تواجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن واقعاً متفاقماً: تصاعد إرهاب تنظيم داعش في جنوب شرقي آسيا، ومن شأن الموقف أن يزداد سوءاً مع فرار المقاتلين الأجانب من ساحات القتال في العراق وسوريا، وانتقالهم إلى أماكن جديدة.
ولقد ازداد الاهتمام والتركيز بشأن هذه القضية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مع اندلاع الاشتباكات العنيفة والدامية بين الإرهابيين وقوات الأمن الفلبينية حول مدينة مراوي الواقعة على ضفاف إحدى البحيرات، وتضم نحو مائتي ألف شخص من السكان في جنوب الفلبين.
وأعلن الرئيس الفلبيني رودريغو دوترتي العمل بالأحكام العرفية اعتباراً من 23 مايو (أيار) في مينداناو، في حين تعرّض المئات من المواطنين للقتل مع فرار أغلب السكان من القتال الوحشي المستمر هناك. وكانت المقاتلات الحربية الفلبينية تجوب سماء المدينة مع استمرار الغارات الجوية الهادفة إلى القضاء على الإرهابيين.
وقال مسؤولون عسكريون من الفلبين، إن الهدف الرئيسي للإرهابيين هو رفع راية تنظيم داعش الإرهابي على مبنى بلدية مراوي، وإعلان المدينة «ولاية» جديدة من الولايات التابعة لخلافة «داعش» المزعومة. ونجاحهم في ذلك من شأنه أن يرسّخ وبقوة من وجود تنظيم داعش في مينداناو، وهي الجزيرة الفلبينية التي ظلت ولفترة طويلة موطناً لجماعات متطرفة ومسلحة محلية الاهتمام والتركيز.
ولقد جاءت تلك القضية الخطيرة على رأس المناقشات التي أجراها وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس أثناء حضوره المؤتمر الدفاعي الإقليمي «شانغري - لا» في سنغافورة خلال الشهر الحالي. وسلّط الجنرال ماتيس وغيره من كبار المسؤولين الدفاعيين من مختلف البلدان الأضواء على الموقف الفلبيني الراهن، ولقد حض الوزير الأميركي على العمل بصورة عاجلة لمواجهة التهديدات، وقال أمام جمع من الوفود في المؤتمر: «علينا العمل سوياً وبشكل عاجل للحيلولة دون نمو هذه التهديدات. وبخلاف ذلك، فسيتعرض الأمن الإقليمي لمخاطر جمة على المدى الطويل وسيلحق الأضرار بالديناميات الاقتصادية الإقليمية في المنطقة. علينا التعامل أولاً مع حال الفوضى والعنف التي يتصدى لها أصدقاؤنا في الشرق الأوسط، للوقوف على الأسباب التي تدفعنا إلى ضرورة العمل السريع والحاسم والمشترك لمواجهة التهديدات التي تواجه هذه المنطقة».
والجدير بالذكر أن القضية تشهد نوعاً من التعقيد من قبل الرئيس الفلبيني بسبب عمليات القتل خارج نطاق القضاء، ضد الآلاف من تجار ومدمني المخدرات في الفلبين على مدار العام الماضي. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم راغبون في العمل مع الحكومة في مانيلا على القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلا أنهم تساورهم مخاوف بشأن عمليات القتل المتبادلة بين السلطات الفلبينية والخارجين عن القانون هناك.
وقال ثلاثة مسؤولين أميركيين تحدثوا الأسبوع الماضي، شرط عدم كشف هويتهم بسبب مناقشة أمور ذات حساسية دبلوماسية، إن وزارة الدفاع الأميركية كانت على استعداد لتوفير المساعدات، غير أن الحكومة الفلبينية لم تطلب ذلك حتى الآن. ولقد تغيّرت الأوضاع في غضون الأيام القليلة الماضية، إذ أقر المسؤولون الأميركيون بأنهم يمدون يد العون للجيش الفلبيني بمساعدات تقنية لم يتم الكشف عنها. وقال الرئيس الفلبيني في مقابلة شخصية الأحد الماضي، إنه لم يكن على دراية بالمساعدات الأميركية حتى ميعاد وصولها.
ولقد أنشأت وزارة الدفاع الأميركية مهمة لمكافحة الإرهاب تحت اسم «عملية الحرية الدائمة الفلبينية» بعد شهور قليلة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وتم تكليف نحو 600 من عناصر القوات الخاصة الأميركية بتوفير المساعدات للجيش الفلبيني خلال الأعوام التالية، ولقد انخرطوا في بعض أعمال القتال القليلة على الرغم من الطبيعة الاستشارية لمهامهم. وانتهت تلك العملية في عام 2015، وتقاعدت قوة العمليات الخاصة الأميركية المتمركزة في مينداناو، بينما تعهدت بمواصلة تقديم المساعدات لقادة الجيش الفلبيني عبر التخطيط العملياتي للمهمات.
وصرّحت الرائدة كاري ماكوين، الناطقة باسم العمليات الخاصة الأميركية في المحيط الهادي، بأنه منذ انتهاء مهمة مكافحة الإرهاب الأميركية في الفلبين، فإن الوجود العسكري الأميركي في البلاد لم يعد يتجاوز 50 إلى 100 جندي. وهم يعملون على المساعدة في العمليات المستمرة في مدينة مراوي، كما قالت. ولقد رفضت الناطقة تقديم أي تفاصيل إضافية، بالإشارة إلى المخاوف الأمنية المتعلقة بالعمليات الجارية.
وأردفت الرائدة ماكوين تقول: «إننا نساعد بناء على توجيهات الإدارة الأميركية، وبالكيفية وفي الأماكن التي تحددها القوات المسلحة الفلبينية. ولا نزال متمركزين في نفس المواقع، ونوفر نفس المساعدات الاستشارية المعتادة».
ولا تزال إدارة الرئيس دونالد ترمب – التي تعهدت بالقضاء على تنظيم داعش أينما ذهب – مستمرة في توفير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الفلبين، كما فعلت الولايات المتحدة منذ سنوات.
وفي الآونة الأخيرة، تم تسليم أنواع مختلفة ومتعددة من الأسلحة الخفيفة وقاذفات القنابل والقوارب الحربية إلى الجيش الفلبيني، وفقاً لتقرير إخباري صادر بتاريخ 5 يونيو (حزيران) الحالي عن السفارة الأميركية في مانيلا. وفي العام الماضي، أرسلت الولايات المتحدة خوذات قتالية، وأجهزة إرسال واستقبال وطائرات مسيّرة للاستخدام العسكري.
وقالت الناطقة باسم السفارة الأميركية في مانيلا، إيما ناجي، إن القوات الخاصة الأميركية وفّرت المساعدة والإسناد لحكومة الفلبين على مدى سنوات، وستستمر في القيام بذلك. وأضافت: «كما كنا نفعل في الماضي، فإننا نواصل التشاور مع شركائنا في الفلبين على المستويات الرفيعة، لدعم جهود مكافحة الإرهاب لدى حكومة البلاد. والولايات المتحدة من الحلفاء الفخورين بالشراكة مع الفلبين، وسنواصل العمل مع الحكومة الفلبينية لمواجهة التهديدات المشتركة للسلام والأمن في بلادنا، بما في ذلك قضايا مكافحة الإرهاب».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}