فجّر مشروع قانون جديد قدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إلى البرلمان، لتقنين الزواج الديني الذي يتم عن طريق موظفي الشؤون الدينية، جدلا واسعا واعتراضات من جانب أحزاب المعارضة والجمعيات النسائية والمنظمات المدنية.
ويتضمن مشروع القانون، الذي قدم إلى البرلمان الثلاثاء الماضي، منح صلاحيات للمفتين التابعين للشؤون الدينية بتسجيل عقود الزواج ليصحبوا كالمأذونين، بعد أن كانت هذه المهمة تنحصر بموظفي البلديات.
ودافع نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم عن مشروع القانون، مؤكدين أن الهدف هو تسهيل إجراءات الزواج للمواطنين وضمان حصولهم على الخدمات بشكل أسهل وأسرع.
في المقابل، رفض الكثير من منظمات الحقوق وحزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي المعارضان مشروع القانون الذي يثير مخاوف من التحول عن نظام الزواج المدني المعمول به في تركيا ويفتح الباب لتعدد الزوجات.
وقلل نائب حزب الشعب الجمهوري شينول صاري هان، من الحاجة إلى مثل هذا التعديل في القانون المتعلق بإجراءات تسجيل الزواج، لافتا إلى أن إجراءات الزواج الحالية التي تتم عن طريق البلديات لا تعاني مشكلات تتطلب تعديلها، وتساءل عمّا إذا كانت هناك خطة لوضع تدابير لمنع تعرض الأطفال دون السن القانونية أو القُصّر من الاستغلال الذي قد يتعرضون له تحت مسمى الزواج الذي يقره المفتي، ولفت إلى أن هذا الأمر يعدّ مشكلة اجتماعية كبيرة وانتهاكا لحقوق الإنسان. وطالب النائب بإعادة مشروع القانون إلى مجلس الوزراء، باعتباره مخالفا لمبدأ العلمانية الذي ينص عليه الدستور. واعتبرت ميرال دنيز بيشتاش، النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، أن مشروع القانون حال إقراره، سيفتح الباب أمام الزيجات دون السن القانونية التي تعد مشكلة بالفعل ولا سيما في شرق وجنوب شرقي تركيا. ولفتت إلى أن المشروع طُرح من قبل على جدول أعمال البرلمان، لكن الخبراء حذّروا من أن من شأنه فتح الباب أمام التوسع في هذه الممارسة الخطيرة، قائلة إنه بهذا الشكل ستصبح ظاهرة الزواج غير الرسمي المعروفة حاليا بـ«إمام نكاح» أمرا شائعا وطبيعيا.
من جانبها، قالت نائبة رئيس لجنة المساواة بين الجنسين في البرلمان التركي النائبة من حزب الشعب الجمهوري المعارض جاندان يوجير، إنه «ليس من المستغرب أن يكون الإجراء الأول الذي تتخذه الحكومة، التي أجري عليها تعديل وزاري الأسبوع الماضي هو توجيه ضربة جديدة إلى العلمانية وتشكيل الحياة الاجتماعية، خطوة خطوة، بما يتماشى مع القواعد الدينية وهدم آخر عقبة أمام الزواج دون السن القانونية»، لافتة إلى أنه «يوجد 919 مكتب زواج في محافظات تركيا البالغ عددها 81 محافظة كما أن أكثر من 18 ألفا من رؤساء القرى يمكن أن يؤدوا مراسم الزواج. هذا المشروع ليس نابعا من الحاجة، لكنه وجه آخر لتعسف الحكومة».
واعتبرت جنان جولو، رئيس اتحاد الجمعيات النسائية في تركيا، أن مشروع القانون يشكل انتهاكا لحقوق المرأة، لافتة إلى أن البلديات لا تعاني ازدحاما أو صفوفا طويلة من المنتظرين أمامها للزواج.
من جانبها، قالت رئيسة اللجنة البرلمانية المعنية بالمساواة بين الجنسين رادي سيزر كاتيرجي أوغلو، النائبة عن حزب العدالة والتنمية الحاكم: إن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، وإن المواد الواردة في قانون الزواج المدني سارية، ومن الواضح أنه سيتم الالتزام بالمتطلبات القانونية. وانتقل الجدل حول مشروع القانون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام؛ ما أدى إلى توسيع النقاشات في الشارع التركي بشأنه.
وكانت تركيا قد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتوثيق الزواج المدني عام 1962. وحسب القانون التركي، فإن عقد الزواج الرسمي يتطلب تواجد الطرفين المقدمين على الزواج وموظف البلدية المسؤول عن تسجيل العقد وشاهدين، وأي زواج لا يتم بهذه الطريقة لا يعد ساريا.
، ويُوثّق الزواج من خلال مكاتب التسجيل في دوائر الزواج في البلديات، ويشترط القانون أن يكون عمر طالب الزواج أكبر من 18 سنة، ويقبل تزويج البالغ 16 عاماً في حال حضور وتوقيع أحد الوالدين، ويمنع تعدد الزوجات.
وعقد الزواج الديني لا يتم إجراؤه إلا بعد إتمام إجراءات الزواج الرسمي، وفي حالة رغبة الطرفين فقط، وبشرط إبراز دفتر العائلة الذي يمنحه موظف البلدية المخول بصلاحية إجراء عقد الزواج.
وتفرض الفقرة الرابعة من المادة 237 من قانون العقوبات التركي، عقوبة السجن لمدة تتراوح ما بين شهرين وستة أشهر لكل من أجرى زواجا في إطار المراسم الدينية فقط.
ويقضي قانون الأحوال الشخصية ببطلان الزواج الثاني، في حال وقوعه، كما يمنح الحق للزوجة الأولى برفع دعوى طلاق، إذا ثبت اقتران زوجها بأخرى، في حين تمتنع الجهات الرسمية عن تسجيل عقود القران للزواج الثاني.
ويلجأ كثير من الرجال الراغبين بالزواج للمرة الثانية إلى طرق ملتوية، منها العقود الشرعية غير المسجلة، من خلال الزواج المعروف بـ» إمام نكاح» الذي تضيع معه حقوق الزوجات وما ينشأ عن الزواج من أطفال.
وينتشر هذا النوع من الزواج على نحو كبير في القرى والمدن الصغيرة، وخصوصاً في شرق وجنوب شرقي البلاد، حيث لا تزال التقاليد العشائرية القديمة، هي السائدة، وحيث الطلاق غير مسموح به في العشيرة، على الرغم من القوانين المدنية الحديثة المنظمة للأحوال المدنية.
ويرجع تعدد الزوجات في المجتمع التركي، بالدرجة الأولى إلى عدم إنجاب الزوجة الأولى للذكور. وغالباً ما تشارك المرأة في تعدّد الزوجات، وكثيراً ما تقبل بالوضع نتيجة للضغوط الأسرية أو المعتقدات الدينية.