سنوات السينما

«أماركورد» الخيال جميل والواقع موسوليني
«أماركورد» الخيال جميل والواقع موسوليني
TT

سنوات السينما

«أماركورد» الخيال جميل والواقع موسوليني
«أماركورد» الخيال جميل والواقع موسوليني

* «أماركورد» (1973) سحر السينما فيلليني وسحر فيلليني هذا الفيلم
* هو الفيلم الثالث عشر في للمخرج الفريد فديريكو فيلليني. أنجزه في الفترة المنتصفة من حياته المهنية، بعد 22 سنة على فيلمه الأول «أضواء البهجة» (1951) وقبل 17 سنة على آخر أعماله الكاملة (أي من دون حسبان ثلاثة أفلام اشترك في إخراج فصول منها) وهو «صوت القمر» (1990) الذي حققه قبل عامين من وفاته.
«أماركورد» (أو «أتذكر») شبيه بأفلامه السابقة واللاحقة من زاوية أنه قـلّـما سمح المخرج لنفسه بمشهد شخصي. هناك مشاهد قليلة داخل البيوت، لكن معظم هذا الفيلم (وأفلامه الأخرى بشكل عام) يدور في الساحات والشوارع. في مطلع الفيلم هناك الريف والعم المجنون (شيتشو إنغراسيا) الذي يتم إخراجه من المصحة وهو ليس بعد بكامل قواه العقلية. حين يصل إلى قريته يصعد أول شجرة يصل إليها في قريته ويصيح بأعلى صوته «أريد امرأة».
الفيلم في الأساس هو مجموعة من المشاهد التي ترد كما لو كانت ذكريات المخرج حول نشأته. هذا على الرغم من نفي الراحل في أحاديثه أن الفيلم هو سيرة ذاتية مكتفياً بالقول: إن ثمة مواقف معينة قد تكون وقعت معه. على ذلك، لا يمكن تجاهل أن الأحداث تدور في بلدة ريميني التي وُلد فيها فيلليني، وحقيقة أن الفيلم مؤلّـف، تماماً كالذكريات التي تعيش داخل كل منا كفصول. كل فصل منفصل عن الآخر بستارة رقيقة مع تداخل شخصيات رئيسية كثيرة فيها وبداية ونهاية كل منها بما يختلف، موقعاً ومضموناً، عن الآخر. وبل هناك ذلك الفتى تيتا (برونو زانين) الذي يظهر في عدد من هذه القصص مرتدياً معطفاً وقبعة وشالاً بنفس ألوان وتصميم ما شوهد المخرج يرتديه في مناسبات كثيرة.
«أماركورد» مزيج من الواقع وغير الواقع. الـبَـرَد المنهمر هو واقع. انهماره بهذه الصورة هو خيال. كذلك انهماره طويلاً وفي فصل الربيع، كما تلاحظ إحدى الشخصيات التي تقول لنا، قبل سوانا: «لأول مرّة تمطر السماء ثلجا في الربيع». ويعلق آخر «أربعة أيام من الثلج. ألن ينتهي؟».
غالب المشاهد الخارجية تقع في الساحة الرئيسية للبلدة، حيث يتم فيها شق ممرات بين الثلوج التي تكوّمت تحوّل الساحة إلى ما يشبه المتاهة. هناك يرقص الفتيان قرب النهاية على صوت موسيقى نينو روتا كما لو كانوا أرواحاً من الخيال. موسيقى هائمة تستخدم أدوات قليلة وتنساب فوق معظم الفيلم، لكنها تتجلّى هنا في مشهد أولئك الفتيان وهم يرقصون التانغو على أنغامها كل بمفرده. هذا يتحرّك من مكانه وآخر يبقى فيه، وثالث يدور حول نفسه وكلهم في حالة من الوهم الجميل. مغلقو الأعين ويرقصون كما لو أنهم يحلمون بالمرأة والحياة والجمال متمثلاً في شكل واحد، أو في شكل ما لكل واحد.
يتطرق «أماركورد» إلى كل ما شابَ تلك الفترة بما في ذلك نهوض الفاشية الإيطالية. في تلك الساحة ذاتها يمر استعراض الزمرة الفاشية التي تحتفي بالديكتاتور موسوليني. فيلليني يسجله بدوره كواقع حدث، لكن يحيطه بتلك النظرة الساخرة وبالمنوال المبطن كاريكاتوريا الذي يعرض فيه معظم الفصول الأخرى، في واحد منها نتابع وصول ثلاثي شرقي ونسائه إلى الفندق الكبير الوحيد في المدينة. وفي آخر يستعرض وجوه المرأة المختلفة. رجال فيلليني، هنا وفي كل أفلامه، يتشابهون في كونهم باحثين متيّـمين وتائهين. نساؤه أكثر ثباتاً وغموضاً وكل واحدة لها شكل وجه وماكياج وتصفيفة شعر تعبّـر عن هذا البحر الذي في داخلها.
في الوقت الذي سرد فيه فيلليني ذكرياته وذكريات سواه، أنجز كذلك، وبرصد لا يلغي نعومة وجمال ما يوفره، جزءاً من تاريخ وطنه في الأربعينات. لا تعليق سياسيا مباشرا ولا حتى يمكن اعتباره تعليقاً على الإطلاق. مجرد مرور على مناسبة لا يمكن تفويتها في ذلك الحين.
بين الشخصيات الأخرى ذلك المعلّـق على الأحداث. رجل متوسّط العمر يقف محل فيلليني في التعليق عند تلك الفواصل الضيقة بين الخيال والواقع. إذ نتابع كلامه الموجه مباشرة إلى الكاميرا، ندرك أنه لُـحمة الفيلم التي تجمع بين الاثنين.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.