البشير يجمد لجنة التفاوض مع أميركا رداً على إرجاء رفع العقوبات

عمر البشير الرئيس السوداني
عمر البشير الرئيس السوداني
TT

البشير يجمد لجنة التفاوض مع أميركا رداً على إرجاء رفع العقوبات

عمر البشير الرئيس السوداني
عمر البشير الرئيس السوداني

أصدر الرئيس السوداني قراراً جمهورياً قضى بموجبه بتجميد عمل لجنة التفاوض بين السودان والولايات المتحدة الأميركية، وذلك إثر إرجاء الإدارة الأميركية رفع العقوبات المفروضة على بلاده.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سونا) خبراً مقتضباً، أعلنت فيه إصدار الرئيس عمر البشير لقرار جمهوري يقضي بتجميد لجنة التفاوض مع الولايات المتحدة حتى 12 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي الموعد الجديد الذي حدده الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترمب لإعادة تقييم التزام السودان بتعهداته، واتخاذ قرار بشأن العقوبات.
وأبدت الحكومة السودانية أسفها على أمر الرئيس الأميركي، ودعت حكومة واشنطن للتراجع عن قرارها، وقطعت بأنها أوفت بكل التزاماتها، وأنه لم يتبقَّ لديها المزيد لتقدمه، مبدية خشيتها من يكون الأمر استمراراً للسيرة الأميركية في علاقتها مع السودان.
وقال وزير الخارجية إبراهيم غندور في تصريحات تعليقاً على قرار الرئيس الأميركي بتأجيل رفع العقوبات المفروضة على السودان أمس، إنه أمر مؤسف بعد التعاون بين السودان والولايات المتحدة، وبعد اعتراف الجهات الأميركية كافة بأن السودان أوفى بالتزاماته تجاه خطة المسارات الخمسة كافة، وبأنه لا يملك المزيد ليقدمه للولايات المتحدة الأميركية في الشأن.
وأصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس أمراً تنفيذياً أجرى بموجبه تعديلاً للأمر التنفيذي 13761 الذي أصدره سلفه باراك أوباما بالرفع الجزئي للعقوبات، على أن ترفع كلياً ابتداء من أمس، مؤجلاً بذلك البت بشأنها بحلول 12 من أكتوبر المقبل.
وأجرى الرئيس ترمب التعديل على الرغم من اعترافه بالسياسات والمعالجات التي قامت بها حكومة السودان، وقال إن إدارته تهدف إلى المزيد من تقصي الحقائق، والمزيد من الدراسة الشاملة لخطوات الحكومة السودانية، قاطعاً بأن الأمر لا يستهدف خلق حقوق أو فوائد موضوعية، أو إجرائية قابلة للتنفيذ قانونياً ضد الولايات المتحدة الأميركية.
ووصف الوزير غندور القرار الأميركي بـ«الأمر المؤسف بعد التعاون بين السودان والولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، وباعتراف كل الجهات الأميركية بأن السودان أوفى بما عليه»، مضيفاً أن الولايات المتحدة أوفت بالتزاماتها تجاه خطة المسارات الخمسة «عدا البند الخاص برفع العقوبات».
وأبدى المسؤول السوداني تخوفه من عدم إيفاء الإدارة الأميركية بتعهداتها برفع العقوبات على بلاده، وقال بهذا الخصوص: «نخشى أن يكون هذا إعادة لما كنا دائماً نكرره؛ بأن الجانب الأميركي لا يصل إلى نهاية المطاف، ويحاول قطع المسيرة في منتصفها... فالسودان ليس لديه أكثر ليقدمه، وقد تعاون في كل الملفات، إقليمياً ومحلياً ودولياً».
وكانت الخارجية الأميركية قد اعترفت في وقت سابق بأن السودان حقق تقدماً كبيراً ومهماً في كثير من المجالات، وهو ما دفع رأس الدبلوماسية السودانية للتفاؤل والتصريح مستبقاً قرار الرئيس ترامب بأن حكومته ترفض أي قرار أميركي لا يفضي لرفع العقوبات.
