بعد طول صمود بدأت بوادر الأزمة تظهر على سوق العقار في الدار البيضاء. فعلى مدى السنوات الماضية شكلت مدينة الدار البيضاء ملاذا للشركات العقارية المغربية التي تكبدت خسائر كبرى في مدن أخرى، خاصة مراكش وطنجة وفاس، التي تأثرت فيها المشاريع العقارية بالأزمة العالمية.
فبخلاف مراكش التي راهنت بشكل كبير، خلال طفرتها العقارية قبل 10 سنوات، على استقطاب الطلب الأجنبي والأوروبي، على الخصوص، وتوجيه العرض للمستثمرين الباحثين عن إقامات ثانوية وسياحية تحت الشمس وعلى سفوح الأطلس أو على الشاطئ، تتميز مدينة الدار البيضاء، العاصمة التجارية للمغرب، بوجود طلب داخلي قوي نظرا لحجمها الاقتصادي والديموغرافي، الذي جعلها تمركز نحو 30 في المائة من الطلب المغربي على العقار السكني.
ويقول أسعد الصادقي، مدير وكالة المنار التابعة لمجموعة «سانتوري 21» في وسط الدار البيضاء: «باستثناء المثلث الذهبي وسط المدينة وبعض الأحياء الراقية مثل السيال ولونشون وغوتيه، نلاحظ أن هناك تراجعا في عدد الصفقات العقارية منذ أواسط العام الماضي، والذي زادت حدته خلال الربع الأول من العام الحالي. غير أن الأسعار لم تتزحزح إلا قليلا».
ويضيف الصادقي في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط»، أن هذا التراجع عائد بالأساس إلى تردد المستثمرين، ويقول الصادقي: «الطلب موجود، والمستثمرون يسألون. لكنهم مترددون ويترقبون انخفاضا في الأسعار، في حين أن مالكي الأراضي والشركات العقارية يتمسكون بالأسعار وينتظرون عودة إقلاع السوق». ويرى الصادقي أن على الشركات العقارية أن تتنازل بعض الشيء، ويقول: «يجب تخفيض الأسعار من أجل إعطاء انطلاقة جديدة للسوق، عملا بالمثل القائل خطوة إلى الوراء من أجل خطوات إلى الأمام».
وخلال سنة 2016 عرف مؤشر البنك المركزي للأصول العقارية أول انخفاض له في الدار البيضاء منذ سنوات، ونزل المؤشر، الذي يحتسب على أساس الأسعار المصرح فيها عند تسجيل صفقات إعادة بيع العقارات في المحافظة العقارية (السوق الثانوية)، بنسبة 3.8 في المائة خلال 2016، ورد تقرير بنك المغرب هذا الانخفاض إلى تراجع أسعار الشقق بنسبة 5.5 في المائة والأراضي بنسبة 2.6 في المائة خلال هذه الفترة.
غير أن المؤشر عاد للارتفاع خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 2 في المائة مقارنة بالربع الأخير من العام السابق، وذلك ناتج عن ارتفاع مؤشر أسعار الفيلات بنسبة 4.3 في المائة، فيما ارتفع مؤشر أسعار الشقق بنسبة 0.6 في المائة، وانخفض مؤشر أسعار الأراضي بنسبة 0.3 في المائة.
من جانبه عزا رحال بولكوط، رئيس شركة ماريتا، وهي مجموعة عقارية برساميل مغربية وخليجية وأوروبية، ركود السوق العقارية في الدار البيضاء إلى عاملين. ويقول بولكوط: «العامل الأول موضوعي، ويتعلق بوفرة العرض. فبسبب الكساد الذي عرفته باقي المدن المغربية في السنوات الماضية وجهت كل الشركات العقارية مجهودها الاستثماري صوب الدار البيضاء، خاصة في الضواحي، مثل بوسكورة ودار بوعزة والنواصر. الشيء الذي تسبب في فائض كبير في الإنتاج».
العامل الثاني سيكولوجي، فعندما يرى المستثمر أن الأسعار في بعض الأحياء الغالية في مراكش مثلا نزلت من 22 ألف درهم (2.3 ألف دولار) للمتر مربع إلى 11 ألف درهم (1.13 ألف دولار)، فإنه يترقب حدوث شيء مماثل في الدار البيضاء. لذلك فهو يتريث وينتظر قبل الإقدام على الشراء». ويرى بولكوط أن على الشركات العقارية تغيير سياستها وإدخال عناصر تنافسية جديدة لشد اهتمام المستثمرين، خاصة تكنولوجيا العمارات الذكية والطاقات المتجددة والتوجهات الهندسية الجديدة.
ورغم بوادر الأزمة يبقى مركز مدينة الدار البيضاء محافظا على جاذبيته وغلائه. فحسب المرصد المرجعي للأسعار العقارية الذي تصدره إدارة الضرائب، ما زال شارع المسيرة الخضراء بالمعاريف يحتفظ بمركز الصدارة من حيث أسعار الأراضي، بنحو 65 ألف درهم (6.7 ألف دولار) للمتر المربع. والسبب في ذلك يرجع إلى تخصص هذه المنطقة في السنوات الأخيرة في استقبال العلامات التجارية الكبرى وتحولها إلى حي للتسوق الراقي والموضة، حيث شيدت الكثير من العلامات العالمية عمارات خاصة ومحلات تجارية كبرى لعرض منتجاتها، بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم الفاخرة. في هذه المنطقة بلغ سعر الشقق السكنية الجديدة 27 ألف درهم (2.8 ألف دولار) للمتر، فيما يتراوح سعر الشقق القديمة بين 22 و25 ألف درهم (2.3 ألف و2.6 ألف دولار) للمتر.
وغير بعيد من شارع المسيرة الخضراء يعرف شارع الزرقطوني بدوره أعلى أسعار الأراضي، إذ تتراوح بين 37 و50 ألف درهم (3.8 و5.2 ألف دولار) للمتر مربع. ويمتد شارع الزرقطوني في شكل حزام من شاطئ البحر قرب مسجد الحسن الثاني إلى ساحة أوروبا غير بعيد عن القصر الملكي. ويضم الشارع في منتصفه، في أقرب نقطة من شارع المسيرة الخضراء، برجي توين سانتر اللذين يعتبران حتى الآن أعلى العمارات في المغرب. ويتراوح سعر الأراضي الموجهة لبناء عمارات أقل من 10 طوابق في هذه المنطقة بين 37 و40 ألف درهم (3.8 و4.12 ألف دولار) للمتر مربع، فيما يتراوح سعر الأراضي الموجهة لبناء عمارات أعلى من 10 طوابق بين 40 و50 ألف درهم (4.1 و5.2 ألف دولار) للمتر مربع.
ويعرف شارع أنفا الذي يتقاطع مع شارع الزرقطوني، في امتداده باتجاه وسط المدينة، أسعارا قريبة من هذا المستوى.
أما بالنسبة للشقق الجديدة فأعلى الأسعار توجد في الأحياء الراقية الجديدة على الشاطئ الأطلسي، وعلى الخصوص مارينا الدار البيضاء في وسط المدينة بين مسجد الحسن الثاني وميناء الدار البيضاء، ومنطقة ميغاراما وأنفا بلاص قرب مؤسسة آل السعود على كورنيش عين الدياب، ويتراوح ثمن الشقق الجديدة في هذه المناطق بين 30 و35 ألف درهم (3.1 و3.6 ألف دولار) للمتر المربع.
أما أغلى الفيلات فتوجد في آنفا العليا وعين الدياب، في المنطقة الممتدة بين شارع كينيدي والليدو وشارع الحزام الكبير. ويتراوح ثمن الأراضي المخصصة لبناء الفيلات في هذه المنطقة بين 17 و20 ألف درهم (18 و2.1 ألف دولار) للمتر مربع، أما الفيلات المبنية في هذه المنطقة فيتراوح ثمنها بين 25 و32 ألف درهم (2.6 و3.3 ألف دولار) للمتر مربع.
وينزل ثمن الأراضي المخصصة للفيلات في الضواحي إلى ما بين 4 آلاف و10 آلاف درهم (412 وألف دولار) للمتر المربع في النواصر وطيت مليل وسيدي مومن وعين السبع، والتي تعرف ازدهارا في المشاريع وصارت تجتذب الشرائح المتوسطة العليا من سكان الدار البيضاء التي أصبحت الأحياء الراقية التقليدية خارج متناولها.
استقرار أسعار الأراضي في الدار البيضاء رغم ركود المعاملات
وسط المدينة والمشاريع الجديدة على الكورنيش الأغلى على مستوى المغرب
استقرار أسعار الأراضي في الدار البيضاء رغم ركود المعاملات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة