حرب غير تقليدية في باب المندب وقودها الألغام والزوارق المفخخة

لغم بحري نشره الحوثيون تم نقله إلى جزيرة في البحر الأحمر («الشرق الأوسط»)
لغم بحري نشره الحوثيون تم نقله إلى جزيرة في البحر الأحمر («الشرق الأوسط»)
TT

حرب غير تقليدية في باب المندب وقودها الألغام والزوارق المفخخة

لغم بحري نشره الحوثيون تم نقله إلى جزيرة في البحر الأحمر («الشرق الأوسط»)
لغم بحري نشره الحوثيون تم نقله إلى جزيرة في البحر الأحمر («الشرق الأوسط»)

حتى منتجو فيلم «قراصنة الكاريبي» الذي يمثله الممثل الأميركي الشهير جوني ديب، لم يصل خيالهم إلى درجة الإجرام التي وصل إليها الحوثيون وصالح في تهديدهم السفن والملاحة الدولية في باب المندب، الممر المائي المهم الذي تمر عبره 7 في المائة من الملاحة العالمية.
ووفقا لتقارير وتحليلات، فإن حربا غير تقليدية تجري قرب باب المندب لمكافحة التهديد الذي يطال نحو 25 ألف سفينة تجوب المضيق سنويا، و«4.7 مليون برميل نفط يوميا» وفقا لإحصائية إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وبسؤاله عن السفن الأكثر عرضة للخطر، يشدد العميد عمرو العامري، الخبير العسكري السعودي، على أن السفن التجارية هي الأكثر عرضة للخطر، معللا ذلك بأن القانون لا يسمح لها بتسليح نفسها.
ويقول العميد إن هجمات الزوارق الحوثية اعتداء ليس على سفن التحالف وحسب، بل على القانون الدولي والملاحة الدولية، وهو ما قد يهدد السلم العالمي... لذلك يجب أن يكون هناك تصعيد سياسي وعمل جماعي، وليس فقط من قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، ولكن من كل دول العالم.
ولكن، كيف تواجه السفن تهديدات الزوارق المسلحة في عرض البحر؟ يجيب العامري بالقول: يجب التفريق أولا بين السفن الحربية التي تستطيع أن تتصدى للزوارق وتتعامل معها بالقوة، وعادة وأثناء تصعيد النزاع تكون السفن الحربية على أهبة الاستعداد ورفع درجة الجاهزية وتغير قواعد الاشتباك للتعامل مع هذه الزوارق، ويتم التعامل معها بطرق مختلفة تبتدئ من التحذير (لأنها تتخفى أحيانا بشكل مدني أو كزوارق صيد)، ثم الاشتباك معها إذا ما دخلت مساحة محددة سلفا.
ومن أبرز تلك الطرق التي من الممكن أن تتعامل معها السفن الحربية «مدافع الاشتباك القريبة والمدافع الرشاشة المختلفة وحتى الصواريخ المحمولة إذا ما كانت الزوارق المهاجمة كبيرة نوعا ما وعلى مسافة مستوى الرؤية، إضافة إلى الطائرات العمودية التي تتعامل مع الزوارق من خلال المدافع الرشاشة».
أما السفن المدنية أو التجارية فموقفها صعب، ويعلل العامري ذلك بالقول «لأنها تبحر بطريقة مسالمة وعابرة عبر الممرات الملاحية، وهي غير مهيأة لمثل هذه المواجهات، وتكون في الغالب لديها طواقم محدودة بالكاد تفي بالأغراض الملاحية والتشغيل، ويحظر عليها القانون حمل أو تخزين الأسلحة، ومن أجل ذلك ضمن القانون الدولي سلامتها وحمايتها». «التهديدات الإيرانية لسلامة الملاحة الدولية يجب أن تُقرأ سياسيا قبل قراءتها عسكريا، فالعقيدة السياسية الابتزازية هي ما ترتكز عليه إيران داخليا في تسويق كبريائها الثوري. أما دوليا، فهي تهدف إلى استنزاف الولايات المتحدة سياسيا وإجبارها على تبني مسار سياسي يحقق لها اعتبارات سياسية جيواستراتيجية في الخليج العربي، بحر العرب والبحر الأحمر»، وفقا لعبد الله الجنيد، الباحث السياسي في مركز «سمت» للدراسات الاستراتيجية، الذي يقول إن «الاستراتيجية الإيرانية تقوم في ذلك الحيز المنشود جيواستراتيجيا (مضيق هرمز، وبحر العرب وباب المندب) على تحريم المكان - أو قابلية النفاذ، بتوظيف سلاح نوعي كصاروخ (قادر) الإيراني (النسخة الإيرانية من الصاروخ الصيني C - 802) الذي استخدمه الحوثيون في استهدافهم الإجرامي لسفينة الإمداد الإغاثي الإماراتية (سويفت) في البحر الأحمر في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2016، ومن ثم استهداف المدمرة الأميركية (ماسون) وسفينة الدعم القتالي (بونس) بصاروخين مماثلين أدخل تنظيم الحوثي وإيران في دائرة الدول والتنظيمات المارقة».
والمدى العملياتي لمجموعة النسخ الإيرانية من ذلك الصاروخ «تتعدى أوسع نقاط العرض الجغرافي للبحر الأحمر، مما يضع كثيرا من المنشآت الساحلية على ضفتيه في دائرة خطر الاستهداف المباشر في حال نُشرت على الزوارق السريعة»، وفقا للجنيد الذي أضاف أن إيران «طورت لاحقا القوارب المفخخة والمسيرة عن بعد، التي استخدمت في استهداف الفرقاطة السعودية (المدينة) قبالة سواحل الحديدة». ويقول إن «السلاح نفسه استخدم في استهداف منصة نفطية سعودية على سواحل البحر الأحمر لاحقا».
يعود العميد العامري ليؤكد أن القوانين الدولية كفلت حق وسلامة وصيانة المرور في المضايق الدولية، وذلك عبر اتفاقية قانون البحار الذي رعته الأمم المتحدة ووقع من قبل 132 دولة، والذي كفل حرية الملاحة الدولية في المضايق للجميع، وينص في مادته الـ«38» على «أن تتمتع جميع السفن والطائرات في المضايق بحق المرور العابر الذي لا يجوز أن يعاق»، وحسب تلك المادة فلا يجوز لأي دولة أو جماعة تهديد حرية وسلامة الملاحة في المضايق والقنوات الدولية.
ومنح القانون مجلس الأمن بموجب المادة الـ«41» من هذا القانون التدابير اللازمة «باستثناء استخدام القوة» لتنفيذ ذلك، ويشمل الاتصالات الاقتصادية والبريدية وما يراه مناسبا، وإذا لم تنجح مثل هذا التدابير فإن لمجلس الأمن وبموجب المادة «42» فرض ذلك بالقوة، وتقول تلك المادة: «إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة (41) لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال العمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة للأمم المتحدة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».