ودعا المسؤول السوداني الإدارة الأميركية إلى مراجعة قرارها، ورفع العقوبات التي وصفها بـ«الجائرة على السودان»، نافياً أن يكون «بند حقوق الإنسان» واحداً من البنود التي ناقشتها حكومته مع واشنطن لرفع العقوبات، ووفقاً لخطة المسارات الخمسة، وجزم غندور بأن حكومته، وباعتراف الولايات المتحدة نفسها والمجتمع الأفريقي والدولي أوفت بالتزاماتها، موضحاً أن كل المؤسسات الأميركية أكدته في الحوارات الثنائية الشهرية ونصف الشهرية، والفنية والسياسية، وقال في هذا السياق: «نحن لا نرى سبباً لهذا التمديد، لذلك ما زلنا نتطلع لرفع هذه العقوبات عن السودان، وما التزمنا به سننفذه، لكن ليس لدينا المزيد».
ونفى غندور أن تكون حالة حقوق الإنسان جزءًا من المسارات الخمسة، قاطعاً بأن حقوق الإنساني السوداني محفوظة، ووصف جهات أطلق عليها «جزءًا من فئات ضغط مستفيدة من الحصار على السودان» بأنها تقف وراء الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان.
وتوصلت مباحثات سودانية - أميركية إلى ما اصطلح عليها بـ«خطة المسارات الخمسة»، التي تشترطها أميركا لرفع العقوبات عن الخرطوم، تتضمن تحسين وصول المساعدات الإنسانية، والإسهام في علمية السلام في جنوب السودان، ووقف القتال في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، لرفع العقوبات التي فرضتها واشنطن على الخرطوم منذ عام 1997، فضلاً عن مكافحة جيش الرب الأوغندي.
من جانبه، قال مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعارض البيت الأبيض رفع العقوبات، وكان يمكن أن يقول ذلك، خصوصاً أن الرئيس ترمب ألغى كثيراً من القرارات التي كان قد أصدرها الرئيس السابق أوباما».
وأضاف المصدر أن «الخارجية الأميركية، أيدت منذ أن صار ترمب رئيساً، تنفيذ أمر أوباما ورفع العقوبات. لكنها تعرف أن القرار الأخير عند البيت الأبيض لأن الإلغاء يرتبط بأمر تنفيذي من الرئيس... نحس في الخارجية الأميركية بارتياح لأن البيت الأبيض لم يُلغِ قرار أوباما».
وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، إن إعلان تأجيل إصدار القرار جاء «في آخر لحظة»، بسبب وجود اختلاف بين الخارجية الأميركية، التي تؤيد تنفيذ أمر أوباما، والبيت الأبيض، حيث يوجد مستشارون لترمب «يريدون إلغاء كل ما أصدره الرئيس السابق أوباما»، كما يوجد انقسام بخصوص هذا الموضوع.
وأشارت الصحيفة إلى أن دبلوماسيي وزارة الخارجية قدموا سببين رئيسيين لرفع العقوبات وتحسين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع حكومة السودان: أولهما تشجيع حكومة السودان للالتزام بالشروط الأميركية، خصوصاً في مجال حقوق الإنسان، وتأسيس نظام حكم ديمقراطي. والسبب الثاني كسب دولة أخرى إلى جانب واشنطن للانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب.
لكن في الجانب الآخر، تحرك التحالف المضاد، الذي تقوده منظمات حقوق الإنسان، ومنها منظمة «إنقاذ دارفور»، ضد رفع العقوبات، وكثف اتصالاته مع أعضاء في الكونغرس. ويعتقد أنه وراء الخطاب المشترك الموجه من قبل 53 عضواً إلى الرئيس ترمب.
وحسب مصادر إخبارية أميركية، لم تعترض هذه المنظمات على مبدأ رفع العقوبات، لكنها طلبت وضع شروط متشددة، خصوصاً بالنسبة لدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وبالنسبة للنظام العسكري الذي يظل يحكم السودان قرابة 30 عاماً.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.