استضاف الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في البيت الأبيض، وليس في استراحة مارلاغو التي يفضلها الرئيس الأميركي، والتي استضاف فيها الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس الوزراء الياباني شينزو أبي. وأكد المسؤولان، اللذان تعانقا قبل أن يتوجه كلّ منهما إلى المنضدة المخصصة له في حدائق البيت الأبيض للإدلاء بتصريحات مقتضبة، عزمهما على تعزيز التعاون بينهما في مكافحة الإرهاب. وفي دليل على هذه الرغبة في إقامة روابط مع الرئيس الجمهوري، لم يأت مودي على ذكر نقاط الخلاف بينهما في تصريحاته العلنية.
وقال ترمب: «إنه لشرف لي أن أستقبل في البيت الأبيض زعيم أكبر ديمقراطية في العالم»، مؤكداً لضيفه أن لديه في البيت الأبيض «صديقاً حقيقياً»، وأضاف: «العلاقة بين الهند والولايات المتحدة لم تكن يوماً أقوى وأفضل مما هي عليه اليوم». وإذ دعا مودي إلى علاقة تجارية «متوازنة»، شدد ترمب على ضرورة «رفع الحواجز أمام تصدير منتجات أميركية»، وخفض العجز التجاري بين البلدين. ومن ناحيته، وجه مودي دعوة إلى ترمب لزيارة الهند، مشدداً على أن الولايات المتحدة هي «الشريك الأول» للهند في عملية التحول الاجتماعي - الاقتصادي التي تخوضها حالياً.
* علاقات فاترة
عندما اتصل دونالد ترمب هاتفياً برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أيام من فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية، كان الهدف هو إظهار قدر من الوداعة وروح الود، وحتى خلال حملته الانتخابية، صرح ترمب بأن الهند والولايات المتحدة كانا أفضل صديقين، لكن بعد توليه الرئاسة بدأ في الإدلاء بتصريحات وتعليقات مثل أن الهند «تسرق الوظائف الأميركية»، واتخاذ إجراءات صارمة ضد جميع المراكز الصناعية، وفرض عقوبات ضريبية على الشركات التي اتجهت للخارج للاستفادة من العمالة زهيدة الأجر. وعندئذ، فترت العلاقات بسبب عدد من الإجراءات المثيرة للجدل التي أقرها الرئيس الأميركي ضد الهند.
ويأتي على قمة قائمة المبادرات التي صدرت عن الإدارة الحالية للبيت الأبيض قضية قيود «فيزا إتش 1 بي»، التي مثلت تهديداً للشركات الهندية، وكذلك لاختصاصيي التكنولوجيا الهنود العاملين في الولايات المتحدة، أو الراغبين في الذهاب إليها. وخص ترمب الهند بانتقاداته اللاذعة، زاعماً أن نيودلهي تتلقى «مليارات» الدولارات مقابل التوقيع على اتفاقية باريس. وبحسب ترمب، «الهند جعلت مشاركتها مشروطة بمليارات ومليارات الدولارات، في صورة مساعدات أجنبية من الدول النامية».
وبحسب الكاتب السياسي مانوج جوشي، فإن الزعيمين على خلاف بشأن شعار الحملة الذي رفعه كل منهما «أميركا أولاً» و«صنع في الهند». فقد استمر ترمب منذ حفل تنصيبه في التأكيد على الشركات الأميركية على الإبقاء على استثماراتهم في الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، طالب مودي الشركات متعددة الجنسيات بتصنيع منتجاتهم في الهند، ذلك لأن الاقتصاد القومي كان بمثابة القوة الدافعة لنجاح الاثنين في الانتخابات.
وبحسب رجا موهان، الخبير الهندي في الشؤون الخارجية، «ربما كان خطاب ترمب الداعم للهند مجرد حيلة لاستقطاب أصوات الناخبين الأميركيين ذوى الأصول الهندية الذين ساعدوه بالفعل لاحقاً بدرجة كبيرة. ومن الواضح أن ترمب يتعلم ويتعلم في وظيفته الجديدة التي جعلت مواقفه أكثر اشتعالاً. فالهند لن تثق في ترمب ثقة عمياء».
* عما تحدث مودي وترمب؟
من أهم القضايا التي ركز عليها مودي وترمب مجال الدفاع، إذ إن الهند هي أكبر مستورد للأسلحة في العالم. وعليه، فمن الواضح أن الاثنين يسيران على حبل البهلوان بين سياستي «صنع في الهند» و«أميركا أولاً».
واحتلت مسائل الأمن الإقليمي حيزاً كبيراً من المحادثات، في وقت تبحث فيه واشنطن في نشر تعزيزات يتراوح عددها بين 3 آلاف و5 آلاف عنصر في أفغانستان. وكتب مودي، في مقالة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» أن «تحول الهند يتيح فرصاً تجارية واستثمارية لا تحصى بالنسبة للشركات الأميركية»، مشيراً إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين قد ارتفع إلى 115 مليار دولار في السنة.
من المثير للاهتمام أنه قبل لقاء ترمب، أصلح مودي العلاقات مع روسيا بمهارة، وحسّن من علاقات بلاده مع 3 رؤساء دول أوروبية، في مايو (أيار) الماضي، مع الالتزام بالذهاب لما هو أبعد من حدود «اتفاق باريس للتغير المناخي». وأعطى التأرجح بين ألمانيا وإسبانيا وروسيا وفرنسا مودي تغطية إعلامية عالمية نادراً ما تحظى بها اللقاءات الثنائية. وكانت الرحلة أحد أنجح زياراته لأوروبا، حيث ساعدت في دفع علاقات الهند مع تلك الدول الأوروبية الكبرى إلى الأمام.
وفي سياق متصل، قال المعلق السياسي شارو سودان كتسوري «سيكون من المثير رؤية نجاح زيارة مودي للولايات المتحدة، فهناك أمر واضح، وهو أن ترمب قد يصبح صديقاً للهند، لكنه ليس بالشخص الموثوق به، فكثير من القضايا بات يشوبها الشك الذي جلبه ترمب للمسرح العالمي. وسيكون مودي بعد لقائه بترمب أكثر جاهزية للتعامل مع نقاشات قمة العشرين، في يوليو (تموز) المقبل، التي ستشهد كثيراً من المشاكسات بسبب تأثير ترمب».
* علاقات الهند مع رؤساء سابقين
فيما يخص الهند، تعد تلك الخطوة نقلة كبيرة منذ عهد الرئيس السابق جورج بوش، الذي تمتع بعلاقات ودية مع الدكتور منمهان سنغ، تمثلت في توقيعه للاتفاق النووي مع الهند عام 2005. وبالطبع، حمل أوباما التركة للأمام، وكانت أول زيارة رسمية له عام 2009 إلى الهند، ويحمل له الدكتور سنغ تقديراً كبيراً. وقد واصل أوباما التمهيد الدبلوماسي مع مودي، وتقابل الاثنان 8 مرات خلال عامين ونصف العام، في مناسبات ومناطق مختلفة، منها خلال زيارات رسمية لعدد من الدول، وكان أهمها زيارته للهند، بوصفه الضيف الأساسي، استجابة لدعوة بمناسبة احتفالات اليوم الوطني للبلاد بنيودلهي.
وبحسب تقرير إعلامي نشر بموقع «ديلو»، يختلف أسلوب إدارة ترمب عن إدارة الرئيسين السابقين. وفي الوقت الذي يتبلور فيه الحديث عن «روح التعاون» من خلال القنوات الرسمية، فقد شهدت الديناميكية الداخلية تغييراً مذهلاً انعكس في حديث البيت الأبيض عن قضايا متنوعة ذات أهمية محلية ودولية.
فالروابط المالية التي تربط ترمب بالهند تجعل منه، بصفة شخصية، شريكاً مهماً. وفي تصريح صدر العام الماضي عن المتحدث باسم شركة «تربيكا» للتطوير العقاري بمومباي، التي تعتبر شريكاً لترمب في الهند، قال: «قد يكون في الهند أكبر عدد من المشروعات العقارية التابعة لترمب شخصياً خارج الولايات المتحدة، فلترمب 5 مشروعات جارية تقدر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار، ناهيك بمشروعات أخرى متوقعه خلال عام 2017».
وفي الوقت الحالي، هناك ثغرة دبلوماسية في العلاقات الهندية الدبلوماسية، إذ إن البيت الأبيض لم يكلف سفيراً لدى الهند حتى الآن. ووسط كل هذا الجو من انعدام الثقة، أصاب المسؤول الإعلامي بالبيت الأبيض، شون سبايسر، الهدف بقوله: «الرئيس ترمب يتطلع إلى مناقشة أساليب تعزيز الشراكة الأميركية الهندية بصورة طموحة». وعلى المنوال نفسه، صرح مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية الهندية بنيودلهي قائلاً: «نقاشاتهم ستمهد الطريق إلى اتفاق ثنائي أعمق».
العلاقات الهندية ـ الأميركية في الميزان
للتوفيق بين «أميركا أولاً» و«صنع في الهند»
العلاقات الهندية ـ الأميركية في الميزان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة