلّا أنت»، «الويل لي يا مستبدة»، «رائع، رائع، في بحر الحب ضائع»، «قولي أحبك كي تزيد وسامتي»، غالباً ما كان الجمهور يغني عن كاظم الساهر، مستبقاً إياه إلى الأداء وكأنّما هي أناشيد حفظها الجميع عن ظهر قلب.
من لبنان والعراق وسوريا وفلسطين. لاجئون، ومقيمون، وسياح، من كل مكان جاء جمهور كاظم يريد الغبطة في هذه الفسحة بعيداً عن حرارة المدينة، وفي فسحة جبل لبنان، خارج القصر، على الشرفات والأماكن المطلة، في الباحة الخارجية، وجد من لم يحجزوا أماكنهم موقعاً ليتابعوا حفلاً لم يتوقف الحاضرون عن تسجيله وبثه على وسائل التواصل كلها. حتى تسابق البعض في أن ينقل ما يراه حياً ومباشرا مستمتعاً بتعليقات تغبط من تغمره هذه الموسيقى في تلك الأمسية.
غنّى القيصر في ليلته الأولى في «بيت الدين»، للبنان وعاصمته بيروت وبغداد، وأجاد في تأدية اللون العراقي الذي أسعد مواطنيه الحاضرين. طلبات الجمهور لم تتوقف، محاولة كاظم لإرضائهم كانت حثيثة: «قلبتولي البرنامج» قال لهم واستمر يحاول تلبية رغباتهم. كان كلما تقدم الوقت ازدادت الحماسة. ابتدأ الحفل متأخراً بسبب الازدحام وصعوبة الوصول، وانتهى متأخراً أيضاً بفضل انتشاء الجمهور ورغبته في المزيد. ساعتان ونيف، وكلما مرّ الوقت اقترب العشاق من الخشبة حتى قفز أحدهم يريد التقاط صورة مع فنانة وتمنّى آخرون لو يفعلون الشيء نفسه. كل هذا الجنون وحفلة أخرى بانتظار الجمهور، كما أنّ الساهر بعد عدة أيام ولليلتين في 4 و5 أغسطس (آب)، سيكون في مهرجان إهدنيات، ويبدو أنّ التذاكر نفدت هناك أيضاً. ظاهرة كاظم الساهر تبقى لافتة، والعودة الهيستيرية إلى الرومانسية أشبه بهروب إلى الأمام من واقع مخيب.
هيستيريا كاظم الساهر سرت متدفّقة في مدرجات «بيت الدين»
القيصر حين يجعل الفصحى لسان العشاق
هيستيريا كاظم الساهر سرت متدفّقة في مدرجات «بيت الدين»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة