آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

ثري من أصل مغربي زعيم المعارضة العمالية الإسرائيلية الجديد

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو
TT

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

آفي غباي... طموحه إسقاط بنيامين نتنياهو

«أنا نتاج الهبّة الشعبية في إسرائيل، التي أعقبت أحداث الربيع العربي في تونس ومصر»... هكذا يقول آفي غباي، الزعيم الجديد للمعارضة الإسرائيلية، الذي أعلن حال انتخابه أن المعركة «لإسقاط النظام» بقيادة بنيامين نتنياهو، قد انطلقت. وهو يقصد كلمة «إسقاط النظام» بكل معانيها، لأن نتنياهو - من وجهة نظره - لم يكن مجرد «رئيس حكومة آخر» في إسرائيل، بل صاحب أجندة لإحداث تغيير جذري في نظام الحكم. فوفق كلام غباي «نتنياهو يعتمد سياسة تعزّز مكانته كرئيس حكومة من دون أي جهد لحل مشاكل المواطنين والدولة. يعتمد على الشعارات. يخاف من المتطرفين في حزبه وفي حزب (البيت اليهودي)، حليفه اللدود. يرضخ لإملاءات مجموعة ضيقة من المتطرفين ويمس بالقيم الليبرالية والديمقراطية بلا حساب. يضعف سلطة القانون ومحكمة العدل العليا. يسنّ قوانين لا ديمقراطية. يعجز عن تقديم مبادرات لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والإسرائيلي العربي. يضيع فرصة إقامة سلام إقليمي. يدير الدولة وسط أساليب فساد، فالمقربون يتولون الوظائف الكبرى والمصيرية وليس أصحاب القدرات المهنية. إسرائيل تحت حكم نتنياهو، هي ليست إسرائيل التي حلم بها هرتسل وقادها بن غوريون ودفع شعبنا ثمنا باهظا حتى رأيناها تقوم وتتطور. وهذه ليست إسرائيل التي يريدها الجيل الجديد. نتنياهو يجب أن يذهب إلى البيت».
عبر الخطاب أعلاه حرث آفي غباي، الزعيم الجديد لحزب العمل الإسرائيلي، إسرائيل طولا وعرضا، حتى ينتخبوه رئيسا لأعرق أحزاب البلاد، الذي يقف اليوم في المعارضة، وهو الذي كان قد قاد الحركة الصهيونية منذ قيامها وحتى عام 1977، وبنجاح غباي في هذه المرحلة، يُبعث الأمل من جديد لدى أوساط واسعة من الإسرائيليين الذين ملّوا قيادتهم السياسية المتطرفة الحالية ويرون فيه بداية عهد جديد.
بطاقة هوية
عشرات المحيطين بغباي يؤمنون بأنه ليس سياسياً تقليدياً، ويؤكدون أن قصة حياته الشخصية تبشر بنجاح طريقه. فهو ابن العائلة الفقيرة، التي وصلت من المغرب في مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي. والده عامل فني في شركة الاتصالات الحكومية «بيزك»، ووالدته ربة بيت.
ولد آفي غباي في القدس عام 1967، في بيت بائس داخل حي من البراكيات. الحي كان يشبه مخيمات اللاجئين. سميت في حينه «معبراة» - وتعني «محطة انتقال»، (أي «معبر») - جرى وضع اليهود الشرقيين فيها وكثيرون منهم بقوا فيها عشرات السنين، قبل أن يتاح لهم الانتقال إلى بيوت ثابتة. وكانت عائلته عائلة كثيرة الأولاد، إذ هو الثامن بين سبعة إخوة وأخوات.
تعلم في القدس الغربية حتى الثانوية، ثم تجند بالجيش في شعبة الاستخبارات العسكرية. وارتقى فيها إلى درجة ضابط كونه يعرف بعض الكلمات العربية. بعدها تعلم اللغة العربية على أصولها في الوحدة 8200، التي باتت أكبر جهاز استخبارات في إسرائيل وأضخم وحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي. وتشمل مهام هذه «الوحدة» متابعة ما يجري في أراضي العدو ولدى قوات العدو في أي مكان في العالم، عبر التنصت وغرس الأجهزة والمجسّات في الدول العربية وإدارة «الحرب السايبرية» وغيرها. ولكن حسب قوله فإن عمله في هذه «الوحدة» لم يجعله يكره العرب، بل على العكس من ذلك، فهو يعتز بانتمائه إلى العالم العربي وبالذات المغرب. وحتى عندما ترك الجيش حافظ على علاقات مع اللغة والثقافة العربية. وهو يتابع الفن والموسيقى أيضاً، ويستمع إلى أغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش، كما أنه معجب بشكل خاص بنانسي عجرم.
رجل أعمال ناجح
بعد الجيش التحق غباي بالجامعة العبرية في القدس، وتخرّج في كلية الاقتصاد في اللقب الأول وإدارة الأعمال في اللقب الثاني. وبعد تخرّجه في عام 1995 استوعب في وزارة المالية ضمن دائرة الاتصالات في قسم الميزانيات. وفي عام 1999، انتقل إلى العمل مساعدا لمدير عام شركة «بيزك» للاتصالات، التي يعمل فيها والده. ثم عين مديراً لإحدى الشركات الفرعية فيها، وبعد سنتين، عيّن المدير العام للشركة. وهنا أثبت قدرات عالية في إدارة الأعمال، ونقل الشركة من خسائر دائمة إلى أرباح كبيرة. وطيلة سبع سنوات مع الشركة، تمكّن من تجميع رواتب وأرباح بقيمة 50 مليون شيقل (ما يعادل 14 مليون دولار أميركي).
عند هذه المحطة من حياته قرّر غباي قرر تقديم استقالته وهو في عز النجاحات، معلناً أنه سيتفرّغ على الفور للعمل التطوعي بهدف تغيير الأوضاع في الدولة. وحقاً، وجد له حليفا في الرؤية هو موشيه كحلون، الذي كان وزير الاتصالات في ذلك الوقت، والذي أحدث ثورة في ذلك المجال، غير أنه لم يحتمل قيادة بنيامين نتنياهو، فاستقال من الحكومة ومن حزب الليكود... وراح يفتش عن طريق جديد.
في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 شهد غباي وكحلون معاً الهبّة الشعبية التي انفجرت في إسرائيل تأثراً بالانتفاضات الشعبية التي حدثت في مصر وتونس. إذ خرج إلى الشوارع نحو 400 ألف إسرائيلي يهتفون: «الشعب يريد تغيير النظام». وشاهد الرجلان كيف أقدم نتنياهو على تنفيس هذه الهبّة عن طريق تشكيل لجنة لتغيير الأوضاع الاقتصادية من جهة، وتفجير حرب على قطاع غزة من جهة أخرى.
تأسيس حزب «كولانو»
وهكذا عزم غباي وكحلون على تأسيس حزب جديد، وسمياه «كولانو» (كلنا). وخاض الحزب الوليد الانتخابات الأخيرة وفاز بعشرة مقاعد (من مجموع مقاعد الكنيست الـ120)، أي ثلث المقاعد التي حصل عليها الليكود بقيادة نتنياهو. ولأن كحلون يميني بدأ حياته السياسية في الليكود، انضم حزبهما إلى الائتلاف الحاكم، وتم تعيين كحلون وزيراً للمالية، بينما أسندت إلى غباي حقيبة وزارة البيئة.
غباي يصف تلك التجربة بقوله إنه كان يشعر وكأنه نبتة غريبة في الحكومة. ومع أنه حقق نجاحات غير قليلة، وتعامل مع موضوع البيئة بأسلوب جديد، فسرعان ما وجد نفسه خارج الحكومة. ولقد حصل ذلك عندما أقدم نتنياهو على دفع وزير دفاعه موشيه يعلون إلى الاستقالة وتنصيب آفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «يسرائيل بيتنا» بدلاً منه. إذ ذاك قرّر غباي أنه لا يستطيع تحمّل هذه الطريقة في العمل، وفقد تماماً الآمال التي عقدها على تلك الحكومة لتحسين أوضاع الناس. وأدت هذه الخطوة إلى تعزيز رصيده الجماهيري كقائد ذي قيم ومبادئ، وهي صفات باتت بعيدة عن السياسيين التقليديين في إسرائيل.
الالتحاق بحزب العمل
في نهاية السنة الماضية، انضم آفي غباي إلى حزب العمل الإسرائيلي، وكانت هذه مفاجأة أخرى. ذلك أن هذا الحزب، الذي يعتبر في إسرائيل «يسارياً قديماً»، بدا أنه في أفول نهائي. وكانت الاستطلاعات تتوقّع له الانهيار في الانتخابات المقبلة (بعد تراجع عدد مقاعده من 24 مقعداً إلى 8 مقاعد فقط). وراح غباي يمتدح هذا الحزب على أنه «حزب عريق له جذور قوية في تاريخ الحركة الصهيونية» و«لا يوجد حزب غيره قادر على تغيير حكم اليمين المتطرف».
ثم أعلن نيته المنافسة على زعامة الحزب، بعدما اضطر رئيس الحزب يتسحاق هيرتسوغ إلى تقديم موعد الانتخابات الداخلية. ولما كان هناك ثمانية متنافسين غيره على رئاسة الحزب، بات ترشحه يثير السخرية. بل لقد وقف ضده الجهاز التنظيمي للحزب، واتحاد النقابات، وقادة الكيبوتسات (التعاونيات) ومعظم أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
