«أريد أن أقتل كل المسلمين». بهذه العبارة لخّص دارين أوسبورن (47 عاماً) هدف هجومه على المسلمين الخارجين من مسجد فنزبري بارك بشمال لندن، ليلة الأحد.
وفي حين لم تؤكد الشرطة بعد ما إذا كان أوسبورن ينتمي إلى جماعة أم أنه تصرّف بمفرده، فإن ما قام به يعكس ازدياداً واضحاً في منسوب الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا. فما أبرز الجماعات التي تقود حملة الكراهية هذه، وما أهدافها، وكم حجمها؟ ليس هناك في حقيقة الأمر أي حزب سياسي من الأحزاب الكبرى في بريطانيا يتبنى توجّهاً معاديا للمسلمين نتيجة انتمائهم الديني، بل بالعكس تتنافس هذه الأحزاب على استقطاب الناخبين المسلمين وتدفع بمرشحين من وسطهم لتمثيلها في البرلمان، لا سيما في الدوائر التي يمثّل المسلمون شريحة لا بأس بها من سكانها (هناك حالياً 15 نائباً مسلماً في مجلس العموم ينتمون إلى أحزاب مختلفة).
وسارع حزب المحافظين الحاكم وحزب المعارضة الرئيسي، حزب العمال، إلى استنكار هجوم فنزبري بارك والتضامن مع ضحاياه وزيارة مسجده وطمأنة مسلمي المنطقة. وعلى الرغم من الهجمات الإرهابية الثلاث التي شهدتها بريطانيا في الشهور الماضية وتبناها تنظيم داعش (أي هجوم «الدهس» على جسر وستمنستر، وجسر لندن بريدج، وتفجير قاعة إرينا في مانشستر)، فإن قادة الأحزاب الرئيسية اعتمدوا خطاباً ابتعد عن التحريض ضد دين معين نتيجة انتماء المهاجمين إليه، وإن كانت رئيسة الوزراء تيريزا ماي عبّرت عن موقف أكثر تشدداً من غيرها، من خلال إعلانها أن «الكيل طفح» من «آيديولوجية التطرف الإسلامي الشريرة».
وكان «حزب استقلال المملكة المتحدة» الوحيد من بين الأحزاب المعروفة الذي تبنى خطاباً سياسياً يستهدف شرائح من المسلمين خلال حملة الانتخابات الأخيرة. فقد نص في برنامجه الانتخابي على سن قانون يمنع ارتداء النقاب. وكان هذا الحزب قد تبنى أيضاً موقفاً وُصف بأنه يتضمن تحريضاً واضحاً ضد المسلمين، عندما نشر إعلاناً - خلال حملة الاستفتاء على بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي قبل عام - ظهر فيه آلاف اللاجئين من بلدان مسلمة وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا، في تحذير واضح من أن القارة العجوز تتعرض لـ«غزو» إسلامي. وتتشارك صحف يمينية وشعبية عدة في تبني خطاب مشابه من خلال تسليط الضوء في عناوينها على تصرفات مسيئة يقوم بها مسلمون في بريطانيا، أو من خلال إبراز مطالب ومواقف لبعض الإسلاميين الذين يطالبون بـ«تطبيق الشريعة»، ويرفضون اندماج المسلمين في إطار المجتمع البريطاني «الكافر».
في مقابل ذلك، برز في السنوات الماضية اسم جماعة «رابطة الدفاع الإنجليزية» التي تبنت خطاباً صريحاً ضد الإسلام كدين، وإن كان المبرر لذلك هو وجود «متطرفين» في وسط المجتمع المسلم. وظهرت هذه الجماعة للمرة الأولى في شكل علني عام 2009، وإن كانت جذورها تعود إلى ما قبل ذلك. ونشأت الرابطة في شكل منظم بوصفها رد فعل على مظاهرات دأب على تنظيمها مؤيدون لجماعة إسلامية متطرفة في مدينة لوتون شمال لندن وفي مدن أخرى، وكانوا يرفعون خلالها شعارات تندد بجنود بريطانيين قُتلوا في العراق وأفغانستان وتعتبر أنهم ذاهبون «إلى نار جهنم»، كونهم قاتلوا في بلدان مسلمة. وأثارت مظاهرات هؤلاء الإسلاميين المتشددين المرتبطين برجل الدين المثير للجدل أنجم تشاودري (المسجون حالياً بتهمة الترويج لـ«داعش») رد فعل معاكساً من شريحة من الشباب البريطانيين، الذين تكتلوا ضمن ما بات يُعرف بـ«رابطة الدفاع الإنجليزية». وأنشأت هذه الرابطة فروعاً لها في مناطق بريطانية عدة، لكن مظاهراتها كانت تضم غالباً بضع عشرات فقط، أو بضع مئات في أقصى حال، ما عكس أن حجمها الشعبي محدود ويعتمد بوضوح على شرائح من الشباب من أبناء الطبقات الفقيرة، الذين يقطنون في مناطق شعبية تشهد ارتفاعاً في نسبة البطالة وازديادا في نسبة سكانها المسلمين. واعتبر أنصار «الرابطة الإنجليزية» أن ازدياد أعداد المسلمين يؤدي إلى تغيير طبيعة المجتمع البريطاني.
ويقود «رابطة الدفاع الإنجليزية» حالياً تيم أبليت (من مقاطعة دورست بغرب إنجلترا) الذي أوقفته الشرطة عام 2010 في إطار تحقيق في مؤامرة مزعومة لتفجير مسجد في مدينة بورنموث؛ لكنها أفرجت عنه من دون توجيه أي تهمة. وهو تولى زعامة «الرابطة» في عام 2013 عقب استقالة زعيمها السابق تومي روبينسون، الذي على الرغم من تركه هذه الجماعة فإنه يظل أحد أبرز الوجوه المعروفة بإطلاق مواقف مثيرة للجدل في خصوص التصدي لـ«الأسلمة» في المجتمع البريطاني. واستضافت قناة «آي تي في» في برنامجها الصباحي أمس روبينسون الذي شن حملة شعواء ضد الدين الإسلامي واتهمه بالإرهاب والعنف، ما دفع بمقدمي البرنامج إلى اتهامه بالعنصرية. واتهم روبينسون في أعقاب التفجير الانتحاري في مدينة مانشستر في مايو (أيار) الماضي، الحكومات البريطانية بأنها عاجزة عن التصدي للإسلاميين المتشددين. وشارك روبينسون في عام 2015 في جهود لافتتاح فرع بريطاني لجماعة «بيغيدا» الألمانية المعادية للمسلمين. وهو يعمل حالياً إعلامياً في موقع كندي يميني متطرف (ذا ريبيل ميديا).
وفي الواقع، الهجوم على المسلمين في فنزبري بارك ليس العمل الإرهابي الأول الذي يستهدفهم في بريطانيا. ففي عام 2013. قتل الطالب الأوكراني النازي بافلو لابشين المسنّ المسلم محمد سليم (82 عاماً) وحاول تفجير مساجد في وسط إنجلترا على أمل إشعال «حرب عرقية». وبعد ذلك بعام سُجن إيان فورمان وهو من النازيين الجدد لفترة 10 سنوات، لتآمره لتفجير مساجد في منطقة «ميرسي سايد» بشمال غربي إنجلترا.
هجوم فنزبري بارك يعكس ازدياد منسوب «الإسلاموفوبيا» في بريطانيا
هجوم فنزبري بارك يعكس ازدياد منسوب «الإسلاموفوبيا» في بريطانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة