مغضوب عليها

مغضوب عليها
TT

مغضوب عليها

مغضوب عليها

* السينما العربية كمشروع يُسهِم في نهضة فنية وثقافية وبالتالي حضارية، ليست بخير. كيانها مهدّد، والمنوال المتاح لإنتاجاتها غير متواصل. يبقى غالب أفلامها بلا توزيع خارج حدوده، بل بالكاد يعرض داخله. لا كتب. لا مجلات. لا اهتمام فعليّاً من قِبل الحكومات بها.
* ماذا عن وصول عدد ليس بالقليل من الأفلام العربية إلى المهرجانات الدولية، وحصول بعضها على جوائز؟
رائع. نعم، تصل حفنة منها إلى حفنة من المهرجانات. يطرب صانعوها للتصفيق. يرقصون إذا ما خرجوا بجائزة. لكن كمّ المسافة التي لا تزال تفصل بين الفيلم العربي وأن يصبح لازماً لا يمكن الاستغناء عن اشتراكه في 10 مهرجانات دولية مثلاً؟ كم حجم الغياب مقارنة بحجم حضور السينمات الفرنسية والبريطانية والصينية والكورية واللاتينية والإسبانية وسواها؟
* ماذا عن المهرجانات السينمائية المقامة في كثير من المدن العربية؟ صحيح. كثيرة وما تعرضه في بعضه متكرر. يعرض هنا وهناك ثم ينتقل إلى محفل ثالث، قبل أن يغيب عن النظر إلى الأبد. صحيح. هناك مهرجان جديد ينطلق كل عامين أو ثلاثة، لكن هناك غياباً لمهرجانات أكثر كل عامين أو ثلاثة. هناك مهرجانات في كل مكان، لكنّ معظمها لا يتحرك من مكانه وإذا تحرك فإنه يعود إلى الوراء.
* باختصار مفيد، لم نعرف بعد كيف نتقدّم بالسينما كمشروع ضروري في كل أوجهه. ولا أستطيع أن آخذ بلدا واحداً كمثال لأن المسألة عامّة تخص كل الدول. هناك الحروب المتواصلة التي تقتل كل همّ آخر غير هم البقاء على قيد الحياة، بيد أن هذه الحروب ليست منتشرة في ربوع العالم العربي بأسره. لذلك فإنّ المنتشر هو ترك كل فعل سينمائي لمصيره.
* السينما لم تتقدّم منذ أن عاد الاعتبار المرفوض إليها (بعد سنوات العز في الستينات والسبعينات)، وهي أنّها ترفيه يشتغل فيه تجار ومطربون وعارضات أزياء ومهرجون كوميديون وشبان يريدون النجومية ولو لسنتين أو ثلاث، قبل أن يلغيهم منافسون آخرون. الوجه الصحيح الآخر لها، ذلك الحافل بالفن والجدّية، والطروحات الثقافية أو أساليب التعبير وماهية المعبّر عنه، هو دائماً مهدد الوجود. وحضوره محدود بتلك المهرجانات التي بدورها تعاني من مصائر غامضة حتى الناجح منها.
* لكي تتغير هذه النظرة يجب أن يكون هناك منهج مختلف حيال مسؤولية الجميع (الدولة والسينمائي)، حيال مفهوم الفن والثقافة. الأفلام ليست مجرد حكايات، والمهرجانات ليست محفلاً للبساط الأحمر أو سواه، بل هي سعي لترسيخ العالم العربي بأسره في وجدان مواطنيه ومواطني العالم معاً. ولكي يصل لتحقيق هذه الغاية، لا بد من إيمان بدور السينما الشامل ودعمه والنظر فقط إلى عوائده المعنوية والثقافية وليس المادية.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.