لكن غباي لم يتأثر. بل حظي بدعم شبيبة الحزب، التي وفرّت له مجموعات شبابية ترافقه إلى كل مكان. وساعده في ذلك كونه أصغر المرشحين سناً (50 سنة). وبالفعل، راح ينتقل من بيت إلى بيت ومن بلدة إلى أخرى. والتقى نحو عشرة آلاف من أعضاء الحزب أصغى إليهم بصبر اهتمام، وتحدث معهم عن الأمل، ووضع أمامهم تحديات جديدة. ومن ثم أقنعهم بأنه قادر على إلحاق الهزيمة بنتنياهو.
وهكذا، ما إن وصل يوم الانتخابات، حتى غدا أقوى المنافسين. وانسحب أحد منافسيه الجنرال عاموس لفين وانضم إليه. وفي الدورة الأولى سقط رئيس الحزب، هيرتسوغ، وفاز غباي بثاني أكبر عدد من الأصوات، خلف المتصدّر عمير بيرتس، وزير الدفاع الأسبق الذي يعتبر أيضاً أقدم أعضاء الكنيست خدمة (35 سنة)، ويلقب بـ«ثعلب السياسة الإسرائيلية».
انتخابه زعيماً للحزب
مع هذا فاز «الحَمَل» غباي على «الثعلب» بيرتس، إذ حصل على 52.4 في المائة من أصوات الناخبين، فأصبح رئيسا بلا منازع، واعتبر فوزه انقلاباً جوهرياً. كذلك، شبه كثيرون فوز غباي بإنجاز شاب آخر تجربته السياسية قصيرة هو إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الجديد. ولم يتردّد غباي في قبول المقارنة مع ماكرون، إذ أعلن حال فوزه أنه ينوي قيادة حزب العمل نحو إنجاز في الانتخابات المقبلة يتمثل بـ30 مقعداً... ويهزم نتنياهو.
الزعيم العمالي الجديد يؤكد أن هذا الهدف ممكن التحقيق. ويقول إنه ينوي التوجه في الأساس إلى ناخبي حزب الليكود، ويبدي اقتناعاً بوجود «مستودع» داعمين كبير يمكن أن ينتقل من دعم حزب السلطة إلى دعم حزب العمل برئاسته. ويضيف غباي «أنا أتأهب منذ اليوم للتجوال في كل البلاد، والوصول إلى أناس لم نتحدث معهم ولا يعرفوننا بعد، وعرض مخططاتنا ونوايانا عليهم... وأنا واثق من أنهم عندما سيسمعوننا سيصوتون لنا، لأن لدينا الكثير مما نعرضه».
أولوياته في إجابات
وخلال لقاء معه، سئل غباي عن برامجه التي ستجتذب ناخبي الليكود اليمينيين؟ فأجاب: «المشكلة الرئيسية هي أن الناس يخافون اليوم من بدء مسيرة التقدم في الحياة. يخافون من غلاء المعيشة وغلاء المساكن. الحكومة لا توفر رداً صحيحاً في هذه القضايا. جهاز الرفاه (الضمانات الاجتماعية) ينهار كل شيء وتجري خصخصته. المخصّصات ليست مهمة للغالبية، ومع ذلك فإننا ننوي معالجتها. ومن أجل ذلك يجب زيادة النمو. عندما نزيد النمو سنحصل على ضرائب أكثر، وسنتمكن من الاهتمام بالمواطنين».
عندما سئل عن كيفية توفيقه بين اعتباره نفسه اشتراكياً ديمقراطياً وطرحه سياسة تبدو رأسمالية، رد قائلاً: «أنا لست رأسمالياً، وقلت تماما ما أنا وما هي نياتي خلال الحملة الانتخابية. لا توجد علاقة بين ما كنت وحقيقة أنني كنت مديرا لشركة كبيرة. هذان أمران مختلفان. أنا أنوي تعيين أفضل الأشخاص في إسرائيل على أساس الكفاءة... لأن التعيينات السياسية تدمّر الدولة. ثم إنني اطرح حواراً يختلف تماما، بين العلمانيين والمتديّنين، بين العرب واليهود، وغير ذلك. لدي اتصالات مع الجميع وأعرف كيف أتدبر معهم وأرتبط بهم».
عن برنامجه السياسي مع الفلسطينيين، قال غباي: «سأختبر ما إذا كان أبو مازن شريكاً. آمل أن يكون كذلك، وفي هذه الأثناء هو الشخص الوحيد الذي يمكن الجلوس معه حول الطاولة. على كل حال، سأستثمر جهودا كبيرة لتحريك العملية السياسية من أجل دفع حل الدولتين». وعن احتمال اضطراره لتقديم تنازلات لليمين من أجل كسب ناخبي الليكود، أوضح: «التجربة التي سأقودها في المسار السياسي هي أخذ ناخبين من الليكود، هناك يوجد أكبر مستودع للنواب، وأنا أقصد هذا ولا أقصد غمز اليمين، وأنا مقتنع بأن هناك الكثير ممن صوتوا في الماضي لليكود يؤمنون بمواقف حزب العمل».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».